تاريخ الاتصال بين العالم الإسلامي والغرب تاريخ قديم يعود إلى قرون طويلة مضت، كان فيها من التوتر والتجاذب والغزو والمصالح والصلات العلمية والتجارية والثقافية ما يجعله جديرا بالبحث وبتدريسه لأبنائنا بخيره وشره كي يستفيدوا منه.
ولتسمحوا لي بداية أن أتساءل عما يكون الحال في أوروبا لو نزعنا عنها تأثير الحضارة الإسلامية، وعما يكون الحال في العالم الإسلامي لو نزعنا عنه تأثير الحضارة الغربية، هذه الصلة التاريخية الوثيقة بين العالم الإسلامي والغرب أوجدت علاقة مركبة بين الحضارتين اختلط فيها الإعجاب بالخوف والحب بالنفور والاقتراب بالابتعاد، وهو الأمر الذي يوصف به الطرفين على حد سواء.
دعونا نتفق أن عملية التأثير والتأثر بين الحضارات والمجتمعات عملية واقعية لا مجال لإنكارها، والفكر الإنساني بطبيعته المتراكمة وتركيبه البديع يسير وفق التاريخ، ومن خلاله لا رغمًا عنه، وقد حمل هذا الفكر وقدمه مفكرون ومجتهدون من سائر الأمم والأعراق، ولذلك ليس هناك حضارة بدأت من الصفر بل تنشأ وتؤسس على ما أنجزه السابقون وطوره اللاحقون.
في مستشفيات أوروبا الآن سنجد بصمات ابن سينا والرازي كما كانت في مستشفيات العالم الإسلامي وقت مجده بصمات أبقراط اليوناني، وكانت في مدارسه بصمات إقليدس وفيثاغورث الهندسية، وها نحن الآن نرى بصمات ابن الهيثم في اكتشاف سرعة الضوء في أجهزة الكمبيوتر والهاتف الجوال، وفى الجوانب الاجتماعية والفكرية سنجد عطاءات حمورابي وأفلاطون وأرسطو تمتزج بعطاءات ابن رشد وبن خلدون والغزالي والفارابي وتوما الإكويني وبيكون، بل وحتى في العصر الحديث نكاد نرى التأثير والتأثر في المجالات الأدبية والفنية، وهو ما يتجلى في أدب نجيب محفوظ عندنا وأديب النرويج الكبير هنريك أبسن، مع خصوصية كل منهما بطبيعة الحال.