


هوجو شافيز القائد الثورى المناضل، البطل الفنزويلى اللاتينى الذى فشل إجرام أعداء السلام والحرية، وعسف الظروف من كسر قناعته وقهر إرادته، وهو يتمسك بحقوق شعبه وشعوب العالم المضطهدة، لاسيما الشعب الفلسطينى، فى الحرية والاستقلال من أنياب الاحتلال والتبعية.
شافيز البالغ من العمر 55 عاما والرئيس الثالث والخمسون لفنزويلا، الذى تولى الحكم فى الثانى من فبراير عام 1999، يعرّف حكومته بأنها "حكومة ديمقراطية اشتراكية"، وينادى بتوافق أمريكا اللاتينية السياسى والاقتصادى، لا يخفى معاداته للإمبريالية وانتقاده لأنصار العولمة من الليبراليين الجدد، وهجومه الحاد على السياسة الأمريكية الخارجية.
يقف شافيز على رأس الحكم فى بلاده ومن خلفه تاريخ عسكرى استثنائى حافل مع الجيش الفنزويلى، فقد قام بمحاولة انقلاب فاشلة فى العام 1992 ضد حكومة كارلوس بيريز ذات التوجه الليبرالى الحديث، وتم اعتقاله لمدة عامين، قبل أن ينكسر قيده، ويخرج من سجنه ليؤسس حركة يسارية أعلنت بأنها الناطق السياسى باسم فقراء فنزويلا.
وعلى مدى سنوات قاد شافيز حملات إنسانية واجتماعية عديدة، انطلقت من بوليفيا لمحاربة الأمراض وتلوث البيئة والفقر وسوء التغذية، وهو الأمر الذى جعله يحظى بشعبية واسعة النطاق فى بلاده، واحترام وتقدير شعوب أمريكا اللاتينية جميعا، قبل أن تتسع مشاعر الاعتزاز والتقدير الشعبى لشافيز، لتصل أرجاء المعمورة كافة، بعد موقفه الإنسانى والأخلاقى النبيل من العدوان على غزة.
من يتسنى له زيارة فلسطين اليوم، سوف يتلمّس قدر مشاعر المحبة والوفاء التى يكنّها الفلسطينيون أينما وجدوا لهذا الإنسان القائد الحر، ولا عجب لو بكى الفلسطينيون إذا ما سمعوا صوته الثائر، وقد كنت من أوائل الباكين فرحا وتأثرا بصوته فى مهرجان شبابى لنصرة غزة، أقيم فى مدينة الناصرة شمال فلسطين قبل أقل من شهر، وقد كنت بين من تولوا الإشراف على المهرجان، وكان لى شرف التحدث إليه مباشرة، لتوصيل رسالته المباشرة للمجتمعين.
فى خطابه القصير الذى وجهه شافيز للشبان الفلسطينيين الذين زحفوا لمشاهدة القائد الفنزويلى الفذ، والاستماع إلى صوته، أشاد شافيز بصمود العرب من خلف الجدار، أمام سياسة التمييز العنصرى التى تتبناها إسرائيل، قائلا: "ما يجمعنا هو الموقف وليس اللغة أو الدين".
شافيز أكد على نصرة فنزويلا للشعب الفلسطينى وقضيته العادلة، وقد كانت رسالته بمثابة متنفس لكل فلسطينى، فى ظل التخاذل العربى السائد فى تلك الأيام الصعبة والقاسية، خاصة وقد لمس الفلسطينيون بأنفسهم، كيف بلغت مكانة العرب أدنى مستوياتها فى المعادلات الاستراتيجية الدولية، حتى استأسد عليهم الجميع، بينما شافيز الذى يأخذ من أمريكا ويقع فى منطقة نفوذها، وفى نفس الوقت لا يمنحها الحق فى إنشاء أى قواعد عسكرية ولا يدخل معها فى استثمارات أو صفقات أسلحة، ولا ينقذ اقتصادها بشراء سنداتها كما يفعل العرب، صرخ فى وجهها صرخة حق، حين طرد سفير ابنتها المدللة "إسرائيل" من كاراكاس، احتجاجا على همجية إسرائيل.
