السلام عليكم
أستاذ زاول المهنة لمدة ثلاث وثلاثين سنة و زاره يوماً مفتش المقاطعة.
حضر المفتش الحصة ولكنه خرج مستاءًا من آداء الأستاذ "كبير السن" ودعاه للمناقشة في مكتب المدير. ولم يستطع المفتش إخفاء غضبه من المعلم وقال له معاتبا:
" استاذ (فلان)! لقد كنت أعتقد أنك ستقدم درساً مثالياً نظراً لتجربتك الكبيرة وخبرتك المهنية وكفاءتك العلمية التي كنا نضرب بها المثل. والحقيقة أنك خيبت آمالى بمتابعة حضرتك.
فقال الأستاذ : ماذا كان علي أن أفعل سيدي المفتش؟
فقال المفتش: أولا أنا الومك لوماً شديداً لكثرة جلوسك وقلة وقوفك مع قلة الكتابة على السبورة كما أنك اكتفيت بآملاء التلاميذ بعض الجمل والحث على القراءة. ولم تستعمل الوسائل التكنولوجية إلا قليلا جداً. ولم تتحرك كثيرا بين الصفوف.
سكت المعلم برهة ثم قال: أنا رجل جاوزت الخامسة والخمسين من العمر. قمت بمزاولة المهنة لسنوات طويلة في ضروف صعبة. وكنت في مقتبل العمر وكان جسمي قادراً على التحمل و الصمود. غير أن ذلك خلف في جسمي" روماتيزما" مزمناً سكن مفاصلي واستقر في الظهر والركبتين، فأصبحت أشكو آلاما حادة عند المشي والوقوف. ثم عند تقدمي في السن تقرحت قدماي فأصبحت أتنقل بصعوبة إلى المدرسة وأصل الى قاعة التدريس بشق الانفس. وكنت في بادىء الامر أقف لأكتب على السبورة ساعات.
سيدى المفتش : عاتبتني على نسياني لعنصر من عناصر الدرس والحقيقة أنني نسيت هذا الصباح أن أصطحب معي مفاتيح بيتي ونسيت محمولى ونسيت أن آخذ قرصاً من دواء ضغط الدم وقرصاً من دواء السكر وقرصاومن دواء القلب. وسبب كل ذلك يعود الى أن بوادر الزهايمر قد بدات تظهر علي بسبب هذه المهنة التعيسة. فلا تلمني.
زيارتك لي أغضبتك مني لأسباب مهنية على ما يبدو. ولكنها أغضبتني منك لأسباب إنسانية.
لقد نظرت الى أملاءات القوانين واللوائح ولم تنظر الى أملاءات الضمير والأخلاق. زورتني لتقدم الى إدارتك تقريراً عني وعن آدائى بفصولى، ولم تزورني يوماً لتوفر لي ما احتاجه في عملي وما يحفظ كرامتي أمام تلاميذي وما يساعدني على تأدية ما تطالبني به.
لقد زرت رجلاً يجمع أدواته ويستعد لمغادرة المهنة بأكثر الأضرار لا أخفها فكان عليك أن تواسيني لا أن تعتب علي. وكان عليك أن تأتي لتكرمني لا أن تحاسبني. وكان عليك أن تطلب لي ألف عذر قبل أن تعاتبني. فالجندي الذي أُلقي به في أرض المعركة وحيداً دون سلاح ودون زاد ومع ذلك رابط ولم يهرب إنما هو بطل وجب توسيمه لا توبيخه.
.....
الله المستعان
أستاذ زاول المهنة لمدة ثلاث وثلاثين سنة و زاره يوماً مفتش المقاطعة.
حضر المفتش الحصة ولكنه خرج مستاءًا من آداء الأستاذ "كبير السن" ودعاه للمناقشة في مكتب المدير. ولم يستطع المفتش إخفاء غضبه من المعلم وقال له معاتبا:
" استاذ (فلان)! لقد كنت أعتقد أنك ستقدم درساً مثالياً نظراً لتجربتك الكبيرة وخبرتك المهنية وكفاءتك العلمية التي كنا نضرب بها المثل. والحقيقة أنك خيبت آمالى بمتابعة حضرتك.
فقال الأستاذ : ماذا كان علي أن أفعل سيدي المفتش؟
فقال المفتش: أولا أنا الومك لوماً شديداً لكثرة جلوسك وقلة وقوفك مع قلة الكتابة على السبورة كما أنك اكتفيت بآملاء التلاميذ بعض الجمل والحث على القراءة. ولم تستعمل الوسائل التكنولوجية إلا قليلا جداً. ولم تتحرك كثيرا بين الصفوف.
سكت المعلم برهة ثم قال: أنا رجل جاوزت الخامسة والخمسين من العمر. قمت بمزاولة المهنة لسنوات طويلة في ضروف صعبة. وكنت في مقتبل العمر وكان جسمي قادراً على التحمل و الصمود. غير أن ذلك خلف في جسمي" روماتيزما" مزمناً سكن مفاصلي واستقر في الظهر والركبتين، فأصبحت أشكو آلاما حادة عند المشي والوقوف. ثم عند تقدمي في السن تقرحت قدماي فأصبحت أتنقل بصعوبة إلى المدرسة وأصل الى قاعة التدريس بشق الانفس. وكنت في بادىء الامر أقف لأكتب على السبورة ساعات.
سيدى المفتش : عاتبتني على نسياني لعنصر من عناصر الدرس والحقيقة أنني نسيت هذا الصباح أن أصطحب معي مفاتيح بيتي ونسيت محمولى ونسيت أن آخذ قرصاً من دواء ضغط الدم وقرصاً من دواء السكر وقرصاومن دواء القلب. وسبب كل ذلك يعود الى أن بوادر الزهايمر قد بدات تظهر علي بسبب هذه المهنة التعيسة. فلا تلمني.
زيارتك لي أغضبتك مني لأسباب مهنية على ما يبدو. ولكنها أغضبتني منك لأسباب إنسانية.
لقد نظرت الى أملاءات القوانين واللوائح ولم تنظر الى أملاءات الضمير والأخلاق. زورتني لتقدم الى إدارتك تقريراً عني وعن آدائى بفصولى، ولم تزورني يوماً لتوفر لي ما احتاجه في عملي وما يحفظ كرامتي أمام تلاميذي وما يساعدني على تأدية ما تطالبني به.
لقد زرت رجلاً يجمع أدواته ويستعد لمغادرة المهنة بأكثر الأضرار لا أخفها فكان عليك أن تواسيني لا أن تعتب علي. وكان عليك أن تأتي لتكرمني لا أن تحاسبني. وكان عليك أن تطلب لي ألف عذر قبل أن تعاتبني. فالجندي الذي أُلقي به في أرض المعركة وحيداً دون سلاح ودون زاد ومع ذلك رابط ولم يهرب إنما هو بطل وجب توسيمه لا توبيخه.
.....
الله المستعان