( الغربة وطن آخر مع فارق الحنين والانتماء والحب .)
جنات بومنجل قاصة وكاتبة ذات فجر بارد اختارت أن تهاجر إلى أمنكة أخرى أبعد ثم أبعد كانت ترى أن أحلامها هنا لن تكبر كثيرا أو قليلا حتى لأنّ مساحة الحلم فيها شاسعة واسعة والوطن هذا الوطن تحديدا ورغم شساعته الجغرافية كثيرا ما يُـضيِّـقُ مساحة أحلامنا التي تولد كبيرة وتشتهي أن تتواصل كبيرة ولأن الوطن جاحف جدا بحق الأحلام إختارت أن ترفرف بأجنحة أحلامها بعيدا عنه وكان الخليج السماء التي إختارتها عن قناعة لا عن صدفة وتحديدا الإمارات العربية المتحدة . في هذا الحوار تحكي جنات بكثير من المرارة العالقة بنبض القلب عن الوطن /الغربة وعن الغربة الوطن وعن المشهد الأدبي الجزائري والخليجي وعن جديدها الأدبي وعن أشياء أخرى تمتد بين الغربة والغربة .
حاورتها /نـوّارة لـحـرش :
بين الوطن والغربة مسافة من حنين ولعة ومن دمعة ربما ..كيف تعيشين تفاصيل الحالة ؟
الوطن يا نوارة نافذة حب وشرفة صدق أطل عليها كل صباح لأقول ..صباح الخير يا جزائر ..صباح الإشراق يا وطني الأجمل .. صباح الحكايا الطازجة وخبز أمي الساخن ووجه أبي الصبوح وحقولنا وكرومنا وبحارنا الصاخبة وجبالنا الشامخة ..وكل الأشياء التي لازالت تربطني بهناك وتفيض .. مازلت مسكونة بعد سنوات الغربة بأزقة الأهراس الضيقة ، بباعتها ، بضجيجها ، بقلقها اليومي بفوضاها ، برائحة البن المسائية تعبــق بها الذاكرة .
الغربة أعيشها بتفاصيل يومية أقل .. موزعة بين العمل و الكتابة و القراءة ..لا أصدقاء ..لا أحبة .. أحاول أن أحب هذه المدينة التي منحتني ذاكرة جديدة ، إنها فاخرة إلى حدود الغيم ..بهدوئها ..ورونقها .. لهذا هي تستحق أن تحظى بحب قد يرتقي إلى درجة وطن .
عادة ما نختار الغربة لأنها قادرة على احتواء أحلامنا وعلى إنضاجها أكثر ،وحتما اخترت الغربة ملاذا لأحلامك الكبيرة حـد الغيم ؟ أليس كذلك ؟
الغربة تختارنا لأنها قدر الهاربين من الضيق وقسوة المدن وإهمالها .. ولأن الغربة رغم متاعبها قادرة على تحقيق بعض أحلامنا وإن كان ينقصها أننا لا نرى تحقيق هاته الأحلام في عيون أحبتنا وأصدقائنا وأهلنا ..الذين نحتفي بأشياء جميلة وفي القلب خاناتهم شاغرة .. فما جدوى أن يضيء اسمك في أماكن بعيدة وتغيبين عن ذاكرة قلوب احتوتك زمنا بحاله ؟ وكأنك تبنين من جديد رغم أن لك أساس رائع في وطنك ..
( الغربة تمنح فرصة أكثر للإنعزال )
ماذا منحت لك الغربة ، هل هناك مكاسب معنوية ؟
الغربة تمنحك فرصة أكثر للانعزال ، أن تجلسي إليك طويلا .. أن تري ذاتك بوضوح أكبر .. أن ترقبي الوطن من مسافة بعيدة كي تعرفي كم كنت مغرمة به ولم تفطني لإستيطانه كل دواخلك .. الغربة إختبار لإنتمائك ..فرغم قسوتها إلا أنها منحتني فرصة التواصل مع الآخر .. سمحت لي بالكتابة في فضاءات أجمل أكثر رحابة .. الغربة هي ترويض النفس على هواء آخر وماء آخر ووجوه وعيون وسماء أخرى ..أنني أحاول بعد هذه السنوات أن أرى جوانبها الأجمل ..أن أقلم من حدتها .. أن أتوزع في مرافقها ومكتباتها التي توفر على رفوفها كل الذي ترغبين في الحصول عليه ..بمرافئها الثقافية التي تمنح زائريها كل الذي يحلم به كاتب مثقف .. بمعارض الكتاب التي تحمل دهشتها وسحرها .. الغربة وطن آخر يا صديقتي مع فارق الحنين والانتماء والحب .