كانت صرخة شافيز بمثابة صرخة غضب لغزة أرضا وبشرا، وقد كان ولا يزال شافيز هو الصديق الوفى والحقيقى، الذى وقف إلى جانب فلسطين فى أزمتها وضيقها، وما كان على فى تلك الساعة إلا أن اغتنم فرصة الحديث إليه، لأطلب من فخامته أن يأذن لى بحوار صحفى معه، وقد رحّب بمطلبى، وكان لى ما أردت، وحظيت بشرف هذا الحوار لـ"العربي".
{ وصلت رسالتكم المشرّفة للفلسطينيين، فماذا تقولون للمصريين؟
}} "شافيز": الشعب المصرى شعب صديق وعظيم، وكما قلت وأقول دوما، ما يجمعنا كبشر هو الموقف وليس اللغة أو الدين، ولا بأس لو جمعتنا اللغة أو الدين فى بعض الأحيان، غير أن بعض الظروف تتطلب موقفا إنسانيا، وأتمنى أن يسمح لى هذا الشعب العظيم بأن أبادله الحب بالحب، والوفاء بالوفاء، وأن أشكره على مشاعر الود التى بثها مؤخرا لفنزويلا وشعب فنزويلا.
{ كيف تقيمون الحرب على غزة؟
}} "شافيز": لا تستطيع قوة أيا كانت أو جبروت السلاح من قهر إرادة شعب، يريد نيل استقلاله والعيش بحرية، ولعل غزة تكون عبرة للمستعمرين والمستضعفين فى آن واحد، وأنا أستغرب حديث الإسرائيليين عن الانتصار وأتساءل: عن أى انتصار يتحدثون؟ لقد انتصروا على مبانى غزة، لكنهم عجزوا عن كسرة إرادة حركة التحرر الكفاحية، والمقاومة المشروعة فيها، كما سبق وعجزوا عن كسر إرادة اللبنانيين فى عدوان إسرائيل الأخير على لبنان.
ومن المؤسف والمقلق جدا، أن يستخدم حكام إسرائيل دماء الأطفال والنساء فى غزة، والدمار العظيم الذى أحدثته الصواريخ والقذائف الأمريكية الصنع هناك، لإبراز عضلاتهم فى المعركة الانتخابية الجارية فى إسرائيل، والتى كانت أصلا احد أسباب الاعتداء على غزة، فقد ربط حكام إسرائيل مصيرهم بمصير الاستعمار، وجعلوا من إسرائيل رأس حربة إمبريالية ضد حركات التحرر الوطنى، وضد السلام فى كل بقعة على الأرض، وجعلوها قاعدة عسكرية واقتصادية للإمبريالية الأمريكية، ففرطوا بمبدأ حق تقرير المصير لشعبهم أيضا.
لقد أثبت الشعب الفلسطينى بجدارة عالية، أنه شعب حر عصى ثابت لا يلين، وقد أهدانى أحد المواطنين الفلسطينيين المقيمين هنا فى فنزويلا، قصيدة للشاعر الفلسطينى محمود درويش تقول: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، وحقا ـ يقول شافيز ـ على تلك الأرض ما هو أقدس من الحياة.
"العربي": عرف عنكم انتقادكم الحاد للسياسة الأمريكية الخارجية، مع العلم أن فنزويلا تقع فى منطقة نفوذ الولايات المتحدة، ألا يقلقكم غضب البيت الأبيض من انتقاداتكم لسياسته؟
"شافيز": انتقاداتنا للسياسة الأمريكية انتقادات بناءة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فالسياسة الأمريكية هى سياسة شوفينية كوزموبوليتية، ورأسمالية وحشية لا أخلاقية، تسعى لفرض نفوذها على العالم وشعوبه بكل الوسائل، ولم تكتف بامتصاص دماء الشعوب ونهب ثرواتها، لاسيما فى الشرق الأوسط، بل إلى دعم القتل والموت وقانون الغاب، لحماية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، تحت شعار محاربة الإرهاب، بينما سياسة الولايات المتحدة نفسها هى رأس الإرهاب.
إن ما يحدث من انتهاكات فى أفغانستان والعراق، يدلل على سياسة الإرهاب المنظم التى تنتهجها الولايات المتحدة، وما تقدمه من دعم لإسرائيل فى اعتداءاتها على جيرانها، دليل آخر على واقعها الإرهابى، أما بالنسبة لقلقنا من غضب البيت الأبيض فهذا أمر غير وارد فى حساباتنا، لأن فنزويلا بلد حر وتستطيع انتزاع حقوقها انتزاعا، ليس بالقوة بل باليقين، والإرادة الشعبية هى الضوء الأحمر الذى يزعج ويقلق ويردع البيت الأبيض، عن أى تصرف أحمق ويحمى حقوقنا وسيادتنا.
