غزة التي قصمت ظهر النظام العربي [2]

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

machmoum

:: عضو مُشارك ::
إنضم
18 جانفي 2009
المشاركات
105
نقاط التفاعل
0
النقاط
6
د.حسن بن صالح الحميد | 24/1/1430
ggg_7-thumb1_2.jpg
النظام العربي وتطلعات الشعب العربي
لا أتهم النظام العربي بالنفاق في تعاطيه مع تطلعات الشعوب العربية، وليس له ظاهر وباطن في هذا الباب، بل ظاهره وباطنه باتجاه واحد؛ هو قتل معاني العزة والكرامة، وإجهاض تطلعات الأمة لتحقيق وجودها، وممارسة دورها؛على أرضها وعلى المسرح الدولي.

ولا يُعرف للنظام العربي [منذ نشأته] مواقف مشرفة تتذكرها الشعوب، التي تبحث عن [أي شيء] يدعو لإحسان الظن. وكل المواقف [تقريبا] التي تشذ عن هذا النهج [إيجابيا] فهي مواقف فردية، وأكثرها محسوب بعناية؛لتنفيس الاحتقان الشعبي، أو لتلميع صورة النظام بالتقدم [خطوة] ليتراجع [خطوات] والحرب مع الشعب خَدعة:
أو لنفي تهمة عَمالة أو خِيانة.. أو.. وهذا هو مقتضى فقه النوازل السياسي!.

إذا سبّح القَيطون همّ بسرقة *** فحاذر من القيطون حين يُسبِّح
ولم يتوافق النظام العربي مع الشعوب حتى في الجامع المشترك [الإسلام]في الحياة العملية، فهو لم يترك للملايين من هامش التدين بالإسلام إلا مثل أو قريبا مما ترك من هامش الحريات في [السياسة] ومن هامش الحقوق في [المال والحياة المدنية]!!.
وعلى مدى نحو مائة عام إلا عشرا تغير العالم نحو الأفضل لشعوبه [مَرّات] وتصاعد مؤشر الحقوق والكرامة والغِنى وسيادة القانون... [درجات]. والنظام العربي يتغير نحو الأسوأ، وينهار المؤشر [دركات] حتى وصل العالم إلى حيث نرى، ووصلنا إلى ما نحن فيه.
ومرة أخرى: لست أبرئ الشعوب من كل ما لحق بها، ولكن لهذا سياق آخر. ولست ممن يلتقط البقع السوداء في حياة النظام العربي[شامتا] وما تركته من البُقع أكثر مما أومأتُ إليه، ولكني ناصح ومحذِّر.


ودعونا نتكلم بلغة الأحداث وجرد الحساب [في القضايا الكلية المفصِلية] فقط. والبَعرة تدل على البعير.لقد توافق [النظام العربي] مع خيار النظام الكمالي [كمال أتاتورك] على تمزيق الجسد الإسلامي، وفصل القلب منه، وهو الوطن العربي، الذي أخرجه النظام العربي [بالقوة] من الوحدة الإسلامية إلى الاستعمار الغربي. وهو بما فعل [بعلم وقصد] قد شارك برفع الغطاء الإسلامي [قانونيا وعسكريا] وجعل الوطن العربي صيدا سهلا للغزاة، كي يَمنح المستعمِر[بعد إنجاز المهمة] عِدّةَ أشخاص قطعا من أرض الأمة [محميات] يُسَمى كل منهم مَلِكا أو أميرا أو رئيسا عليها. فليتمزق العالم الإسلامي إذا كان الثمن محمية أكون ملكا أو أميرا عليها!، بل فليتمزق العالم العربي لذات السبب، ولتكن فلسطين وطنا قوميا لليهود!.
وتفرقوا شيعا فكل مدينة *** فيها أمير المؤمنين ومنبر
وهذا السلوك الأناني للنظام العربي هو السمة التي تحكم تصرفاته إلى يومنا هذا. وهو الذي كشّر عن أنيابه في [غزة].
فالنظام الفلسطيني، مع المجلس المُصغّر للنظام العربي هو [المشرف التنفيذي] على إبادة غزة[المقاومة]بعد فشل الحصار، كي تركع وتنضم إلى محميته!!
وفي هذا السياق يؤكد [فيّاض] على خطورة تقاسم المسؤولية على المعابر[أي مع حماس] وإلا فما فائدة الحرب؟
وعباس يتوارى[عمدا] حتى لا يشكو إسرائيل[ولو شكليا] لمحكمة جرائم الحرب بتهمة إبادة الشعب الفلسطيني! لأن هذه الإبادة [ضمن المقبول] وكيف يشكو إسرائيل التي يموت جنودها من أجله!؟.
وعبد ربه يتميز من الغيظ وهو يرى ممثلي فصائل المقاومة في قمة الدوحة، ويستعيد بمرارة[أيام زمان] المقاومة البائد!.
ولو حلفتُ أن آخر من يتألم لمصاب غزة هو عباس وزمرته، وأن أول من فرِح بهذه الحرب، وأكثر من يتألم لو توقفت دون تحقيق نتائجها المرجوة هم هؤلاء.. لو حلفت على ذلك لم أحنث.[ولتعرفنهم في لحن القول].
وبعد ميلاد النظام العربي على بعض محميات الوطن العربي بسنوات،وُلِدت دولة إسرائيل، فهو أسَنُّ منها بقليل. وهو[النظام العربي] محميات، وإسرائيل محمية واحدة، لكنها لم تبالِ بجمعهم [فكل جمع مؤنث].


