- إنضم
- 3 سبتمبر 2008
- المشاركات
- 8,454
- نقاط التفاعل
- 62
- النقاط
- 317
ماذا فعل عبدالناصر .. بمحمد نجيب ...!______________د خالد الغيث (2009-03-16)(00:52)
أولاد الرئيس محمد نجيب
منذ بداية ثورة يوليو، اتضح أن "محمد نجيب" له اتجاه يختلف تماما عن "جمال عبد الناصر" ورجاله. "نجيب" يرى أن الديمقراطية والحرية هما الأساس الذي يجب أن تبنى عليه البلد بعد قيام الثورة، بينما يرى "عبد الناصر" أن ذلك سابق لأوانه، فالعدالة الاجتماعية هي البداية ثم يأتي بعد ذلك دور تعدد الأحزاب والديمقراطية.
أيَّد الشعب "محمد نجيب" بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأمة، وَصَلَ إلى درجة الإجماع، فالشعب في ذلك الوقت كان على درجة عالية من الثقافة السياسية، وهو يعلم أن الديمقراطية هي الطريق الصحيح للوصول إلى العدالة الاجتماعية، بينما الضباط مقتنعون تماما بأنه لا صلاح لأحوال مصر إلا بالدكتاتورية، ولابد من أن يحكمها "مستبد عادل"، ولم يفطنوا إلى التناقض في ذلك، إذ كيف يجتمع الاستبداد مع العدل في رجل واحد، وهما نقيضان؟. وقام الضباط الأحرار بتفجير القنابل في محطة السكة الحديد وفي الجامعة ومحلات "جروبي" حتى يعرف الناس أن مصر يلزمها قبضة من حديد تُطْبِق على أهلها، وأنه لا خلاص لها إلا بالدكتاتورية.
كان يوم 14 نوفمبر عام 1954 يوما فارقا في تاريخ مصر، وفي حياة "محمد نجيب" رئيس الجمهورية. إذ توَجَّهَ الرئيس نجيب إلى مكتبه في القصر الجمهوري بعابدين، ولاحظ أن رجال الحرس الجمهوري لم يؤدوا له التحية كالمعتاد، ووجد عددا من ضباط البوليس الحربي على الباب، وتبعه اثنان منهم إلى المكتب كأنه مقبوض عليه، فنهرهما بشدة، وبعد مناقشة حادة خرجا من مكتب الرئيس.
اتصل الرئيس "محمد نجيب" بالبكباشي "جمال عبد الناصر" فرد عليه قائلا بأنه سوف يرسل إليه "عبد الحكيم عامر" و"حسن إبراهيم". وعند وصولهما قالا له: إن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئيس الجمهورية. وخرج "محمد نجيب" من القصر الجمهوري حاملا المصحف فقط. وذهبا به إلى بيتٍ في المرْج من تلك البيوت التي استولوا عليها ظلما من أصحابها، وقال له "عبد الحكيم عامر" إنه لن يمكث في هذا البيت إلا ثلاثة أيام. وكبُرَ على رجال البوليس الحربي أن يتركوا البيت جميلا ومزدهرا، فدمروا كل شيء فيه وسرقوا التحف والأثاث، وخربوه تخريبا، ووضَعَ "أحمد أنور" قائد البوليس الحربي عشرين نقطة حراسة على البيت الذي أُعْتُقَلَ فيه الرئيس "محمد نجيب". ولم يبق الرئيس نجيب في هذا البيت المهجور ثلاثة أيام كما قال له "عبد الحكيم عامر" بل بقي فيه تسعة وعشرين عاما ، لقِيَ فيها من الظلم والتعذيب والهوان مالا يتحمله بشر، ولم يكن يؤنس وحدته في هذا البيت المهجور إلا القطط والكلاب.
لم يكن أولاد الرئيس نجيب أحسن حظا من أبيهم. كان ابنه الأول "فاروق" يدرس في ألمانيا، وأصابه الإحباط بسبب ما حدث لوالده، فعاد إلى القاهرة، فذاق الهوان والعذاب على يد الزبانية. وفي يوم قال له أحد المخبرين الذين يلاحقونه: إن أباك لم يفعل شيئا للثورة، وإنه لم يكن رئيسا للجمهورية بالمعنى الصحيح، بل كان "خيال مآته" واشتبكا بالأيدي، وتم القبض على "فاروق محمد نجيب" وزجوا به في ليمان طره وبقي هناك ستة أشهر، خرج بعدها محطما ومريضا بالقلب من أثر التعذيب، ومات بعد فترة قصيرة.
