رد: ينبوع السعادة ... حلاوة وزيادة
ينبوع السعادة ... حلاوة وزيادة
سلسلة قصيرة بمفاتيح وأسرار....للسعادة
الحلقة الثالثة والأخيرة:
لازلت أضرب الأمثلة لنستوعب دور تيقظ الفطرة المستمر في حياتنا..وتعالوا نتخيل معا أن حيا من الأحياء انقطع عنه الماء وليس له خيار إلا أن يشرب من حوض كبير راكد مياهه سوداء وجوانبه عفنة ونتنة وقعره أخضر داكن مليئ بالطحالب السامة والحشرات الضارة، ولما شكوا ذلك للسلطات قالوا لهم نحن علينا توفير الماء النقي الذي ستملأون به هذا الحوض وأنتم عليكم تخلية هذا الحوض... ولكن عليكم تطهير قناة قريبة منه يخرج منها ماء نتن كل يوم، لكي لا تفسد ماءكم فتهلكوا ونحن لسنا مسؤولون...
فكم يحتاجون من الوقت والجهد والتطهير وتحمل الروائح الكريهة والحشرات الطائرة والزاحفة وتحمل الويلات لتخلية هذا الحوض الكبير لإنقاذ الجميع من الهلاك عطشا...
وبعد كل هذا الوقت من المجهودات الجبارة لابد لهم من مجهود يومي صغير للحفاظ على طهارة الماء، وتأتي أخيرا البلدية فتملأ الحوض ماء صالحا للشرب نقيا عذبا...أية فرحة تلك !!!
كيف سيكون إحساسهم بهذا الماء وكيف سيصبح الحرص على هذا الماء وكيف سيمنعون أي قذر يصيب هذا الماء لأنه سبب من أسباب بقائهم على قيد الحياة...
هنا الحوض هو القلب و العفن الذنوب والماء هو الفطرة هذه الفطرة التي توجد في الفؤاد غشيتها الذنوب وصدأ القلب بالذنوب فقسا، وحين تقول لأحد لازم الاستغفار تسعد، يلازمه يوم أو يومين ثم يقول: لا ليس هناك شيء ، لم أتذوق حلاوة الاستغفار...
يا نزهة أكثرت علينا بالتمنيات والأحلام ( وعملت لنا البحر طحينة كما يقول المصريين ) ولا هناك لا سعادة ولا يحزنون..
السعادة في تيقظ هذه الفطرة، والله إنها ليست في مال ولا جمال ولا حب ولا شهرة... تعالوا نتعرف على هذه الفطرة...
القلب هو الملك الذي يتحكم في الإنسان، هو وجدانه ومشاعره وهو فكره وعقله ونتيجة تفكيره تكون في الدماغ .. القلب هو موطن الداء وموطن الدواء... تعرفون لما ننصح أحدا ونقول له مثلا أن هذا الأمر حرام فيقول لك أعلم، نعم هو يعلم ولكن لا يعي ويحس، هي الفطرة محجوبة بالذنوب... فالفطرة هي الإعجاز الإلهي الذي يعي وجود خالقه ويتفاعل مع الكون ( المسخر للإنسان كله ) والفطرة هي التي تشعرك بحلاوة الخير وبشاعة الشر، حلاوة الإيمان وبشاعة التبلد...
حين تتيقظ الفطرة فإن قلبك يكون مع الله، صلاتك تحلو لدرجة أنك تنسى الوقت وكل شيء.. والحل الأمثل لتيقظها هو جلاء الذنوب من القلب ثم يزهر بذكر الله ..ثم يصير نورا على كل حياتك
والاستغفار هو الصابون الفعال للذنوب، هو السلاح الذي لا يقهر أمام النفس والشيطان والدنيا بأسرها وأي مشكلة أو مصيبة أو هم أو غم أو صعوبة.. كيف؟؟؟؟؟
تعالوا نضرب مثالين متناقضين:
لدينا شاب بلغ سن التكليف منذ عشر سنوات، ولنفترض كحد أدنى أنه يقترف عشر سيئات في اليوم...