هل الكتابة تخفف من وطأة الغربة ؟
الكتابة تجعل الغربة محتملة نوعا ما .. إنها كوة في جدار الزمن ، يتسرب منها أوكسجين الحياة ، إنها تجعل الغربة أقل أذى ووحشة وبردا ..لأنها وطن آخر نهرب إليه في صمتنا ..وقلقنا .. ومتاعبنا اليومية ..
ما جـديدك على الصعيد الأدبي ؟ كنت منذ أيام أخبرتني بأن هناك كتاب سيصدر لك قريبا ؟
كتابي الأول / كأنك روحي / سيصدر هذه الأيام عن دار الفارابي ببيروت وهو عبارة عن مجموعة نصوص نثرية نشرت خلال هذه السنوات على شبكة الانترنت وبعض الصحف الجزائرية و العربية ، ولي مخطوطين جاهزين للطباعة قريبا بعد صدور عملي الأول .. كما أني لازلت أتولى الإشراف العام رفقة مجموعة من الكتاب و الشعراء العرب على موقع الشظايا الأدبية ، وهو موقع أدبي يضم مجموعة كبيرة من الشعراء و الروائيين و الكتاب الخليجيين والعرب وهي تجربة منحتني تواصلا مع العديد من الأسماء الأدبية البارزة في العالم العربي سواء من خلال الموقع أو الحوارات التي أجريها بين فينة وأخرى .. إنه فضاء رائع للكتابة و الإنعتاق ووطن صغير الجأ إليه لمزيد من الحرية و الإبداع .
توليك الإشراف العام على الموقع ورغم أنه وسع من مساحة إنتشارك على الخارطة الأدبية العربية إلا أنه برأيي يأكل الكثير من وقتك على حساب نتاجك الأدبي فما رأيك ؟
إن الموقع يشرف على إدارته طاقم من الإداريين المهمين ..بدءا من الشاعر الإعلامي خلف السلطاني إلى الشاعر الأمير سعود آل ثاني مرورا بالشاعر عارف سرور و الكاتب عاطف البلوي وغيرهم من جنسيات عربية كثيرة تتكاتف جهودها لأجل منح الكثير لهذا التجمع الأدبي ..وهو يعطيني فرصة التواصل مع الآخرين عن قرب ..ومعرفة أرائهم و مقارباتهم دون إبطاء ..وهو أجمل ما توفره الانترنت عموما ..الشظايا وطني الصغير الذي أسكنه .. إن أخذ من وقتي الكثير فإنه يمنحني هوية رائعة ..لأنه عالم من الأقلام الكبيرة و الأسماء الإعلامية الراقية التي يحتاج أي مبدع أن يكتسب منها خبراتها ويستزيد منها .. قد يكون كل ذلك يستهلكني ويقتص من وقتي طويلا ،لا أكر ..إلا أنني أستمتع فعلا في أن أمارس عملي و عيني بين فينة وأخرى على شاشة هذا المنتدى الرائع .
هل لك فكرة عن المشهد الأدبي الجزائري الآن ؟
الحقيقة ليس كثيرا ..فقد كنت أتابع ذلك من هنا من الإمارات عبر قنوات قليلة ، وهي الصحف اليومية أو التلفزيون الجزائري أو عبر أمسيات أقيمها عند زيارتي للجزائر وهي قليلة وعلى نطاق ضيق .. كما أن هذه القنوات لا توفر إلا اطلاعا مقتضبا على بعض الأخبار ، للأسف هذه الصحف / كاليوم و صوت الأحرار/ لم تعد صفحاتها الأدبية تظهر على الانترنت والبرامج الأدبية في القناة الجزائرية تظهر و تغيب ،، و طرق متابعة المشهد الثقافي قليلة جدا ..أعرفها من أصدقاء أتواصل معهم بريديا مثل الشاعرة الجميلة زهرة بوسكين و الشاعر عزوز عقيل وغيرهما ..وقد تلقيت بفرح نبأ فوز الشاعر محمد زابور بجائزة الشارقة للإبداع ، أبارك له هذا الفوز وأتمنى مزيدا من النجاحات لأقلامنا الجميلة التي تحتاج فعلا إلى دعم واحتواء .
كيف تقيمين هذا المشهد الأدبي رغم فكرته المقـتـضبة لديك ؟
أعتقد أني غير قادرة على تقييم هذا المشهد بحكم غيابي الطويل عنه إلا أنني أعي جيدا أن أدباءنا متى وجدوا شواطيء الإنعتاق متاحة وشعروا أن الثقافة قبل السياسة وقبل الخبز و قبل السلاح وقبل النفط وقبل كل شيء .. سيشكلون علامات فارقة في عالم الأدب ..أشعر بمعاناتهم مع ثقل الهموم و المسؤوليات اليومية في زمن غلا فيه ثمن كل شيء وبقي المثقف على حاله .. إن الذي جعل واسيني الأعرج و فضيلة الفاروق و أحلام مستغانمي و ياسمينة صالح وغيرهم يصلون إلى القاريء العربي بكل جمال و تألق يسمح بوصول غيرهم إلى كل بقاع العالم لو وجدوا دعما مسؤولا ..لا تهميشا قاتلا .
( التجارب الشابة أتـثـبـت جدارتها وقيمتها الأدبية الفعلية .)
كيف تنظرين إلى المشهد الأدبي النسوي الجزائري بالخصوص و كيف تقارنيه بمثيله المشرقي أو الخليجي ؟
الكتابة التي تنتجها المرأة حتى لا أقول / الأدب النسوي / في الجزائري اتسمت دوما بالقوة والجرأة واكتسب على مر سنوات طويلة مقومات نجاحها و بقائها ، أسماء كثيرة تلك التي أرست لهذه الكتابة ولعلي بحكم تواجدي خارج الجزائر واحتكاكي بالأوساط الأدبية هنا أعرف تماما نظرة الآخر لنضج وجودة ما تكتبه المرأة الجزائرية وما تحظى به من إحترام و تقدير وهي نظرة لا تختلف عن نظرة الآخر للمرأة الجزائرية ككيان مستقل و فاعل .. هناك أسماء رائعة استطاعت أن تثري المشهد الأدبي الجزائري وان كانت تغيب عن القارئ العربي بحكم افتقاد قنوات التواصل ألا أنني أثق أن شبكة الانترنيت ضيقت هذه القطيعة و أوصلت الكثير من الأصوات الأدبية النسوية إلى أبعد مدى .. أتمنى أن أطلع على كتاباتهن الجديدة ..على ما أصدرن من دواوين وروايات ومجموعات قصصية ..حـتى يمكنني أن أعرف إلى أين وصلن في طريقهن الجميل و الصعب .. إن تكريم نوارة لحرش أو حصول زهرة بوسكين على جائزة سعاد الصباح أو حصول ياسمينة صالح على جائزة مالك حداد كلها أمور تجعلني في غبطة كبيرة لأن هذه التجارب الشابة أتثبت جدارتها وقيمتها الأدبية الفعلية .
لقد تابعت مهرجان الشعر النسوي الذي انعقد في الجزائر واحتضنته عروس الزيبان "بسكرة " ولقد شعرت بفرح عارم لأن هذه التظاهرة الشعرية كانت فعلا ثقافيا رائعا كشفت لي جوانب كثيرة من المشهد الأدبي النسوي الذي كان غائبا عني , أما عن مقارنتها مع النتاج الأدبي النسوي الخليجي ، أعتقد أن التجربة الجزائرية أكثر نضجا ..لإختلاف البيئة و منسوب الحرية ولأن التجربة النسوية الخليجية في مجال الكتابة لازالت حديثة مقارنة مع التجربة الجزائرية ، هذا لا يمنع أن هناك أصوات جميلة جدا على مستوى الشعر و الرواية و القصة في الخليج أتابعها عن قرب ، دعيني أذكر على سبيل المثال لا الحصر السعوديتين / ليلى الجهني و رجاء عالم .. وفي الكويت ، ليلى العثمان و بثينة العيسى وأسماء كثيرة من قطر والامارات و البحرين وسلطنة عمان ..ناهيك عن الشعر الشعبي الذي يحتل مرتبة متقدمة في المشهد الثقافي الخليجي قد تكون لنا عودة في حوارات أخرى للحديث عنه .
