- إنضم
- 7 أوت 2006
- المشاركات
- 1,357
- نقاط التفاعل
- 7
- النقاط
- 37
- العمر
- 38
همسة في أذن من أحب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
همسة من محب
أخي الحبيب :
سلام من الله عليك ..
وأحمد الله تعالى إليك ..
وأصلي وأسلم على خير معلم, محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى اله ومن سار على
نهجه واهتدى بهداه.
أما بعد: أيها الحبيب :
لك وحدك .. من بين هذا الوجود..
أبعث هذه الرسالة , ممزوجة بالحب مقرونة بالود مكللة بالصدق مجللة بالوفاء .
فافتح لي مغاليق قلبك.. وأرعني سمعك ..
حتى أهمس في أذنك ..
نصيحة محب صادق .. يحبك على قدر حبك لله وطاعتك له.. ويخشى عليك ـــــ كخشيته على نفسه ــ من التقحم في معاصي الله والتفريط في جنبه .
حبيبك من يغار إذا زللتا
ويغلط في الكلام متى أسأتا
يسر إذا اتصفت بكل فضل
ويحزن إن نقصت أو انتقصتا
ومن لايكثرث بك لا يبالي
أحدت عن الصواب أ ماعتدلتا
اخترتك من بين الناس .. كل الناس ..!!
واصطفيتك من بين فئام البشر !!
لأنك ملء القلب ..
ملء السمع وملء البصر ..!!
فأنت تحمل بين ضلوعك إيمانا راسخا ويقينا صادقا , بالرغم من تقصيرك ..
وتحتوي جوانحك قلبا من الله مشفقا وبحبه خافقا وبتوحيد ناطقا , على الرغم من تفريطك ..
فها أنا ذا أمد يدي إليك ..
وأفتح قلبي بين يديك ..
وأضح كفى بكفك ل********شي سويا على صراط مستقيم . في سبيل الله رضاء الله عنا وحبه لنا وإقباله علينا , تحقيقا للوعد الصادق , ومن أصدق من الله قيلا ." من عمل حسنة , فله عشر أ مثالها وأزيد , ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أوأغفر , ومن عمل قراب الأرض خطيئة , ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة, ومن اقترب إلي شبرا , اقتربت إليه ذراعا , ومن اقترب إلي ذراعا , اقتربت إليه باعا , ومن أتاني يمشي , أتيته هرولة " .
جزيرة الهلاك
أخي الحبيب :
مثلي ومثلك في هذه الحياة الدنيا كمثل قوم كانوا في سفر .. قد كلوا وملوا من طول هذا السفر , فأراداوا أن يستوطنوا , فوجدوا لهم جزيرة بعد طول عناء وترادف شقاء.
فظلوا فيها ما شاء الله أن يظلوا , أنزلوا عن ظهورهم رواحل التعب , وخلعوا عن أجسادهم ظواهر النصب , ولكن كثرت بينهم الفتن ودبت فيما بينهم المحن ونشبت بينهم الإحن , وذلك لأنه ليس لهم أمير يأتمرون بأمر وينتهوم مذعنين عند نهيه , فيكون للخير دليلا وللسعادة سبيلا .
لايصلح الناس فوضى لاسراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
فاجتمع أمرهم على أن يتعين منهم أمير يتولى أمرهم , ويحكم بينهم , ويرعى مصالحهم , ويقوم على شؤونهم . من أهم الشروط التي يلزم العمل بها أن يظل في الأمارة خمس سنوات , ثم لابد له من أن ينقل في قارب صغير إلى جزيرة ثانية مشهورة معلومة بكثرة الهوام والسباع والضباع .
فالداخل فيها مفقود والخارج منها مولود... وأني له ذلك ؟!
أي أن الهلاك فيها خطر لابد منه ولا مهرب عنه ..!!
فتولى أمرهم أمير ظل فيهم وعليهم خمس سنوات أكل اخرهم أولها , فتلاشت من بين يديه وانطوت من تحت قدميه . وانتهت هذه السنوات ..
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
وحسب الاتفاق الذي أبرموه فيما بينهم لابد أن ينقل إلى تلك الجزيرة ( جزيرة المهالك)
وكذلك فعلوا ...
وجاء أمير ثان .... وثالث ...
وهاب الناس هذا الأمر وارتاعوا منه.. ثم أحجموا عنه.. ولم يقدم عليه أحد . يقول أحدهم لنفسه: أجزاء تمتعي بالولاية خمس سنوات ما أسرع ما تنقضي. وأعجل ما تنتهي ..