{ رأيكم هل سيحدث باراك أوباما تغييرا حقيقيا فى السياسة الخارجية للولايات المتحدة؟
}} "شافيز": الولايات المتحدة الأمريكية دولة إمبريالية توسعية ورأسمالية شرسة، وكل إدارة تأتى ديمقراطية كانت أم جمهورية، تمثّل مصالح رأسمال الولايات المتحدة ونفوذها، ولا أظن أن أوباما سيحدث تغييرا حقيقيا، وإن كنا نأمل هذا، لكن تصريحات الرئيس الجديد ما هى إلا فرقعات إعلامية، لتجميل التشوهات التى أصابت المشاريع الأمريكية فى كل أرجاء العالم، والتى أحدثها سلفه صاحب صفعة الحذاء التى كللّت نهاية حكمه الظالم.
{ بصفتكم مناهضين بارزين للعولمة، كيف تقيمون حال حركات المناهضة مؤخرا؟
}} "شافيز": الوضع جيد طالما أن هناك من يطالب بحقوقه كانسان على هذه الأرض، ويطالب بالعدالة الاجتماعية، ويرفض النظام الاقتصادى المجحف للعولمة، فقد ابتدأت المناهضة قوية بداية فى المكسيك حين تمرد "الزباتيستا" ضد اتفاقية التبادل الحر هناك فى العام 1994، مرورا بمنظمة "اتاك" التى أنشئت عام 1998 فى فرنسا، وقد أسست تتويجا للحملات التى تم تدشينها من أجل إلغاء ديون العالم الثالث، وصولا إلى حركة J18 المعارضة لمؤتمر قمة الثمانى بألمانيا، والمظاهرة التى نظمتها فى لندن، وقد استمر الوضع حتى عام 1999 حينما شاهد العالم كله 40 ألف متظاهر، يناضلون ضد إطلاق جولة تفاوض جديدة لمنظمة التجارة العالمية، وقد اعتبرها البعض البداية الحقيقية لمناهضة العولمة، وكل الأشخاص والمنظمات مجتمعة هم مناهضون أقوياء.
إن جذور الفقر والجوع تمثل النموذج الاقتصادى المفروض على العالم، وأنا أعرب عن أسفى لغياب التوجه الأخلاقى، فالبلدان الغنية تفرض معايير وتعليمات على البلدان الفقيرة، وليس من سبيل سوى طريق العدالة الاجتماعية.
إن معاناة التجربة قد أثبتت وتبرهن أن القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على نظام الحكم، هو المقدمة للتحرر وتحقيق العدالة الاجتماعية، والمصالح الرأسمالية المتحكمة بدول العالم تدرك أنها لا تستطيع أن تفرض سيطرتها على الحكم، إذا وضعت الجماهير الثورية نصب أعينها رغبة حقيقية فى إحداث التغيير.
{ بتقديركم هل ثمة "جهل" ما لدى نسبة لا يستهان بها من فقراء العالم بشأن حقوقهم؟
}} "شافيز": أرجو ألا يكون ذلك، لكنى أعتقد بأن ثمة لبسًا فى مسألة فهم الصراع الطبقى، وهو عملية اجتماعية وموضوعية وحتمية، بحكم التناقض الجذرى بين المصالح الموضوعية المتنافرة للطبقات فى المجتمع الطبقى الاستغلالى، ويشترط هذا التضاد شكل علاقات الإنتاج المرتبط بملكية وسائل الإنتاج، فالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج تؤدى إلى استيلاء طبقة على عمل طبقة أخرى، وبناء عليه لا يمكن تجنب وجود الصراع الطبقى، مادامت الملكية الخاصة قائمة، ومن ثم المصالح المتنافرة.
