الغنوشي: غزة نقلت قيادة المشروع الوطني الفلسطيني إلى حماس

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

osama305

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
31 أكتوبر 2008
المشاركات
3,660
نقاط التفاعل
725
النقاط
171
محل الإقامة
المسيلة
حوار - هادي يحمد

Satellite
الشيخ راشد الغنوشياعتبر الشيخ "راشد الغنوشي" المفكر الإسلامي المعروف، ورئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية، أن العدو الصهيوني قد فشل في تحقيق أهدافه من الحرب على غزة، وأنه لم يستطع اجتثاث حركة حماس، أو القضاء على المقاومة، بل على العكس فإن هذه الحرب قد نقلت قيادة المشروع الوطني الفلسطيني إلى حركة حماس، بعد أن كان لعقود عديدة بيد قوى أخرى، وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية. وأكد "الغنوشي" في حوار خاص مع شبكة "إسلام أن لاين.نت"، على أن المعتدي قد انفلت من كل قيمة وخلق وقانون للحرب، مفسرا ذلك بفشل الحصار الصهيوني الذي حول غزة إلى سجن لأصحابه في أن يفت في عضد هذا الشعب وهذه المقاومة، ومرجعا هذه الوحشية المنفلتة من أعماق الغرائز البهيمية الإسرائيلية إلى ما ترسب من مواريث تلمودية وتوراتية من أساطير مؤسسة للكيان الصهيوني، ومن فلسفة حلولية؛ حيث يحل الرب في شعب بني إسرائيل المدلل، بما يبيح لهم اجتراح أي شيء.
وحول أبرز خلاصات هذه الحرب، رأى "الغنوشي"، أنها التعبير الأبلغ على إفلاس المشروع الصهيوني "الأخلاقي" ووصوله إلى الحدود القصوى في استخدام القوة المنفلتة؛ مما يعني بداية التراجع والانقلاب إلى الضد.
وأكد على أن هذه الحرب قد عرت النظام العربي الرسمي والأنظمة المتحكمة فيه، وكشفت عن حجم الهوة السحيقة التي تفصلها عن شعوبها، كما كشفت عن عمق ما تتمتع به القضية الفلسطينية من تأثير وسط التيارات الأساسية الفاعلة في الرأي العام: الإسلامية، والقومية، واليسارية، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وأنها حرب تنقل قيادة مواجهة المشروع الصهيوني إلى التيار الإسلامي بمختلف أطيافه، وتنقل قيادة المشروع الوطني الفلسطيني إلى حماس وإلى حلفائها: إسلاميين، وقوميين، ويساريين، على امتداد المنطقة والعالم بعد أن صنعت فرزا جديدا فلسطينيا وإقليميا ودوليا في المستويات الشعبية والرسمية.. فرزا بين قوى المقاومة وحلفائها وأنصارها وبين القوى المتحالفة مع المشروع الصهيوني.
وفيما يلي نص الحوار:
* كيف تصفون الحرب الإسرائيلية الغاشمة التي جرت ضد قطاع غزة؟
لم تكن هذه حربا عدوانية على غرار كل حروب هذا الكيان السرطاني، إلا أنها فاقتها جميعها بانفلات المعتدي من كل قيمة وخلق وقانون للحرب، وبالنظر لأن الطرف الآخر المعتدى عليه في هذه "الحرب": جيش غزة" المفترض هو بمنطق العلم العسكري غير موجود؛ بسبب غياب أي مستوى من مستويات تكافؤ السلاح، دبابة مقابل دبابة، ومدفع مقابل آخر؛ مما يجعلها حربا على غزة، وليست حربا معها.
وإلا ماذا من عبقرية وشجاعة وبطولة في استخدام أفتك ما أنتجت الحداثة الغربية من أدوات التدمير: طائرات من دون طيار، وطائرات مقاتلة، وطائرات يعلو بها مقاتل صهيوني صنديد مدينة غزة دون أي طيران مقاتل، ودون أي دفاع جوي، فيمارس بها العربدة، فيما يسمى بالقصف السجادة، يدمر كل شيء من تحته، كل بشر وشجر وحجر، غير متورع حتى في استخدام القنابل الفسفورية الحارقة؟!