أنقل إلى تلك الجزيرة المسكونة بالمهالك بعيدا عن أهلي ومالي وكل مكتسباتي ومدخراتي .. لايعلم فيها حالي ولامالي ..؟!
فتركت الولاية .. وعادت الغواية..
ورجع الناس يعنون من فقد الأمير , لما يرون من ظلم واقع ليس له من دافع , وجرم
نازل ماله من منازل , وفوضى عارمة وبلوى جاثمة .
ومر بهم رجل عليه سيماء الخير وملامح الصلاح , فد دل مظهره على مخبره . فعرضوا عليه أمرهم وأخبروه بحالهم , فقال: أنا لها بإذن الله ..!!
فتولى الولاية عليهم خمس سنوات ما رأى الناس مثلها ولا عاشوا كصفوها في خيرها
وعدلها ..
إذا شئت أن تقتاس أمر قبيلة
وأحلامها فانظر إلى من يقودها
وانتهت هذه السنوات كعقد انحل وثاقه فانفرطت حباته , وأزف التحويل .. فلم يبق سوى الرحيل ..!!
وجاء اليوم الموعود .. بكل الامه وأحزانه كعاصفة هوجاء قطعت كل أمل ورجاء في الخلود والبقاء ..
وأتت اللحظة الحاسمة لتشعل في القلب أحزان الفراق وتطوي صحائف اللقيا ونعيم التلاق ..
ودنت ساعة الصفر .. التي تتغير فيها الموازين .. وتنخلع من هولها القلوب .. وتذرف من حرقتها العيون , وينعصر من رهبتها الوجدان ..
وجيىء بهذا الأمير ليركب القارب الذي سينقله إلى جزيرة المهالك , ليواجه الأهوال وحده , ويقارع الخطوب بفرده , حيث لا معين ولا جليس ولا مغيث ولا أنيس .
طريق سلكه من قبل وسيعبره من بعده , فكم سار مثل هذا القارب بمثله من قبل .!!
وبي********ا كان الناس اسفين محزونين .. دموعهم تهراق حزنا على فراقه , وقلوبهم تتقطع ألما لفقده وبعاده , إذا به في بهجة وسرور وفرحة وحبور ..!!
فقالوا ـــ والعجب يأخذهم منهم كل مأخذ ـــ : عجبنا منك ومن حالك ..!!
نحن قلوبنا ألم بها الألم , ومسها السقم , وأمضها المرض , حزنا عليك وحبا فيك وألما
لفراقك ..
وانت في سعادة غامرة وفرحة ظاهرة ..!!
فما الذي دهاك ؟! وأي خطب اعتراك ؟!
قال : اسمعوا مني الخبر .. وافهموا مني الحكاية ..
أما إني علمت أني راحل عن هذه الجزيرة مفارق لها ومسافر عنها , مهما طال بي فيها المقام فأعددت العدة لهذا الرحيل وجهزت الزاد لهذا السفر الطويل ..!
في السنة الأولى أرسلت جزءا من عبيدي وغلمانا من غلماني إلى تلك الجزيرة فقتلوا
ما فيها من سباع وضباع ..
وفي السنة الثانية بعثت جمعا من عبيدي وغلمانا من غلماني إلى تلك الجزيرة فأهلكوا ما فيها من مهلكات وأفنوا ما يكتنفها من افات وأزالوا ما فيها من هوام وحشرات ..
وفي السنة الثالثة أرسلت حشدا من عبيدي وغلمانا من غلماني فأعدوا لي فيها القصور والدور ..
وفي السنة الرابعة وجهت فرقة من عبيدي وغلمانا من غلماني فأعدوا لي فيها المطايب والمشارب والمركب ..
وها أنا أنتقل في السنة الخامسة لا كمن سبقني .. ينتقلون من العمار إلى الخراب .. أنا أنتقل من العمار ... إلى العمار ..!!
هذا مثلي ومثلك ـــ أيها الحبيب ـــ في هذه الحياة الدنيا ..
ولدتك أمك يا بن ادم باكيا
والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا
في يوم موتك ضاحكا مسرورا
عقبات كؤود
أخي الحبيب :
نعيش أياما قلائل .. لحظات معدودات .. ثم لابد لنا من الرجوع إلى الله والوقوف بين يديه { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين }
فنحن نهدم في أعمارنا ــ على قصرها ــ منذ استهل أحدنا صارخا من بطن أمه , وندنوا لحظة بعد ونفسا بعد نفس من صندوق العمل{ إن إليناإيابهم ثم إن علينا حسابهم }
يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى : يا ابن ادم إ********ا أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي
( وفي رواية بمنكبي ) فقال : " يا عبدالله ! كن في الدنيا كأنك غريب , أو كأنك عابر سبيل , وعد نفسك من أهل القبور ".
وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء , وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك .
حتى متى لا ترعوي يا صاحبي ؟
حتى متى؟ حتى متى؟ وإلى متى ؟
والليل يذهب والنهار , وفيهما
عبر تمر وفكرة لأولي النهى
وأمامنا ــ أيها الحبيب ـــ في هذا السفر المكدود عقاب كؤود , ومصاعب عظيمة , ودواه جسيمة لايعلم مداها ولا منهتهاها إلا خالقها ومولاها ..!!
أمامنا الموت وسكرته , والقبر وظلمته, والصراط وحدته , والميزان ودقته , والحشر ورهبته , والصور وصعقته , والوقوف أمام الله وعظمته .
فواخجلتاه .. يوم العرض الأكبر على الله ..
ووا أسفاه .. على أعمار انقضت في غير طاعة الله .
وواحزناه .. على لحظات مرت .. كرت ففرت .. لم تملأ بما يقرب من الله ..
وواسوأتاه .. فبأي جواب وخطاب نعتذر من الله ..؟!
وواكربتاه .. لأهوال عظام وكربات جسام بين أيدينا في سفرنا ألى الله ...!!
فماذا أعددنا لهذه العقبات ؟!
وما الزاد الذي جهزناه لهذه المهلكات ؟!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم " والله لو تعلمون ماأعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ,
وما تلذذتم بالنساء على الفرش , ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون "
تــــزود للذي لابد منه
فإن الموت ميقات العباد
أترضى أن تكون رفيق قوم
لهم زاد وأنت بغير زاد ؟!
حيل بينهم وبين ما يشتهون
أيها الأخ الحبيب :
أصحاب القبور مرتهنون بأعمالهم مجزيون بأفعالهم , قد أفضوا إلى ما قدموا , أمنية
أحدهم أن يعود إلى الدنيا ليفسح له في الأجل فيستأنف العمل , فيملأ كل لحظة بطاعة وكل ساعة بقربة وكل دقيقة بزلفى , تقربه من الله وترفع قدره عند خالقه ومولاه , وتبيض وجهه يوم لقاء الله , يوم تيبض وجوه المؤمنين بطاعة الله وتسود وجوه المجرمين بمعصية الله , ولكن { حيل بينهم وبين ما يشتهون }
ضاعت الأيام في جمع الحطام , وجاء الموت ليخترم العمر ويلقي الدنيا بما فيها وعليها
خلف الظهر,
كمثل ********لة صغيرة تجمع الحب في الصيف لتأكله في زمن الشتاء عندما يشتد البرد ويفتقد الغذاء , وفي يوم من الأيام أخذت ال********لة حبة في فمها لتكنزها في مخدعها , فجاء عصفور من السماء فأخذها والحبة معها , فلا ما جمعت أكلت ولا بكنزها تمتعت .
فما دمت ـــ أيها الحبيب ـــ في زمن العمل فدع التواني والكسل . وما زلت في إمكان البذر , فتنبه من هذا الرقاد فقد حصحص زمن الحصاد .
وما برحت الفرصة أمامك وميدان السباق بين يديك , ومضمار التنافس تحت قدميك ..
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " ارتحلت الدنيا مدبرة , وارتحلت الآخرة مقبلة , ولمل واحد منهما بنون , فكونوا ما أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا , فإن
اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل " .
فالبدار ... البدار ...
والمسارعة ... المسارعة ...
قبل أن ينتهي زمن المهله ويحين وقت النقلة , فتنقل من القصور إلى القبور, ومن الدنيا الى الآخرة.. ومن فوق الأرض إلى تحتها .. ومن المشي عليها والسعي فيها إلى الحشر بين أطباقها . فأي عيش يطيب .. وليس للموت طبيب ؟!
وأي حياة ترجى .. وليس دون ارحيل منجى ؟!
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم على
الحصير , فأثر في جلده فقلت : بأبي وأمي يارسول الله ! لو كنت آذنتنا ففرشنا لك عليه شيئا يقيك منه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما أنا والدنيا ! إ********ا أنا والدنيا
كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ".
فاهتبل فرص العمل قبل أن يحيق بك التلف فتطوى الصحف وتعاين غطاءك الذي ا************ف , فترجوا الرجوع ولا رجوع !!
{ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها
كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
همسة من محب
أخي الحبيب :
سلام من الله عليك ..
وأحمد الله تعالى إليك ..
وأصلي وأسلم على خير معلم, محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى اله ومن سار على
نهجه واهتدى بهداه.
أما بعد: أيها الحبيب :
لك وحدك .. من بين هذا الوجود..
أبعث هذه الرسالة , ممزوجة بالحب مقرونة بالود مكللة بالصدق مجللة بالوفاء .
فافتح لي مغاليق قلبك.. وأرعني سمعك ..
حتى أهمس في أذنك ..
نصيحة محب صادق .. يحبك على قدر حبك لله وطاعتك له.. ويخشى عليك ـــــ كخشيته على نفسه ــ من التقحم في معاصي الله والتفريط في جنبه .
حبيبك من يغار إذا زللتا
ويغلط في الكلام متى أسأتا
يسر إذا اتصفت بكل فضل
ويحزن إن نقصت أو انتقصتا
ومن لايكثرث بك لا يبالي
أحدت عن الصواب أ ماعتدلتا
اخترتك من بين الناس .. كل الناس ..!!
واصطفيتك من بين فئام البشر !!
لأنك ملء القلب ..
ملء السمع وملء البصر ..!!
فأنت تحمل بين ضلوعك إيمانا راسخا ويقينا صادقا , بالرغم من تقصيرك ..
وتحتوي جوانحك قلبا من الله مشفقا وبحبه خافقا وبتوحيد ناطقا , على الرغم من تفريطك ..
فها أنا ذا أمد يدي إليك ..
وأفتح قلبي بين يديك ..
وأضح كفى بكفك ل********شي سويا على صراط مستقيم . في سبيل الله رضاء الله عنا وحبه لنا وإقباله علينا , تحقيقا للوعد الصادق , ومن أصدق من الله قيلا ." من عمل حسنة , فله عشر أ مثالها وأزيد , ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أوأغفر , ومن عمل قراب الأرض خطيئة , ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة, ومن اقترب إلي شبرا , اقتربت إليه ذراعا , ومن اقترب إلي ذراعا , اقتربت إليه باعا , ومن أتاني يمشي , أتيته هرولة " .
جزيرة الهلاك
أخي الحبيب :
مثلي ومثلك في هذه الحياة الدنيا كمثل قوم كانوا في سفر .. قد كلوا وملوا من طول هذا السفر , فأراداوا أن يستوطنوا , فوجدوا لهم جزيرة بعد طول عناء وترادف شقاء.
فظلوا فيها ما شاء الله أن يظلوا , أنزلوا عن ظهورهم رواحل التعب , وخلعوا عن أجسادهم ظواهر النصب , ولكن كثرت بينهم الفتن ودبت فيما بينهم المحن ونشبت بينهم الإحن , وذلك لأنه ليس لهم أمير يأتمرون بأمر وينتهوم مذعنين عند نهيه , فيكون للخير دليلا وللسعادة سبيلا .
لايصلح الناس فوضى لاسراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
فاجتمع أمرهم على أن يتعين منهم أمير يتولى أمرهم , ويحكم بينهم , ويرعى مصالحهم , ويقوم على شؤونهم . من أهم الشروط التي يلزم العمل بها أن يظل في الأمارة خمس سنوات , ثم لابد له من أن ينقل في قارب صغير إلى جزيرة ثانية مشهورة معلومة بكثرة الهوام والسباع والضباع .
فالداخل فيها مفقود والخارج منها مولود... وأني له ذلك ؟!
أي أن الهلاك فيها خطر لابد منه ولا مهرب عنه ..!!
فتولى أمرهم أمير ظل فيهم وعليهم خمس سنوات أكل اخرهم أولها , فتلاشت من بين يديه وانطوت من تحت قدميه . وانتهت هذه السنوات ..
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان
وحسب الاتفاق الذي أبرموه فيما بينهم لابد أن ينقل إلى تلك الجزيرة ( جزيرة المهالك)
وكذلك فعلوا ...
وجاء أمير ثان .... وثالث ...
وهاب الناس هذا الأمر وارتاعوا منه.. ثم أحجموا عنه.. ولم يقدم عليه أحد . يقول أحدهم لنفسه: أجزاء تمتعي بالولاية خمس سنوات ما أسرع ما تنقضي. وأعجل ما تنتهي ..