هل تعدين القارئ الجزائري بحوار آخر بعد صدور كتابك / كأنك روحي ..؟
وهل يمكن أن أقول لا ..لنافذة أخرى تفتح لي على الوطن .. إنني أتنفس أكثر كلما جاء ذكر الجزائر .. وسأكون أسعد بحوارات أخرى أتواصل من خلالها مع قاريء أثق بذائقته وأعرف أن اللقاء به حلم أغـتـنمه ورغبة أهفو إليها .
على ماذا نفترق ؟ أقصد على ماذا نلتقي ؟
الذين نحبهم في القلب لا يذهبون ..يملكون مقعدا متقدما في العمق .. لذلك دعينا نلتقي على وطن أجمل دوما .. لي فيه مراجيح لوز وقصص قديمة تستعيدني كل مرة لتمارس سطوتها على القلب.
هل من هدية للقارئ ؟
هذان مقطعان من نص / أنثى متلـبّسة بالحنين / .. لكل الأحبة في الجزائر الجميلة ..أشتاقكم .
**********
لم أجمّل صورتكَ لأحد ..
هم رأوك بقلبي..
تسقي زهور التوحد ..
تقلم شجر الأمنيات..
وتغني / هل اتخذت الغاب مثلي منزلاً دون القصور..!
**********
عطرك يؤلمني ..
كلما وليتُ قلبي قِبلة النسيان ..
نشبَ أظافره في وسائدي ..
أيقظني ..
دعاني لفطور الصباح ..!
منقوووول
جنات بومنجل قاصة وكاتبة ذات فجر بارد اختارت أن تهاجر إلى أمنكة أخرى أبعد ثم أبعد كانت ترى أن أحلامها هنا لن تكبر كثيرا أو قليلا حتى لأنّ مساحة الحلم فيها شاسعة واسعة والوطن هذا الوطن تحديدا ورغم شساعته الجغرافية كثيرا ما يُـضيِّـقُ مساحة أحلامنا التي تولد كبيرة وتشتهي أن تتواصل كبيرة ولأن الوطن جاحف جدا بحق الأحلام إختارت أن ترفرف بأجنحة أحلامها بعيدا عنه وكان الخليج السماء التي إختارتها عن قناعة لا عن صدفة وتحديدا الإمارات العربية المتحدة . في هذا الحوار تحكي جنات بكثير من المرارة العالقة بنبض القلب عن الوطن /الغربة وعن الغربة الوطن وعن المشهد الأدبي الجزائري والخليجي وعن جديدها الأدبي وعن أشياء أخرى تمتد بين الغربة والغربة .
حاورتها /نـوّارة لـحـرش :
بين الوطن والغربة مسافة من حنين ولعة ومن دمعة ربما ..كيف تعيشين تفاصيل الحالة ؟
الوطن يا نوارة نافذة حب وشرفة صدق أطل عليها كل صباح لأقول ..صباح الخير يا جزائر ..صباح الإشراق يا وطني الأجمل .. صباح الحكايا الطازجة وخبز أمي الساخن ووجه أبي الصبوح وحقولنا وكرومنا وبحارنا الصاخبة وجبالنا الشامخة ..وكل الأشياء التي لازالت تربطني بهناك وتفيض .. مازلت مسكونة بعد سنوات الغربة بأزقة الأهراس الضيقة ، بباعتها ، بضجيجها ، بقلقها اليومي بفوضاها ، برائحة البن المسائية تعبــق بها الذاكرة .
