من الواضح، وعلى مدار سنوات القرن العشرين، أن تقاليد وأخلاق المجتمع كانت عرضة لحملاتِ الدعاية التي أعطتْ التبريرَ "العلميَ" للاستسلام للعواطف.
"حقوق المرأة" لم تكن استثناء من هذه القاعدةِ. فقد استلزم الأمر "إعادة هندسة" منظّمة لأخلاقِيات المرأة عن طريق إخراجها من البيت وإلى أن تكون جزءاً من القوى العاملة، وبذلك يكون بالإمكان زيادة عدد العاطلين عن العمل والذي ينتج عنها تخفيض الأجور وإضعاف الروابط العائلية للطبقة العاملة، وتغيير الطباع الاستهلاكية للأسرة.
فبدلا من حقيقة أن تعليم المرأة، كان ولا يزال، يهدف لأن يجعل من المرأة أما وزوجة أفضل، تم إقناعها عبر الهندسة المنظمة للأخلاقيات والأعراف بأن تعليمها كان لسبب واحد فقط، وهو خروجها للعمل.
بحلول عام 1957، أصبحت العلاقة بين العاطفة الجنسية والمُنتَجات، التي تسوّقها دور عروض الأزياء، واضحة المعالم لدرجة الخوف الواسع الانتشار من خسارة الإنسان لقدرته على التحكم بالذات مقابل تلاعب "الرغبة". "إن الجريمة الأكثر خطورة التي يرتكبها العديد مِنْ معالجي "العمقَ الإنساني"، كما يقول الكاتب "فانس باكارد"، مؤلف كتاب "المُقْنِعون السريون" (The Hidden Persuaders) "بأنّهم يُحاولون غَزْو خصوصية عقولِنا." فالواحد منا لا يَلْزَمُه أن يذهب إلى أبعد من معرفة ما ترمز إليه مكعّبات الثلج في إعلانات المشروبات لتَقدير الإحساس بالإغراءِ الجنسي لاستثارة المستهلك عند نهاية القرن.
وفي العشرينيات من القرن الماضي، أدار "جون واتسون" (خبير إعلام ودعاية) حملة فاعلة متقمصا دور خبير في علم تربية الأطفال. وانحصرت مهمته في "تثقيف" الجمهور بأن كل ما كانوا يفعلونه كان "موضة قديمة"، وخاصة فيما يتعلق بإنجاب وتربية الأطفال؛ وإنه قد حان الوقت للاستماع والإنصات لما يقوله "خبراء التربية والعلاقات الأسرية". وقد تحول "واتسون" إلى "مبشر" لعلم النفس "الشعبي" والذي يمكن لأي شخص بواسطته أن يحلل ويحل جميع مشاكله النفسية والاجتماعية والتربوية. وبذلك أصبح "واتسون" طرفا مؤيدا لـ "الهندسة النفسية" وداعما لشريحة جديدة من المخططين الاجتماعيين ورجال الأعمال الذين كانوا يرغبون في السيطرة على المجتمع، كل لأهدافه الخاصة.
منتهى السخرية كان واضحا، لكنه جاء متأخرا بعض الشيء. فالحاجة التي أقنع "واتسون" بها المجتمع بإلغاء "التحكم التقليدي بالتصرّف الإنسانيِ" نتج عنه نظام "السيطرة الاجتماعية".
إنّ المستهلك، الذي يُرى بأنه مقِيدَا بالعاطفة اللاعقلانية، وبشكل خاص الجنسية، يُمْكِن فقط أَنْ يوجه من قبل الجهات الـ "علمية" بدلا عن السلطات التقليدِية والتي لم يعد موثوقا بها بعد وصمها بصفات مثل اللاعلمية واللاعقلانية والرجعية.
وتَستمرُّ الحملة، بقيّة القرنِ العشرين، في كافة أنحاء أمريكا، وفي المجتمعات الأقل تطورا في جميع أنحاء العالم. وتستمر، بذلك أيضا، التحرّريَّة في دور مزدوج: مُشعل الحرائق، والإطفاء. فهي، في الوقت ذاته، تُذوّبُ الثقافات التقليديةَ باسم الـ "عِلْم" والـ "الحرية"، وتستبدل في مكانِهم أشكالِ مِنْ السيطرة الاجتماعية المبنية على التلاعب بالعواطف والغرائز.
وفي عام 1924 قدم صندوقِ روكفلر التذكاري منحة بمقدار 15,000 دولار إلى كليَّة المعلمين في جامعةِ كولومبيا لكي يتمكن "واتسون" من مواصلة العمل على الأطفالِ الذي بدأَه في جامعة جون هوبكنز.
كَانَ صندوق روكفلر التذكاري لاعب رئيسي في حقلِ البحثِ السلوكيِ في حقبة العشرينيات. وقد صرح مدير الصندوق آنذاك، "بيردسلي رومل"، بأن اهتمامه ينصب على البحث الذي من الممكن أن تتمخض عنه "نتائج اجتماعية" والذي يعنى، أكثر من أي شيء آخر، صياغة إستراتيجياتَ السيطرة الاجتماعية تحت غطاء علمي: تربيةَ الأطفال.
فقد كان الصندوق ينظر لتجارب عملية الإنجاب وتربية الأطفال، بعيدا عن تأثير الوالدين، كخطوة أولى ورئيسية في هندسة العِلاقات الاجتماعية، غير عابئا بالأخلاقيات المصاحبة للتجارب على صغار البشر.
والمكان الوحيد الذي كان مهيئا لتلك التجارب، كانت: المدرسة!
فكانت، هناك، حيث تجرى كل التجارب "التربوية" على الأطفال كأقصر الطرق للتأثير على الوالدين، وبالتالي السيطرة على، وتغيير، قيم المجتمع بأكمله!