اما "عليّ".. الابن الثاني للرئيس محمد نجيب، كان يدرس في ألمانيا الغربية، وكان زعيما للطلبة، له نشاط واسع ضد اليهود هناك، يقيم الندوات التي يدافع فيها عن مصر وعن الثورة وعن القضية الفلسطينية. ولما حدثت حرب 1967، أقام الطلاب اليهود بالجامعة احتفالا كبيرا بمناسبة انتصارهم على العرب، ولكن "علي نجيب" وزملاؤه أفسدوا عليهم الحفل، ومزقوا العلم الإسرائيلي المرفوع على مقر الحفل وأحرقوه، ودخلوا مع الطلاب اليهود في معركة حامية. وخشي نظام الحكم في مصر أن يعيد "علي نجيب" ذكرى أبيه. وفوجئ "علي" وهو يسير في أحد الشوارع بسيارة جيب بها ثلاثة رجال تندفع نحوه بشدة ، وهرب منها بأعجوبة، فأسرعت نحوه ونزل منها الرجال الثلاثة، وأخذوا يضربونه ضربا مبرحا، ونزف حتى الموت في عام 1968 ، ونُقِلَ جثمانه إلى مصر، ودُفِنَ دون أن يُسمح لأبيه باستقبال نعْشِه، أو قراءة الفاتحة على قبره. ويؤكد الرئيس "محمد نجيب" أن المخابرات المصرية هي التي قتلته.
أما "يوسف" .. الابن الأصغر للرئيس "محمد نجيب" فلم يكن له نشاط سياسي. وبالرغم من ذلك فلم يكن حظه أحسن من حظ أبيه أو أخوَيْه، فبعد أن تخرج من معهد اللاسلكي، عمل في إحدى شركات القطاع العام، ولكنهم لم يتركوه في حاله، فقد افتعلَ أحد الضباط مشاجرة معه، انتهت بأن صدرَ قرار جمهوري بفصله عن العمل، فالتحق بشركة "المقاولون العرب" سائقا في الصباح ، وعلى تاكسي في المساء، ولكنه عجز عن تسديد الأقساط، فأمرَ الرئيس حسني مبارك ، بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية، بإعفائه من هذه الأقساط، وتوفى في عام 1988.
وظل الرئيس "محمد نجيب" معتقلا في البيت المهجور يبكي أولاده وزوجته، وليس له من سلوى إلا قراءة خطاباتهم إليه، واستعادة ذكرياته الجميلة معهم.
أولاد الرئيس محمد نجيب
د. سمير محمد خواسك
(المصريون) : بتاريخ 15 - 3 - 2009
(المصريون) : بتاريخ 15 - 3 - 2009
منذ بداية ثورة يوليو، اتضح أن "محمد نجيب" له اتجاه يختلف تماما عن "جمال عبد الناصر" ورجاله. "نجيب" يرى أن الديمقراطية والحرية هما الأساس الذي يجب أن تبنى عليه البلد بعد قيام الثورة، بينما يرى "عبد الناصر" أن ذلك سابق لأوانه، فالعدالة الاجتماعية هي البداية ثم يأتي بعد ذلك دور تعدد الأحزاب والديمقراطية.
أيَّد الشعب "محمد نجيب" بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأمة، وَصَلَ إلى درجة الإجماع، فالشعب في ذلك الوقت كان على درجة عالية من الثقافة السياسية، وهو يعلم أن الديمقراطية هي الطريق الصحيح للوصول إلى العدالة الاجتماعية، بينما الضباط مقتنعون تماما بأنه لا صلاح لأحوال مصر إلا بالدكتاتورية، ولابد من أن يحكمها "مستبد عادل"، ولم يفطنوا إلى التناقض في ذلك، إذ كيف يجتمع الاستبداد مع العدل في رجل واحد، وهما نقيضان؟. وقام الضباط الأحرار بتفجير القنابل في محطة السكة الحديد وفي الجامعة ومحلات "جروبي" حتى يعرف الناس أن مصر يلزمها قبضة من حديد تُطْبِق على أهلها، وأنه لا خلاص لها إلا بالدكتاتورية.
كان يوم 14 نوفمبر عام 1954 يوما فارقا في تاريخ مصر، وفي حياة "محمد نجيب" رئيس الجمهورية. إذ توَجَّهَ الرئيس نجيب إلى مكتبه في القصر الجمهوري بعابدين، ولاحظ أن رجال الحرس الجمهوري لم يؤدوا له التحية كالمعتاد، ووجد عددا من ضباط البوليس الحربي على الباب، وتبعه اثنان منهم إلى المكتب كأنه مقبوض عليه، فنهرهما بشدة، وبعد مناقشة حادة خرجا من مكتب الرئيس.