أنقل إلى تلك الجزيرة المسكونة بالمهالك بعيدا عن أهلي ومالي وكل مكتسباتي ومدخراتي .. لايعلم فيها حالي ولامالي ..؟!
فتركت الولاية .. وعادت الغواية..
ورجع الناس يعنون من فقد الأمير , لما يرون من ظلم واقع ليس له من دافع , وجرم
نازل ماله من منازل , وفوضى عارمة وبلوى جاثمة .
ومر بهم رجل عليه سيماء الخير وملامح الصلاح , فد دل مظهره على مخبره . فعرضوا عليه أمرهم وأخبروه بحالهم , فقال: أنا لها بإذن الله ..!!
فتولى الولاية عليهم خمس سنوات ما رأى الناس مثلها ولا عاشوا كصفوها في خيرها
وعدلها ..
إذا شئت أن تقتاس أمر قبيلة
وأحلامها فانظر إلى من يقودها
وانتهت هذه السنوات كعقد انحل وثاقه فانفرطت حباته , وأزف التحويل .. فلم يبق سوى الرحيل ..!!
وجاء اليوم الموعود .. بكل الامه وأحزانه كعاصفة هوجاء قطعت كل أمل ورجاء في الخلود والبقاء ..
وأتت اللحظة الحاسمة لتشعل في القلب أحزان الفراق وتطوي صحائف اللقيا ونعيم التلاق ..
ودنت ساعة الصفر .. التي تتغير فيها الموازين .. وتنخلع من هولها القلوب .. وتذرف من حرقتها العيون , وينعصر من رهبتها الوجدان ..
وجيىء بهذا الأمير ليركب القارب الذي سينقله إلى جزيرة المهالك , ليواجه الأهوال وحده , ويقارع الخطوب بفرده , حيث لا معين ولا جليس ولا مغيث ولا أنيس .
طريق سلكه من قبل وسيعبره من بعده , فكم سار مثل هذا القارب بمثله من قبل .!!
وبي********ا كان الناس اسفين محزونين .. دموعهم تهراق حزنا على فراقه , وقلوبهم تتقطع ألما لفقده وبعاده , إذا به في بهجة وسرور وفرحة وحبور ..!!
فقالوا ـــ والعجب يأخذهم منهم كل مأخذ ـــ : عجبنا منك ومن حالك ..!!
نحن قلوبنا ألم بها الألم , ومسها السقم , وأمضها المرض , حزنا عليك وحبا فيك وألما
لفراقك ..
وانت في سعادة غامرة وفرحة ظاهرة ..!!
فما الذي دهاك ؟! وأي خطب اعتراك ؟!
قال : اسمعوا مني الخبر .. وافهموا مني الحكاية ..
أما إني علمت أني راحل عن هذه الجزيرة مفارق لها ومسافر عنها , مهما طال بي فيها المقام فأعددت العدة لهذا الرحيل وجهزت الزاد لهذا السفر الطويل ..!
في السنة الأولى أرسلت جزءا من عبيدي وغلمانا من غلماني إلى تلك الجزيرة فقتلوا
ما فيها من سباع وضباع ..
وفي السنة الثانية بعثت جمعا من عبيدي وغلمانا من غلماني إلى تلك الجزيرة فأهلكوا ما فيها من مهلكات وأفنوا ما يكتنفها من افات وأزالوا ما فيها من هوام وحشرات ..
وفي السنة الثالثة أرسلت حشدا من عبيدي وغلمانا من غلماني فأعدوا لي فيها القصور والدور ..
وفي السنة الرابعة وجهت فرقة من عبيدي وغلمانا من غلماني فأعدوا لي فيها المطايب والمشارب والمركب ..
وها أنا أنتقل في السنة الخامسة لا كمن سبقني .. ينتقلون من العمار إلى الخراب .. أنا أنتقل من العمار ... إلى العمار ..!!
هذا مثلي ومثلك ـــ أيها الحبيب ـــ في هذه الحياة الدنيا ..
ولدتك أمك يا بن ادم باكيا
والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا
في يوم موتك ضاحكا مسرورا
عقبات كؤود
أخي الحبيب :
نعيش أياما قلائل .. لحظات معدودات .. ثم لابد لنا من الرجوع إلى الله والوقوف بين يديه { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين }
فنحن نهدم في أعمارنا ــ على قصرها ــ منذ استهل أحدنا صارخا من بطن أمه , وندنوا لحظة بعد ونفسا بعد نفس من صندوق العمل{ إن إليناإيابهم ثم إن علينا حسابهم }
يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى : يا ابن ادم إ********ا أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي
( وفي رواية بمنكبي ) فقال : " يا عبدالله ! كن في الدنيا كأنك غريب , أو كأنك عابر سبيل , وعد نفسك من أهل القبور ".
وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء , وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك .
حتى متى لا ترعوي يا صاحبي ؟
حتى متى؟ حتى متى؟ وإلى متى ؟
والليل يذهب والنهار , وفيهما
عبر تمر وفكرة لأولي النهى
وأمامنا ــ أيها الحبيب ـــ في هذا السفر المكدود عقاب كؤود , ومصاعب عظيمة , ودواه جسيمة لايعلم مداها ولا منهتهاها إلا خالقها ومولاها ..!!
أمامنا الموت وسكرته , والقبر وظلمته, والصراط وحدته , والميزان ودقته , والحشر ورهبته , والصور وصعقته , والوقوف أمام الله وعظمته .
فواخجلتاه .. يوم العرض الأكبر على الله ..
ووا أسفاه .. على أعمار انقضت في غير طاعة الله .
وواحزناه .. على لحظات مرت .. كرت ففرت .. لم تملأ بما يقرب من الله ..
وواسوأتاه .. فبأي جواب وخطاب نعتذر من الله ..؟!
وواكربتاه .. لأهوال عظام وكربات جسام بين أيدينا في سفرنا ألى الله ...!!
فماذا أعددنا لهذه العقبات ؟!
وما الزاد الذي جهزناه لهذه المهلكات ؟!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم " والله لو تعلمون ماأعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ,
وما تلذذتم بالنساء على الفرش , ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون "
تــــزود للذي لابد منه
فإن الموت ميقات العباد
أترضى أن تكون رفيق قوم
لهم زاد وأنت بغير زاد ؟!
حيل بينهم وبين ما يشتهون
أيها الأخ الحبيب :
أصحاب القبور مرتهنون بأعمالهم مجزيون بأفعالهم , قد أفضوا إلى ما قدموا , أمنية
أحدهم أن يعود إلى الدنيا ليفسح له في الأجل فيستأنف العمل , فيملأ كل لحظة بطاعة وكل ساعة بقربة وكل دقيقة بزلفى , تقربه من الله وترفع قدره عند خالقه ومولاه , وتبيض وجهه يوم لقاء الله , يوم تيبض وجوه المؤمنين بطاعة الله وتسود وجوه المجرمين بمعصية الله , ولكن { حيل بينهم وبين ما يشتهون }
ضاعت الأيام في جمع الحطام , وجاء الموت ليخترم العمر ويلقي الدنيا بما فيها وعليها
خلف الظهر,
كمثل ********لة صغيرة تجمع الحب في الصيف لتأكله في زمن الشتاء عندما يشتد البرد ويفتقد الغذاء , وفي يوم من الأيام أخذت ال********لة حبة في فمها لتكنزها في مخدعها , فجاء عصفور من السماء فأخذها والحبة معها , فلا ما جمعت أكلت ولا بكنزها تمتعت .
فما دمت ـــ أيها الحبيب ـــ في زمن العمل فدع التواني والكسل . وما زلت في إمكان البذر , فتنبه من هذا الرقاد فقد حصحص زمن الحصاد .
وما برحت الفرصة أمامك وميدان السباق بين يديك , ومضمار التنافس تحت قدميك ..
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " ارتحلت الدنيا مدبرة , وارتحلت الآخرة مقبلة , ولمل واحد منهما بنون , فكونوا ما أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا , فإن
اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل " .
فالبدار ... البدار ...
والمسارعة ... المسارعة ...
قبل أن ينتهي زمن المهله ويحين وقت النقلة , فتنقل من القصور إلى القبور, ومن الدنيا الى الآخرة.. ومن فوق الأرض إلى تحتها .. ومن المشي عليها والسعي فيها إلى الحشر بين أطباقها . فأي عيش يطيب .. وليس للموت طبيب ؟!
وأي حياة ترجى .. وليس دون ارحيل منجى ؟!
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم على
الحصير , فأثر في جلده فقلت : بأبي وأمي يارسول الله ! لو كنت آذنتنا ففرشنا لك عليه شيئا يقيك منه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما أنا والدنيا ! إ********ا أنا والدنيا
كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ".
فاهتبل فرص العمل قبل أن يحيق بك التلف فتطوى الصحف وتعاين غطاءك الذي ا************ف , فترجوا الرجوع ولا رجوع !!
{ حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها
كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } .