هو حب عف لأنه حرم المتعة الجسدية ، وهو
عاطفة صادقة لأنه يدوم ويستمر
ويبقي على الرغم من الحرمان والجوي والفراق
القاتل … ثم هو ذلك حب
يتسامي فيه صاحبة ، لانه يحرص على القيم
الإنسانية والمثل العليا ولا يقف
عند مجرد الحسرة والندم على الحرمان ، من
متع الحب العذري وصال الحبيب .
فالحب العذري حب جارف قوي عارم فهو حب لا
يلتقي فيه الحبيبان مما يجعل
صاحبة يقاسي اشد أيام حياته فليله نهار ونهاره
عذاب كما عاشها أصحابها .
وفي هذا الحب يصدق فيه الإنسان مع حبيبة بان
يعطية الوفاء والعهد
وان نظرت الي غزل الحب العذري تجد انه الغزل
المسيطر عليه هو عزل العف
الخالي من الجنس .
وقد نشاء الحب العذري في بادية الحجاز ونجد
وكان بمثابة رد فعل للغزل
اللاهي في المدن ، فلوعة شاعر البادية بتصوير
عاطفتهم في ثوب جديد عف ،
يرضي عنه الخلق ، ويوفق بين مطالب الجسد
والروح .
وقد نشاء الحب العذري بعد الأسلام ، واتضحت
سماته في عهد الأمويين .
وقد عاش هذا الحب قيس ابن الملوح وليلي وقد
تجد قصيدة المؤنسة هي
القصيدة الأكثر شيوعا في حيات قيس فقد كان
يرددها دائما وكانت تؤنسه في
خلوته عندما كان يهيم بها . وهي قصيدة طويلة
جدا نأخذ منها بعض المقتطفات
التي يقول قيس في مطلعتا :-
وأيام لا نخشي على اللهو ناهيا**** تذكرت ليلي
والسنين الخواليا
بليلي فهالني ماكنت ناسيا**** ويوم كظل الرمح ،
قصرت ظله
بذات الغضي نزجي المطي النواحيا**** بتمدين لاحت
نار ليلي ، وصحبتي
إذا جئتكم بالليل لم أدر ما هيا **** فياليل
كم من حاجة لى مهمهة
وجدنا طوال الدهر للحب شافيا**** لحي الله
أقوما يقولون أننا
قضي الله في ليلي ، ولا قضي ليا **** خليلي
، لأ والله لا أملك الذي
فهلا بشئ غير ليلي ابتلاني**** قضاها لغيري ،
وابتلاني بحبها
يكون كافيا لا علي ولا ليا**** فيا رب سو
الحب بيني وبينها
ولا الصبح إلا هيجا ذكرها ليا **** فما طلع
النجم الذي يهتدي به
فهذا لها عندي ، فما عندها ليا **** فاشهدو
عند الله اني احبها
وبالشوق مني والغرام قضي ليا **** قضي الله
بالمعروف منها لغيرنا
أبيت سخين العين حيران باكيا **** معذبتي لولاك
ما كنت هائما
هواك فيا للناس قو عزائيا **** معذبتي قد طال
وجدي وشفني
ألا يا حمام العراق أعنني**** على شجي وابكين
مثل بكائيا
يقولون ليلى في العراق مريضة**** فيا ليتني كنت
الطبيب المداويا
فيا رب إذ صيرت ليلي هي المنى**** غرامي لها
يزداد إلا تماديا
----------------------------------------------------------------------
قيس وليلى
ولا يذكر الحب في شعرنا العربي إلا ويذكر مع
مجنون ليلى هذا الاسم الأسطورة
، الذي صارع علما على نوع الحب هو الحب
العذري
ونأخذ لمحة علي حيات قيس وحبيبته ليلي
عاش مجنون في عصر الدولة الامويه ،استمرت حياته
حتى عام سبعين من الهجرة
، وأن اسمه الكامل هو قيس بن الملوح بن
عامر بن صعصعة ، وان ليلي التي
أحبها وهام بها وقضي بسبب حبها هي ليلي بنت
مهدي بن سعد بن كعب بن
ربيعة … وان كليهما نشأ في بيت ذي ثراء
وافر وخير كثير .
