بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيكم
هل رفع أكمام اليد للثوب او القميص أثناء الصلاة منهيٌ عنه؟
-------------
------
الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
تشمير الثوب ، أو كلإ كمي الذراع – يعني رفعه وكفه – سواء كان التشمير في الأكمام من جهة اليدين ، أم في الذيل من جهة الساقين .
ج : جاء النهي عن كف الثياب في الصلاة فيما رواه البخاري (816) ومسلم (490) عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، ولا أكف ثوبا ولا شعرا )
والكف والكفت : هو جمع الثوب لئلا يقع على الأرض عند السجود.
ولا فرق بين أن يفعل ذلك أثناء الصلاة أو قبلها، فكلاهما داخل في النهي، عند جمهور العلماء. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" : " والكفت هو الضم وهو بمعنى الكف. والمراد أنه لا يجمع ثيابه ولا شعره, وظاهره يقتضي أن النهي عنه في حال الصلاة, وإليه جنح الداودي, وترجم المصنف بعد قليل " باب لا يكف ثوبه في الصلاة " وهي تؤيد ذلك, ورده عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور, فإنهم كرهوا ذلك للمصلي سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخل فيها, واتفقوا على أنه لا يفسد الصلاة, لكن حكى ابن المنذر عن الحسن وجوب الإعادة, قيل : والحكمة في ذلك أنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر " انتهى.
وتبين من هذا أن علة النهي هي البعد عن التكبر، وأضاف بعضهم علة أخرى وهي أن الكفت يمنع من سجود الثوب والشعر معه.
وقال زكريا الأنصاري : " ويكره للمصلي ضم شعره وثيابه في سجوده, أو غيره لغير حاجة. فمن ذلك : أن يشمر ثوبه, أو كمه, والحكمة في النهي عنه أن يسجد معه، سواء أتعمده للصلاة أم كان قبلها لمعنى ( أي : لسبب )، وصلى على حاله. قال الزركشي : وينبغي تخصيصه في الشعر بالرجل أما في المرأة ففي الأمر بنقضها الضفائر مشقة وتغيير لهيئتها المنافية للتجميل " انتهى من "أسنى المطالب" (1/162) باختصار.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يعد تشمير الأكمام من الكفت المنهي عنه في الصلاة، وإذا كان من الكفت فهل يختلف حكمه لو أني دخلت في الصلاة كنت على هيئة التشمير هذه قبل أن أدخل فيها أي أني لم أفعل هذا التشمير في أثناء الصلاة أم أنهما سواء؟ فأجابوا : لا يجوز تشمير الأكمام بكفها أو ثنيها لئلا تقع على الأرض عند السجود، في أثناء الصلاة، ولا قبل الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعراً ولا ثوباً) رواه البخاري ومسلم " انتهى."فتاوى اللجنة الدائمة" (7/35) والله أعلم. وقال ابن حزم في المحلى: "381 - مسألة : ولا يحل للمصلي أن يضم ثيابه أو يجمع شعره قاصدا بذلك للصلاة, لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه بإسناده { أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكفت شعرا ولا ثوبا}"
وفي المبسوط : "( ويكره للمصلي أن يرفع ثيابه أو يكفها أو يرفع شعره ) لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء وأن لا أكف ثوبا ولا شعرا } : وقال { إذا طول أحدكم شعره فليدعه يسجد معه }, قال ابن مسعود رضي الله عنه له أجر بكل شعرة, ثم كفه الثوب والشعر لكي لا يتترب نوع تجبر ويكره للمصلي ما هو من أخلاق الجبابرة" والله أعلم .
قال النووي رحمه الله :
" اتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمر أو كمه أو نحوه أو رأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته أو نحو ذلك فكل هذا منهي عنه باتفاق العلماء وهو كراهة تنزيه فلو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته " . انتهى . " شرح مسلم " (209) .
جاء في " فتح القدير " (1/41
" وتكره الصلاة أيضا مع تشمير الكم عن الساعد " انتهى.
وجاء في " تحفة المحتاج " (2/162-162) من كتب الشافعية :
" ( يكره كف شعره أو ثوبه ) بنحو تشمير لكمه أو ذيله ... وإن كان إنما فعله لشغل ، أو كان يصلي على جنازة ، للخبر المتفق عليه : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ، ولا أكف ثوبا ولا شعرا ) وحكمته منع ذلك من السجود معه ، مع كونه هيئة تنافي الخشوع والتواضع " انتهى.
وفي " كشاف القناع " (1/373) من كتب الحنابلة :
" يكره أن يشمر ثيابه ، وذكر بعض العلماء حكمة النهي : أن الشعر ونحوه يسجد معه ( و ) يكره ( تشمير كمه ) قاله في " الرعاية " لما تقدم ( ولو فعلهما ) أي عقص الشعر وكف الثوب ونحوه ( لعمل قبل صلاته ) فيكره له إبقاؤهما كذلك ، لما سبق ، ولحديث ابن عباس : ( أنه رأى عبد الله بن الحارث يصلي ورأسه معقوص من ورائه فقام , فجعل يحله فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال : ما لك ولرأسي ؟ قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف ) رواه مسلم " انتهى.
غير أن المالكية خصوا الكراهة بما إذا فعل ذلك لأجل الصلاة ، وأما إذا كان ذلك من هيئته قبل الصلاة ، أو فعل ذلك لشغل : لم يكره له ذلك ، والجمهور ـ كما سبق ـ على إطلاق الكراهة .
