وَ يَمُرُّ عامٌ آخَرْ, أو رُبَّما أكْثَر
لَسْتُ أدْرِي ...
فَبَعْدَ رَحِيلِكَ شِخْتُ فَجْأة.؛
و لَمْ أَعُدْ أُجِيدُ عَدَّ السِنِينْ...
تَراكَمَتْ ذَرَّتُ الحَنِينْ، حَتَّى صارَتْ جِبالا عَلى قَلْبِي...
تَماما كَما تَراكَمَ التُّرابُ فَوْقَ قَبْرِكْ
وَ دُفِنَتْ طُفُولَتِي فَجْأةْ..
يَوْمَ دُفِنْتْ.؛
يُحِيطُنِي البَرْدُ , و يَتَرَسَّبُ الخَوفُ فِي أوصالِي...
و حياتِي صارَتْ بِلادًا بِلا مَلِكْ
فَأنْتَ كُنْتَ المَلِكْ
و أنْتَ كُنْتَ الأرْض فِيها و السَّماء.؛
أشْتاقُ لَكَ يا أبِي...
و تَشْتاقُكَ خِصْلاتُ شَعْرِي التِي كُنْتَ تَجْدِلُها
تَشْتاقُكَ يَدِي التِي كُنْتَ تُمْسِكُها
و تَشْتاقُ أُذْنِي إلى صَوْتِكَ الرَّخِيمِ الهادئ
كُلُّ ما فِي الدُّنْيا يَشْتاقُ لَكْ .؛
أَبِي ... الدُّنْيا كَبِيرَة , كَبِيرَةٌ جِدًّا و وَبارِدَة
تَماما كَبِلادٍ يَسْكُنُها الغُرَباءُ فَقَطْ
تَماما كَالمَنْفَى...
كُلُّ الأرْصِفَةِ فِيها تَحُفُّها الأشْواكْ
و كُلُّ القِطاراتِ فِيها تَسِيرُ بِجُنُونْ نَحْوَ هَلَاكْ ...
الضَّوْءُ الذِي كانَ دَومَا أَمامِي يُرِينِي الطَّرِيقْ
قَدْ خَبَى ...
أيْنَ زِرُّ إشْعالِهِ يا أبِي.؛
****
فِي مَكْتَبَتِكَ الخَاصَّة حَيْثُ كُنْتَ تَقْضِي مُعْضَمَ الوَقْتْ
الرُّفُوفُ شَحُبَتْ.. كَأنَّها شاخَتْ أيْضًا ...
أَمُرُّ أحْيانًّا هُناكْ خِلْسَةً عَنْ نَفْسِي
لَعَلِّي... أسْمَعُكَ تُقَلِّبُ الأوْراقْ ...
لا أفْتَحُ البابْ ,فَقَطْ أُضَمِّدُ قَلْبِي بِوُجُودِكَ يا أبِي
وَلَو وَهْمًا..؛
لَكِنَّ الأوْراقَ أصْبَحَتْ صَامِتَة خَرْساء
و البابُ صارَ أصَمَّا ،
لا يَنْقُلُ إلى مَسْمَعِي شَيْئا مِنْكَ ولو ..
عَلى سَبِيلِ الحَنِينْ.؛
لا يَنِبْضُ هُناكَ سِوَى مُصْحَفُكَ يا أبِي
دَوما فَوقَ المَكْتَبْ كَما اعْتَدْتَهُ
مَازِلْتُ كُلَّما قَرَأتُ لَك فِيه وِرْدًا ,أشْعُرُ أنَّك خَلْفِي..
تَسْمَعُ تِلاوَتِي و تُصَحِّحُ لِي
حَتَّى أنامَ هُناكَ بَعْدَ الدُّمُوعْ..؛
***
كَيْفَ كُنْتَ تُدَلِّلُنِي كُلَّ ذاك الدَّلالْ
لا يَغْلى عَلَيَّ شَيْءٌ ، كأنَّنِي سَيِّدَةُ هَذِهِ الأرْضْ...
حَلْوايَ المُفَضَّلَة لَمْ تَعُد حُلْوَة كَما كَانَتْ
مِنْ أيْنْ كُنْتَ تأتِينِي بِها ..؟
التَّمْرُ الذِي كُنْتَ تُعْطِينِيهِ وَقْتَما أشاء
لَمْ أعُدْ أجِدُهُ كَما أشاءْ...
و الكُتُبُ التِي قَرأتُها بَعْدَكْ
مابالُ صَفَحاتِها صارَتْ مُعْتِمة ..؟
كُلُّ الأشْياءِ الجَمِيلَةِ صارَتْ
مُؤلِمَة..؛
***
كُنْتَ قَصْرِي الزُّجاجِيَّ يا أبِي..
أقِفُ فِي صَرْحِهِ و أرَى العَالَم يَلْمَعُ من خَلْفِ جُدْرانِه الشَّفافَة.
و اليَومَ أقِفُ فِي بَيْتٍ بِلا جُدْرانْ
و أرى العَالَم الذِي لَمْ يَعُدْ يَلْمَع.؛
قُوَّتِي و سَنَدِي كُنْت يا أبِي و ما زِلْتْ
و مِثْلُكَ، أنا ابْنَتُكَ القَوِيَّة
بَكَّاءَةٌ جِدَّا لَكِنْ قَوِيَّةٌ بِما تَرَكْتَ فِيَّ...
بْما تَرَكْتَ لِي و رَبَّيْتَنِي فِي عِشْرِينَ عاما
هِي فَقَطْ عِشرُونْ... كانَتْ كُلَّ ما رَزَقَنِي اللهُ مِنْ وَقْتٍ مَعَكْ
و كَأنَّ الأنْوارَ و الأفْراحَ و السَّعادَة كُلَّها اخْتُزِلَتْ فِيها ...
كَانَتْ أيامِي مَعَكَ يا أبِي كُلَّ جَواهِرِي و كُنُوزِي .؛
عَلَّمْتَنِي فِيها الكَثِيرْ
و لأنَّكَ عَلَّمْتَنِي جَيِّدًا ، أنا أعْلَمْ أنَّنِي اسْتَودَعْتُكَ إلى جِوارِ الرَّحْمَانْ
حَتَّى يُكْتَبَ لَنا اللِّقاءُ الذِي ما بَعْدَهُ افْتِراقْ.؛
***
الدُّنْيا بَعْدَكَ يا أبِي ضَيْقَة، ضَيْقَةٌ جِدَّا و كَئِيبَة
تَماما كَزِنْزانَة لَيْسَ فِيها نَوافِذْ .؛
و لَكِنَّ صَوْتَكَ فِي أعْماقِي مازال يُرَدِّدْ
"مَهْما ضاقَتْ يابْنَتِي سَتُفْرَجُ باذْنِ اللهْ"
____________________
إيمان~
قَسَنْطِينَة
31/12/2015
11:25
مُشارَكَتِي فِي مُسابَقَة التَّمَيُّزْ اللَّماوِي
قَسَنْطِينَة
31/12/2015
11:25
مُشارَكَتِي فِي مُسابَقَة التَّمَيُّزْ اللَّماوِي