سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى-14-(شرح اسماء: الحي، القيوم، الحيي)

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
cover_1535.jpg





الحيّ(1):

(الحيّ القيّوم)

قال رحمه الله تعالى: "الحيّ القيّوم كامل الحياة والقائم بنفسه.

القيّوم لأهل السماوات والأرض القائم بتدبيرهم وأرزاقهم وجميع أحوالهم

فالحيّ: الجامع لصفات الذّات،

والقيّوم: الجامع لصفات الأفعال(2)

وجمعهما في غاية المناسبة كما جمعهما الله في عدّة مواضع من كتابه كقوله: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم}(3)، وذلك أنّهما محتويان على جميع صفات الكمال،

فالحيّ هو كامل الحياة، وذلك يتضمّن جميع الصّفات الذّاتية لله كالعلم والعزة والقدرة، والإرادة، والعظمة، والكبرياء، وغيرها من صفات الذّات المقدّسة.

والقيّوم هو كامل القيّوميّة الذي قام بنفسه، وعظمت صفاته، واستغنى عن جميع مخلوقاته، وقامت به الأرض، والسّماوات، وما فيهما من المخلوقات، فهو الذي أوجدها، وأمدّها، وأعدّها لكلّ ما فيه بقاؤها، وصلاحها، وقيامها،

فهو الغنيّ عنها من كلّ وجه، وهي التي افتقرت إليه من كل وجه،

فالحيّ، والقيّوم من له صفة كل كمال، وهو الفعّال(4) لما يريد الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون، وكلّ الصّفات الفعلية، والمجد، والعظمة، والجلال ترجع إلى اسمه القيّوم، ومرجع صفات الكمال كلها ترجع إلى هذين الاسمين الكريمين،

ولذلك ورد الحديث(5) أن إسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}(6)لاشتمالهما على جميع الكمالات.

فصفات الذّات ترجع إلى الحيّ، ومعاني الأفعال ترجع إلى القيّوم"(7).


*****************************************


الحييّ:


(الحييّ السّتّير(8) الستّار(9))

قال رحمه الله تعالى:" هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حييّ يستحي من عبده إذا مدّ يده إليه أن يردّها صفراً"(10).

وهذا من رحمته، وكرمه، وكماله، وحلمه أن العبد يجاهر بالمعاصي مع فقره الشّديد إليه، حتى أنه لا يمكنه أن يعصى إلا أن يتقوى عليها بنعم ربِّه، والربّ مع كمال غناه عن الخلق كلّهم من كرمه يستحي من هتكه، وفضيحته، وإحلال العقوبة به، فيستره بما يفيض له من أسباب السّتر، ويعفو عنه، ويغفر له، فهو يتحبّب إلى عباده بالنّعم وهم يتبغّضون إليه بالمعاصي، خيره إليهم (واصل و نازل) بعدد اللّحظات، وشرّهم إليه صاعد.

ولا يزال الملك الكريم يصعد إليه منهم المعاصي، وكل قبيح، ويستحي تعالى ممّن شاب في الإسلام أن يعذّبه، وممّن يمدّ يديه إليه أن يردّهما صفراً، ويدعو عباده إلى دعائه، ويعدهم بالإجابة.

وهو الحيَِيّْ السّتيّر: يحب أهل الحياء، والسّتر، ومن ستر مسلما ستر الله عليه في الدنيا، والآخرة، ولهذا يكره من عبده إذا فعل معصية أن يذيعها، بل يتوب إليه فيما بينه وبينه ولا يظهرها للناس، وإن من أمقت الناس إليه من بات عاصياً، والله يستره فيصبح يكشف ستر الله عليه(11).

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}(12)

وهذا كلّه من معنى اسمه الحليم الذي وسع حلمه أهل الكفر، والفسوق، والعصيان، ومنع عقوبته أن تحلّ بأهل الظّلم عاجلاً، فهو يمهلهم ليتوبوا، ولا يهملهم إذا أصرّوا، واستمرّوا في طغيانهم، ولم ينيبوا"(13).

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

(1) ودليل هذا الاسم قال تعالى: {
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} (البقرة: 255).

(2) التفسير (5/627) و (1/313).

(3) البقرة (255).

(4) الحق الواضح المبين (ص87 و 88).

(5) أخرجه أبو داود (2/168) كتاب الصلاة باب الدعاء، والترمذي (5/517) كتاب الدعوات وقال: حديث حسن صحيح.

وأخرجه ابن ماجه (2/1267) كتاب الدعاء باب اسم الله الأعظم من حديث أسماء بنت يزيد، وحسنه الألباني. انظر: صحيح أبي داود (1/280) كتاب الصلاة باب الدعاء. وفي اسناده شهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد من النقاد.


(6) آل عمران (21)."

(7) توضيح الكافية الشافية (ص29).

(8) قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل حليم حييّ ستّير يحبّ الحياء والسّتر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر".

أخرجه أبو داود (4/302) كتاب الحمام باب النهي عن التعري، والنسائي في سننه (1/200) كتاب الغسل والتيمم باب الاستتار عند الاغتسال، وأحمد في المسند (4/224) والبيهقي في سننه (1/198) كتاب الطهارة باب الستر في الغسل عند الناس، من حديث يعلي بن أمية رضي الله عنه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (7/367).

(9) أورد الشيخ رحمه الله تعالى "السّتَّار" من أسماء الله تعالى، ولم يرد دليل يدل على ثبوته لله خلافاً لما هو شائع عند كثير من الناس.

(10) أخرجه أبو داود (2/165) كتاب الصلاة باب الدعاء، والترمذي (5/557) كتاب الدعوات، وابن ماجه (2/1271) كتاب الدعاء باب رفع اليدين في الدعاء من حديث سلمان الفارسي، وصححه الألباني. انظر: صحيح الترمذي (3/179 ح 3809).

(11) هذا بمعنى ما أخرجه مسلم في صحيحه (4/2291) كتاب الزهد باب النهي عن هتك الإنسان ستر نفسه، ولفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافاة إلا المجاهرين، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملاً ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، فيبيت يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه".

(12)النور (19).

(13) الحق الواضح المبين (ص54، 55) وانظر: توضيح الكافية الشافية (ص121).


[ الصّفحات: 191 إلى بداية 194 ]
 
آخر تعديل:
رد: سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى-14-(شرح اسماء: الحي، القيوم، الحيي)

للرفع بغية عموم النفع.
 
رد: سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى-14-(شرح اسماء: الحي، القيوم، الحيي)

ﺑﺂﺭﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻚ ﻭ ﺟﺰﺁﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮﺍﺍﺍﺍ ………♥
 
رد: سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى-14-(شرح اسماء: الحي، القيوم، الحيي)

جعله الله في ميزان حسناتك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top