جاء في " شرح مختصر خليل للخرشي " (1/250) من كتب المالكية :
" يكره للمصلي تشمير كمه وضمه ؛ لأن في ذلك ضربا من ترك الخشوع ... وهذا إذا فعله لأجل الصلاة ، أما لو كان ذلك لباسه ، أو كان لأجل شغل فحضرت الصلاة فصلى به : فلا كراهة فيه ، قاله ابن يونس ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ( أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَلا أَكْفِتُ شَعْرًا وَلا ثَوْبًا ) فأخبر أن النهي عن ذلك إنما هو إذا قصد به الصلاة " انتهى. وينظر : "الموسوعة الفقهية" (12/34) .
ثانيا :
أما الحديث الوارد في السؤال ، وهو حديث أبي جحيفة رضي الله عنه قال:
( رَأَيْتُ بِلَالًا جَاءَ بِعَنَزَةٍ فَرَكَزَهَا ثُمَّ أَقَامَ الصَّلَاةَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي حُلَّةٍ مُشَمِّرًا ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى الْعَنَزَةِ ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْعَنَزَةِ )
رواه البخاري (5786) في باب : التشمير في الثياب. وأخرجه أيضا بلفظ أطول رقم (376). ورواه مسلم (رقم/503)
يقول الإمام النووي رحمه الله :
" (مشمِّرًا) يعني : رافعها إلى أنصاف ساقيه ونحو ذلك ، كما قال في الرواية السابقة : ( كأني انظر إلى بياض ساقَيه ) " انتهى.
" شرح مسلم " (4/220-221)
فلا يعترض بهذا الحديث على ما سبق ، ويمكن الجواب عليه بأجوبة عدة ، منها :
1- يحتمل أن يكون تشمير النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لبيان الجواز ، وذلك لا يعارض الكراهة ، إذ يجوز أن يعمل النبي صلى الله عليه وسلم بعض المكروهات لبيان أنها لا تصل إلى درجة التحريم ، وإنما هي على الكراهة فقط ، ولا يكون ذلك الفعل مكروها في حقه صلى الله عليه وسلم .
2- يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى أصحابه مشمرا حلته كما هو منطوق الحديث ، ثم لما أراد الصلاة أسبل ثوبه وتهيأ للصلاة ، ولكن الراوي سكت عن ذلك ، ولم يذكر ما ينفي هذا الاحتمال .
3-أن التشمير المذكور ليس في الأكمام ، ليس المراد به رفع الأكمام ، كما ذهب إليه المترجم ؛ فإن التشمير لا يختص بالأكمام ، وإنما يكون أيضا في رفع ذيل الثوب ونحوه . جاء في " الموسوعة الفقهية " (12/32) : " لِلتَّشْمِيرِ فِي اللُّغَةِ مَعَانٍ : مِنْهَا : الرَّفْعُ يُقَال : شَمَّرَ الإْزَارَ وَالثَّوْبَ تَشْمِيرًا : إِذَا رَفَعَهُ ، وَيُقَال : شَمَّرَ عَنْ سَاقِهِ ، وَشَمَّرَ فِي أَمْرِهِ : أَيْ خَفَّ فِيهِ وَأَسْرَعَ ، وَشَمَّرَ الشَّيْءَ فَتَشَمَّرَ : قَلَّصَهُ فَتَقَلَّصَ ، وَتَشَمَّرَ أَيْ : تَهَيَّأَ . وَفِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَى رَفْعِ الثَّوْبِ " . انتهى . وهذا المعنى المشار إليه هنا ـ يعني : رفع الثوب عن الساق ـ هو الوارد في روايات الحديث ، كما في رواية عند البخاري نفسه ـ برقم (3566) ـ : ( وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ ) أي : بريق ساقيه ، يعني : حين شمر عنهما . ولهذا لما روى البخاري الحديث المذكور في باب : التشمير في الثياب ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح ترجمة الباب : " هو بالشين المعجمة وتشديد الميم : رفع أسفل الثوب " . ثم قال : " ويؤخذ منه أن النهي عن كف الثياب في الصلاة محله في غير ذيل الإزار . ويحتمل أن تكون هذه الصورة وقعت اتفاقا ، فإنها كانت في حالة السفر ، وهو محل التشمير " . انتهى .
" فتح الباري" (10/256) .
وهناك توجيهات أخرى لأهل العلم ، ولعل ما ذكر هنا هو أقوى هذه الوجوه وأرجحها .
أنه ترجم ابن خزيمة رحمه الله بـــ " باب الزجر عن كف الثياب " صحيح ابن خزيمة
وقال الإمام مالك " إن كان ذلك لباسه قبل ذلك وهيئته أو كان يعمل عملا فيشمر لذلك العمل فدخل في صلاته كما هو ، فلا بأس أن يصلي بتلك الحال وإن كان إنما فعل ذلك ليكفت به شعرا أو ثوبا فلا خير فيه ." المدونة الكبرى
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - : عن حديث : (( أمرت ألا أكف ثوباً )) هل صحيح ؟ وما معناه ؟
فأجاب قائلاً : الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،هذا الحديث صحيح ، والمراد أنه لا يكف الثوب في حال الصلاة ، فإن الذي ينبغي للمصلي أن يبقي ثيابه على حالها ، ولا يكفها رفعاً عن الأرض ، ولا يكف أكمامه أيضاً ، لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعراً ولا ثوباً ".
والله أعلم
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين / المجلد الثاني عشر
والله تعالى أعلم .
(ربنا لا تؤخدنا ان نسينا او اخطانا ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعفو عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين . )
اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم.. ولا تعـذبنا فأنت عـلينا قادر..
اللهم ارحمنا يوم تبدل الأرض غـير الأرض والسماوات..
اللهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب..