الحملة الصليبية الأولى أطلقها البابا أوربان الثاني سنة 1095 لإعادة السيطرة المسيحية على المدينة المقدسة (القدس) وعموم الأرض المقدسة من يد المسلمين. وما بدأ كدعوة للمساعدة تحول بسرعة إلى هجرة جماعية وسيطرة وفتح لمناطق خارج أوروبا. وإرتحل العديد من الفرسان والأقنان بغير كثير من الإدارة المركزية عبر البر والبحر من مناطق غرب أوروبا بإتجاه القدس وسيطروا عليها عام 1099، مؤسسين مملكة القدس اللاتينة ودويلات صليبية أخرى. وبالرغم من أن تلك السيطرة دامت لأقل من قرنين، كانت الحملة الصليبية نقطة تحول رئيسية في توسع القوى الفربية، وكانت الحملة الصليبية الوحيدة - بعكس الحملات اللاحقة- التي حققت هدفها المعلن.
*خلفية تاريخية:ــ
أصول الحملات الصليبية بشكل عام، والحملة الصليبية الأولى بشكل خاص، نشأت من أحداث سابقة في العصور الوسطى. تفتت حكم أسرة كارولينجيان (Carolingian)للإمبراطورية الرومانية المقدسة في القرون السابقة، بالإضافة إلى الثبات النسبي لحدود أوروبا بعد تنصر الفالكنج والمجريون، خلق طبقة كاملة من المحاربين الذين لم يعد لديهم عمل سوى قتال بعضهم البعض وإرعاب الاقنان الفقراء.
كانت من المنافس لهذا العنف الحملات ضد غير المسيحيين. الريكونسيستا في إسبانيا كان إحدى هذه المنافس، والتي شغلت الفرسان الإسبان وبعض المرتزقة من مناطق أخرى من (أوروبا) في الحرب ضد الموريين(؟)Moors. وفي وسط البحر المتوسط كان النورمانيون يقاتلون للسيطرة على صقلية، بينما كانت بيزا وجنوا وأراجون كلها تهاجم بنشاط التحصينات في مالوركا وسردينيا، محررة شواطيء إيطاليا وإسبانيا من الهجمات الإسلامية.
بسبب هذه الحروب المستمرة، فإن فكرة الحرب ضد المسلمين لم تكن غريبة كليّة لأمم أوروبا. فالمسلمون إحتلوا مركز الكون المسيحي، القدس، والتي كانت تعتبر مع المناطق المحيطة بها تركة ضخمّة، المكان الذي ولد فيه المسيح ومات(كما يعتقدون). في 1074 قام البابا جريجوري السابع بدعوة milites Christi أي "فرسان المسيح" للتوجه لمساعدة الإمبراطورية البيزنطية في الشرق. فالبيزنطيون عانوا من هزائم شديدة على يد السلاجقة الأتراك في معركة مانزيكرت قبل ذلك بثلاث سنوات. هذه الدعوة بالرغم من أنها أهملت بشكل واسع، إذا ما أضيفت إلى العدد الكبير من الحجاج الذين توجهوا إلى الأرض المقدسة في القرن الحادي عشر، جذبت الإنتباه كثيرا إلى الشرق. وكان البابا أوربن الثاني هو أول من أخرج فكرة الحملة الصليبية لتحرير الأرض المقدسة إلى العلن وإلى العامة بكلماته الشهيرة: "Deus lo vult!" ("هذه إرادة الرب!")
*الشرق في نهايات القرن الحادي عشر:ــ
كان جوار أوروبا الغربية المباشر جنوبا هو الإمبراطورية البيزنطية، والتي كانت مسيحية ولكنها كانت إتبعت نهجا أرثوذكسيا شرقيا مختلفا من زمن. وتحت حكم الإمبراطور الكسيوس الأول كومنينوس، كانت الإمبراطورية محصورة بين أوروبا والشواطئ الغربية للأناضول، وواجهت عداوة النورمان في الغرب والسلاجقة في الشرق. وبالإتجاه شرقا كانت الأناضول و سوريا وفلسطين ومصر كلها تحت الحكم الإسلامي، ولكنها كانت منقسمة سياسيا وإلى حد ما ثقافيا في زمن الحملة الصليبية الأولى، مما ساهم في نجاح تلك الحملة.
كانت كل من سوريا والأناضول تحت سيطرة السلاجقة السنة، والتي كانت إمبراطورية واحدة كبيرة، ولكن في تلك الفترة كانت منقسمة إلى دويلات أصغر. وكان ألب أرسلان قد هزم البيزنطيين في معركة ملاذكرد عام 1071 وضمّوا الكثير من الأناضول لمناطق السلاجقة، ولكن هذه الإمبراطورية إنقسمت بحرب أهلية بعد وفاة ملكشاه الأول سنة 1092. وفي دولة سلاجقة الروم في الأناضول، خلف قلج أرسلان ملكشاه، وفي سوريا خلفه تتش بن ألب أرسلان الذي توفي عام 1095. فورث أبناء تتش رضوان ودقاق حلب ودمشق على الترتيب، مقسمين سوريا إلى إمارات يعادي بعضها بعضا، كما تعادي كربغا أتابيك الموصل. وكانت هذه الدويلات أكثر إهتماما في الحفاظ على مناطقها وكسب مناطق جديدة من جيرانها أكثر من إهتمامها بالتعاون ضد الحملة الصليبية.
وفي مكان آخر تحت السيطرة الإسمية للسلاجقة كان الأرتقيون في شمال شرق سوريا وشمال بلاد ما بين النهرين. سيطروا على القدس حتى عام 1098. وفي شرق الاناضول وشمال سوريا كان هناك دولة أسسها الدنشمنديون، مرتزقة سلاجقة؛ لم يكن للصليبيين إتصال يذكر مع أي من المجموعتين إلى ما بعد الحملة. كما أصبح الحشاشون ذوي دور مهم في شؤون سوريا.
كانت مصر وأجزاء كبيرة من فلسطين تحت سيطرة الفاطميون الشيعة، الذين تقلصت مساحة دولتهم بشكل ملحوظ منذ وصول السلاجقة؛ نصح ألكسيوس الأول الصليبين بأن يتعاونوا مع الفاطميين ضد عدوهم المشترك متمثلا بالسلاجقة. أما الفاطميين، يحكمهم في ذلك الوقت الخليفة المستعلي (مع أن السلطة الحقيقية كانت بيد الوزيد الأفضل شاهنشاه)، خسرت القدس لمصلحة السلاجقة عام 1076، ولكن عادوا ليسطروا عليها من الأرتقيين عام 1098 حين كانت القوات الصليبية تتحرك. لم يعتبر الفاطميون في البدء الحملة الصليبية خطرا يهددهم، مفترضين أنهم أرسلوا من قبل البيزنطيين وأنهم سينشغلون بالسيطرة على سوريا، وأنهم لن يصلوا فلسطين؛ فلم يرسلوا أي جيوش لوقف الصليبيين حتى وصل الصليبييون فعلا إلى القدس.
*التتابع الزمني لأحداث الحملة:ـــ
إنعقاد مجمع كليرمون
في مارس 1095 أرسل ألكسيوس الأول مرسليه إلى مجمع بياسينزا ليطلب من أوربان المساعدة ضد الأتراك. تلقى البابا أوربان طلب الإمبراطور بكثير من الحفاوة، فكان يتمنى بأن يلتأم الشرخ بين الكنيستين الذي كان عمره 40 عاما، وأراد إعادة توحيد الكنيسة تحت السلطة البابوية كرئيس أساقفة العالم، وذلك بمساعدةالكنائس الشرقية لدى إستصراخها.
وفي مجمع كليرمون، الذي عقد في وسط فرنسا في نوفمبر 1095، ألقى أوربان خطبة مليئة بالعواطف لحشد كبير من النبلاء ورجا الدين الفرنسيين. فدعى الحضور إلى إنتزاع السيطرة على القدس من يد المسلمين. وقال إن فرنسا قد إكتظت بالبشر، وأن أرض كنعان تفيض حليبا وعسلا. وتحدث حول مشاكل العنف لدى النبلاء وأن الحل هو تحويل السيوف لخدمة الرب: "دعوا اللصوص يصبحون فرسانا." وتحدث عن العطايا في الأرض كما في السماء، بينما كان محو الخطايا مقدما لكل من قد يموت أثناء محاولة السيطرة. هاجت الحشود وهاجت بحماس قائلة:"Deus lo vult!" ("هي إرادة الرب!").
خطبة أوربان هي واحدة من أهم الخطب في تاريخ أوروبا. وهناك العديد من نسخ الخطبة المختلفة، ولكن جميعا كتبت بعد السيطرة على القدس، ومن الصعب معرفة ما قيل فعلا وما تم إضافته بعد الاحداث ونجاج الحملة. ولكن من المؤكد أن ردة الفعل على الخطاب كان أكبر من المتوقع. ولبقية سنة 1095 ولعام 1096، نشر أوربان الرسالة في أنحاء فرنسا، وحث أساقفته وكهنته بأن يعظوا في أسقفياتهم في بقية مناطق فرنسا وألمانيا وإيطاليا أيضا. حاول اوربان منع أشخاص معينين (من ضمنهم النساء والرهبان والمرضى) من الإنضمام للحملة، ولكنه وجد ذلك شبه مستحيل. وفي النهاية كان السواد الأعضم من هؤلاء الذين إنضموا للحملة الصليبية من غير الفرسان، ولكن أقنان لم يكونوا اثرياء ولديهم قليل من المهارة في أساليب القتال، ولكن المعتقدات بأهمية أحداث الألفية والنبوءة وجدت منفذا أخرجت هؤلاء من إضطهاد حياتهم اليومية، في حميم من المشاعر الجديدة والتقوى الذاتية لم يكن من السهل السيطرة عليها من قبل الأرستقراطية والأرستقراطية الدينية .
*خلفية تاريخية:ــ
أصول الحملات الصليبية بشكل عام، والحملة الصليبية الأولى بشكل خاص، نشأت من أحداث سابقة في العصور الوسطى. تفتت حكم أسرة كارولينجيان (Carolingian)للإمبراطورية الرومانية المقدسة في القرون السابقة، بالإضافة إلى الثبات النسبي لحدود أوروبا بعد تنصر الفالكنج والمجريون، خلق طبقة كاملة من المحاربين الذين لم يعد لديهم عمل سوى قتال بعضهم البعض وإرعاب الاقنان الفقراء.
كانت من المنافس لهذا العنف الحملات ضد غير المسيحيين. الريكونسيستا في إسبانيا كان إحدى هذه المنافس، والتي شغلت الفرسان الإسبان وبعض المرتزقة من مناطق أخرى من (أوروبا) في الحرب ضد الموريين(؟)Moors. وفي وسط البحر المتوسط كان النورمانيون يقاتلون للسيطرة على صقلية، بينما كانت بيزا وجنوا وأراجون كلها تهاجم بنشاط التحصينات في مالوركا وسردينيا، محررة شواطيء إيطاليا وإسبانيا من الهجمات الإسلامية.
بسبب هذه الحروب المستمرة، فإن فكرة الحرب ضد المسلمين لم تكن غريبة كليّة لأمم أوروبا. فالمسلمون إحتلوا مركز الكون المسيحي، القدس، والتي كانت تعتبر مع المناطق المحيطة بها تركة ضخمّة، المكان الذي ولد فيه المسيح ومات(كما يعتقدون). في 1074 قام البابا جريجوري السابع بدعوة milites Christi أي "فرسان المسيح" للتوجه لمساعدة الإمبراطورية البيزنطية في الشرق. فالبيزنطيون عانوا من هزائم شديدة على يد السلاجقة الأتراك في معركة مانزيكرت قبل ذلك بثلاث سنوات. هذه الدعوة بالرغم من أنها أهملت بشكل واسع، إذا ما أضيفت إلى العدد الكبير من الحجاج الذين توجهوا إلى الأرض المقدسة في القرن الحادي عشر، جذبت الإنتباه كثيرا إلى الشرق. وكان البابا أوربن الثاني هو أول من أخرج فكرة الحملة الصليبية لتحرير الأرض المقدسة إلى العلن وإلى العامة بكلماته الشهيرة: "Deus lo vult!" ("هذه إرادة الرب!")
*الشرق في نهايات القرن الحادي عشر:ــ
كان جوار أوروبا الغربية المباشر جنوبا هو الإمبراطورية البيزنطية، والتي كانت مسيحية ولكنها كانت إتبعت نهجا أرثوذكسيا شرقيا مختلفا من زمن. وتحت حكم الإمبراطور الكسيوس الأول كومنينوس، كانت الإمبراطورية محصورة بين أوروبا والشواطئ الغربية للأناضول، وواجهت عداوة النورمان في الغرب والسلاجقة في الشرق. وبالإتجاه شرقا كانت الأناضول و سوريا وفلسطين ومصر كلها تحت الحكم الإسلامي، ولكنها كانت منقسمة سياسيا وإلى حد ما ثقافيا في زمن الحملة الصليبية الأولى، مما ساهم في نجاح تلك الحملة.
كانت كل من سوريا والأناضول تحت سيطرة السلاجقة السنة، والتي كانت إمبراطورية واحدة كبيرة، ولكن في تلك الفترة كانت منقسمة إلى دويلات أصغر. وكان ألب أرسلان قد هزم البيزنطيين في معركة ملاذكرد عام 1071 وضمّوا الكثير من الأناضول لمناطق السلاجقة، ولكن هذه الإمبراطورية إنقسمت بحرب أهلية بعد وفاة ملكشاه الأول سنة 1092. وفي دولة سلاجقة الروم في الأناضول، خلف قلج أرسلان ملكشاه، وفي سوريا خلفه تتش بن ألب أرسلان الذي توفي عام 1095. فورث أبناء تتش رضوان ودقاق حلب ودمشق على الترتيب، مقسمين سوريا إلى إمارات يعادي بعضها بعضا، كما تعادي كربغا أتابيك الموصل. وكانت هذه الدويلات أكثر إهتماما في الحفاظ على مناطقها وكسب مناطق جديدة من جيرانها أكثر من إهتمامها بالتعاون ضد الحملة الصليبية.