وفي الوقت ذاته يوجه فارس صهيوني آخر إلى نفس الأهداف مدافع دباباته المحصنة وجرافاته فاتحا لها طرقات وسط المباني، مستعينا بالبوارج البحرية يدك بمدفعها المدينة دكا، بينما لا يملك حراس المدينة لا طائرة ولا دبابة ولا بارجة ولا مدفعا مضادا.
فهل لهذا الصهيوني الهمام ما يفخر به بمنطق العلم العسكري إذا نجح في تحقيق مجزرة في سوق مزدحم بالناس، أو تدمير مدرسة أو مستشفى أو سجن؟ أم الأحرى أن يكون قد شهد على نفسه بالإفلاس العسكري والخلقي، ومستحقا لأن يحاكم في محكمة دولية باعتباره مجرم حرب.
* وما هو تفسيركم لانفلات العدو الإسرائيلي من كل قانون يرتبط بالحرب، وهذا الاستخدام المفرط لكل أنواع الأسلحة دون تفريق بين مدني وعسكري؟
الحقيقة أن قطاع غزة هو في أقرب الأوصاف "سجن"، فُرض الحصار عليه منذ سنتين على مليون ونصف، لا لشيء إلا لأن نزلاء السجن أعطيت لهم فرصة ليختاروا فريقا يدير أمرهم، ففاجأوا السجان باختيار فريق لا يرضيه، فقرر معاقبتهم بحرمانهم من ضرورات الحياة، من أجل تطويعهم وحملهم على التمرد على الفريق الذي اختاروه لإدارة شئونهم، فلم يذعنوا بل طفقوا يحتجون ويستصرخون الضمائر الحية، إلا أن استغاثاتهم لم تصادف نخوة المعتصم، بل شددت إدارة السجن محاصرتهم وتجويعهم، فقرروا أن يقاوموا، واصطنعوا لهم مما هو متوفر لديهم من مواد بسيطة ومما نجحوا في تهريبه، من أدوات وأسلحة ذات طبيعة احتجاجية، هي أقرب إلى أنواع الأسلحة التي تستخدمها المسيرات السلمية كالمولوتوف، تروّع ولا تقتل، دفاعا عن أنفسهم، والدليل أن الصواريخ المستخدمة لم تقتل أحدا بعد أن أطلق منها ما يزيد عن 400، ومع ذلك شكلت قوة توازن وردع بسبب جبن الصهاينة، فما كان من السجان إلا أن صمم على التدمير الشامل للسجن على رءوسهم، مستظهرا عليهم بكل أحلافه، وحتى بالجوار القريب، شانّا عليهم "حربا" مدمرة، غير موفّر فيها أي سلاح مما تستخدمه جيوش الدول عندما تتحارب، بل حتى ما حرمه قانون الحرب وحظرته الأخلاق.
وهل يعد ما حدث من حرب على هذا السجن حربا في عرف الحروب ومنطق العلم العسكري؟ وهل النجاح في قتل رضيع وامرأة وعجوز ومدني جائع مجرد من السلاح يعد نصرا؟!
ليس شيئا مما تقترفه العصابات الصهيونية لتدمير سجن غزة على رءوس أهله، وتدمير ملاجئ الأونروا يعد في عرف وقانون وأخلاق الحرب حربا.. إنها الوحشية المنفلتة من أعماق الغرائز البهيمية لوحوش مسعورة جريحة تغرف دوافعها مما رسبته مواريث تلمودية وتوراتية من أساطير مؤسسة للكيان الصهيوني، ومن فلسفة حلولية؛ حيث يحل الرب في شعب بني إسرائيل المدلل، بما يبيح لهم اجتراح أي شيء؛ إذ لا قيمة إنسانية خارج الشعب المختار.
ولقد تكرر مرات كثيرة في التوراة الأمر الإلهي المزعوم لقادة الشعب المختار بإبادة السكان الأصليين لفلسطين، إلى حد الإبادة الشاملة، حتى تصفو لهم الأرض الموعودة. (انظر مثلا سفر الخروج، الإصحاح 23 و34).
كما تغرف من الموروث الغربي الوالغ في حروب الإبادة المستلهمة من الفلسفات الحلولية، وهل من عجب أن يتعاطف الأمريكان مع الكيان الصهيوني، ويتقبلوا كل فظائعه فضلا عن دعمهم غير المشروط، وهم يرونه صورة مصغرة لتاريخهم في إبادة شعوب بكاملها لتأسيس مجدهم على أنقاضها؟ مضافة إلى ذلك المواريث المشتركة في عداوة الإسلام وركوب المشروع الصهيوني -شأن معظم أنظمة العرب- قطار الحرب على الإرهاب.