وهنا نسجل بعض العجيبات حول هذا النظام العربي وإسرائيل:
النظام العربي منذ ولادة إسرائيل [اللقيط] تبنّى قضية فلسطين [احتكارا] معتبرا إياها [لُقَطَة] فأصبح الغرب [بريطانيا ثم أمريكا] وليا وحاضنا لإسرائيل. وأصبح النظام العربي [من اليسار إلى اليمين، ومن المحيط إلى الخليج] ناطقا ومعَرِّفا بقضية فلسطين. فمنح الغرب إسرائيل القوة والحرية وكان[على قدر المسؤولية] ومنح النظام العربي فلسطين الهوان والهزائم والفُرقة [أقساطا] يدفعها الشعب الفلسطيني من أرضه ودمه وكرامته إلى اليوم.

واستقلت الأنظمة العربية [بكفاح الشعوب وجهادهم للمستعمر] ولم تسمح للشعب الفلسطيني أن يتحرر بمقاومة أبنائه وسواعد أبطاله.
وأنشأ الغرب دولة إسرائيل من منطلق [ديني] وألغى النظام العربي مبدأ [الجهاد] لتحرير أرض فلسطين، ثم منع مجرد[المقاومة].
وشارك النظام العربي [مرات عديدة] بالجنود وبالمال في قتال[ضد إخوانه] ولم يتشرف مرة واحدة بالقتال في فلسطين أو السماح للغير بالقتال، أو حتى السماح لأهل الأرض بالعودة إليها لاسترجاع منازلهم وملاعب صِبَاهم.!


وعلى مدى ستين عاما لم [يتمعَّر] وجه النظام العربي وهو شاهد زُور في المحافل الدولية على كل القرارات وصور العدوان التي كانت موجهة [صراحة] إلى جسد الأمة، وشعوبها، ولم تتغير ثقته بالأنظمة والمؤسسات التي تولّت كِبرَ هذه الجرائم في حق بلدان العالم الإسلامي عموما، والعربي خصوصا، وفلسطين بوجه أخص.! بل إن هذه الأنظمة والدول العدوانية هي اليوم أكثر قُربا من هذه الأنظمة، وهي أكثر تعاونا معها؟!! وهذا يؤكد أن النظام العربي هو جزء من النظام الدولي في[الهوى] وأنّ حظ الشعوب منه هو [البلاء].

ولم يستنقذ النظام العربي في [عمره الطويل] شيئا من الحقوق، ولم يوقف شيئا من المظالم أو الحروب التي [شُنّت] على الأمة،ولم يتمكن من استصدار قرار، أو منع قرار من الصدور. لم يوقف حربا قبل وقوعها، ولم ينتصر في أي حرب ظالمة بعد وقوعها، بل لم يستطع الامتناع من المشاركة في أي عمل عدواني على الأمة!
ولم يخرج نظام عربي من هرم السلطة بشرف، كما لم يأت إليها نظام باختيار..وهذا أقصى ما يتخيله العقل من صور الهوان والذل والإذلال. وإن شئت فقل[الخبث والفساد].
لا يوجد في جسد الأمة شبر إلا وفيه مُصاب من عدوها[حصار، أو عدوان، أو تقسيم، أو..] والفاعل[معروف]والهدف واضح. والنظام العربي إما شاهد أو مشارك!.


