قدرت مصالح بنكية فرنسية حجم إيداعات الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا بأكثر من تسعة (09) مليارات أورو، على شكل سيولة مالية ومدخرات، إذ تعد هذه النسبة أعلى نسبة ادخار بين الجاليات الأجنبية المقيمة بفرنسا من حيث العدد بأكثر من مليون مقيم، ومكانة مرموقة من حيث مستوى المعيشة وكثافة تواجدها بجميع قطاعات النشاط الاقتصادية، التجارية منها والصناعية، خاصة خلال السنوات الأخيرة، التي عرفت إنشاء آلاف المؤسسات المصغرة والمصانع المتوسطة يملكها ويديرها الجيل الثاني من المغتربين المتعلمين.
نور الدين بوكراع
فإذا كانت عودة المغتربين إلى بلادهم لقضاء عطلة الصيف بتونس والمغرب مؤشرا على انتعاش اقتصادي مؤكد تغذيه التحويلات المالية للمغتربين من العملة الصعبة إلى الدرهم والدينار التونسي، تظل علامات الاستفهام قائمة منذ سنوات حول مصير أموال المغتربين الجزائريين العائدين إلى أرض الوطن خلال فترة الصيف هذه، بأعداد آخذة في الارتفاع بنسب تفوق 200٪ مقارنة مع السنوات الفارطة، دون أن تكون لعودتهم أية انعكاسات اقتصادية، باستثناء إنخفاض قيمة سعر الأورو بالسوق الموازية والذي بلغ أدنى درجاته، إذ يتراوح حاليا بين 90 و92 دينار جزائري للأورو، وفيما عدا هذه الظاهرة التي أصبحت مألوفة عند حلول كل صيف، لا أثر يذكر لأي تحويلات مالية للمغتربين الجزائريين لبلادهم.. إذن أين تذهب أحوال المغتربين؟؟
تشير الدراسات الاقتصادية التي أنجزت خلال الخمس سنوات الفارطة، أن تحويلات المهاجرين من العملة الصعبة لبلدانهم تساهم بنسبة كبيرة في تغطية عجز ميزان التجارة الخارجية للدول التي لها جاليات مغتربة في البلدان المصنعة، وجاءت في ذات الدراسات حول هذا الموضوع، بناء على احصائيات نشرت، أن المواطنين المهاجرين من بلدان مثل تركيا ويوغسلافيا حولوا إلى بلدانهم بين سنوات 2000 و2005 أكثر من 27 مليار دولار أمريكي.
كما بلغ حجم التحويلات من العملة الصعبة للمغتربين المغاربة (المملكة المغربية) لبلدهم من فرنسا لوحدها بين سنوات 2000 و2005 حوالي 5.5 مليار أورو، وهي في تزايد مستمر. وتعد مدخرات المغتربين والعمال المهاجرين لكثير من المبلدان مصدرا هاما للموارد المالية التي تدعم ميزان المدفوعات الخارجية وتخفف بشكل كبير من الضغوطات المالية على اقتصادياتها. وتعتبر وضعية الجزائر في هذا المجال حالة نادرة معاكسة تماما للمعطيات، فبعد أن كانت تحويلات المهاجرين الجزائريين خلال السبعينيات موردا هاما للعملة الصعبة، إنخفضت هذه التحويلات بشكل مذهل لتصل إلى مبالغ بسيطة خلال السنوات الأخيرة، رغم ارتفاع مدخرات الجالية الجزائرية بفرنسا وحدها لأكثر من تسعة مليارات أورو، حسب إحصائيات أنجزت بين سنوات 98 و2000.
ورغم التواجد الكبير للجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا والمقدر عددها بأكثر من مليون شخص، لم تتجاوز التحويلات من العملة الصعبة نحو الجزائر، خلال هذه الفترة، 1.5 بالمائة من الحجم الإجمالي للتحويل التي قام بها المغتربون التونسيون والمغاربة.
ففي الوقت الذي تمثل فيه الجالية الجزائرية أكبر نسبة للمهاجرين من بلدان المغرب العربي، أي 54.3٪، لم تتجاوز حجم التحويلات بالعملة الصعبة للجزائريين المقيمين 05٪ من حجم التحويلات التي كانت تتم خلال سنوات 1970 لغاية 1976.
تقييم للتحويلات بالعملة الصعبة نحو البلدان المغاربية الثلاثة حول الثمانينيات وفيالفترة بين سنوات 1980 -1986
الجزائر461 مليون فرنك فرنسي
المغرب 26مليار و391 مليون فرنك فرنسي
تونس03 مليار و268مليون فرنك فرنسي
وكانت تحويلات الجزائريين من فرنسا إلى الجزائر تقدر بين سنوات 1974 -1977، حسب إحصائيات ميزان المدفوعات الخارجية، بسبعة 07 ملايير و371 مليون دينار جزائري.