الغربة أعيشها بتفاصيل يومية أقل .. موزعة بين العمل و الكتابة و القراءة ..لا أصدقاء ..لا أحبة .. أحاول أن أحب هذه المدينة التي منحتني ذاكرة جديدة ، إنها فاخرة إلى حدود الغيم ..بهدوئها ..ورونقها .. لهذا هي تستحق أن تحظى بحب قد يرتقي إلى درجة وطن .
عادة ما نختار الغربة لأنها قادرة على احتواء أحلامنا وعلى إنضاجها أكثر ،وحتما اخترت الغربة ملاذا لأحلامك الكبيرة حـد الغيم ؟ أليس كذلك ؟
الغربة تختارنا لأنها قدر الهاربين من الضيق وقسوة المدن وإهمالها .. ولأن الغربة رغم متاعبها قادرة على تحقيق بعض أحلامنا وإن كان ينقصها أننا لا نرى تحقيق هاته الأحلام في عيون أحبتنا وأصدقائنا وأهلنا ..الذين نحتفي بأشياء جميلة وفي القلب خاناتهم شاغرة .. فما جدوى أن يضيء اسمك في أماكن بعيدة وتغيبين عن ذاكرة قلوب احتوتك زمنا بحاله ؟ وكأنك تبنين من جديد رغم أن لك أساس رائع في وطنك ..
( الغربة تمنح فرصة أكثر للإنعزال )
ماذا منحت لك الغربة ، هل هناك مكاسب معنوية ؟
الغربة تمنحك فرصة أكثر للانعزال ، أن تجلسي إليك طويلا .. أن تري ذاتك بوضوح أكبر .. أن ترقبي الوطن من مسافة بعيدة كي تعرفي كم كنت مغرمة به ولم تفطني لإستيطانه كل دواخلك .. الغربة إختبار لإنتمائك ..فرغم قسوتها إلا أنها منحتني فرصة التواصل مع الآخر .. سمحت لي بالكتابة في فضاءات أجمل أكثر رحابة .. الغربة هي ترويض النفس على هواء آخر وماء آخر ووجوه وعيون وسماء أخرى ..أنني أحاول بعد هذه السنوات أن أرى جوانبها الأجمل ..أن أقلم من حدتها .. أن أتوزع في مرافقها ومكتباتها التي توفر على رفوفها كل الذي ترغبين في الحصول عليه ..بمرافئها الثقافية التي تمنح زائريها كل الذي يحلم به كاتب مثقف .. بمعارض الكتاب التي تحمل دهشتها وسحرها .. الغربة وطن آخر يا صديقتي مع فارق الحنين والانتماء والحب .
هل الكتابة تخفف من وطأة الغربة ؟
الكتابة تجعل الغربة محتملة نوعا ما .. إنها كوة في جدار الزمن ، يتسرب منها أوكسجين الحياة ، إنها تجعل الغربة أقل أذى ووحشة وبردا ..لأنها وطن آخر نهرب إليه في صمتنا ..وقلقنا .. ومتاعبنا اليومية ..
ما جـديدك على الصعيد الأدبي ؟ كنت منذ أيام أخبرتني بأن هناك كتاب سيصدر لك قريبا ؟
كتابي الأول / كأنك روحي / سيصدر هذه الأيام عن دار الفارابي ببيروت وهو عبارة عن مجموعة نصوص نثرية نشرت خلال هذه السنوات على شبكة الانترنت وبعض الصحف الجزائرية و العربية ، ولي مخطوطين جاهزين للطباعة قريبا بعد صدور عملي الأول .. كما أني لازلت أتولى الإشراف العام رفقة مجموعة من الكتاب و الشعراء العرب على موقع الشظايا الأدبية ، وهو موقع أدبي يضم مجموعة كبيرة من الشعراء و الروائيين و الكتاب الخليجيين والعرب وهي تجربة منحتني تواصلا مع العديد من الأسماء الأدبية البارزة في العالم العربي سواء من خلال الموقع أو الحوارات التي أجريها بين فينة وأخرى .. إنه فضاء رائع للكتابة و الإنعتاق ووطن صغير الجأ إليه لمزيد من الحرية و الإبداع .
