غزة التي قصمت ظهر النظام العربي (4)
د.حسن بن صالح الحميد | 15/2/1430
النظام العربي وظاهرة العنف.
لعل كثيرين في العالم العربي المسلم، يعتقدون أن النظام العربي بريء من ظاهرة العنف و[الإرهاب] براءة الذئب من دم يوسف! أما [النظام العربي] نفسه فيذهب أبعد من ذلك. إذ يرى أنه هو الضحيّة الأولى لهذا العُنف.. وأن الذي يقف وراء الإرهاب هو بعض شرائح المجتمع، ومناهج التعليم،وأدبيات الخطاب الإسلامي. وأنه هو [وحده]الذي يحاربه في كل الميادين. ومن يقول غير ذلك فهو إرهابي متدثّر، أو مُغَرّر به ،يدافع عن الإرهاب ويدعمه؛ شعر أم لم يشعر. هذه هي الثقافة [المُسَوَّدة] بالقوة في أدبيات الإعلام العربي الرسمي.
أما المنطق والعقل؛ أما كل من يملك أدوات النظر، ويفقه سنن الحياة ومنطق التاريخ،فضلا عن نصوص الشرع.. أما هؤلاء [فيجزمون] بأن النظام العربي ، كما كان السبب والمهِّيئ لظروف التغوّل الإيراني وتمدُّدِه، فهو[ذاته] المُنتج والمُطوِّر لظاهرة العنف والغلو في الساحات العربية والعالمية!. شعر أم لم يشعر.. بسلوكه ومواقفه وخياراته.
إن من أخطر الإفرازات التي ولدتها المواقف المتخاذلة للنظام الرسمي العربي [منذ عقود] والتي بلغت قمة جبل الجليد في مأساة غزة، إن هذا النظام بمواقفه المخزية يعتبر شريكا حقيقيا، ومُنتِجا طبيعيا، وصانعا ومهيئا، ومبرراً لجميع صور ومظاهر ردود الأفعال [المبَرَّرة وغير المبررة] في العالم العربي بصفة خاصة، وفي كل مكان [يتأثر] بهذه المواقف في أي مكان. والتاريخ يعيد نفسه.
إن الاستمرار في سحق الذات المسلمة، ومصادرة عواطفها، ومصادمة فطرتها ، في التطلع إلى الحرية والتآخي وإباء الضيم والدفاع عن النفس[الكيان الجماعي للأمة] والاستمرار في جلدها وإذلالها، والاستخفاف بها، وتقزيم رأيها وخيارها، والتحدث والإمضاء باسمها، وكأنها[قاصر] محجور عليه..مع التجهيل ، وعسكرة الحياة.. وعلى مدى عقود.. إن ذلك لا يمكن أن تستقيم معه [حياة]أو تتحقق في ظله [تنمية] أو يولد من رحمه [استقرار] وما النظام الشيوعي ودولة الاتحاد السوفيتي عنا ببعيد. غير أن الفرق بين النظام العربي والاتحاد السوفيتي:
أن هذا الأخير قد شطب التدين والتملك [عاطفة وممارسة] وأعطى مقابل ذلك حرية الشهوات،وخلق لأتباعه قضية كونية تمثلت في صراع المعسكر الغربي على النفوذ والسيادة، وفيها ما فيها من الإشباع لبعض نوازع النفس.
أما النظام العربي فقد شطب التدين بشمولية الإسلام،وعوض عنها بـ[التدين الشخصي المنقوص والخرافي المُطلق] وصادر حرية الحقوق، وعوّض عنها بحرية الفسوق، إلا ما رحم ربي. ولم تكن له قضية[كرامة] يدافع عنها،بل كان دفعُه باتجاه [تكريس]الهوان . ولم يشرع ببناء قوة مرهوبة، بل تبجَّح بضعف رهيب!.ولم يتحرك باتجاه مشروع وطني مستقل، وإنما استوطن مشروعا غربيا غريبا.
وبدهي أنه لا يمكن الاستمرار في تجريم الشعوب أو ضبط إيقاع أفرادها كي تتناغم وهذه الخيارات الهابطة للنظام العربي ، التي هي مجرد أصداء وترجمة وإنتاج عربي لمشروعات غربية أمريكية، مُفَصّلة على المقاس العربي. أي أن الشعوب لا يمكن أن تموت [سريريا]، كما هو الحال بالنسبة للنظام العربي.
ولأن الشعوب لا تموت بفعل [الإهانة] بل تحيا، فقد اتسعت [مع الوقت] الهوة بين تطلعات الشعوب وإرادات الأنظمة . ومع تكرار مشاهد العدوان والهوان على المسلمين في أكثر من بقعة، والنظام العربي بلا حِراك ،شعر أفراد كثيرون أنه [حجر عثرة] وأنه يجب تجاوزه، ومقاومة الظلم والدفاع عن الشعوب المعتدَى عليها بصورة مباشرة. ولكن النظام العربي – كعادته – انخرط في تأزيم الموقف الشعبي [العفوي] بمحاصرة هذه الشرائح جغرافيا وإعلاميا، بل ودينيا ؛ بالمطاردة والاعتقال والتجريم. وأخطأ النظام العربي خطأ فادحا عندما اعتبر هذه الفئات المعادية للمحتل المغتصب، والغازي المعتدي [في أية بقعة] أنها معادية للنظام العربي بذات المستوى. أي:كأن أعداء الهندوس المحتلين لكشمير،واليهود المغتصبين لفلسطين، والروس المحتلين لأفغانستان، وكأن أعداء أمريكا - مثلا - هم بالضرورة وعلى قدم المساواة أعداء لهذا النظام العربي أو ذاك!.