وساهمت تحويلات المغتربين خلال فترة السبعينيات في مويل جزء كبير من برامج الاستثمارات، حيث ساهمت بنسبة 36٪ من الاستثمارات المنجزة خلال تنفيذ المخطط الثلاثي 1967 - 1969، وبنسبة 16٪ خلال المخطط الرباعي الأول 1970 - 1973، وتم تمويل المخطط الرباعي الثاني 1974 - 1977 بنسبة 7.6٪ من تحويلات المغتربين.
شهدت فترة الثمانينيات تراجعا كبيرا وانهيارا تاما لحجم التحويلات من العملة الصعبة إلى البلاد في الوقت الذي عرفت فيه الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا تزايدا في عدد أفرادها واستقرارا في أوضاعها الاجتماعية وزيادة كبيرة لمداخيل أفرادها نتيجة ارتفاع معدلات الأجور بفرنسا.
نزيف بالملايير تمتصه السوق السوداء للعملة:
لم تتفطن السلطات الرسمية لهذة الظاهرة إلا بعد فوات الأوان، حيث قامت باتخاذ بعض التدابير لم يكن لها أي مفعول على أرض الواقع، ومن جملة ما اتخذته من قرارات خلال تلك الفترة نذكر: منح المغتربين امتيازات من خلال صيانة الادخار السكني بإعطائهم الأولوية على المقيمين ومنح 4.5٪ كنسبة أرباح على المدخرات بالعملة الصعبة، في حين كانت النسبة المطبقة خلال تلك الفترة 3٪ زيادة على إجراءات تحفيزية أخرى تتمثل في منحة لتبديل العملة.
وكان من البديهي أن هذه الإجراءات ستبقى دون جدوى طالما أن الامتيازات الممنوحة ضئيلة بالمقارنة مع الأرباح التي توفرها السوق الموازية التي بدأت تنمو وتتطور في تلك الفترة بوتيرة مذهلة نظرا لعدة عوامل مرتبطة بنمط تسيير الاقتصاد الوطني، ومن أهم هذه العوامل ندرة المواد الاستهلاكية وعدم قابلية الدينار للتحويل.
ويعتبر المختصون أن تطور السوق الموازية لتحويل وتبديل العملية الصعبة أهم عامل في انخفاض وانهيار تحويلات المهاجرين الجزائريين عن طريق القنوات المالية الرسمية.
وقد عرفت فترة الثمانينيات حمى الاستهلاك شجعتها الدولة في ظرف اقتصادي اتسم بالندرة، وكانت الدولة ترخص للمؤسسات والمواد (إطارات مجاهدين وذوي الحقوق) حرية استيراد السيارات من خلال الرخصة الشهيرة (AIV) Autorisation- Import- Veh والبضائع والتجهيزات دون أن تمنحهم التمويل الضروري بالعملة الصعبة، مع العلم أن الدينار غير قابل للتحويل.
وأصبحت تحويلات المغتربين لا تمر على البنوك والقنوات الرسمية، بل تذهب لتدعم وتغذية السوق الموازية للعملة. وكانت هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة أمام الجزائريين لتجاوز القوانين التنظيمية الصارمة والعقيمة التي كانت تسير نشاط الاستيراد في تلك الفترة.
ومولت السوق الموازية للعملة خلال الفترة الممتدة بين 1983 و1986، استيراد حوالي 76 ألف سيارة، ففي سنة 1985 لوحدها بلغت القيمة الإجمالية للسيارات المستوردة ثمانية 08 ملايير فرنك فرنسي، جندت كلها من تحويلات المغتربين إلى السوق الموازية للعملة.
وبدى المختصون أن مدخرات المغتربين الجزائريين التي تقدر حاليا بفرنسا لوحدها بين 9.5 و10 مليار أورو (إحصائيات غير رسمية) كفيلة بالتخفيف من عبء المديونية الخارجية لو تم توجيهها وتجسيدها بالشكل السليم في إطار القنوات المالية الرسمية.
ولن تتمكن الجزائر من تحقيق هذا المسعى، حسب نفس الآراء، إلا بإحداث إصلاحات اقتصادية ومالية وتؤدي تدريجيا إلى زوال السوق الموازية التي تمتص سنويا موارد مالية هامة بالعملة الصعبة تذوب كلها في استهلاك المنتوجات الكمالية كالسيارات الفاخرة الرفيعة الطراز المتحصل عليها من أموال المغتربين.