توليك الإشراف العام على الموقع ورغم أنه وسع من مساحة إنتشارك على الخارطة الأدبية العربية إلا أنه برأيي يأكل الكثير من وقتك على حساب نتاجك الأدبي فما رأيك ؟
إن الموقع يشرف على إدارته طاقم من الإداريين المهمين ..بدءا من الشاعر الإعلامي خلف السلطاني إلى الشاعر الأمير سعود آل ثاني مرورا بالشاعر عارف سرور و الكاتب عاطف البلوي وغيرهم من جنسيات عربية كثيرة تتكاتف جهودها لأجل منح الكثير لهذا التجمع الأدبي ..وهو يعطيني فرصة التواصل مع الآخرين عن قرب ..ومعرفة أرائهم و مقارباتهم دون إبطاء ..وهو أجمل ما توفره الانترنت عموما ..الشظايا وطني الصغير الذي أسكنه .. إن أخذ من وقتي الكثير فإنه يمنحني هوية رائعة ..لأنه عالم من الأقلام الكبيرة و الأسماء الإعلامية الراقية التي يحتاج أي مبدع أن يكتسب منها خبراتها ويستزيد منها .. قد يكون كل ذلك يستهلكني ويقتص من وقتي طويلا ،لا أكر ..إلا أنني أستمتع فعلا في أن أمارس عملي و عيني بين فينة وأخرى على شاشة هذا المنتدى الرائع .
هل لك فكرة عن المشهد الأدبي الجزائري الآن ؟
الحقيقة ليس كثيرا ..فقد كنت أتابع ذلك من هنا من الإمارات عبر قنوات قليلة ، وهي الصحف اليومية أو التلفزيون الجزائري أو عبر أمسيات أقيمها عند زيارتي للجزائر وهي قليلة وعلى نطاق ضيق .. كما أن هذه القنوات لا توفر إلا اطلاعا مقتضبا على بعض الأخبار ، للأسف هذه الصحف / كاليوم و صوت الأحرار/ لم تعد صفحاتها الأدبية تظهر على الانترنت والبرامج الأدبية في القناة الجزائرية تظهر و تغيب ،، و طرق متابعة المشهد الثقافي قليلة جدا ..أعرفها من أصدقاء أتواصل معهم بريديا مثل الشاعرة الجميلة زهرة بوسكين و الشاعر عزوز عقيل وغيرهما ..وقد تلقيت بفرح نبأ فوز الشاعر محمد زابور بجائزة الشارقة للإبداع ، أبارك له هذا الفوز وأتمنى مزيدا من النجاحات لأقلامنا الجميلة التي تحتاج فعلا إلى دعم واحتواء .
كيف تقيمين هذا المشهد الأدبي رغم فكرته المقـتـضبة لديك ؟
أعتقد أني غير قادرة على تقييم هذا المشهد بحكم غيابي الطويل عنه إلا أنني أعي جيدا أن أدباءنا متى وجدوا شواطيء الإنعتاق متاحة وشعروا أن الثقافة قبل السياسة وقبل الخبز و قبل السلاح وقبل النفط وقبل كل شيء .. سيشكلون علامات فارقة في عالم الأدب ..أشعر بمعاناتهم مع ثقل الهموم و المسؤوليات اليومية في زمن غلا فيه ثمن كل شيء وبقي المثقف على حاله .. إن الذي جعل واسيني الأعرج و فضيلة الفاروق و أحلام مستغانمي و ياسمينة صالح وغيرهم يصلون إلى القاريء العربي بكل جمال و تألق يسمح بوصول غيرهم إلى كل بقاع العالم لو وجدوا دعما مسؤولا ..لا تهميشا قاتلا .
( التجارب الشابة أتـثـبـت جدارتها وقيمتها الأدبية الفعلية .)