إن المتابع لتطور مراحل المواجهة بين الشعوب والنظام العربي يجزم بأن هذه الشرائح من الشعوب العربية لم تكن تُسَوِّي أبدا بين النظام العربي الفاسد وبين الغزاة والمعتدين، منذ أن نشأت المشكلة الفلسطينية، مرورا بالقضايا الأخرى بعد ذلك ؛ كشمير وأفغانستان والشيشان والعراق والصومال ...
لقد كانت معظم هبّات الشعوب لنجدة المظلومين مدفوعة بغَيرة الإيمان وواجب النصرة، ومقاومة العدوان .. بعفوية وصدق ، ولم تكن بدوافع سياسية ، تنظر بعين إلى [هزيمة الغزاة] في الخارج، وبالعين الأخرى إلى [إسقاط النظام الحاكم] أبدا لم يكن إسقاط الأنظمة المتخاذلة أولوية لهذه الشعوب في جملة المواقف. ولكن النظام العربي الغبي، المرتَهَن للأجنبي وقع في فخ التسوية بينه وبين الغازي المحتل؛ إذ اُوحِي إليه أن هؤلاء المقاومين للعدو ، لا يفرقون بين الغازي المعتدي على أحد بلدان المسلمين، وبين النظام العربي. فدخل معظم الأنظمة العربية في مواجهة مكشوفة مع أبنائها ،واعتبرت أعداء أمريكا أعداءً لها. وتولت – نيابة عن المحتل الأجنبي – مقاومة الصفوة من شعوبها؛ [أعداء المحتلين والغُزاة] وأخرجت نفسها من خانة الحياد أو العجز إلى خانة الاصطفاف في صفوف العدو، جنبا إلى جنب ،في مواجهة الأمة وتطلعاتها.
لقد تجاهل النظام العربي في هذه المرحلة حقيقة هامة؛ هي أن هذه الفئات [القليلة] كانت تعبر عن مزاج الأمة ، عن مزاج الأغلبية الصامتة، وأن ضمير هذه الأغلبية معهم بالموافقة والتأييد. وهذا أمر طَبَعِي، لو كان النظام العربي يحسن قراءة البدايات، ويتعامل بواقعية مع التحولات.
ولأن هذا النظام العربي [مارَسَ] هوايته في الهروب إلى الأمام.. بدأ الحديث عن شرعية هذه الأنظمة، وضرورة مقاومتها؛ كونها حاضنة أهداف العدو، وشريكه في تدمير مقدرات الأمة وسبب معاناتها؛ فهاهي تقدم الدعم للعدو المحتل على الأرض، وتشارك حتى بالجنود والمال، وتعطيه الغطاء القانوني إذا لزم الأمر، وتُجرِّم كل مقاومة فاعلة أو دعم يمكن أن يغير الواقع على الأرض.
وفي هذه المرحلة الساخنة، وهي الأكثر خطورة، لايمكن للمواقف الشعبية [الساخطة] أن تتطور بانضباط، كما لو كانت تُدار بالريموت كنترول. فالعدوان ذاته هو عمل همجي في دوافعه، وأكثر همجية في تنفيذ أهدافه. والنظام العربي ذاته قد فقد [الكياسة] والحكمة في استيعاب درس المرحلة السابقة، وافتقد الشجاعة في تحميل نفسِه[ولو جزءً] من مسؤولية الإحباط الشعبي، والتغوّل الأجنبي، والمأساة على الأرض.. وهذا وذاك وذلك لن ينتج بالطبع وضعا منضبطا في ردوده ومواقفه، فضلا عن أدبيات خطابه. والنظام نفسه لم يكن حصيفا ولا واقعيا في ذلك .. وقد قيل:
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
وماذا على النظام العربي العقيم لو سَرَّح الطرف في الأرض:
لِيرى أمما ودولا مستقرة ناهضة بتياراتها وأحزابها؛ بما أعطت من حريات، وصانت من كرامة، واستقلت به من مواقف.
ويدرك أن الشعوب لا تثور بلا أسباب، ولا تؤثر المخاطرة إلا فرارا مما هو أخطر منها.
ويعلم أن المجتمعات المستقِرَّة نفسيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا لا يمكن أن تكون [حاضنة] لأي سلوك قد يفسد عليها هناءها، ولن تكون [غطاءً] لأي سلوك أو فئة لا ترى مبررا لوجودها. بل ستكون مجتمعات [طاردة] لأي سلوك أو فكر شاذ. وسيبقى الشذوذ والخطأ [فرديا] غريبا، بلا قاعدة اجتماعية.
وأن التطرف في أي اتجاه، عندما يتحول إلى ظاهرة [بسبب قوة تُسنده أو كثرة تمارسه] فإنه سوف يولد تطرفا في الاتجاه الآخر، يكون مثله أو أسوأ منه.