ولكن ما هي أولا حكاية هذا الحب العذري ؟
في رحاب الصحراء العربية وتحت خيامها ، وظلال
كثبانها ومنعطفات
أوديتها .، نما وترعرع حب الفروسية الأصيل
فالبادية أيقظت وجدان الشاعر
العربي الحديث عن الحب فقد أحبا قيس ليلى
منذو الصغر وترعرعا حتى الكبر
وقصتهما طويلة جدا ولكن السبب الذي بعد قيس
عن ليلى هو التشبيب والغزل
الصريح مظنة صله بها قبل الزواج ، ومبعث
ريبة في أن الزواج لم يتم
بينهما إلا ستر للعار
وتحرم ليلي على قيس وتجبر على الزواج من
غيره ولا يحتمل قيس وقع الكارثة
، فيهيم على وجهه ويختبل عقله وتدركه المنية
وهو علي هذا الحال ..شاردا
ذاهل اللب فيما يشبه الجنون .
----------------------------------------------------------------------
جميل بثينه
وقد لحق بقيس ابن الملوح جميل بن معمر
وحبيبته بثينه
ومن هذا الشاعر نتعرف على ارقي نمازج الحب
العذري واصفها وأصدقها وترا
وأشدها حرارة ، وهو شعر يمتلى بشكاوي النفس
وما يلاقيه المحب المتيم من
تباريح الوجد وقسوة البعد ومرارة الحرمان ولكن
مع ذلك صادق اللوعة ، عف
الضمير واللسان ‘ رصين التعبير غني القلب
مرفوف الحي والشعور . ثم هو
شاعر عاشق يرضى من محبوبته بالقليل ، بل اقل
القليل وقد نجده انه دائم
الحديث عن بخل حبيبته . ولكنه حديث الرضي
المستسلم لا يسخط ولا يغضب ولا
يتمرد ولا يهدد ولا يتوعد أو يثور ، وإنما
هو مكتف بمجرد الاشاره الي بخل
بثينه بكل ما من شانه يملاء حياته نعيما
وبهجة ، بخلها بالوصال .
ويحدثنا التاريخ أن جميل بن عبد الله بن
معمر العذري قد سبت فؤادة بثينه
بنت حبا بن جن بن ربيعة العذري . فالشاعر
وحبيبته ينتميان لشجره واحدة
في النسب ويقيمان معا في مكان واحد هو وادي
القري وهو موضع في الحجاز
قرب المدينة
وكما حدث لقيس بن الملوح وليلاه بعد أن ذاعت
قصة حبهما وتناقلت أخبارهما
الركبان ، فحرمت عليه وزوجت غيره ، حدث هذا
لجميل وبثينه بعد أن ذاع
شعره فيها وهيامه بها ، وتحدث به الناس في
القبيلة وخارج القبيلة حتى
إذا جاء جميل إلى أبيها خاطبا ورفضه أبوها
خشية أن يقال انه زوجها ستر
لعارها . وتزوجت بثينة إلي فتي من عذره : هو
نبيه بن الأسود ، ولكن
زواجهما لا يمنع جميلا عنها ، فهو يزورها
خفية في بيت زوجها ، ويقول فيها
القصيدة بعد القصيدة ، وهي تساعدة أحيانا ثم
تصد عنه أحيانا أخري ، وهو
في الحالين مستطار اللب طائر العقل ، مسلوب
القلب وتمضي الأيام ويدب
اليأس في قلب جميل ، فيهاجر إلى مصر ويمرض
فيها مرضة الأخير .. حتى إذا
حضرته الوفاه كانت أخر كلماته من اجل بثينه
حبا وتذكرا وتعلقا ووفاء (
ما أجمل الوفاء يا من تحبون ) حتى الرمق
الأخير ، ويموت جميل سنة اثنين
وثمانون للهجره . ويبقي من بعده صوته الشعري
المتوهج بالحرارة والصدق ،
ينطق بعذريته وصدق حبه ومكابدته ..
ألا إنها ليست تجود لذي الهوى**** بل البخل
منها شيمة وخلائق
وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا**** سوى أن
يقولوا إنني لك عاشق
نعم صدق الواشون انت كريمة **** على وان لم
تصف منك الخلائق
أحبابي إليكم اشهر قصائد جميل و أطولها ولكني
سآتيكم بمقتطفات منها وهذا
الغزل العذري على لسان جميل إضرابه أعمق
التأثير في النفس شديد أثاره
للعاطفة وهو غزل لا يتوقف عند مجرد التشبيب
بمحاسن المرآة ومفاتنها –
على عادة الشعر العربي القديم – وإنما هو
يتجاوز ذلك إلى الامتلاء الروحي
بنفس الشاعر ومشاعره وآلامها وآمالها ، والتعبير
عن الطبيعة العفة
الصادقة للحب التي تربطه بحبيبته التي وقف
عليها قلبه دون سائر النساء .