اتصل الرئيس "محمد نجيب" بالبكباشي "جمال عبد الناصر" فرد عليه قائلا بأنه سوف يرسل إليه "عبد الحكيم عامر" و"حسن إبراهيم". وعند وصولهما قالا له: إن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئيس الجمهورية. وخرج "محمد نجيب" من القصر الجمهوري حاملا المصحف فقط. وذهبا به إلى بيتٍ في المرْج من تلك البيوت التي استولوا عليها ظلما من أصحابها، وقال له "عبد الحكيم عامر" إنه لن يمكث في هذا البيت إلا ثلاثة أيام. وكبُرَ على رجال البوليس الحربي أن يتركوا البيت جميلا ومزدهرا، فدمروا كل شيء فيه وسرقوا التحف والأثاث، وخربوه تخريبا، ووضَعَ "أحمد أنور" قائد البوليس الحربي عشرين نقطة حراسة على البيت الذي أُعْتُقَلَ فيه الرئيس "محمد نجيب". ولم يبق الرئيس نجيب في هذا البيت المهجور ثلاثة أيام كما قال له "عبد الحكيم عامر" بل بقي فيه تسعة وعشرين عاما ، لقِيَ فيها من الظلم والتعذيب والهوان مالا يتحمله بشر، ولم يكن يؤنس وحدته في هذا البيت المهجور إلا القطط والكلاب.
لم يكن أولاد الرئيس نجيب أحسن حظا من أبيهم. كان ابنه الأول "فاروق" يدرس في ألمانيا، وأصابه الإحباط بسبب ما حدث لوالده، فعاد إلى القاهرة، فذاق الهوان والعذاب على يد الزبانية. وفي يوم قال له أحد المخبرين الذين يلاحقونه: إن أباك لم يفعل شيئا للثورة، وإنه لم يكن رئيسا للجمهورية بالمعنى الصحيح، بل كان "خيال مآته" واشتبكا بالأيدي، وتم القبض على "فاروق محمد نجيب" وزجوا به في ليمان طره وبقي هناك ستة أشهر، خرج بعدها محطما ومريضا بالقلب من أثر التعذيب، ومات بعد فترة قصيرة.
اما "عليّ".. الابن الثاني للرئيس محمد نجيب، كان يدرس في ألمانيا الغربية، وكان زعيما للطلبة، له نشاط واسع ضد اليهود هناك، يقيم الندوات التي يدافع فيها عن مصر وعن الثورة وعن القضية الفلسطينية. ولما حدثت حرب 1967، أقام الطلاب اليهود بالجامعة احتفالا كبيرا بمناسبة انتصارهم على العرب، ولكن "علي نجيب" وزملاؤه أفسدوا عليهم الحفل، ومزقوا العلم الإسرائيلي المرفوع على مقر الحفل وأحرقوه، ودخلوا مع الطلاب اليهود في معركة حامية. وخشي نظام الحكم في مصر أن يعيد "علي نجيب" ذكرى أبيه. وفوجئ "علي" وهو يسير في أحد الشوارع بسيارة جيب بها ثلاثة رجال تندفع نحوه بشدة ، وهرب منها بأعجوبة، فأسرعت نحوه ونزل منها الرجال الثلاثة، وأخذوا يضربونه ضربا مبرحا، ونزف حتى الموت في عام 1968 ، ونُقِلَ جثمانه إلى مصر، ودُفِنَ دون أن يُسمح لأبيه باستقبال نعْشِه، أو قراءة الفاتحة على قبره. ويؤكد الرئيس "محمد نجيب" أن المخابرات المصرية هي التي قتلته.
أما "يوسف" .. الابن الأصغر للرئيس "محمد نجيب" فلم يكن له نشاط سياسي. وبالرغم من ذلك فلم يكن حظه أحسن من حظ أبيه أو أخوَيْه، فبعد أن تخرج من معهد اللاسلكي، عمل في إحدى شركات القطاع العام، ولكنهم لم يتركوه في حاله، فقد افتعلَ أحد الضباط مشاجرة معه، انتهت بأن صدرَ قرار جمهوري بفصله عن العمل، فالتحق بشركة "المقاولون العرب" سائقا في الصباح ، وعلى تاكسي في المساء، ولكنه عجز عن تسديد الأقساط، فأمرَ الرئيس حسني مبارك ، بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية، بإعفائه من هذه الأقساط، وتوفى في عام 1988.
وظل الرئيس "محمد نجيب" معتقلا في البيت المهجور يبكي أولاده وزوجته، وليس له من سلوى إلا قراءة خطاباتهم إليه، واستعادة ذكرياته الجميلة معهم.