وهذه النظريات والمسلمات الاجتماعية هي مقياس دقيق ومجسّ حقيقي ، كان وما يزال يُعتمد عليه في تفسير الظواهر الاجتماعية ؛ ظهورا وانحسارا.. وهي التي يجب أن [يخضع] لها النظام العربي كي يفهم ملائمة سلوكه ومواقفه، ويدرك آثارها في الشارع العربي والإسلامي، من جهة أخرى . وهي التي يجب أن نُحيل عليها لنفهم مبررات العنف ومظاهر التطرف من جهة، والإحباط والسلبية من جهة أخرى، وكلا الأمرين اكتوت بنارها الأنظمة والشعوب. بل إن الشعوب هي [الخاسر] الأكبر والمتضرر الأول من هذه الانحرافات وإفرازاتها، ولسان حالها يقول:
لست من جُناتها - علم الله - وإني بحرّها اليوم صالي
فالشعوب العربية تدفع ثمن تطرف النظام العربي العميل المتخاذل ،وإطلاقه يد المفسدين[أخلاقيا واجتماعيا] من جهة، وردود الفعل الشعبية[العنيفة] من جهة أخرى. كما أن النظام العربي ومثقفيه - في تطرف آخر- يُحمِّلون الأمة مسؤولية ما يجري من ردود الأفعال. والأمة - كان الله في عونها - متهمة بالتقصير والخنوع من بعض الشرائح الشعبية الثائرة؛ المتطرفة أحيانا!.
وعلى كل حال فقد مضى النظام العربي ، كما يمشي جمل هائج، مسنودا بإمكانات ومقدرات الأمة التي يحكمها بالقوة، وبحماية الأجنبي الغازي. فأصبح المشهد العربي [الراهن] هكذا:
النظام العربي بلا إسناد شعبي ، ومعه المحتل الغازي، في مواجهة الرأي العام الشعبي ، بمطالِبِه المشروعة [العدالة والحرية والمقاومة والنصرة].
النظام العربي يملك القوة العسكرية والإسناد السياسي من النظام الدولي[الاستعماري] بلا غطاء أخلاقي. والرأي العام الشعبي الذي يملك السند الأخلاقي، ويقف معه أحرار العالم.
وكل مانراه ونسمعه ونقرأه مما [تُنتجه وتقدمه] الآلة الإعلامية على مدار الساعة ما هو إلا صدى لهذا الانقسام وشرح وتفسير لمبررات هذا الاصطفاف.
لكن الأخطر في هذا الاصطفاف الذي ذكرنا ملامحه ، هو دخول [المحور الإيراني] خلسة وتُقيَة إلى مشهد التجاذب الرسمي والشعبي العربي السني، ببطاقات مزورة ، واستطاع توظيف حالة الإحباط الشعبي، والغثاء الرسمي، إعلاميا وسياسيا، ووقَع بعضُ مكونات الحراك الشعبي السني في حبائله ، مُكرَها ، أو نكاية بالنظام العربي الرسمي ، أو ذهولا عن حقيقة طموحات المحور الإيراني، أو بحثا عن مخرج، ولو إلى الجحيم!.ولسان حاله يقول: ماذا بقي مما أخاف عليه؟.
وصار الناس يرون أنفسهم وطموحاتهم ومطالبهم في أدبيات خطاب المحور الإيراني، ومواقفه الكلامية.
ولم يحتكر المحور الإيراني نبض الشارع العربي، ويسحب البساط من تحت أقدام النظام العربي الغبي فقط، بل استطاع أن [يستوعب] الشرائح التي اختارت مفاصلة الأنظمة ومقاومتها؛ كجماعة القاعدة ومن يسير في فلكها. وأن يجد لها مكانا ملائما في [مشروعه] الصفوي التوسعي!!.
لقد استطاع محور إيران أن يوظف هذا التيار في إرهاق أمريكا في العراق، بعد أن [جرجرها]وحَصَل منها على ما يريد، وهو إسقاط النظام العربي السني. كما استطاع أن يمزق بهذا التيار[القاعدة] وحدة الصف السني في العراق بالانقسام فالاحتراب، لصالح التيار الصفوي ، فضم العراق العربي السني إلى المحور الإيراني بذكاء وخبث، وخسر النظام الرسمي العربي – بغباء وخبث – أخطر وأهم بلد في جبهته الشرقية. ولم يخسر النظام العربي العراق البلد فقط ، بل خسر المكوِّن السني داخل العراق أيضا!! بالعجز والتخاذل، والبطائن الخائنة ، التي وجدت لها مكانا في عقول الأنظمة الغبية الفاسدة، المسكونة بالخوف من [الإسلام السياسي]. وإن خسارة العراق العربي السني لهي أكبر طعنة في خاصرة العرب والمسلمين، وإن مصابها لا يقل عن مصاب الأمة في فلسطين.
وكما استطاع المحور الإيراني توظيف الشرائح الثائرة في إسقاط وتمزيق العراق السني لصالحه، فقد نجح أيضا في استدراجها لضرب وحدة السنة في لبنان، وإضعاف هذه الجبهة [الخطيرة] لصالح الأقلية الرافضية [مُمثِلة محور إيران على المستوى الشعبي] في العمق العربي . وفشل النظام العربي بامتياز أن يحمي فريقه في لبنان؛ فشل أن يحمي النظام اللبناني ، كما فشل أن يحمي الشعب اللبناني من الارتهان لحساب المحور الإيراني. وتَرَك السنة – الامتداد الطبيعي للشعب العربي – عزلا من أي سلاح؛ وجعلهم المكوّن الأضعف في لبنان، وهم الأكثر عددا فيه !!
لقد تغوّل [النظام الإيراني] وامتد ليؤلف [المحور الإيراني] في عمق جغرافية النظام الرسمي العربي ، وعمق العقل الشعبي العربي .. كل ذلك بفعل النظام العربي، وسلوك ومواقف النظام العربي. الذي:
لو لم يكن بيديه مجروحا لضمّدنا جراحه
وبدلا من أن يتجه النظام العربي لِمراجعة نفسه وتقييم مواقفه الخاطئة، ونتائجها المخزية، ويحاول [استيعاب] بعض الدروس، ويقيم جسور التصالح، ويزيل أسباب التوتر مع محيطه الشعبي وعمقه الاستراتيجي، ويقطع الطريق على [المتطرفين].. بدلا من ذلك[توالت] مبادرات النظام العربي.. وعنتريات النظام العربي.