ويقول جميل
ألا ليت ريعان الشباب جديد**** ودهر تولي – يابثين – يعود
فنبقي كما نكون ، وانتمو**** قريب واذا ما تبذلين زهيد
خليلي ما ألقي من الوجد باطن **** ودمعي بما أخفي الغداه – شهيد
إذا قلت ما بي يا بثينه قاتلي **** من الحب ، قالت : ثابد ويزيد
وان قلت ردي بعض عقلي اعش به**** تولت وقالت: ذاك منك بعيد
فلا انا مردود بما جئت طالبا **** ولا حبها فيما يبيد يبيد
وقلت لها : بيني وبينك فاعلمي **** من الله ميثاق له عهود
وأفنيت عمري بانتظارِ وعدها **** وأبليت فيها الدهر وهو جديد
ويحسب نسوان من الجهل أنني **** إذا جئت إهين كنت أريد
فاقسم طرفي بينهن فيستوي **** وفي الصد بون بينهن بعيد
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة **** بوادي القري إني إذن لسعيد
وهل اهبط أرضا تظل ريحها **** لها بالثنايا القاويات وئيد
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها **** ويحيا إذ فارقتها فيعود
يقولون : جاهد يا جميل بغزوه **** وأي جهاد غيرهن أريد
لكل حديث عندهن بشاشه **** وكل قتيل عندهن شهيد
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل **** الي اليوم حبها ينمي حبها ويزيد
فهل ألقين ببثينه ليلة **** تجود لنا من ودها ونجود
من كان في حبي بثسنه يمتري**** فبرقاء ذي ضال على شهيد
وهكذا حكم على جميل كما حكم على قيس
******
ونرحل مع قصة من قصص الحب العذري
وهي قيس ابن ذريح بن الأحباب بن سنه وينتهي
نسبة إلى حزيمة من عرب الشمال
ويقولون انه من أعراب الحجاز ، أما لبني هذه
التي تغنى بها قيس ، وصار
منسوبا أليها ، فهي لبني بنت أحباب أم معمر
، من بني كعب من خزاعة ،
يصفونها بأنها كانت مديدة القامة ، يخالط سواد
عينها زرقة ، حلوه المنظر
والكلام ويقولون أنها كانت بهية الطلعة ، عذبه
الكلام سهله المنطق .
واعذروني أن اختصرت القصة فهي شيقة جدا يحبها
كل قلبا يملى روحة الحب
والحنان والطيبة والعطف
إليكم القصة :
في أحد زيارات قيس لأخواله ، اشتد به الحر
فشعر بالظمأ ، فوقف على خيمة
والرجال غائبون ، فطلب ماء فبرزت له لبنى
فسقته وأعجب بها ، وطلبت له أن
يستريح عندهم حتى تخف وطاه القيظ( الصحراء)
فلبها وتحادثا ، فملكت عليه
فؤاده . وملك عليها فؤادها ، وقدم أبوها فرحب
به ونحر له ، واحتفي
وأكرمه . وانصرف قيس وقد غلب عليه الهوى .
فأنطقه شعر ورواه الرواة ،
وشاع في المجالس .
ونأتي هنا كي نقول أن الحب العذري قد وصل
إلى اللقاء وهذا شئ كبير ؟
وتزوج قيس من لبني ويجتمع شمل المحبين ،
ويقيمان أمدا في ظل السعادة
ورفاه وهناء متصل . ولكن قيسا وحيد والدية
الثريين – ينسيه حبه للبني
وزواجه منها كل شئ أخر في حياته .فتغضب أمه
لما ترى من اغتصاب امرأة
أخري له فتكيد لزوجته وتتفنن في الإيقاع
بينهما .. وخاصة
أن لبني لم تنجب من قيس ويستمر الحال على
هذا عشر سنوات ، ويجتمعون عليه
أبوه وقومة ناصحين له بالزواج من أحد بنات
عمه لعل الله يهب له ولد يرث
ثروة الأسرة من بعدة . ولا يستجيب لهما قيس ..
فيأتيه القوم يعظمون عليه
الأمر حتى استطاعوا أن يجعلوه يطلق لبني
فيطلقها . في لحظة ضعف قاتله .
ثم لا يلبث قيس أن يستشعر وقع الفجيعة ،
فجيعته في حبه ويحس بالفراغ الذي
خلفته لبني في حياته ، واللوعة التي ملكت كل
جوانحه فينطلق لسانه
بالأشعار الباكية .