أضف إلى ذلك تغلغل النفوذ الصهيوني الثقافي والسياسي والإعلامي والاقتصادي في كل تلافيف العقل والحياة الغربيين، ومن ذلك عقدة الغرب تجاه آثامه في حق اليهود.. كل ذلك أحل اليهودي منزلة تعلو فوق كل قانون، فأحلّ له عمل ما لا يحلّ لغيره؛ تكفيرا عن ذنب، وإعذارا أو رهبا من بطشه، أو رغبا في الإفادة من نفوذه، وهذا كله يجعل هذه "الحرب":
1 ـ الترجمة الأكثر كثافة من كل سابقاتها على بلوغ النفوذ الصهيوني شأوا بعيدا، وبالخصوص على صعيد مراكز صنع القرار في الغرب، والشيء إذا بلغ حده انقلب، أو بدأ ينقلب إلى ضده.
2 ـ التعبير الأبلغ على إفلاس المشروع الصهيوني "الأخلاقي"، ووصوله إلى الحدود القصوى في استخدام القوة المنفلتة، بمنأى من كل خلق وقانون ودين، مدفوعا بقوة بالمأزق الذي وصل إليه مشروعه الاحتلالي في مواجهة شعب مصمم على الموت دون القبول بمنطق المتغلب.
إنه التصادم بين رفض الضحية المتصاعد المنبعث من الأساطير المؤسسة للاحتلال، مثل أسطورة التفوق الموهوم، بما جعل "الشعب المختار" في حالة جنون إزاء ذلك الرفض المتصاعد للخضوع لمنطق القوة، مضافا إلى غروره المعروف إلى حد المرض العام، وإلا فكيف يفهم ارتفاع أسهم زعيم لديه بقدر ما يرتكب من مجازر؟ ماذا بقي من جرائم يمكن له اقترافها؟ وماذا بقي عنده من أسلحة يمكن له استخدامها لتطويع سجن غزة الثائر بعد أكثر من عشرين يوما من جنون العنف المنفلت؟
* هذا على جانب العدو الصهيوني، ولكن ما هي أبرز الدلالات التي كشفتها هذه الحرب فيما يخصنا نحن العرب والمسلمين؟
إن تتبع كافة المواقف الرسمية والشعبية في العالم العربي والإسلامي إنما يكشف عن أن هذه "الحرب":
أولا: عرّت النظام العربي ممثلا في الجامعة العربية، وفي الأنظمة الأساسية المتحكمة فيها؛ إذ كشفت عن مدى الهوة السحيقة التي تفصلها عن شعوبها بالقدر نفسه الذي يلصقها بالكيان الصهيوني وبالإرادة الأمريكية المتحكمة.
ثانيا: كشفت أيضا عن عمق ما تتمتع به القضية الفلسطينية من تأثير وسط التيارات الأساسية الفاعلة في الرأي العام: الإسلامية، والقومية، واليسارية، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
وكانت المسيرات التي حركت الشارع، كما لم يحدث مثل ذلك من قبل، والتي عمت العالم تعبيرا عن عمق الشعور بالمظلمة الفلسطينية، ما جعل الأنظمة ترتعد خوفا من أن يطيح بها الزلزال المنبعث من غزة، دون أن تتزحزح من موقع الارتباط المصيري بالكيان الصهيوني والراعي الأمريكي.
ثالثا: مرة أخرى بعد حرب تموز المجيدة يتولى التيار الإسلامي شرف قيادة الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني، وكان ذلك عاملا آخر من عوامل الصمود في مركز الزلزال غزة؛ حيث الصمود الأسطوري، كما كان ذلك عاملا من عوامل زخم وقوة حركة الشارع على امتداد الإقليم والعالم؛ بسبب امتداد وعمق هذا التيار.
رابعا: ما ستفرزه هذه "الحرب" أو قُل صمود اللحم في مواجهة السكين، من انتقال قيادة المشروع الوطني الفلسطيني إلى حماس، وهو المشروع المركزي في المنطقة الذي طالما كان حاملا لواءه، مؤهلا لتسلم قيادة المنطقة منذ اندلاعه في نهاية الأربعينيات؛ حيث عصفت هزيمة 48 بالنظام العربي، وجاءت بأنظمة رفعت شعار تحرير فلسطين هدفا، ومصدرا لشرعيتها.
ولأن الثقافة السياسية السائدة في العالم يومئذ كانت تنهل من الفلسفات الاشتراكية والقوميات العلمانية، فقد اصطبغت بها الأنظمة وحركات التحرير، حتى إذا اختبرت على صخرة التحدي الصهيوني المرة بعد المرة، فانكسرت وقبلت نهج المساومة والبحث عن الصلح مع العدو بدل طرده، فقد انصرفت عنها الشعوب باحثة في مخزونها الروحي والفكري عن بديل؛ فكان الإسلام المؤسس للأمة وحادي مسيرتها وصانع أمجادها.
وهكذا أخذت -تحت لهيب النيران والقصف والصمود- قيادة المشروع الوطني تنتقل إلى حماس وإلى حلفائها: إسلاميين، وقوميين، ويساريين، على امتداد المنطقة والعالم، صانعة فرزا جديدا فلسطينيا وإقليميا ودوليا في المستويات الشعبية والرسمية، فرزا بين قوى المقاومة وحلفائها وأنصارها وبين القوى المتحالفة مع المشروع الصهيوني.
عبر عن ذلك بوضوح الرئيس مبارك في لقائه مع الرئيس الفرنسي ساركوزي بقوله: "إنه في كل الأحوال ينبغي أن تخرج حماس خاسرة"، كما عبرت عنه ليفني إذ قالت: "إن المعركة ليست بين الفلسطينيين وإسرائيل ولا بين هذه والعرب، وإنما هي بين معسكر الاعتدال ومعسكر الإرهاب بقيادة حماس.
ولأول مرة تعبر الصحافة الإسرائيلية عن ابتهاجها ببروز هذه الظاهرة: أن كثيرا من العرب لا يتمنون انتصار حماس، بل التخلص منها بيد إسرائيلية، أكد ذلك تشديد مصر للحصار رغم كل الضغوط الشعبية والمماطلة في عقد القمة.
وفي خضم إعصار غزة، وحتى قبل أن يهدأ، انحسر مده عن معالم تضاريس جديدة لعالم عربي جديد، مما له من دلالات على عمق المسألة الفلسطينية، وعلى مبلغ اهتراء الشرعيات القائمة، فجاء إعصار غزة ليفعل فعل عواصف الخريف مع الأغصان البالية، وهو ما تفعله الحروب عادة؛ باعتبارها محركا لعجلة التاريخ وتجديد الحياة.
* برأيكم ماذا كانت الأهداف الإسرائيلية الحقيقة لهذه الحرب؟ وهل حققت أهدافها؟
لعل هذه أول "حروب" إسرائيلية من دون أهداف واضحة؛ اعتبارا لتصريحات قادتها الأساسيين: رئيس حكومة مستهلك يقاتل جاهدا من أجل تبييض ملفه الملطخ بالهزيمة المنكرة في حربه على لبنان، وبفضائحه المالية، فيحلم بنصر في غزة ينسي ذلك، ويدرجه ضمن قادة الكيان الكبار.
ومتنافسان على خلافته كل منهما يبحث عن أوراق ترشيح يقدمها لجمهور مريض مطعون في كبريائه، يبحث لاهثا عن زعيم يداوي عقده، ويستعيد للكيان مهابة قد مرغت أكثر من مرة في التراب.
وليس من سبيل إلى إشباع غروره، ورتق فتوق كبريائه، وتطمينه على مستقبله غير استعادة جيشه، وهو كل رصيده في البقاء في المنطقة قدراته الردعية التي بطشت بجيوش العرب مجتمعة عام 1967، مما لم يتكرر بعدها، بل كانت الهزيمة النكراء نصيبه بالخصوص منذ عام 1982، والخروج مدحورا من بيروت، ثم اندحاره من الجنوب عام 2000، ثم انسحابه من غزة، ثم هزيمته في لبنان عام 2006.
فكيف يطمئن كيان قد تأسس على امتلاك جيشه القوة الرادعة المرهبة، وقد توالت هزائم ذلك الجيش، وأخذ يتشكل عبر قوى المقاومة الشعبية، والأنظمة الحليفة لها ميزان قوة جديد، فرض على الكيان الذي بني على التوسع أن يحيط نفسه بجدار عازل؟
فليس من سبيل للزعامة في شعب مريض، يشبه الكلب المسعور، غير المحاولة المتكررة، ولو عبر اقتراف المجازر، لاستعادة الهيبة الضائعة رأس مال بقاء الكيان في وسط معاد له.