مبادرات النظام العربي بتوقيع اتفاقات سلام مهينة ، وهرولة مَن لم يوقع بفعل أي شيء يثبت أنه على قضبان القطار! كافتتاح مكتب تمثيل تجاري أو علاقات دبلوماسية من نوعٍ ما. أو حتى مصافحة [غير مقصودة!] أو لقاء غير معلن.
وتعنتر النظام العربي ، ورَفَع الحرج عن البعض بفعل جماعي – يتشبه فيه المحسن بالمسيء – فطرح تحت قبة القمة العربية مبادرة سلام [النظام العربي كله] مع المحتل الصهيوني، [متلفعة بحسن النية] قابلة للخصم من النظام العربي، كلما لزم الأمر. باسم الشعب الفلسطيني، الذي لم يُستشر منه، ولم يمثله فيها إلا النظام الفلسطيني؛ ربيب النظام العربي، الذي نشأ في حَجره !. وكانت مكافأة هذا النظام [نقدا] من يهود ؛مجزر جنين !! بحق الشعب الفلسطيني، وحصار رئيس النظام الفلسطيني عرفات واغتياله بالسم.
وبعد عرفات أصبحت فلسطين أمام مشهد جديد وواقع جديد ، أنهى الاستفراد على مستوى القيادة الفلسطينية، نتيجة انتخابات حرة ونزيهة [والنظام العربي لا يطيق الحرية ولا النزاهة] فطاشت سهام ربيب النظام العربي، ورجحت كفة حماس [الخيار الإسلامي] !!
وهنا وقع النظام العربي في حيرة ، تجاوزها بالخطأ [كعادته] وتطرّف فنصر أولياءه وسمح بالانقلاب على الشرعية الدستورية.
فمنذ كانت نتائج الانتخابات الحرة، لم يمش أيّ من أعضاء الحكومة [المنتخبة ديمقراطيا] على السجاد الأحمر في بلاط أي زعيم عربي !!! ولم تُحوّل إلى خزائنها الأموال المستحقة !. وفعل النظام العربي معها شرا مما فعله الأمريكان مع حكومة الإنقاذ في السودان، وطالبان في أفغانستان. وانتهى الأمر بانقلاب صريح وتعيين حكومة تصريف أعمال، ومُورِس الإرهاب على الحكومة المنتخبة في غزة، بعد طردها من رام الله. وكانت إسرائيل - من جانبها – تقوم باللازم ، فاعتقلت رئيس ونحو ثلث أعضاء المجلس التشريعي المنتخب.. كل هذا والنظام العربي شاهد، يبارك الخطوات الفاشية، ويجلد الشعب الفلسطيني على خياره.
وكان لابد من لَجم جهالات زُعران عباس وطردهم من غزة بالقوة، وتخليص غزة - على الأقل – منهم. وحينئذ شعر النظام العربي أن غزة لم تعد تحت السيطرة [سياسيا] وضاقت بالعملاء المخربين أرض غزة [أمنيا]. فكان لابد من تعذيب أهل غزة بما رفضوا من العملاء، عذابا[فوق العذاب] !!. وحماس دائما هي عنوان الأزمة، وسبب العذاب.
ومضى النظام العربي – بصراحة ووقاحة – نحو الجريمة المشهودة ، بتواطؤ مكشوف، وتنسيق لا تخطئه العين.
لقد جَرّ النظام العربي و[جَرّأ] "إسرائيل" على سحق غزة ، بذرائع [ سحق حماس ومحاربة الإرهاب ومنع إطلاق الصواريخ على "إسرائيل"] وأضاف النظام العربي [ومنع إقامة إمارة إسلامية [على غرار طالبان] وإجهاض فرصة الإسلام السياسي من تقديم أي نجاح في مجال الحكم].
وهذه – فيما نعلم – أول مَرّة يتفوق فيها النظام العربي على الاحتلال الإسرائيلي في [المسرح الفلسطيني] على حد قول الأول:
وكنتُ امرأً من جُند إبليس فارتقى بي الدهر حتى صار إبليس من جندي
وجرت فاجعة غزة في مشهد أليم مؤلم، قل أن ترى العين مثله في هوله، وينعقد اللسان عن وصفه. وأعاد إلى الأذهان فاجعة سقوط بغداد الأولى على أيدي التتار، وخيانة ابن العلقمي [الرافضي] وفاجعة المخيمات الفلسطينية وما جرى عليهم من التنكيل على يد [الموارنة وحزب أمل الرافضي!] لكن هذه المرة بخيانة النظام العربي [السني] ورفقاء الدرب في [النضال الفلسطيني] !! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فماذا نقول للمتطرفين الذين نرفض أخطاءهم رفضا[حقيقيا]لا مواربة فيه ؟؟
وماذا يقول النظام العربي عن حصاد الهشيم الذي زرعه، وهذه بعض نتائجه ؟؟
وماذا على الأمة[الأغلبية الصامتة]أن تقول وتفعل في مواجهة الطرَفيَن[المُتطرِّفَين] واستحقاقات المرحلة ؟؟ .
ذلك ما سأكتب عنه في الحلقة القادمة، ومن الله أستمد العون والتسديد.
