- إنضم
- 19 ديسمبر 2007
- المشاركات
- 1,527
- نقاط التفاعل
- 8
- نقاط الجوائز
- 457
بسم الله الرحمان الرحيم
الصحابة هم حواريو الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك فهم أكثر فهماً لرسالتهم من غيرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبه خردل».
إن الصحابة كانوا يسألون عما يُشكل عليهم، فقد روى ابن أبي مُليكة في العلم عن عائشة رضي الله عنها أنها (كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه).
وبهذا يعرف أن ما ينقدح في ذهن الإنسان من مسائل لم يسأل عنها الصحابة فليعلم أن هذا من تلبيس الشيطان، فالأمر الواجب هو أن يقف الداعي حيث وقف الصحابة وليعلم أن الله تعالى ما ترك شيئاً مما نحتاج إليه نسياً منسياً.
فضيلة الصحبة
1 - قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئا فهو عند الله سيئ».
2 - وقال قتادة رضــي الله عنه في قوله تعالى: (وَيَرَى الَّذِيــنَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقّ وَيَهْدِي إِلَى صِــرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، قال: «أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم».
الأدلة على أن النصوص
يجب أن تُفهم على فهم الصحابة
أولاً: دلالة القرآن الكريم:
قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
والوسط: الخيار العدل، فالصحابة خير الأمة، وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإراداتهم ونياتهم وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة.
ثانياً: دلالة السنة النبوية:
قوله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.....». والعموم في الحديث يقتضي عموم الخيرية في الاعتقاد والفهم والعمل.
ثالثاً: دلالة الإجماع وأقوال العلماء:
أ- الإجماع: حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى اتفاق أهل السنة والجماعة من جميع الطوائف على أن خير قرون هذه الأمة –في الأعمال والأقوال والاعتقاد وغيرها من كل فضيلة– القرن الأول، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم... وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة من علم وإيمان، وعقل ودين، وبيان، وعبادة، وأنهم أولى بالبيان لكل مشكل، هذا لا يدفعه إلا من كابر المعلوم بالضرورة من دين الإسلام، وأضله الله على علم...».
ب- أقوال علماء الأمة وأئمتها: قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: «اتقوا الله يا معشر القراء! خذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم فقد سبقتم سبقا بعيداً، ولئن تركتموه يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً». قال الإمام أحمد رحمه الله: «أصول أهل السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، وترك البدع....».
رابعاً: دلالة العقل:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «من المحال أن تكون القرون الفاضلة –القرن الذي بُعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم– كانوا غير عالمين، وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق، وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع:
أما القول الأول (غير عالمين): فلأن من في قلبه حياة، وطلب للعلم، أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب -والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه- أكبر مقاصده وأعظم مطالبة.. وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر، وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضي –الذي هو من أقوى المقتضيات– أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم؟! هذا لا يكاد يقع في أبلد الخلق، وأشدهم إعراضاً عن الله، وأعظمهم إكبابا على طلب الدنيا، والغفلة عن ذكر الله تعالى، فكيف يقع في أولئك؟
القول الثاني: أنهم معتقدون فيه غير الحق، أو قائليه: فهذا لا يعتقده مسلم، ولا عاقل عرف حال القوم».
الصحابة أفقه الأمة، فهم أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأصحها قصداً، وأكملها فطرة وأتمها إدراكاً، وأصفاها أذهاناً: شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس من سمع وعلم، ورأى حال المتكلم، كمن كان غائباً لم ير ولم يسمع أو سمع وعلم بواسطة، أو وسائط كثيرة؛ وعليه فالرجوع إلى ما كان عليه الصحابة من الدين والعلم متعين –قطعا– على من جاء بعدهم ممن لم يشركهم في تلك الفضيلة.
السلف أعلم بلغة القرآن الكريم
نزل القرآن الكريم بلسان العرب، جاريا على معهودهم في الكلام، وعادتهم في الخطاب فكل من كان من لسان العرب متمكناًً كان للقرآن أشد فهماً وأحسن إدراكاً، ولا يُعلم أحد أفصح لساناً وأسدّ بياناً وأقوم خطاباً من أهل القرون الأولى المفضلة وأولاهم في هذا الفضل والسبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من أسباب الانحراف في التفسير
الجهل بِلُغة العرب وانتشار العُجمة، وقد كانت أول بدعة ظهرت في المسلمين من قِبل العُجمة، قال الأوزاعي رحمه الله: «أول من نطق في القَدَر: رجل من أهل العراق يقال له (سوسن)، كان نصرانياً فأسلم ثم تنصَّر فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد». ولهذا قيل: أهلكتهم العُجمة، وقال الشافعي: «ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان ارسطاطاليس». وأخرج البيهقي عن الأصمعي أنه قال: «جاء عمرو بن عبيد على أبي عمرو بن العلاء –يناظره في وجوب عذاب الفاسق– فقال له: « يا أبا عمرو، آلله يخلف وعده؟». قال: «لن يخلف الله وعده»، قال عمرو: «فقد قال! قال: أين؟ فذكر آية وعيد... فقال أبو عمرو: «من العُجمة أُتيتَ؛ الوعد غير الإيعاد، ثم أنشد:
وإني وإن أوعدته أو وعدته سأخلف إيعادي وأنجز موعدي فالوعد يكون بالخير كالجنة وهذا لا يخلفه الله، أما الوعيد فيكون بالشر كالعذاب في النار وهذا تحت المشيئة إن شاء أنفذه وإن شاء عفا عنه.
السلف أعلم بتفسير القرآن
نظراً لتمكن الصحابة والتابعين من اللغة العربية؛ وهي لغة القرآن، كان فهمهم له أرسخ، وإدراكهم لمعانية أعمق من غيرهم، ممن جاء بعدهم. فما فهمه الصحابة والسلف من القرآن أولى أن يصار إليه مما فهمه من بعدهم إذ اتفقت كلمتهم في باب معرفة الله تعالى، ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله واليوم الآخر وغير ذلك من مسائل الاعتقاد والأصول، ولا يحفظ عنهم في ذلك خلاف مشهور ولا شاذ.
ولهذا كان من أحسن طرق تفسير القرآن الكريم: تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة والتابعين، بل إن طائفة من أهل الحديث جعلت تفسير الصحابي في حكم المرفوع قال أبو عبد الله الحاكم في مستدركه: « ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين (البخاري ومسلم) حديث مسند، وذلك لما عُرِف عنهم من توقي القول في القرآن بغير علم.
ونص الإمام أحمد على أنه يرجع إلى الواحد من الصحابة في تفسير القرآن إذا لم يخالفه غيره منهم ولا تجد كتاباً من كتب السلف ومن هم على طريقتهم من أهل السنة إلا ويذكرون فيه أقوال الصحابة والتابعين وأئمة الهدى ويفسرون بها القرآن والحديث، ويستدلون بها على من خالفهم، ويعتصمون بها في معرفة الحق والصواب. وما يوجد من اختلاف بين الصحابة والتابعين في تفسير بعض الحروف فأكثره اختلاف تنوع لا تضاد، فتارة يصفون الشيء الواحد بصفات متنوعة، وتارة يذكر كل منهم من الحرف المفسر نوعا أو شخصا على سبيل المثال لا الحصر، ومنهم من يعبر عن الشيء بلازمه، أو بنظيره، ومنهم من ينص عليه بعينه، يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وهي بمعنى واحد. أما اختلاف التضاد فقليل، وسببه: خفاء بعض العلم على بعضهم؛ فإن الصحابة ليس كل فرد منهم تلقى من نفس الرسول صلى الله عليه وسلم بلا واسطة جميع القرآن والسنة، بل كان بعضهم يأخذ عن بعض، ويشهد بعضهم في غيبة بعض وينسى هذا بعض، ما حفظه صاحبه.
أمثلة من تفسير الصحابة
1 - عن أسلم بن يزيد أبو عمران قال: حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري فقال ناس: «ألقى بيده إلى التهلكة»ز فقال أبو أيوب: «نحن أعلم بهذه الآية، إنما أنزلت فينا، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه. فلما فشا الإسلام وظهر، اجتمعنا معشر الأنصار نجيّا، فقلنا: «قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره حتى فشا الإسلام وكثر أهله وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا». فنزل فينا: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد.
2 - قام أبو بكر الصديق، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. وإنكم تضعونها في غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه، يوشك الله عزوجل أن يعمهم بعقابه».
فوائد الالتزام بفهم السّلف
الفائدة الأولى: إن فهم السلف عاصم من التَّفرق والاختلاف؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن عباس رضي الله عنهما: «كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد، وقبلتها واحدة»؟! فقال ابن عباس رضي الله عنهما: «يا أمير المؤمنين، إنما أُنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيمن نزل، وأنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن ولا يدرون فيمن نزل، فيكون لهم فيه رأي، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا».
الفائدة الثانية: النظر في عمل السّلف وفهمهم للدليل شاهد على صحة الاستدلال به ومصدِّق له، فعمل السلف بالدليل مُخلِّص له من شوائب الاحتمالات المقدرة، قاطع بوجه معين ومبين للمجمل، ورافع للإشكال، ودافع للإيهام.
الفائدة الثالثة: السكوت عمّا سكت عنه السّلف: فكل ما سكت عنه الصحابة والسّلف وتكلم فيه الخلف -وذلك فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد والإيمان- كان السكوت فيه أولى وأليق، ولم يأت فيه الخلف إلا بباطل من القول وزوراً.
الفائدة الرابعة: حسم مادة الابتداع والضلال، لأن كثيراً من فرق الضلال يتعلق ببعض ظواهر النصوص فيوجهها –ليّا وتحريفاً– لنصرة مذهبه وتأييد بدعته، وفهم السلف لهذه النصوص هو الفيصل وهو الحق، وليس دونه إلا الضلال والشقاق: {فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.
الفائدة الخامسة: استعمال السلف وأهل السنة هذه القاعدة في الرّد على الخصوم، ونذكر لذلك نموذجاً:
قول ابن عباس رضي الله عنهما للخوارج يوم أن ناظرهم: «جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيكم منهم أحد، ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم نزل القرآن، وهم أعلم بتأويله».
وفي هذا الكلام العظيم فوائد عِدَّة منها:
1 - بيان أن أهل البدع ليس فيهم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 - أن كل فرقة، أو طائفة، أو مذهب ليس فيهم أحد من الصحابة -أو مذهب الصحابة وطريقتهم في الديانة– فهم على ضلالة اجتمعوا، ولبدعة أسَّسوا.
3 - أن الانحياز إلى جانب الصحابة -أي مذهبهم- والتّمسك بطريقتهم هو عين الفلاح، وأساس النجاة.
4 - أن يحتج على كل أحد بما كان عليه الصحابة، وليس العكس.
5 - أن الصحابة أعلم بتأويل القرآن، وذلك لمشاهدتهم نزوله، ومعاينتهم وقائعه؛ ففهمهم له وفقههم فيه مقدَّم على كل أحد –ممن هو دونهم.
6 - أن أصحاب البدع هم الذين انشقّوا عن الجماعة الحق وهم الذين اعتزلوا الناس.
//////////////
تم نقل هذا الموضوع لما فيه من الفائدة العظيمة
تقبلوا تحيات اخوكم المكنى دافيد