ويضيف الرئيس شافيز: إنه ضرورة قانونية لتطور كل تشكيلة اقتصادية ـ اجتماعية متناقضة، فالمحرومون من وسيلة الإنتاج مضطرون للعمل مجانا لصالح المالك، وتحدد نوعية النظام القائم ومدى تطوره مدى هذه المجانية، ففى النظام العبودى كان العبد نفسه سلعة تباع وتشترى، أما فى النظام الإقطاعى فكان القن ملزما بفلاحة أرض سيده، مقابل حصة زهيدة بالكاد تسد رمقه، أما فى المجتمع المعاصر المتمدن والحضارى، فإن العامل مضطر لأن يعمل بضع ساعات يوميا، وهى جزء من ساعات عمله اليومى مجانا لصالح البرجوازى.
ويسترسل شافيز: لنتفحص جوهر الاستغلال فى النظام الرأسمالى، إن العامل يبيع قوة عمله للبرجوازى ويقبض بالمقابل أجره، لكن أجرته لا تغطى سوى جزء معين من عمله اليومى، وهذا ما يسمى بالعمل الضرورى، أى ساعات العمل الضرورية لإنتاج بضاعة للرأسمالى، تكون قيمتها بعد حساب تكاليف الإنتاج المختلفة معادلة للأجر، وقد تكون مدة العمل الضرورى ساعة أو ساعتين أو أكثر، ولكنها حتما ليست كل ساعات العمل اليومى، وإلا لما ربح الرأسمالى أى شيء، وهكذا للأسف يعمل العامل يوميا عملا مجانيا ولبضع ساعات، إنه عمل غير مدفوع الأجرة ويخلق فائض القيمة، أى أن قوة العامل تنتج قيمة أكثر مما تستهلك، تنتج فائض قيمة يستولى عليها الرأسمالى بصفته مالكا لوسيلة الإنتاج، مع أنه على السطح قد يبدو أنه لا وجود للاستغلال، فهو مموه ومحجوب بشكل غير أخلاقى وغير إنسانى.
وأضاف شافيز: لو أن كل عمال العالم انتبهوا لهذه الحقائق وغضبوا لتعبهم ستحدث ثورة عمال تقلب العالم رأسا على عقب، فإلغاء استغلال الإنسان للإنسان قضية إنسانية وأخلاقية طبعا، ولكنها ليست أخلاقية فقط ولا يمكن ضمانها عن طريق النصائح والمواعظ، إنها مرتبطة عضويا بالأسباب الموضوعية لهذا الاستغلال، فالظلم الاجتماعى ملازم لنمط معين للنظام الاجتماعى، ولا يمكن إزالة الظلم إلا عن طريق إزالة النظام الذى افرزه، فالمجتمع الطبقى إذ حتم وجود الصراع الطبقى خلق بهذا الوسيلة للقضاء عليه كليا.
{ وهل الاشتراكية هى الحل برأيكم؟
}} "شافيز": الاشتراكية وحدها قادرة على حل كامل وأساسى لكل القضايا، لأنها تقتلع من الأساس الجذور الطبقية والاجتماعية للتمييز والاضطهاد والاستغلال، وتخلق ظروفا موضوعية أفضل لإقامة علاقات الصداقة والأخوة بين شعوب العالم، كذلك فإن أى نظام يحترم حقوق الإنسان فعليا يشكل حلا.
{ بصفتكم قائد وزعيم دولة، ماذا تعنى لكم الشجاعة؟
}} "شافيز": هى الإقدام تحت رعاية وإشراف العقل والمنطق للدفاع عن الذات، وعن أى عزيز لديها، واستعداد المرء لأن يحمل على كاهله السلبيات التى ينذر الخوف بمقدمها، من أجل تحقيق ايجابيات أكثر زخما، والشجاعة تعنى لى فيدل كاسترو وجمال عبدالناصر وجيفارا وغاندى ونلسون مانديلا، وغيرهم من الأبطال التاريخيين الشجعان، فقد تعلمت من جمال عبدالناصر انه إذا كان المرء مصمما وعازما على أمر ما، فإن التصميم الحر يهزم الخوف، ومعرفة ما يجب فعله تلغى الخوف، وكما قال الرائع فيدل كاسترو "إن الشجاعة أول سمات الإنسانية، لأنها السمة التى تحتضن بقية الصفات".
{ وصفكم عميد الصحافة الأستاذ محمد حسنين هيكل بالرجل الشهم فما تعليقك على هذا الوصف؟
}} "شافيز": إنه ناصرى عبقرى، وله قدرة استثنائية على التواصل والتأثير فى أجيال متعاقبة، ولى الشرف الكبير بأن أحظى بهذه الصفة، من رجل قدير بحجمه.