د.حسن بن صالح الحميد | 15/2/1430
لعل كثيرين في العالم العربي المسلم، يعتقدون أن النظام العربي بريء من ظاهرة العنف و[الإرهاب] براءة الذئب من دم يوسف! أما [النظام العربي] نفسه فيذهب أبعد من ذلك. إذ يرى أنه هو الضحيّة الأولى لهذا العُنف.. وأن الذي يقف وراء الإرهاب هو بعض شرائح المجتمع، ومناهج التعليم،وأدبيات الخطاب الإسلامي. وأنه هو [وحده]الذي يحاربه في كل الميادين. ومن يقول غير ذلك فهو إرهابي متدثّر، أو مُغَرّر به ،يدافع عن الإرهاب ويدعمه؛ شعر أم لم يشعر. هذه هي الثقافة [المُسَوَّدة] بالقوة في أدبيات الإعلام العربي الرسمي.
أما المنطق والعقل؛ أما كل من يملك أدوات النظر، ويفقه سنن الحياة ومنطق التاريخ،فضلا عن نصوص الشرع.. أما هؤلاء [فيجزمون] بأن النظام العربي ، كما كان السبب والمهِّيئ لظروف التغوّل الإيراني وتمدُّدِه، فهو[ذاته] المُنتج والمُطوِّر لظاهرة العنف والغلو في الساحات العربية والعالمية!. شعر أم لم يشعر.. بسلوكه ومواقفه وخياراته.
إن من أخطر الإفرازات التي ولدتها المواقف المتخاذلة للنظام الرسمي العربي [منذ عقود] والتي بلغت قمة جبل الجليد في مأساة غزة، إن هذا النظام بمواقفه المخزية يعتبر شريكا حقيقيا، ومُنتِجا طبيعيا، وصانعا ومهيئا، ومبرراً لجميع صور ومظاهر ردود الأفعال [المبَرَّرة وغير المبررة] في العالم العربي بصفة خاصة، وفي كل مكان [يتأثر] بهذه المواقف في أي مكان. والتاريخ يعيد نفسه.
إن الاستمرار في سحق الذات المسلمة، ومصادرة عواطفها، ومصادمة فطرتها ، في التطلع إلى الحرية والتآخي وإباء الضيم والدفاع عن النفس[الكيان الجماعي للأمة] والاستمرار في جلدها وإذلالها، والاستخفاف بها، وتقزيم رأيها وخيارها، والتحدث والإمضاء باسمها، وكأنها[قاصر] محجور عليه..مع التجهيل ، وعسكرة الحياة.. وعلى مدى عقود.. إن ذلك لا يمكن أن تستقيم معه [حياة]أو تتحقق في ظله [تنمية] أو يولد من رحمه [استقرار] وما النظام الشيوعي ودولة الاتحاد السوفيتي عنا ببعيد. غير أن الفرق بين النظام العربي والاتحاد السوفيتي:
أن هذا الأخير قد شطب التدين والتملك [عاطفة وممارسة] وأعطى مقابل ذلك حرية الشهوات،وخلق لأتباعه قضية كونية تمثلت في صراع المعسكر الغربي على النفوذ والسيادة، وفيها ما فيها من الإشباع لبعض نوازع النفس.
أما النظام العربي فقد شطب التدين بشمولية الإسلام،وعوض عنها بـ[التدين الشخصي المنقوص والخرافي المُطلق] وصادر حرية الحقوق، وعوّض عنها بحرية الفسوق، إلا ما رحم ربي. ولم تكن له قضية[كرامة] يدافع عنها،بل كان دفعُه باتجاه [تكريس]الهوان . ولم يشرع ببناء قوة مرهوبة، بل تبجَّح بضعف رهيب!.ولم يتحرك باتجاه مشروع وطني مستقل، وإنما استوطن مشروعا غربيا غريبا.
وبدهي أنه لا يمكن الاستمرار في تجريم الشعوب أو ضبط إيقاع أفرادها كي تتناغم وهذه الخيارات الهابطة للنظام العربي ، التي هي مجرد أصداء وترجمة وإنتاج عربي لمشروعات غربية أمريكية، مُفَصّلة على المقاس العربي. أي أن الشعوب لا يمكن أن تموت [سريريا]، كما هو الحال بالنسبة للنظام العربي.
ولأن الشعوب لا تموت بفعل [الإهانة] بل تحيا، فقد اتسعت [مع الوقت] الهوة بين تطلعات الشعوب وإرادات الأنظمة . ومع تكرار مشاهد العدوان والهوان على المسلمين في أكثر من بقعة، والنظام العربي بلا حِراك ،شعر أفراد كثيرون أنه [حجر عثرة] وأنه يجب تجاوزه، ومقاومة الظلم والدفاع عن الشعوب المعتدَى عليها بصورة مباشرة. ولكن النظام العربي – كعادته – انخرط في تأزيم الموقف الشعبي [العفوي] بمحاصرة هذه الشرائح جغرافيا وإعلاميا، بل ودينيا ؛ بالمطاردة والاعتقال والتجريم. وأخطأ النظام العربي خطأ فادحا عندما اعتبر هذه الفئات المعادية للمحتل المغتصب، والغازي المعتدي [في أية بقعة] أنها معادية للنظام العربي بذات المستوى. أي:كأن أعداء الهندوس المحتلين لكشمير،واليهود المغتصبين لفلسطين، والروس المحتلين لأفغانستان، وكأن أعداء أمريكا - مثلا - هم بالضرورة وعلى قدم المساواة أعداء لهذا النظام العربي أو ذاك!.