.عاطفة صادقة لأنه يدوم ويستمر
ويبقي على الرغم من الحرمان والجوي والفراق
القاتل … ثم هو ذلك حب
يتسامي فيه صاحبة ، لانه يحرص على القيم
الإنسانية والمثل العليا ولا يقف
عند مجرد الحسرة والندم على الحرمان ، من
متع الحب العذري وصال الحبيب .
فالحب العذري حب جارف قوي عارم فهو حب لا
يلتقي فيه الحبيبان مما يجعل
صاحبة يقاسي اشد أيام حياته فليله نهار ونهاره
عذاب كما عاشها أصحابها .
وفي هذا الحب يصدق فيه الإنسان مع حبيبة بان
يعطية الوفاء والعهد
وان نظرت الي غزل الحب العذري تجد انه الغزل
المسيطر عليه هو عزل العف
الخالي من الجنس .
وقد نشاء الحب العذري في بادية الحجاز ونجد
وكان بمثابة رد فعل للغزل
اللاهي في المدن ، فلوعة شاعر البادية بتصوير
عاطفتهم في ثوب جديد عف ،
يرضي عنه الخلق ، ويوفق بين مطالب الجسد
والروح .
وقد نشاء الحب العذري بعد الأسلام ، واتضحت
سماته في عهد الأمويين .
وقد عاش هذا الحب قيس ابن الملوح وليلي وقد
تجد قصيدة المؤنسة هي
القصيدة الأكثر شيوعا في حيات قيس فقد كان
يرددها دائما وكانت تؤنسه في
خلوته عندما كان يهيم بها . وهي قصيدة طويلة
جدا نأخذ منها بعض المقتطفات
التي يقول قيس في مطلعتا :-
وأيام لا نخشي على اللهو ناهيا**** تذكرت ليلي
والسنين الخواليا
بليلي فهالني ماكنت ناسيا**** ويوم كظل الرمح ،
قصرت ظله
بذات الغضي نزجي المطي النواحيا**** بتمدين لاحت
نار ليلي ، وصحبتي
إذا جئتكم بالليل لم أدر ما هيا **** فياليل
كم من حاجة لى مهمهة
وجدنا طوال الدهر للحب شافيا**** لحي الله
أقوما يقولون أننا
قضي الله في ليلي ، ولا قضي ليا **** خليلي
، لأ والله لا أملك الذي
فهلا بشئ غير ليلي ابتلاني**** قضاها لغيري ،
وابتلاني بحبها
يكون كافيا لا علي ولا ليا**** فيا رب سو
الحب بيني وبينها
ولا الصبح إلا هيجا ذكرها ليا **** فما طلع
النجم الذي يهتدي به
فهذا لها عندي ، فما عندها ليا **** فاشهدو
عند الله اني احبها
وبالشوق مني والغرام قضي ليا **** قضي الله
بالمعروف منها لغيرنا
أبيت سخين العين حيران باكيا **** معذبتي لولاك
ما كنت هائما
هواك فيا للناس قو عزائيا **** معذبتي قد طال
وجدي وشفني
ألا يا حمام العراق أعنني**** على شجي وابكين
مثل بكائيا
يقولون ليلى في العراق مريضة**** فيا ليتني كنت
الطبيب المداويا
فيا رب إذ صيرت ليلي هي المنى**** غرامي لها
يزداد إلا تماديا
----------------------------------------------------------------------
قيس وليلى
ولا يذكر الحب في شعرنا العربي إلا ويذكر مع
مجنون ليلى هذا الاسم الأسطورة
، الذي صارع علما على نوع الحب هو الحب
العذري
ونأخذ لمحة علي حيات قيس وحبيبته ليلي
عاش مجنون في عصر الدولة الامويه ،استمرت حياته
حتى عام سبعين من الهجرة
، وأن اسمه الكامل هو قيس بن الملوح بن
عامر بن صعصعة ، وان ليلي التي
أحبها وهام بها وقضي بسبب حبها هي ليلي بنت
مهدي بن سعد بن كعب بن
ربيعة … وان كليهما نشأ في بيت ذي ثراء
وافر وخير كثير .