لم يفصح الثالوث الذي تولى كبر هذه المجازر عن أهداف محددة، وذلك الدرس المستفاد من حرب تموز؛ حيث حوسب القادة على فشلهم في تحقيق الهدف المعلن للحرب آنذاك: استعادة الجنديين المخطوفين، وتجريد حزب الله من سلاحه.
ورغم أنه قد تم التلويح بهدفين مماثلين لشن العدوان على غزة: تخليص الجندي، وتجريد حماس من سلاحها، وبالخصوص الصواريخ واقتلاعها من السلطة؛ لإعادتها إلى صنائعهم، فضلا عن التمهيد للكر على بقية قوى المقاومة في المنطقة: حزب الله، ودفع سوريا إلى فك تحالفها مع إيران تمهيدا لضرب هذه الأخيرة؛ وهي أهداف مزكاة أمريكيا إن لم يكن غربيا، ومع ذلك فإن الثالوث المتلمظ للدم والأشلاء سبيلا للمجد التاريخي وللزعامة ظل يلوذ بالغموض في تحديد أهدافه من العدوان، وهي لا تخرج عما ذكرنا.
وواضح بعد وقف إطلاق النار أن جيش العدو (خامس جيش في العالم) لم يدخر سلاحا مشروعا وغير مشروع لم يستخدمه، غير القنبلة النووية، ولم يحقق شيئا من تلك الأهداف، ولذلك أخذ يبث في تلك الأهداف قدرا من النسبية والغموض من مثل أنه يريد الحد من قوة حماس الصاروخية، والحد من قدراتها على تهريب السلاح وصنعه.
وربما يكون إقدامه على اصطياد صيد ثمين مثل القائد سعيد صيام، هو نوع من الدخان لتغطية الهزيمة والانسحاب، وترضية شعب مريض بالقول: إننا قد انتصرنا بقضائنا على قادة حمساويين كبار! في تضليل واضح عن حقيقة ثابتة أن حماس مشروع مقاومة تقوم عليه مؤسسات ممتدة عبر العالم كله، وليست مجرد أشخاص، يقطع بذلك أن فقدانها لمؤسسها الأعظم ولخلفائه من القادة السياسيين والعسكريين الكبار لم يفقدها شيئا من قدراتها، بل قد رسخ شرعيتها ونشرها وطنيا وإقليميا وعلى صعيد الأمة والعالم.
* هل تعتقدون أن حركة حماس ستخرج ضعيفة بعد هذه الحرب؟ وما هي المآلات المتوقعة لمصير القضية الفلسطينية، ولحركات التحرر الوطني الفلسطينية؟
كلا لن تكون أضعف بعد هذه "الحرب؛ فمسار المنازلات السابقة مع الكيان الصهيوني شاهدة على مسار التدهور والانحدار للمشروع الصهيوني منذ عام 1973؛ إذ لم يحقق بعدها تقدما في ميدان مواجهة، اللهم إلا من خلال ما حققه بالمفاوضات إن على صعيد الأنظمة المتخاذلة الفاقدة للشرعية المستظهرة على شعوبها بالكيان اللقيط وبحماته الأمريكان والغربيين، أو على صعيد منظمة التحرير التي تحولت إلى منظمة تخدير وأجهزة أمنية رهيبة في خدمة المحتل.
وكانت فكرة الدولة الفلسطينية من أخبث وأشنع الأفكار المدمرة التي طرحت في مسار التحرير.. حولت أكبر منظمة تحريرية في العالم إلى أجهزة أمنية معقدة في حماية المحتل وتجريد الشعب من حق المقاومة، لقد ولدت أوسلو وليدا خبيثا مشوها اسمه السلطة من دون أي معنى من معاني السيادة؛ حيث تم ربط كل ما هو فلسطيني بالأخطبوط الإسرائيلي.
وهل من سلطة في العالم تحترم نفسها تقبل بدخول سلطة أخرى مسلحة في نطاق سلطتها تعتقل وتقتل وتصادر وتقيم الحواجز، فلا يدخل ولا يخرج شيء إلا بإذنها بمن فيهم رئيس السلطة؟.. إنها اللعنة والخزي والفساد والطامة.
