.:: في حكم رقية العجماوات والجمادات ::.
للشّيخ الفَاضِل أبي عَبدِ المعِزّ مُحمَّد عَلي فَركُوس - حفظه الله -
للشّيخ الفَاضِل أبي عَبدِ المعِزّ مُحمَّد عَلي فَركُوس - حفظه الله -
السؤال:
هل الرقية خاصَّةٌ بالآدميِّين أو عامَّةٌ؟ وهل تصحُّ الرقية أو الدعاء للعجماوات والجمادات خشية العين ؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فليست الرقية خاصَّةً بالآدميِّين، بل هي عامَّةٌ تصلح للآدميِّ ولغيره، فقد روى ابن أبي شيبةَ في «الدعاء»: «الدَّابَّةُ يصيبها الشيء بأيِّ شيءٍ تُعَوَّذُ به» عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا: «…وَانْفُثْ فِي مِنْخَرِهِ الأَيْمَنِ أَرْبَعًا، وَفِي الأَيْسَرِ ثَلاَثًا، وَقُلْ: لاَ بَأْسَ، أَذْهِبِ البَأْسَ، رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ يَكْشِفُ الضُّرَّ إِلاَّ أَنْتَ»(١).
قال الشوكاني: «يُحتمل أن يكون قال ذلك لشيءٍ سمعه من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأن يكون قاله اعتمادًا على التجريب وقع له، أو لمن في عصره من العرب أو لمن قبلهم، فقد كان للعرب رقًى يرقون بها مختلفةٌ مُتعدِّدةٌ، ولا يخفاك أنَّ الرقية الثابتةَ عن رسول اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم في العين ليست بخاصَّةٍ في بني آدم، بل ثابتةٌ لكلِّ مَن أصابته العينُ من آدميٍّ أو غيرِه»(٢).
قلت: ويؤيِّد مشروعيةَ الدعاء للعجماوات، ما صحَّ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً أَوِ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ»(٣).
وقد ذكر ابن القيِّم قصَّة الناقة المعيونة، التي عولجت برقية العين(٤).
هذا، والجمادات هي الأخرى تتأثَّر بالوحي المنزَّل بما يعلمه الخالق ولا يدركه الخلق إلا لمن يشاء الله، فمن ذلك قولُه تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ [البقرة: 74]، فهي خشيةٌ بإدراكٍ لا يعلمه إلا الله تعالى، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ﴾ [الأحزاب: 72]، ففيه تصريحٌ بأنَّ هذه الجماداتِ تأبى وتخاف بإرادةٍ وإدراكٍ يعلمه الله تعالى، ومن الأحاديث الدالَّة على تأثُّر الجمادات حنينُ الجِذع الذي كان يخطب عليه رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم جَزَعًا لفراقه(٥)، وتسليمُ الحجر على النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم(٦)، وقد صرَّح الله تعالى بمثله في قوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء: 44].
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 27 رجـب 1432ﻫ
المـوافق ﻟ: 29 جـوان 2011م
ـــــــــــــــــــــــ
١- أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (6/51) رقم: (29380).
٢- «تحفة الذاكرين» للشوكاني (265).
٣- أخرجه أبو داود في «النكاح» باب في جامع النكاح (2160)، وابن ماجه في «التجارات» باب شراء الرقيق (2252)، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جَدِّه، وحسَّنه الألباني في «صحيح أبي داود» (1876).
٤- «زاد المعاد» لابن القيم (4/174).
٥- أخرجه البخاري في «البيوع» باب النجَّار (2095)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
٦- أخرجه مسلم في «الفضائل» (2277)، من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.