عشر سيئات في 365 يوم في عشر سنوات = 36500 سيئة
ولدينا شاب يغسل كل ذنوبه أولا بأول وسيئاته: 0
هل حياة الأول مثل الثاني؟ طبعا لا
ومن هنا السؤال ماهي العلاقة الاطرادية بين الذنوب والسعادة..والذنوب والحياة...
ذنوب + عدم استغفار = ضنك
ذنوب + صابون الذنوب = راحة وسعادة
وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) سورة الأنفال
العذاب هنا ليس العقاب في الآخرة فقط...
العذاب حين تعيش يوميا وأنت في حزن، شتات أمر، مشاكل، مصائب، قلة مال وقلة صحة وعدم بركة في الوقت وجري طول النهار دون فائدة تذكر... فتن وابتلاءات المفروض أنها اختبارات من الله ليس ليعلم هل تنجح أم لا، فهو الأعلم بك والأعلم من كل شيء وهو خالق الوقت ولا يخضع له، لكن لأجلك أنت لتأخذ التوجيهات الربانية وتسير بها حياتك وتنجح في الابتلاءات وتكون خيرا لك وجنات لك يوم الفوز العظيم... وأعطاك مفتاحا لكل قفل، فقط أتقن استخدامه وسيأتي لك بأكثر ما تتمنى...
وكلنا نعلم أن الله أكد لنا وقوله الحق في غير موضع في القرآن أن الاستغفار هو الأمان والحل لكل مشكلة...
ولقد أكد سبحانه وهو رب السماوات والأرض وخالق كل شيء من عدم أن الحياة السعيدة حقيقة ثابتة ووضع لها شروط:
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) سورة النحل
لكي يعمل الإنسان صالحا لابد أن يفعله بإيمان ليكون خالصا لله، والإيمان هو القوة التي نستمدها من الله لإعمار الأرض بالخير، وهذه القوة تأتي من طهارة القلب أولا وتأملوا معي هذه الآية:
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) سورة هود
ولاحظوا هنا أن الاستغفار يسبق التوبة، لأن الاستغفار يعطيك القوة لتتوب، أعرف فتاة كانت تكلم شابا على النت ومتعلقة به جدا لأنه يهتم بها ويغرقها كلام معسول وكنت أقول لها اتركيه لله سيعوضك الله فكانت تعجز عن ذلك.. إلى أن أكرمني الله بهذا الاستنتاج فقلت لها عديني فقط أن تستغفري ألف مرة في اليوم وزيدي عليها قليلا لكي لا يكون تحديدا للعدد، فتحديد العدد بدعة..بعد عشرة أيام أخبرتني أنها قطعت معه التواصل نهائيا، فهي تشعر بنفسها أقوى وأقوى كل يوم.. وتغيرت تغير جوهري في حياتها كلها في ظرف وجيز بفضل الله والحمدلله على فضل الله..
فالاستغفار كما قلت سابقا لا يأتي مفعوله بين يوم وليلة ولكنه يفرغ القلب رويدا رويدا ويوم تصير الذنوب صفرا أو تكاد، وكلما أفرغ الذنوب تنتعش الفطرة فيكون التفاعل مع الكون حقيقيا، حينها إن دعوت الله أجابك وإن استعذت حماك وصار في معيتك وهو الغني عنك وأنت الفقير إليه..
حاولت إيصال مفهوم الفطرة بمعنى مبسط، وأعمل على توضيح فكرتي على شكل Animation 3D إن تيسر لي ذلك.. لأن أحيانا الكتابة لا تفي بالوصف ... واللهم يسر وأكمل هذا العمل ويكن نافعا لعباده...
بعد الانتهاء من سلسلة الحب روائع وأسرار تحليل وحلول بإذن الله سأنتقل لقصص حقيقية عن أناس كثيرين أعرفهم غير الاستغفار حياتهم كليا وصاروا في سعادة لا توصف بفضل الله