إن شعب فلسطين قد ذاق علقم هذه المهانة واكتوى بنيرانها، فقرر إماطة هذا الأذى عن نفسه، حتى ولو أفقده ذلك بعض متاع الدنيا، وأعاده مجددا إلى حياة الكفاح والتحرير، وتولت حماس ومعها قوى أخرى قيادة هذا المشروع التصحيحي لأفدح وأخطر انحراف لمسار هذه القضية، ولأن حماس جزء من المشروع الإسلامي الضارب في أعماق الشعب، والممتد عبر المنطقة والمتعاظم يوما بعد يوم، مقابل التراجع المتفاقم لعالم الفكر والقيم لدى أهل المشروع المقابل، فليس منتظرا أن يتراجع إلى الوراء مشروع التصحيح الذي تقوده حماس، وإعادة القضية الفلسطينية إلى حقيقتها، إنها مشروع تحرير على خطى كل أوطان الإسلام التي تحررت بالجهاد الناصب.
نحن إزاء مشروع تحرير، وليس مشروع سلطة يتنازع عليها، ولولا أن "السلطة" المصطنعة العميلة قد اتخذت من تجريد الشعب من حقه، بل واجبه في المقاومة مصدرا لشرعيتها وتمويلها دوليا لما كان لحماس داع إلى المنازعة في هذا الصدد، أما وقد أمعنت سلطة أوسلو في أداء ما وكلت به فقد تحتم على حماس أن تذهب إلى مصادر النيران لإسكاتها، وتوظيف هذه "السلطة" لحماية المقاومة لا لمصادرتها.
وقد نجحت حماس في إعادة وضع المشروع الوطني على السكة؛ إنه مشروع تحرير لوطن محتل، كما نجحت في وصله من جهة بالمخزون العقدي للشعب، ووصله من جهة أخرى بالامتداد العربي والإنساني، بما أحرج الأنظمة التي حسبت أنها قد استراحت من المهمة، وجند من جهة ثالثة شعوب العرب والمسلمين والقوى التحررية في العالم لصالح مشروع التحرير.
إن انتزاع غزة من براثن الاحتلال الذي عجز بعد 22 يوما من القصف الرهيب عن التقدم إلى قلبها وتصفية المقاومة، بينما هو يسرح ويمرح بالليل والنهار في رام الله وبقية الضفة يعتقل ويقتل ويعيث فسادا، ثم لا يخجل عباس عن الحديث عن حكم وسلطة! قد عزز مكانة حماس ومكانة غزة في قلب الأمة والعالم باعتبارها نواة وقلعة لتحرير فلسطين.
والواضح أن العدوان الصهيوني قد فشل في كل أهدافه عدا التوظيف الوحشي لأحدث أدوات التدمير الأمريكية في القصف والتدمير وتقتيل الأطفال، بما يمثل هزيمة وفضيحة خلقية وإنسانية مثلت أكبر صدمة للضمير الإنساني، وحتى لقسم من اليهود، فلم يتردد أحدهم في تحريق جواز سفره أمام الكاميرا.
الواضح كذلك أنه تحت القصف الرهيب والصمود العجيب أخذت تتشكل معالم جديدة لمشروع التحرير الفلسطيني بقيادة حماس، وكذا معالم عالم عربي جديد بقيادة معسكر المقاومة والممانعة في مواجهة قوى الانخذال والتطبيع والتواطؤ مع المشروع الصهيوني.
* وأنتم تعيشون في بريطانيا حيث انطلقت أبرز المظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي.. من وجهة نظر شرعية ما هو المطلوب من مسلمي أوروبا والغرب في الوقت الحالي؟
المسلمون في الغرب كيان حديث نما بسرعة، وأخذ ينتقل من كونه جالية مهاجرة إلى اعتباره مكونا أساسيا من مكونات الحياة الغربية؛ مستفيدا مما يتوفر عليه الغرب من حقوق وحريات.
وكل المؤشرات الحسابية تؤكد أن هذا النمو العددي بالتوالد والاهتداء والهجرة إلى جانب النمو الكيفي بالاندماج في المحيط إذا تواصل بهذه الوتيرة لن يمضي عليه زمن بعيد حتى يمثل جسر تواصل بين عالمين ما دام تصارعا ولا يزالان.