كيف تنظرين إلى المشهد الأدبي النسوي الجزائري بالخصوص و كيف تقارنيه بمثيله المشرقي أو الخليجي ؟
الكتابة التي تنتجها المرأة حتى لا أقول / الأدب النسوي / في الجزائري اتسمت دوما بالقوة والجرأة واكتسب على مر سنوات طويلة مقومات نجاحها و بقائها ، أسماء كثيرة تلك التي أرست لهذه الكتابة ولعلي بحكم تواجدي خارج الجزائر واحتكاكي بالأوساط الأدبية هنا أعرف تماما نظرة الآخر لنضج وجودة ما تكتبه المرأة الجزائرية وما تحظى به من إحترام و تقدير وهي نظرة لا تختلف عن نظرة الآخر للمرأة الجزائرية ككيان مستقل و فاعل .. هناك أسماء رائعة استطاعت أن تثري المشهد الأدبي الجزائري وان كانت تغيب عن القارئ العربي بحكم افتقاد قنوات التواصل ألا أنني أثق أن شبكة الانترنيت ضيقت هذه القطيعة و أوصلت الكثير من الأصوات الأدبية النسوية إلى أبعد مدى .. أتمنى أن أطلع على كتاباتهن الجديدة ..على ما أصدرن من دواوين وروايات ومجموعات قصصية ..حـتى يمكنني أن أعرف إلى أين وصلن في طريقهن الجميل و الصعب .. إن تكريم نوارة لحرش أو حصول زهرة بوسكين على جائزة سعاد الصباح أو حصول ياسمينة صالح على جائزة مالك حداد كلها أمور تجعلني في غبطة كبيرة لأن هذه التجارب الشابة أتثبت جدارتها وقيمتها الأدبية الفعلية .
لقد تابعت مهرجان الشعر النسوي الذي انعقد في الجزائر واحتضنته عروس الزيبان "بسكرة " ولقد شعرت بفرح عارم لأن هذه التظاهرة الشعرية كانت فعلا ثقافيا رائعا كشفت لي جوانب كثيرة من المشهد الأدبي النسوي الذي كان غائبا عني , أما عن مقارنتها مع النتاج الأدبي النسوي الخليجي ، أعتقد أن التجربة الجزائرية أكثر نضجا ..لإختلاف البيئة و منسوب الحرية ولأن التجربة النسوية الخليجية في مجال الكتابة لازالت حديثة مقارنة مع التجربة الجزائرية ، هذا لا يمنع أن هناك أصوات جميلة جدا على مستوى الشعر و الرواية و القصة في الخليج أتابعها عن قرب ، دعيني أذكر على سبيل المثال لا الحصر السعوديتين / ليلى الجهني و رجاء عالم .. وفي الكويت ، ليلى العثمان و بثينة العيسى وأسماء كثيرة من قطر والامارات و البحرين وسلطنة عمان ..ناهيك عن الشعر الشعبي الذي يحتل مرتبة متقدمة في المشهد الثقافي الخليجي قد تكون لنا عودة في حوارات أخرى للحديث عنه .
هل تعدين القارئ الجزائري بحوار آخر بعد صدور كتابك / كأنك روحي ..؟
وهل يمكن أن أقول لا ..لنافذة أخرى تفتح لي على الوطن .. إنني أتنفس أكثر كلما جاء ذكر الجزائر .. وسأكون أسعد بحوارات أخرى أتواصل من خلالها مع قاريء أثق بذائقته وأعرف أن اللقاء به حلم أغـتـنمه ورغبة أهفو إليها .
على ماذا نفترق ؟ أقصد على ماذا نلتقي ؟
الذين نحبهم في القلب لا يذهبون ..يملكون مقعدا متقدما في العمق .. لذلك دعينا نلتقي على وطن أجمل دوما .. لي فيه مراجيح لوز وقصص قديمة تستعيدني كل مرة لتمارس سطوتها على القلب.
هل من هدية للقارئ ؟
هذان مقطعان من نص / أنثى متلـبّسة بالحنين / .. لكل الأحبة في الجزائر الجميلة ..أشتاقكم .
**********
لم أجمّل صورتكَ لأحد ..
هم رأوك بقلبي..
تسقي زهور التوحد ..
تقلم شجر الأمنيات..
وتغني / هل اتخذت الغاب مثلي منزلاً دون القصور..!
**********
عطرك يؤلمني ..
كلما وليتُ قلبي قِبلة النسيان ..
نشبَ أظافره في وسائدي ..
أيقظني ..
دعاني لفطور الصباح ..!
منقوووول