إن من خصائص النظام العربي أن المصلحة العامة هي [مصلحة النظام] وليس الوطن أو الشعب، وأن الأخوة [في الدين أو العروبة] لا قيمة لها إذا تعارضت مع [أخوة النظام الدولي!]
فهاهو يسمح بتدمير السودان [وتجزئته] من الجنوب والغرب، وقيام كيانات انفصالية عميلة،ويتواطأ لإسقاط نظام عربي[مثله] واستبداله بنظام مُعادٍ له في العراق.


أما الدول التي يشتم منها رائحة [مَيلٍ شعبي] للاحتكام إلى مرجعية الإسلام، فهذه الدول لها من النظام العربي الويلُ والثبور وعظائم الأمور.. كأفغانستان وعراق ما بعد صدام، والسودان والصومال،وغزة [شاهد العيان].. وهذا من مبتكرات النظام العربي.
أما العمل الجماعي [الإيجابي] فإن[النظام العربي] يعاني من عجز مزمن، وعادته أن يضرب بالكيان الجماعي للأمة عرض الحائط، لأدنى سبب.


ولعل ثلاث [قِمم تنافسية] حول غزة في يومين، بعد صمت عابث خير دليل على أن عبثية [الاجتماعات] لا تقل عن حماقة [الانقسامات]. بل إن قدرة النظام العربي على التشرذم والانقسام [حسب مزاج القصر] لاتُبارى. فكم مرةً قُطِعت علاقات،وسُحِب سفراء، وحُرِّكت آليات الحرب، وهُيِّجت وسائل إعلام.. من أجل [كلام] قِيل في شخص [صاحب القصر]. ربّما لأنها غِيبة محرمة شرعا!
ولو أن هذا النظام أو ذاك [سكت] لم يتنبه أحد لما قيل، ولكانت هذه نِقاطاً تُحتسَب له في رصيده الديمقراطي المُفلِس.


ولعل الأخطر في [مَسردة] النظام العربي هو[تحييد] كل إمكانات الأمة المادية والمعنوية، وتنحيتها عن ميادين الصراع، بعد تنحية قوتها[العسكرية] إلا من حماية النظام العربي. وهذا التحييد هو غاية الانبطاح للنظام الدولي، والتفريط في حقوق المجتمع وإمكاناته. وتقزيمه وإهانته، وهو أطول قامة في التاريخ، وأثبتُ قدما على الأرض،مما يظن به النظام العربي.

إن سوء الظن بالشعوب والاستخاف بها، وحِرمانها من الفرح بفضل الله عليها، وفرض حالة من الهزيمة الدائمة، والانكسار النفسي [والدُّونية].. كل ذلك أفرز مزيجا اجتماعيا [مُتعَبا] مكدودا، تُخفي ملامحه الكثير، وتُعبِّر قَسَماته عن عظيم. وإن تدمير النظام العربي للإنسان بهذه الطريقة هو الخسارة الأكبر على مستوى[الإمكانات] في العالم العربي.

وإن المجتمع العربي[المسلم] الذي[يُهان]من العالم [أُسوة]بإهانة النظام العربي له.. إن هذا المجتمع يملك إمكانات هائلة، وإن الضعف الذي يتباهى به النظام العربي ضَعفٌ مصطنع [يَتَترَّس] به للتملص من واجباته، ويتذرّع به لقبول[إملاءات] الآخرين.
وإلا فمن يُصدِّق أن النظام العربي العقيم لم تتوجه[إرادته]أبدا في استخدام أو توظيف أيٍ من إمكانات الأمة، لخدمتها وحمايتها وانتزاع حقوقها. وفي يده وتحت تصرفه: المال والموقع الجغرافي،والرصيد البشري والعُمق الإسلامي، بيده الجيوش والمعدات الهائلة، والأبطال الذين[دَوّخوا]العالم، وهو محيط بإسرائيل[محبوب النظام الصليبي] وهي تحتل القدس [ذات البُعد الإسلامي].. إلى إمكانات أُخر، كان بإمكانها أن تضع العالم العربي في مواقع متقدمة مرموقة.

كيف يصح مع ذلك أن يتأخر النظام العربي عن توظيف هذه الإمكانات؛ لمصلحته [هو أولا]وكيف يعجز عن مواجهة الجرائم الكبار بـ [أضعف الإيمان] كسحب سفير،أو تجميد علاقة،أو دعم مقاطعة،أو مقاطعة [ذات دلالة محددة]أو رفض مشاركة مشبوهة ضِمن الهمجية الدولية،أو استشارة شعبية للاحتماء بها والاستعانة برأيها في مواجهة الضغوط والابتزاز؛ كما تفعل الأنظمة المحتَرِمَةُ لشعوبها.