وهذا التواصل من شأنه أن ينمي تشابكا في العلاقات يدفع إليها دفعا تطور أدوات الاتصال، وتشابك المصالح بين الأمم، خاصة بين أقرب أمتين إلى بعضهما بالجغرافيا وبالمصالح وحتى بالدين ذاته، كما أن من شأن هذا التواصل والتشابك في العلاقات إذا مضى في سبيله أن يجعل أمر التحارب بين الأمتين عسيرا.
إن المسيرات المليونية التي اندلعت في عشرات المدن والعواصم الغربية احتجاجا على الحرب الظالمة التي تشنها الصهيونية بدعم غربي على غزة تذكر بمثيلتها التي اندلعت احتجاجا على الحرب الظالمة التي شنتها دول غربية على العراق.

وفي الحالتين قامت شراكة مهمة جدا بين الحركة الإسلامية وبين قوى غربية تحررية معظمها يسارية وبعضها يهودية تقدمية، وقد تعززت هذه الشراكة هذه الأيام، وزالت تحفظات كثيرة من اليساريين إزاء مناصرة القضية الفلسطينية بعد أن أفلت عدد من صور الوحشية الإسرائيلية من سطوة النفوذ الصهيوني على الإعلام، من مثل تدمير ملاجئ الأمم المتحدة على المساكين اللائذين بها، ومن مثل صور أطفال قد استهدفوا في القلب.

وكما انتهت الحرب على العراق بإطاحة زعماء وأحزاب ضالعة فيها، فإن العدوان الأثيم على غزة قد عزز التعاطف مع حماس حتى هتفت الملايين باسمها في عملية تطبيع مهمة جدا للإسلام وللحركة الإسلامية على الصعيد المحلي والدولي.
كما عزز الشراكة بين التيار الإسلامي وبقية التيارات الأخرى، على كل صعيد بما في ذلك الصعيد الغربي، وهو ما سيحمل صانع القرار الغربي شيئا فشيئا على أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار كلما كان بصدد اتخاذ قرار يمس الإسلام والأمة الإسلامية، وهو وضع جديد بالكامل عليه، بينما غدا مألوفا وبديهيا تردده كثيرا كلما كان بصدد اتخاذ قرار يمس باليهود أو بإسرائيل، وهو ما يمثل تطورا إستراتيجيا يمثل كابوسا مرعبا لأهل المشروع الصهيوني، ويعتبرونه كارثة عليهم تحرمهم من دعم مضمون هو مصدر شرعيتهم وتفوقهم وحتى بقائهم.
المشروع الصهيوني صنيعة استعمارية غربية ما كان له أن يوجد ولا أن يستمر لولا الدعم الغربي فرنسيا وبريطانيا وألمانيا وأمريكيا، لقد استمرأ الصهاينة حقيقة أن الغرب ورقة في جيوبهم مضمونة، بعد جهود طويلة مضنية بذلوها في نقل الغرب من طور العداء لهم إلى طور الشراكة معهم، ثم إلى طور توظيفه لخدمة مشاريعهم لدرجة شن الحروب لمصلحتهم مثل الحرب على العراق، فلم لا يكون أمره مع الإسلام والمسلمين مشابها؟! لاسيما والقوة الانتخابية للمسلمين بصدد التنامي وفرض أخذها بعين الاعتبار، وإن كان ضئيلا بالقياس إلى القوة الانتخابية لليهود ولكن اتجاه التطور هو لصالح المسلمين بحكم تناميهم كما وكيفا مقابل التقلص الديمجرافي لليهود.
إن تنامي التأثير الإسلامي في القرار الغربي هو مصلحة للجميع في ضمان التعارف وتبادل المنافع بمنأى عن الحروب؛ فصانع القرار هنا وهناك سيأخذ في الحسبان هذه الحقيقة كلما كان بصدد تقرير سياسة تمس الطرف الآخر.
على أنه من الجدير بالملاحظة هنا أن صراع الإسلام مع أهل أي دين بما في ذلك اليهود ليس حتما لازما؛ إذ قد سبق الإسلام كل المواثيق الإنسانية إلى الاعتراف بحرية المعتقد، بينما لم يجد من أهل الديانات الأخرى من يبادله الاعتراف.
ولكم جمعتنا مسيرات لندن في أخوة نضالية حميمة مع حاخامات طائفة ناتوري كارتا المعادية للصهيونية؛ باعتبار هذه حركة علمانية ملحدة، كما مع فئات يسارية مناضلة ضد الإمبريالية.


منقول عن اسلام اون لاين
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top