ويكمن بيت القصيد، حسب الأستاذ بن سعيد المختص في الشؤون المالية والاقتصادية، في نية تبديل العملة، أي قيمتها، فلو طبقته البنوك -حسب تحليله- نية تبديل حقيقية منافسة للسوق الموازية، فإن هذا الإجراء سيشجع المغتربين على تحويل مدخراتهم عن طريق القنوات المالية الرسمية، مما سيمكن البلاد من الحصول على موارد إضافية من العملة الصعبة.
نور الدين بوكراع
فإذا كانت عودة المغتربين إلى بلادهم لقضاء عطلة الصيف بتونس والمغرب مؤشرا على انتعاش اقتصادي مؤكد تغذيه التحويلات المالية للمغتربين من العملة الصعبة إلى الدرهم والدينار التونسي، تظل علامات الاستفهام قائمة منذ سنوات حول مصير أموال المغتربين الجزائريين العائدين إلى أرض الوطن خلال فترة الصيف هذه، بأعداد آخذة في الارتفاع بنسب تفوق 200٪ مقارنة مع السنوات الفارطة، دون أن تكون لعودتهم أية انعكاسات اقتصادية، باستثناء إنخفاض قيمة سعر الأورو بالسوق الموازية والذي بلغ أدنى درجاته، إذ يتراوح حاليا بين 90 و92 دينار جزائري للأورو، وفيما عدا هذه الظاهرة التي أصبحت مألوفة عند حلول كل صيف، لا أثر يذكر لأي تحويلات مالية للمغتربين الجزائريين لبلادهم.. إذن أين تذهب أحوال المغتربين؟؟
تشير الدراسات الاقتصادية التي أنجزت خلال الخمس سنوات الفارطة، أن تحويلات المهاجرين من العملة الصعبة لبلدانهم تساهم بنسبة كبيرة في تغطية عجز ميزان التجارة الخارجية للدول التي لها جاليات مغتربة في البلدان المصنعة، وجاءت في ذات الدراسات حول هذا الموضوع، بناء على احصائيات نشرت، أن المواطنين المهاجرين من بلدان مثل تركيا ويوغسلافيا حولوا إلى بلدانهم بين سنوات 2000 و2005 أكثر من 27 مليار دولار أمريكي.
كما بلغ حجم التحويلات من العملة الصعبة للمغتربين المغاربة (المملكة المغربية) لبلدهم من فرنسا لوحدها بين سنوات 2000 و2005 حوالي 5.5 مليار أورو، وهي في تزايد مستمر. وتعد مدخرات المغتربين والعمال المهاجرين لكثير من المبلدان مصدرا هاما للموارد المالية التي تدعم ميزان المدفوعات الخارجية وتخفف بشكل كبير من الضغوطات المالية على اقتصادياتها. وتعتبر وضعية الجزائر في هذا المجال حالة نادرة معاكسة تماما للمعطيات، فبعد أن كانت تحويلات المهاجرين الجزائريين خلال السبعينيات موردا هاما للعملة الصعبة، إنخفضت هذه التحويلات بشكل مذهل لتصل إلى مبالغ بسيطة خلال السنوات الأخيرة، رغم ارتفاع مدخرات الجالية الجزائرية بفرنسا وحدها لأكثر من تسعة مليارات أورو، حسب إحصائيات أنجزت بين سنوات 98 و2000.
ورغم التواجد الكبير للجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا والمقدر عددها بأكثر من مليون شخص، لم تتجاوز التحويلات من العملة الصعبة نحو الجزائر، خلال هذه الفترة، 1.5 بالمائة من الحجم الإجمالي للتحويل التي قام بها المغتربون التونسيون والمغاربة.
ففي الوقت الذي تمثل فيه الجالية الجزائرية أكبر نسبة للمهاجرين من بلدان المغرب العربي، أي 54.3٪، لم تتجاوز حجم التحويلات بالعملة الصعبة للجزائريين المقيمين 05٪ من حجم التحويلات التي كانت تتم خلال سنوات 1970 لغاية 1976.
تقييم للتحويلات بالعملة الصعبة نحو البلدان المغاربية الثلاثة حول الثمانينيات وفيالفترة بين سنوات 1980 -1986
الجزائر461 مليون فرنك فرنسي
المغرب 26مليار و391 مليون فرنك فرنسي
تونس03 مليار و268مليون فرنك فرنسي
وكانت تحويلات الجزائريين من فرنسا إلى الجزائر تقدر بين سنوات 1974 -1977، حسب إحصائيات ميزان المدفوعات الخارجية، بسبعة 07 ملايير و371 مليون دينار جزائري.