إن المتابع لتطور مراحل المواجهة بين الشعوب والنظام العربي يجزم بأن هذه الشرائح من الشعوب العربية لم تكن تُسَوِّي أبدا بين النظام العربي الفاسد وبين الغزاة والمعتدين، منذ أن نشأت المشكلة الفلسطينية، مرورا بالقضايا الأخرى بعد ذلك ؛ كشمير وأفغانستان والشيشان والعراق والصومال ...
لقد كانت معظم هبّات الشعوب لنجدة المظلومين مدفوعة بغَيرة الإيمان وواجب النصرة، ومقاومة العدوان .. بعفوية وصدق ، ولم تكن بدوافع سياسية ، تنظر بعين إلى [هزيمة الغزاة] في الخارج، وبالعين الأخرى إلى [إسقاط النظام الحاكم] أبدا لم يكن إسقاط الأنظمة المتخاذلة أولوية لهذه الشعوب في جملة المواقف. ولكن النظام العربي الغبي، المرتَهَن للأجنبي وقع في فخ التسوية بينه وبين الغازي المحتل؛ إذ اُوحِي إليه أن هؤلاء المقاومين للعدو ، لا يفرقون بين الغازي المعتدي على أحد بلدان المسلمين، وبين النظام العربي. فدخل معظم الأنظمة العربية في مواجهة مكشوفة مع أبنائها ،واعتبرت أعداء أمريكا أعداءً لها. وتولت – نيابة عن المحتل الأجنبي – مقاومة الصفوة من شعوبها؛ [أعداء المحتلين والغُزاة] وأخرجت نفسها من خانة الحياد أو العجز إلى خانة الاصطفاف في صفوف العدو، جنبا إلى جنب ،في مواجهة الأمة وتطلعاتها.
لقد تجاهل النظام العربي في هذه المرحلة حقيقة هامة؛ هي أن هذه الفئات [القليلة] كانت تعبر عن مزاج الأمة ، عن مزاج الأغلبية الصامتة، وأن ضمير هذه الأغلبية معهم بالموافقة والتأييد. وهذا أمر طَبَعِي، لو كان النظام العربي يحسن قراءة البدايات، ويتعامل بواقعية مع التحولات.
ولأن هذا النظام العربي [مارَسَ] هوايته في الهروب إلى الأمام.. بدأ الحديث عن شرعية هذه الأنظمة، وضرورة مقاومتها؛ كونها حاضنة أهداف العدو، وشريكه في تدمير مقدرات الأمة وسبب معاناتها؛ فهاهي تقدم الدعم للعدو المحتل على الأرض، وتشارك حتى بالجنود والمال، وتعطيه الغطاء القانوني إذا لزم الأمر، وتُجرِّم كل مقاومة فاعلة أو دعم يمكن أن يغير الواقع على الأرض.
وفي هذه المرحلة الساخنة، وهي الأكثر خطورة، لايمكن للمواقف الشعبية [الساخطة] أن تتطور بانضباط، كما لو كانت تُدار بالريموت كنترول. فالعدوان ذاته هو عمل همجي في دوافعه، وأكثر همجية في تنفيذ أهدافه. والنظام العربي ذاته قد فقد [الكياسة] والحكمة في استيعاب درس المرحلة السابقة، وافتقد الشجاعة في تحميل نفسِه[ولو جزءً] من مسؤولية الإحباط الشعبي، والتغوّل الأجنبي، والمأساة على الأرض.. وهذا وذاك وذلك لن ينتج بالطبع وضعا منضبطا في ردوده ومواقفه، فضلا عن أدبيات خطابه. والنظام نفسه لم يكن حصيفا ولا واقعيا في ذلك .. وقد قيل:
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
وماذا على النظام العربي العقيم لو سَرَّح الطرف في الأرض:
لِيرى أمما ودولا مستقرة ناهضة بتياراتها وأحزابها؛ بما أعطت من حريات، وصانت من كرامة، واستقلت به من مواقف.
ويدرك أن الشعوب لا تثور بلا أسباب، ولا تؤثر المخاطرة إلا فرارا مما هو أخطر منها.
ويعلم أن المجتمعات المستقِرَّة نفسيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا لا يمكن أن تكون [حاضنة] لأي سلوك قد يفسد عليها هناءها، ولن تكون [غطاءً] لأي سلوك أو فئة لا ترى مبررا لوجودها. بل ستكون مجتمعات [طاردة] لأي سلوك أو فكر شاذ. وسيبقى الشذوذ والخطأ [فرديا] غريبا، بلا قاعدة اجتماعية.
وأن التطرف في أي اتجاه، عندما يتحول إلى ظاهرة [بسبب قوة تُسنده أو كثرة تمارسه] فإنه سوف يولد تطرفا في الاتجاه الآخر، يكون مثله أو أسوأ منه.
