خديجة.. نصير رسول الله ..
رضي الله عنها
وهذه السمة من أهم السمات التي تُميز شخص السيدة خديجة رضي الله عنها
تلك المرأة التي وهبت نفسها ومالها وكلّ ما ملكت لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم
ويكفي في ذلك أنها آمنت بالرسول وآزرته ونصرته
في أحلك اللحظات التي قلما تجد فيها نصيرًا أو مؤازرًا أو معينًا..
في أولى لحظات الرسالة..
فآمنت حين كفر الناس..
وصدقت حين كذّب الناس..
وواسته بالأنس والمال حين نفر عنه الناس..
تلك هي امرأة الشدائد
فكانت تمثل أعلى القيم الأخلاقية والإيمانية تجاه زوجها صلى الله عليه وسلم
فقدمت كل ما تملك..
لقد عاشت معه صلى الله عليه وسلم حلو الحياة ومرها
وكانت فيهما نعم الأنيس ونعم النصير
فقد كان شخص النبي صلى الله عليه وسلم كزوج مثل غيره من الأزواج
إذ لم يكن محاطًا من أهوال الدنيا ومصائبها بسياج من الحماية أو الأمن أو الدعة
فتارة تحلو الحياة فنعم الحامدة الشاكرة هي
وتارة تكشر عن أنيابها وتبرز وجهها الآخر فكانت هي هي خديجة..
تؤازره .. تشاركه الهم .. تهون عليه .. تواسيه ..
وتمسح عنه بكف من حنان كل الآلام والأحزان ..
فها هي تتلقى خبره الأول يوم بدء الوحي ..
يوم أن جاء بكل غريب لم تسمعه أذن من قبل ..
يوم أن جاء بما سمعه غيرها فقال هذا إفك مبين ..
تلقته وكأنها رأت ما رآه صلى الله عليه وسلم بأم عينها وسمعته بأم أذنها ..
فقالت ما كان كالماء الزلال في اليوم الصائف الهجير :
كلا والله ما يخزيك الله أبداً...
إنها تعلم الأسباب ..
فلم تكفر العشير وإنَّ كُفر العشير لمن النساء بمكان ..
ثم هي رضي الله عنها
تنتقل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حياة الراحة والاستقرار
إلى حياة الدعوة والكفاح والجهاد والحصار
فلم يزدها ذلك إلا حُبًّا لمحمد وحُبَّا لدين محمد صلى الله عليه وسلم
وتحديًا وإصرارًا على الوقوف بجانبه والتفاني في تحقيق أهدافه
فكانت هي خديجة .. امرأة الشِّدة .. امرأة المحنة ..
فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بني هاشم وبني عبد المطلب
إلى شعاب مكة في عام المقاطعة
لم تتردد رضي الله عنها في الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
" لتشاركه أعباء ما يحمل من أمر الرسالة الإلهية التي يحملها ..
على الرغم من تقدمها بالسن
فقد ناءت بأثقال الشيخوخة بهمة عالية وكأنه عاد إليها صباها
وأقامت في الشعب ثلاث سنين
وهي صابرة محتسبة للأجر عند الله تعالى ".
وكأن الله اختصها بشخصها
لتكون سندًا وعونًا للرسول صلى الله عليه وسلم
في إبلاغ رسالة رب العالمين الخاتَمة
فكما اجتبى الله عز وجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم
واصطفاه من بين الخلق كافة
كذلك قدر له في مشوار حياته الأول لتأدية الرسالة العالمية
من تضارعه أو على الأقل تشابهه
لتكون شريكًا له في حمل هذه الدعوة في مهدها الأول
فآنسته و آزرته و واسته بنفسها ومالها
في وقت كان الرسول صلى الله عليه وسلم في أشد الاحتياج لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة
ومن خلال ملامح شخصيتها السابقة هذه
نستطيع - وبكل قوة - أن نصفها بملمح آخر يجمع ويعبر عن كامل شخصيتها
ألا وهو:
خديجة .. الزوجة المثالية
فهي بالفعل أم المؤمنين
وقدوة المؤمنات ..
تلك التي جسّدت خُلُق المرأة المثالية في علاقتها مع زوجها
من المودة والسكن ..
والحبّ والوفاء ..
والبذل والعـطاء ..
و تحمل المحن والشدائد دون تأفف أو تضجر ..
فليت ثم ليت نساء المسلمين يقفون أثرها ..
ويحذون حذوها .. ويخطون خطاها.
تلك الزوجة الصالحة التي يمكن أن تدفع زوجها إلى مدارج الكمال ومراتب العظمة
فكما يقولون:
[ وراء كل عظيمٍ امرأة ]
فتُرى ما دورها ؟
لا شك أن دورها هو نفسه دور السيدة خديجة رضي الله عنها
تواسيه .. تخفِّف عنه ..
تُشاركه آلامه وأحزانه ..
تخفف عنه أعباء الحياة ... تدفعه إلى البطولة والعظمة .
فالمرأة الصالحة لا تقدَّر بثمن
وقد روي عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة )
(صحيح مسلم، ج2، ص1090)
وروي أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك
وإذا امرتها أطاعتك
وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك )
(مسند الطيالسي, ج1، ص306)
وتلك كانت أهم صفات السيدة خديجة رضي الله عنها.