من أخوكــ عبد الرحمن أل عوماوي.
"حقوق المرأة" لم تكن استثناء من هذه القاعدةِ. فقد استلزم الأمر "إعادة هندسة" منظّمة لأخلاقِيات المرأة عن طريق إخراجها من البيت وإلى أن تكون جزءاً من القوى العاملة، وبذلك يكون بالإمكان زيادة عدد العاطلين عن العمل والذي ينتج عنها تخفيض الأجور وإضعاف الروابط العائلية للطبقة العاملة، وتغيير الطباع الاستهلاكية للأسرة.
فبدلا من حقيقة أن تعليم المرأة، كان ولا يزال، يهدف لأن يجعل من المرأة أما وزوجة أفضل، تم إقناعها عبر الهندسة المنظمة للأخلاقيات والأعراف بأن تعليمها كان لسبب واحد فقط، وهو خروجها للعمل.
بحلول عام 1957، أصبحت العلاقة بين العاطفة الجنسية والمُنتَجات، التي تسوّقها دور عروض الأزياء، واضحة المعالم لدرجة الخوف الواسع الانتشار من خسارة الإنسان لقدرته على التحكم بالذات مقابل تلاعب "الرغبة". "إن الجريمة الأكثر خطورة التي يرتكبها العديد مِنْ معالجي "العمقَ الإنساني"، كما يقول الكاتب "فانس باكارد"، مؤلف كتاب "المُقْنِعون السريون" (The Hidden Persuaders) "بأنّهم يُحاولون غَزْو خصوصية عقولِنا." فالواحد منا لا يَلْزَمُه أن يذهب إلى أبعد من معرفة ما ترمز إليه مكعّبات الثلج في إعلانات المشروبات لتَقدير الإحساس بالإغراءِ الجنسي لاستثارة المستهلك عند نهاية القرن.
وفي العشرينيات من القرن الماضي، أدار "جون واتسون" (خبير إعلام ودعاية) حملة فاعلة متقمصا دور خبير في علم تربية الأطفال. وانحصرت مهمته في "تثقيف" الجمهور بأن كل ما كانوا يفعلونه كان "موضة قديمة"، وخاصة فيما يتعلق بإنجاب وتربية الأطفال؛ وإنه قد حان الوقت للاستماع والإنصات لما يقوله "خبراء التربية والعلاقات الأسرية". وقد تحول "واتسون" إلى "مبشر" لعلم النفس "الشعبي" والذي يمكن لأي شخص بواسطته أن يحلل ويحل جميع مشاكله النفسية والاجتماعية والتربوية. وبذلك أصبح "واتسون" طرفا مؤيدا لـ "الهندسة النفسية" وداعما لشريحة جديدة من المخططين الاجتماعيين ورجال الأعمال الذين كانوا يرغبون في السيطرة على المجتمع، كل لأهدافه الخاصة.
منتهى السخرية كان واضحا، لكنه جاء متأخرا بعض الشيء. فالحاجة التي أقنع "واتسون" بها المجتمع بإلغاء "التحكم التقليدي بالتصرّف الإنسانيِ" نتج عنه نظام "السيطرة الاجتماعية".
إنّ المستهلك، الذي يُرى بأنه مقِيدَا بالعاطفة اللاعقلانية، وبشكل خاص الجنسية، يُمْكِن فقط أَنْ يوجه من قبل الجهات الـ "علمية" بدلا عن السلطات التقليدِية والتي لم يعد موثوقا بها بعد وصمها بصفات مثل اللاعلمية واللاعقلانية والرجعية.
وتَستمرُّ الحملة، بقيّة القرنِ العشرين، في كافة أنحاء أمريكا، وفي المجتمعات الأقل تطورا في جميع أنحاء العالم. وتستمر، بذلك أيضا، التحرّريَّة في دور مزدوج: مُشعل الحرائق، والإطفاء. فهي، في الوقت ذاته، تُذوّبُ الثقافات التقليديةَ باسم الـ "عِلْم" والـ "الحرية"، وتستبدل في مكانِهم أشكالِ مِنْ السيطرة الاجتماعية المبنية على التلاعب بالعواطف والغرائز.
وفي عام 1924 قدم صندوقِ روكفلر التذكاري منحة بمقدار 15,000 دولار إلى كليَّة المعلمين في جامعةِ كولومبيا لكي يتمكن "واتسون" من مواصلة العمل على الأطفالِ الذي بدأَه في جامعة جون هوبكنز.
كَانَ صندوق روكفلر التذكاري لاعب رئيسي في حقلِ البحثِ السلوكيِ في حقبة العشرينيات. وقد صرح مدير الصندوق آنذاك، "بيردسلي رومل"، بأن اهتمامه ينصب على البحث الذي من الممكن أن تتمخض عنه "نتائج اجتماعية" والذي يعنى، أكثر من أي شيء آخر، صياغة إستراتيجياتَ السيطرة الاجتماعية تحت غطاء علمي: تربيةَ الأطفال.
فقد كان الصندوق ينظر لتجارب عملية الإنجاب وتربية الأطفال، بعيدا عن تأثير الوالدين، كخطوة أولى ورئيسية في هندسة العِلاقات الاجتماعية، غير عابئا بالأخلاقيات المصاحبة للتجارب على صغار البشر.
والمكان الوحيد الذي كان مهيئا لتلك التجارب، كانت: المدرسة!
فكانت، هناك، حيث تجرى كل التجارب "التربوية" على الأطفال كأقصر الطرق للتأثير على الوالدين، وبالتالي السيطرة على، وتغيير، قيم المجتمع بأكمله!
من أخوكــ عبد الرحمن أل عوماوي.