وهذه النظريات والمسلمات الاجتماعية هي مقياس دقيق ومجسّ حقيقي ، كان وما يزال يُعتمد عليه في تفسير الظواهر الاجتماعية ؛ ظهورا وانحسارا.. وهي التي يجب أن [يخضع] لها النظام العربي كي يفهم ملائمة سلوكه ومواقفه، ويدرك آثارها في الشارع العربي والإسلامي، من جهة أخرى . وهي التي يجب أن نُحيل عليها لنفهم مبررات العنف ومظاهر التطرف من جهة، والإحباط والسلبية من جهة أخرى، وكلا الأمرين اكتوت بنارها الأنظمة والشعوب. بل إن الشعوب هي [الخاسر] الأكبر والمتضرر الأول من هذه الانحرافات وإفرازاتها، ولسان حالها يقول:
لست من جُناتها - علم الله - وإني بحرّها اليوم صالي
فالشعوب العربية تدفع ثمن تطرف النظام العربي العميل المتخاذل ،وإطلاقه يد المفسدين[أخلاقيا واجتماعيا] من جهة، وردود الفعل الشعبية[العنيفة] من جهة أخرى. كما أن النظام العربي ومثقفيه - في تطرف آخر- يُحمِّلون الأمة مسؤولية ما يجري من ردود الأفعال. والأمة - كان الله في عونها - متهمة بالتقصير والخنوع من بعض الشرائح الشعبية الثائرة؛ المتطرفة أحيانا!.
وعلى كل حال فقد مضى النظام العربي ، كما يمشي جمل هائج، مسنودا بإمكانات ومقدرات الأمة التي يحكمها بالقوة، وبحماية الأجنبي الغازي. فأصبح المشهد العربي [الراهن] هكذا:
النظام العربي بلا إسناد شعبي ، ومعه المحتل الغازي، في مواجهة الرأي العام الشعبي ، بمطالِبِه المشروعة [العدالة والحرية والمقاومة والنصرة].
النظام العربي يملك القوة العسكرية والإسناد السياسي من النظام الدولي[الاستعماري] بلا غطاء أخلاقي. والرأي العام الشعبي الذي يملك السند الأخلاقي، ويقف معه أحرار العالم.
وكل مانراه ونسمعه ونقرأه مما [تُنتجه وتقدمه] الآلة الإعلامية على مدار الساعة ما هو إلا صدى لهذا الانقسام وشرح وتفسير لمبررات هذا الاصطفاف.
لكن الأخطر في هذا الاصطفاف الذي ذكرنا ملامحه ، هو دخول [المحور الإيراني] خلسة وتُقيَة إلى مشهد التجاذب الرسمي والشعبي العربي السني، ببطاقات مزورة ، واستطاع توظيف حالة الإحباط الشعبي، والغثاء الرسمي، إعلاميا وسياسيا، ووقَع بعضُ مكونات الحراك الشعبي السني في حبائله ، مُكرَها ، أو نكاية بالنظام العربي الرسمي ، أو ذهولا عن حقيقة طموحات المحور الإيراني، أو بحثا عن مخرج، ولو إلى الجحيم!.ولسان حاله يقول: ماذا بقي مما أخاف عليه؟.
وصار الناس يرون أنفسهم وطموحاتهم ومطالبهم في أدبيات خطاب المحور الإيراني، ومواقفه الكلامية.
ولم يحتكر المحور الإيراني نبض الشارع العربي، ويسحب البساط من تحت أقدام النظام العربي الغبي فقط، بل استطاع أن [يستوعب] الشرائح التي اختارت مفاصلة الأنظمة ومقاومتها؛ كجماعة القاعدة ومن يسير في فلكها. وأن يجد لها مكانا ملائما في [مشروعه] الصفوي التوسعي!!.
لقد استطاع محور إيران أن يوظف هذا التيار في إرهاق أمريكا في العراق، بعد أن [جرجرها]وحَصَل منها على ما يريد، وهو إسقاط النظام العربي السني. كما استطاع أن يمزق بهذا التيار[القاعدة] وحدة الصف السني في العراق بالانقسام فالاحتراب، لصالح التيار الصفوي ، فضم العراق العربي السني إلى المحور الإيراني بذكاء وخبث، وخسر النظام الرسمي العربي – بغباء وخبث – أخطر وأهم بلد في جبهته الشرقية. ولم يخسر النظام العربي العراق البلد فقط ، بل خسر المكوِّن السني داخل العراق أيضا!! بالعجز والتخاذل، والبطائن الخائنة ، التي وجدت لها مكانا في عقول الأنظمة الغبية الفاسدة، المسكونة بالخوف من [الإسلام السياسي]. وإن خسارة العراق العربي السني لهي أكبر طعنة في خاصرة العرب والمسلمين، وإن مصابها لا يقل عن مصاب الأمة في فلسطين.
وكما استطاع المحور الإيراني توظيف الشرائح الثائرة في إسقاط وتمزيق العراق السني لصالحه، فقد نجح أيضا في استدراجها لضرب وحدة السنة في لبنان، وإضعاف هذه الجبهة [الخطيرة] لصالح الأقلية الرافضية [مُمثِلة محور إيران على المستوى الشعبي] في العمق العربي . وفشل النظام العربي بامتياز أن يحمي فريقه في لبنان؛ فشل أن يحمي النظام اللبناني ، كما فشل أن يحمي الشعب اللبناني من الارتهان لحساب المحور الإيراني. وتَرَك السنة – الامتداد الطبيعي للشعب العربي – عزلا من أي سلاح؛ وجعلهم المكوّن الأضعف في لبنان، وهم الأكثر عددا فيه !!
لقد تغوّل [النظام الإيراني] وامتد ليؤلف [المحور الإيراني] في عمق جغرافية النظام الرسمي العربي ، وعمق العقل الشعبي العربي .. كل ذلك بفعل النظام العربي، وسلوك ومواقف النظام العربي. الذي:
لو لم يكن بيديه مجروحا لضمّدنا جراحه
وبدلا من أن يتجه النظام العربي لِمراجعة نفسه وتقييم مواقفه الخاطئة، ونتائجها المخزية، ويحاول [استيعاب] بعض الدروس، ويقيم جسور التصالح، ويزيل أسباب التوتر مع محيطه الشعبي وعمقه الاستراتيجي، ويقطع الطريق على [المتطرفين].. بدلا من ذلك[توالت] مبادرات النظام العربي.. وعنتريات النظام العربي.