وساهمت تحويلات المغتربين خلال فترة السبعينيات في مويل جزء كبير من برامج الاستثمارات، حيث ساهمت بنسبة 36٪ من الاستثمارات المنجزة خلال تنفيذ المخطط الثلاثي 1967 - 1969، وبنسبة 16٪ خلال المخطط الرباعي الأول 1970 - 1973، وتم تمويل المخطط الرباعي الثاني 1974 - 1977 بنسبة 7.6٪ من تحويلات المغتربين.
شهدت فترة الثمانينيات تراجعا كبيرا وانهيارا تاما لحجم التحويلات من العملة الصعبة إلى البلاد في الوقت الذي عرفت فيه الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا تزايدا في عدد أفرادها واستقرارا في أوضاعها الاجتماعية وزيادة كبيرة لمداخيل أفرادها نتيجة ارتفاع معدلات الأجور بفرنسا.
نزيف بالملايير تمتصه السوق السوداء للعملة:
لم تتفطن السلطات الرسمية لهذة الظاهرة إلا بعد فوات الأوان، حيث قامت باتخاذ بعض التدابير لم يكن لها أي مفعول على أرض الواقع، ومن جملة ما اتخذته من قرارات خلال تلك الفترة نذكر: منح المغتربين امتيازات من خلال صيانة الادخار السكني بإعطائهم الأولوية على المقيمين ومنح 4.5٪ كنسبة أرباح على المدخرات بالعملة الصعبة، في حين كانت النسبة المطبقة خلال تلك الفترة 3٪ زيادة على إجراءات تحفيزية أخرى تتمثل في منحة لتبديل العملة.
وكان من البديهي أن هذه الإجراءات ستبقى دون جدوى طالما أن الامتيازات الممنوحة ضئيلة بالمقارنة مع الأرباح التي توفرها السوق الموازية التي بدأت تنمو وتتطور في تلك الفترة بوتيرة مذهلة نظرا لعدة عوامل مرتبطة بنمط تسيير الاقتصاد الوطني، ومن أهم هذه العوامل ندرة المواد الاستهلاكية وعدم قابلية الدينار للتحويل.
ويعتبر المختصون أن تطور السوق الموازية لتحويل وتبديل العملية الصعبة أهم عامل في انخفاض وانهيار تحويلات المهاجرين الجزائريين عن طريق القنوات المالية الرسمية.
وقد عرفت فترة الثمانينيات حمى الاستهلاك شجعتها الدولة في ظرف اقتصادي اتسم بالندرة، وكانت الدولة ترخص للمؤسسات والمواد (إطارات مجاهدين وذوي الحقوق) حرية استيراد السيارات من خلال الرخصة الشهيرة (AIV) Autorisation- Import- Veh والبضائع والتجهيزات دون أن تمنحهم التمويل الضروري بالعملة الصعبة، مع العلم أن الدينار غير قابل للتحويل.
وأصبحت تحويلات المغتربين لا تمر على البنوك والقنوات الرسمية، بل تذهب لتدعم وتغذية السوق الموازية للعملة. وكانت هذه الطريقة هي الوسيلة الوحيدة أمام الجزائريين لتجاوز القوانين التنظيمية الصارمة والعقيمة التي كانت تسير نشاط الاستيراد في تلك الفترة.
ومولت السوق الموازية للعملة خلال الفترة الممتدة بين 1983 و1986، استيراد حوالي 76 ألف سيارة، ففي سنة 1985 لوحدها بلغت القيمة الإجمالية للسيارات المستوردة ثمانية 08 ملايير فرنك فرنسي، جندت كلها من تحويلات المغتربين إلى السوق الموازية للعملة.
وبدى المختصون أن مدخرات المغتربين الجزائريين التي تقدر حاليا بفرنسا لوحدها بين 9.5 و10 مليار أورو (إحصائيات غير رسمية) كفيلة بالتخفيف من عبء المديونية الخارجية لو تم توجيهها وتجسيدها بالشكل السليم في إطار القنوات المالية الرسمية.
ولن تتمكن الجزائر من تحقيق هذا المسعى، حسب نفس الآراء، إلا بإحداث إصلاحات اقتصادية ومالية وتؤدي تدريجيا إلى زوال السوق الموازية التي تمتص سنويا موارد مالية هامة بالعملة الصعبة تذوب كلها في استهلاك المنتوجات الكمالية كالسيارات الفاخرة الرفيعة الطراز المتحصل عليها من أموال المغتربين.
ويكمن بيت القصيد، حسب الأستاذ بن سعيد المختص في الشؤون المالية والاقتصادية، في نية تبديل العملة، أي قيمتها، فلو طبقته البنوك -حسب تحليله- نية تبديل حقيقية منافسة للسوق الموازية، فإن هذا الإجراء سيشجع المغتربين على تحويل مدخراتهم عن طريق القنوات المالية الرسمية، مما سيمكن البلاد من الحصول على موارد إضافية من العملة الصعبة.