وفي مكان آخر تحت السيطرة الإسمية للسلاجقة كان الأرتقيون في شمال شرق سوريا وشمال بلاد ما بين النهرين. سيطروا على القدس حتى عام 1098. وفي شرق الاناضول وشمال سوريا كان هناك دولة أسسها الدنشمنديون، مرتزقة سلاجقة؛ لم يكن للصليبيين إتصال يذكر مع أي من المجموعتين إلى ما بعد الحملة. كما أصبح الحشاشون ذوي دور مهم في شؤون سوريا.
كانت مصر وأجزاء كبيرة من فلسطين تحت سيطرة الفاطميون الشيعة، الذين تقلصت مساحة دولتهم بشكل ملحوظ منذ وصول السلاجقة؛ نصح ألكسيوس الأول الصليبين بأن يتعاونوا مع الفاطميين ضد عدوهم المشترك متمثلا بالسلاجقة. أما الفاطميين، يحكمهم في ذلك الوقت الخليفة المستعلي (مع أن السلطة الحقيقية كانت بيد الوزيد الأفضل شاهنشاه)، خسرت القدس لمصلحة السلاجقة عام 1076، ولكن عادوا ليسطروا عليها من الأرتقيين عام 1098 حين كانت القوات الصليبية تتحرك. لم يعتبر الفاطميون في البدء الحملة الصليبية خطرا يهددهم، مفترضين أنهم أرسلوا من قبل البيزنطيين وأنهم سينشغلون بالسيطرة على سوريا، وأنهم لن يصلوا فلسطين؛ فلم يرسلوا أي جيوش لوقف الصليبيين حتى وصل الصليبييون فعلا إلى القدس.
*التتابع الزمني لأحداث الحملة:ـــ
إنعقاد مجمع كليرمون
في مارس 1095 أرسل ألكسيوس الأول مرسليه إلى مجمع بياسينزا ليطلب من أوربان المساعدة ضد الأتراك. تلقى البابا أوربان طلب الإمبراطور بكثير من الحفاوة، فكان يتمنى بأن يلتأم الشرخ بين الكنيستين الذي كان عمره 40 عاما، وأراد إعادة توحيد الكنيسة تحت السلطة البابوية كرئيس أساقفة العالم، وذلك بمساعدةالكنائس الشرقية لدى إستصراخها.
وفي مجمع كليرمون، الذي عقد في وسط فرنسا في نوفمبر 1095، ألقى أوربان خطبة مليئة بالعواطف لحشد كبير من النبلاء ورجا الدين الفرنسيين. فدعى الحضور إلى إنتزاع السيطرة على القدس من يد المسلمين. وقال إن فرنسا قد إكتظت بالبشر، وأن أرض كنعان تفيض حليبا وعسلا. وتحدث حول مشاكل العنف لدى النبلاء وأن الحل هو تحويل السيوف لخدمة الرب: "دعوا اللصوص يصبحون فرسانا." وتحدث عن العطايا في الأرض كما في السماء، بينما كان محو الخطايا مقدما لكل من قد يموت أثناء محاولة السيطرة. هاجت الحشود وهاجت بحماس قائلة:"Deus lo vult!" ("هي إرادة الرب!").
خطبة أوربان هي واحدة من أهم الخطب في تاريخ أوروبا. وهناك العديد من نسخ الخطبة المختلفة، ولكن جميعا كتبت بعد السيطرة على القدس، ومن الصعب معرفة ما قيل فعلا وما تم إضافته بعد الاحداث ونجاج الحملة. ولكن من المؤكد أن ردة الفعل على الخطاب كان أكبر من المتوقع. ولبقية سنة 1095 ولعام 1096، نشر أوربان الرسالة في أنحاء فرنسا، وحث أساقفته وكهنته بأن يعظوا في أسقفياتهم في بقية مناطق فرنسا وألمانيا وإيطاليا أيضا. حاول اوربان منع أشخاص معينين (من ضمنهم النساء والرهبان والمرضى) من الإنضمام للحملة، ولكنه وجد ذلك شبه مستحيل. وفي النهاية كان السواد الأعضم من هؤلاء الذين إنضموا للحملة الصليبية من غير الفرسان، ولكن أقنان لم يكونوا اثرياء ولديهم قليل من المهارة في أساليب القتال، ولكن المعتقدات بأهمية أحداث الألفية والنبوءة وجدت منفذا أخرجت هؤلاء من إضطهاد حياتهم اليومية، في حميم من المشاعر الجديدة والتقوى الذاتية لم يكن من السهل السيطرة عليها من قبل الأرستقراطية والأرستقراطية الدينية .