ولكن ما هي أولا حكاية هذا الحب العذري ؟
في رحاب الصحراء العربية وتحت خيامها ، وظلال
كثبانها ومنعطفات
أوديتها .، نما وترعرع حب الفروسية الأصيل
فالبادية أيقظت وجدان الشاعر
العربي الحديث عن الحب فقد أحبا قيس ليلى
منذو الصغر وترعرعا حتى الكبر
وقصتهما طويلة جدا ولكن السبب الذي بعد قيس
عن ليلى هو التشبيب والغزل
الصريح مظنة صله بها قبل الزواج ، ومبعث
ريبة في أن الزواج لم يتم
بينهما إلا ستر للعار
وتحرم ليلي على قيس وتجبر على الزواج من
غيره ولا يحتمل قيس وقع الكارثة
، فيهيم على وجهه ويختبل عقله وتدركه المنية
وهو علي هذا الحال ..شاردا
ذاهل اللب فيما يشبه الجنون .
----------------------------------------------------------------------
جميل بثينه
وقد لحق بقيس ابن الملوح جميل بن معمر
وحبيبته بثينه
ومن هذا الشاعر نتعرف على ارقي نمازج الحب
العذري واصفها وأصدقها وترا
وأشدها حرارة ، وهو شعر يمتلى بشكاوي النفس
وما يلاقيه المحب المتيم من
تباريح الوجد وقسوة البعد ومرارة الحرمان ولكن
مع ذلك صادق اللوعة ، عف
الضمير واللسان ‘ رصين التعبير غني القلب
مرفوف الحي والشعور . ثم هو
شاعر عاشق يرضى من محبوبته بالقليل ، بل اقل
القليل وقد نجده انه دائم
الحديث عن بخل حبيبته . ولكنه حديث الرضي
المستسلم لا يسخط ولا يغضب ولا
يتمرد ولا يهدد ولا يتوعد أو يثور ، وإنما
هو مكتف بمجرد الاشاره الي بخل
بثينه بكل ما من شانه يملاء حياته نعيما
وبهجة ، بخلها بالوصال .
ويحدثنا التاريخ أن جميل بن عبد الله بن
معمر العذري قد سبت فؤادة بثينه
بنت حبا بن جن بن ربيعة العذري . فالشاعر
وحبيبته ينتميان لشجره واحدة
في النسب ويقيمان معا في مكان واحد هو وادي
القري وهو موضع في الحجاز
قرب المدينة
وكما حدث لقيس بن الملوح وليلاه بعد أن ذاعت
قصة حبهما وتناقلت أخبارهما
الركبان ، فحرمت عليه وزوجت غيره ، حدث هذا
لجميل وبثينه بعد أن ذاع
شعره فيها وهيامه بها ، وتحدث به الناس في
القبيلة وخارج القبيلة حتى
إذا جاء جميل إلى أبيها خاطبا ورفضه أبوها
خشية أن يقال انه زوجها ستر
لعارها . وتزوجت بثينة إلي فتي من عذره : هو
نبيه بن الأسود ، ولكن
زواجهما لا يمنع جميلا عنها ، فهو يزورها
خفية في بيت زوجها ، ويقول فيها
القصيدة بعد القصيدة ، وهي تساعدة أحيانا ثم
تصد عنه أحيانا أخري ، وهو
في الحالين مستطار اللب طائر العقل ، مسلوب
القلب وتمضي الأيام ويدب
اليأس في قلب جميل ، فيهاجر إلى مصر ويمرض
فيها مرضة الأخير .. حتى إذا
حضرته الوفاه كانت أخر كلماته من اجل بثينه
حبا وتذكرا وتعلقا ووفاء (
ما أجمل الوفاء يا من تحبون ) حتى الرمق
الأخير ، ويموت جميل سنة اثنين
وثمانون للهجره . ويبقي من بعده صوته الشعري
المتوهج بالحرارة والصدق ،
ينطق بعذريته وصدق حبه ومكابدته ..
ألا إنها ليست تجود لذي الهوى**** بل البخل
منها شيمة وخلائق
وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا**** سوى أن
يقولوا إنني لك عاشق
نعم صدق الواشون انت كريمة **** على وان لم
تصف منك الخلائق
أحبابي إليكم اشهر قصائد جميل و أطولها ولكني
سآتيكم بمقتطفات منها وهذا
الغزل العذري على لسان جميل إضرابه أعمق
التأثير في النفس شديد أثاره
للعاطفة وهو غزل لا يتوقف عند مجرد التشبيب
بمحاسن المرآة ومفاتنها –
على عادة الشعر العربي القديم – وإنما هو
يتجاوز ذلك إلى الامتلاء الروحي
بنفس الشاعر ومشاعره وآلامها وآمالها ، والتعبير
عن الطبيعة العفة
الصادقة للحب التي تربطه بحبيبته التي وقف
عليها قلبه دون سائر النساء .