لقد حوّل النظام العربي إمكانات الأمة إلى معوقات وهزائم.
فـ[مقاطعة إسرائيل] مطلب شعبي، وهو قتل بطيء لإسرائيل، والمقاطعة سهلة ومدعومة شعبيا،ومع ذلك احتال النظام العربي لإفشالها.
وإسرائيل [كيان غريب]محتاج لدول الجوار، وليس العكس، وحصاره سياسيا وقانونيا بعدم التطبيع، وعدم توقيع معاهدات سلام.. ذلك كله مطلب شعبي،وهو ليس حربا[مخيفة]ومع ذلك حدث العكس؛تمنّعت إسرائيل[المُحتاجة] وهرولت الدول العربية[فهُزِمت وهي في ملعبها]!!.


وتفعيل [مواثيق الدفاع العربي المشترك]مطلب شعبي، تم نسفُه واستبداله بمواثيق السلام العربي الإسرائيلي؛فالعراق وفلسطين عربية لم تحمها مواثيق الدفاع العربي المشترك!، حتى الجزء المُحَرَّر[غزة] التي انتزعها الأبطال من المحتل، وطردوا الصهاينة منها بالقوة، يريد [البعض] أن يعيدهم إليها بالقوة!!. وليس واضحا؛ غزة أم عقل الرئيس هو المحتل؟.هذه أمثلة بالمناسبة،ولا تتسع المساحة لأكثر منها.

إن رؤية الشعب العربي لشعوب العالم وهي تعبر عن تطلعاتها،وتستخدم قدراتها، وتدافع عن خياراتها.. وتُتَرجم ذلك إلى أفعال ومُكتسبات. ويكون إنسان هذه الأمة مهيضا، محروما من التعبير، محروما من الفعل،محظورا عليه أن يحاسِب، أو يحوِّل طموحه إلى واقع، كما تفعل شعوب العالم..

إن هذه الثنائية التي يعايشها الشعب العربي [على مدار الساعة] تأكل قَلبَه كما يأكل الصدأ الحديد، وتؤثر في نفسه وطموحه كما يؤثر طول القَيدُ في السجين، والرِّق في مَنطِق وحال الرقيق.
وكانت على الأيام نفسي عزيزة *** فلما رأت صبري على الذل ذلّت
وبدهي أن [أسنان] النظام العربي ليست واحدة، وعليه فلابد من ملاحظة الفُرُوق الطفيفة في السلوك والمواقف بين هذه الأسنان، دون مبالغة.

وبالخلاصة: لقد [تطرَّف] النظام العربي [المعتدل!] إلى حد: المواجهة مع الشعوب وتجاهُلِ خياراتها، ومحاصرة المقاومة [المشروعة] وتنفيذ السياسات الأمريكية الهمجية على مساحات واسعة في العالم الإسلامي؛ بالقول وبالفعل.وإن القيمة السوقية لجغرافية العالم العربي[وشعوبه] قد انخفضت بصورة مذهلة في السوق الدولية، وخَفّ وزنها في المحافل بشكل مُخجِل. وهذا كله كان بسوء إدارة[النظام العربي] للأزمات وللقدرات على مدى عقود.

وأفلس النظام الرسمي العربي حتى من كياسة المتاجرة بالقضية الفلسطينية، فباعها بِوَكس وبخس، واشترى العداء والهوان والكراهية. لقد تنقّل النظام العربي من لعبة احتضان القضية.. إلى تقزيمها؛ من [إسلامية]إلى [عربية]إلى [فلسطينية] ثم[فصيل واحد ممثل شرعي ووحيد].. فالإجهاز عليها وتبادل الأدوار القذرة – صراحة – مع إسرائيل، كالذي نشهده اليوم. وَحَصر الدعم والمساندة[في كل نكبة ونكسة ومجزرة] بخدمات ما بعد التدمير والخراب والقتل. وكأن النظام العربي متعهد صيانة، أو قسم خدمات في بلدية.!!
وتَرَاجَع من تَبَنِّي خيار [المقاومة]..إلى [مقاومة] هذا الخيار.. فتجريمه، فمحاصرة أنصاره إلى حد إجبارهم على الارتماء في أحضان [المحور الإيراني].
وتلك خطيئة النظام العربي الكبرى.. وعنها سيكون حديثنا في الحلقة التالية.
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top