مبادرات النظام العربي بتوقيع اتفاقات سلام مهينة ، وهرولة مَن لم يوقع بفعل أي شيء يثبت أنه على قضبان القطار! كافتتاح مكتب تمثيل تجاري أو علاقات دبلوماسية من نوعٍ ما. أو حتى مصافحة [غير مقصودة!] أو لقاء غير معلن.
وتعنتر النظام العربي ، ورَفَع الحرج عن البعض بفعل جماعي – يتشبه فيه المحسن بالمسيء – فطرح تحت قبة القمة العربية مبادرة سلام [النظام العربي كله] مع المحتل الصهيوني، [متلفعة بحسن النية] قابلة للخصم من النظام العربي، كلما لزم الأمر. باسم الشعب الفلسطيني، الذي لم يُستشر منه، ولم يمثله فيها إلا النظام الفلسطيني؛ ربيب النظام العربي، الذي نشأ في حَجره !. وكانت مكافأة هذا النظام [نقدا] من يهود ؛مجزر جنين !! بحق الشعب الفلسطيني، وحصار رئيس النظام الفلسطيني عرفات واغتياله بالسم.
وبعد عرفات أصبحت فلسطين أمام مشهد جديد وواقع جديد ، أنهى الاستفراد على مستوى القيادة الفلسطينية، نتيجة انتخابات حرة ونزيهة [والنظام العربي لا يطيق الحرية ولا النزاهة] فطاشت سهام ربيب النظام العربي، ورجحت كفة حماس [الخيار الإسلامي] !!
وهنا وقع النظام العربي في حيرة ، تجاوزها بالخطأ [كعادته] وتطرّف فنصر أولياءه وسمح بالانقلاب على الشرعية الدستورية.
فمنذ كانت نتائج الانتخابات الحرة، لم يمش أيّ من أعضاء الحكومة [المنتخبة ديمقراطيا] على السجاد الأحمر في بلاط أي زعيم عربي !!! ولم تُحوّل إلى خزائنها الأموال المستحقة !. وفعل النظام العربي معها شرا مما فعله الأمريكان مع حكومة الإنقاذ في السودان، وطالبان في أفغانستان. وانتهى الأمر بانقلاب صريح وتعيين حكومة تصريف أعمال، ومُورِس الإرهاب على الحكومة المنتخبة في غزة، بعد طردها من رام الله. وكانت إسرائيل - من جانبها – تقوم باللازم ، فاعتقلت رئيس ونحو ثلث أعضاء المجلس التشريعي المنتخب.. كل هذا والنظام العربي شاهد، يبارك الخطوات الفاشية، ويجلد الشعب الفلسطيني على خياره.
وكان لابد من لَجم جهالات زُعران عباس وطردهم من غزة بالقوة، وتخليص غزة - على الأقل – منهم. وحينئذ شعر النظام العربي أن غزة لم تعد تحت السيطرة [سياسيا] وضاقت بالعملاء المخربين أرض غزة [أمنيا]. فكان لابد من تعذيب أهل غزة بما رفضوا من العملاء، عذابا[فوق العذاب] !!. وحماس دائما هي عنوان الأزمة، وسبب العذاب.
ومضى النظام العربي – بصراحة ووقاحة – نحو الجريمة المشهودة ، بتواطؤ مكشوف، وتنسيق لا تخطئه العين.
لقد جَرّ النظام العربي و[جَرّأ] "إسرائيل" على سحق غزة ، بذرائع [ سحق حماس ومحاربة الإرهاب ومنع إطلاق الصواريخ على "إسرائيل"] وأضاف النظام العربي [ومنع إقامة إمارة إسلامية [على غرار طالبان] وإجهاض فرصة الإسلام السياسي من تقديم أي نجاح في مجال الحكم].
وهذه – فيما نعلم – أول مَرّة يتفوق فيها النظام العربي على الاحتلال الإسرائيلي في [المسرح الفلسطيني] على حد قول الأول:
وكنتُ امرأً من جُند إبليس فارتقى بي الدهر حتى صار إبليس من جندي
وجرت فاجعة غزة في مشهد أليم مؤلم، قل أن ترى العين مثله في هوله، وينعقد اللسان عن وصفه. وأعاد إلى الأذهان فاجعة سقوط بغداد الأولى على أيدي التتار، وخيانة ابن العلقمي [الرافضي] وفاجعة المخيمات الفلسطينية وما جرى عليهم من التنكيل على يد [الموارنة وحزب أمل الرافضي!] لكن هذه المرة بخيانة النظام العربي [السني] ورفقاء الدرب في [النضال الفلسطيني] !! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فماذا نقول للمتطرفين الذين نرفض أخطاءهم رفضا[حقيقيا]لا مواربة فيه ؟؟
وماذا يقول النظام العربي عن حصاد الهشيم الذي زرعه، وهذه بعض نتائجه ؟؟
وماذا على الأمة[الأغلبية الصامتة]أن تقول وتفعل في مواجهة الطرَفيَن[المُتطرِّفَين] واستحقاقات المرحلة ؟؟ .
ذلك ما سأكتب عنه في الحلقة القادمة، ومن الله أستمد العون والتسديد.