ويقول جميل
ألا ليت ريعان الشباب جديد**** ودهر تولي – يابثين – يعود
فنبقي كما نكون ، وانتمو**** قريب واذا ما تبذلين زهيد
خليلي ما ألقي من الوجد باطن **** ودمعي بما أخفي الغداه – شهيد
إذا قلت ما بي يا بثينه قاتلي **** من الحب ، قالت : ثابد ويزيد
وان قلت ردي بعض عقلي اعش به**** تولت وقالت: ذاك منك بعيد
فلا انا مردود بما جئت طالبا **** ولا حبها فيما يبيد يبيد
وقلت لها : بيني وبينك فاعلمي **** من الله ميثاق له عهود
وأفنيت عمري بانتظارِ وعدها **** وأبليت فيها الدهر وهو جديد
ويحسب نسوان من الجهل أنني **** إذا جئت إهين كنت أريد
فاقسم طرفي بينهن فيستوي **** وفي الصد بون بينهن بعيد
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة **** بوادي القري إني إذن لسعيد
وهل اهبط أرضا تظل ريحها **** لها بالثنايا القاويات وئيد
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها **** ويحيا إذ فارقتها فيعود
يقولون : جاهد يا جميل بغزوه **** وأي جهاد غيرهن أريد
لكل حديث عندهن بشاشه **** وكل قتيل عندهن شهيد
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل **** الي اليوم حبها ينمي حبها ويزيد
فهل ألقين ببثينه ليلة **** تجود لنا من ودها ونجود
من كان في حبي بثسنه يمتري**** فبرقاء ذي ضال على شهيد
وهكذا حكم على جميل كما حكم على قيس
******
ونرحل مع قصة من قصص الحب العذري
وهي قيس ابن ذريح بن الأحباب بن سنه وينتهي
نسبة إلى حزيمة من عرب الشمال
ويقولون انه من أعراب الحجاز ، أما لبني هذه
التي تغنى بها قيس ، وصار
منسوبا أليها ، فهي لبني بنت أحباب أم معمر
، من بني كعب من خزاعة ،
يصفونها بأنها كانت مديدة القامة ، يخالط سواد
عينها زرقة ، حلوه المنظر
والكلام ويقولون أنها كانت بهية الطلعة ، عذبه
الكلام سهله المنطق .
واعذروني أن اختصرت القصة فهي شيقة جدا يحبها
كل قلبا يملى روحة الحب
والحنان والطيبة والعطف
إليكم القصة :
في أحد زيارات قيس لأخواله ، اشتد به الحر
فشعر بالظمأ ، فوقف على خيمة
والرجال غائبون ، فطلب ماء فبرزت له لبنى
فسقته وأعجب بها ، وطلبت له أن
يستريح عندهم حتى تخف وطاه القيظ( الصحراء)
فلبها وتحادثا ، فملكت عليه
فؤاده . وملك عليها فؤادها ، وقدم أبوها فرحب
به ونحر له ، واحتفي
وأكرمه . وانصرف قيس وقد غلب عليه الهوى .
فأنطقه شعر ورواه الرواة ،
وشاع في المجالس .
ونأتي هنا كي نقول أن الحب العذري قد وصل
إلى اللقاء وهذا شئ كبير ؟
وتزوج قيس من لبني ويجتمع شمل المحبين ،
ويقيمان أمدا في ظل السعادة
ورفاه وهناء متصل . ولكن قيسا وحيد والدية
الثريين – ينسيه حبه للبني
وزواجه منها كل شئ أخر في حياته .فتغضب أمه
لما ترى من اغتصاب امرأة
أخري له فتكيد لزوجته وتتفنن في الإيقاع
بينهما .. وخاصة
أن لبني لم تنجب من قيس ويستمر الحال على
هذا عشر سنوات ، ويجتمعون عليه
أبوه وقومة ناصحين له بالزواج من أحد بنات
عمه لعل الله يهب له ولد يرث
ثروة الأسرة من بعدة . ولا يستجيب لهما قيس ..
فيأتيه القوم يعظمون عليه
الأمر حتى استطاعوا أن يجعلوه يطلق لبني
فيطلقها . في لحظة ضعف قاتله .
ثم لا يلبث قيس أن يستشعر وقع الفجيعة ،
فجيعته في حبه ويحس بالفراغ الذي
خلفته لبني في حياته ، واللوعة التي ملكت كل
جوانحه فينطلق لسانه
بالأشعار الباكية .