الانتخابات التشريعية الجزائرية...وبرلمان الخطيئة
وعلى ضوء ما ذكر، يفقد البرلمان معناه وقيمته، فإذا كانت وظيفته الطبيعية، أنه هيئة تمثيلية للمواطنين تنقل صوتهم وتنوب عنهم، فإننا في الجزائر قد أسسنا لجيل ثان من البرلمانات، وهي برلمانات تمثيلية للأحزاب وليس للشعب، لأننا رأينا كيف أن أغلب منخرطي الأحزاب والمناضلين، احتجوا على أن القوائم لا تمثل ولا تعكس تطلعات القاعدة، فكيف ننتظر من البرلمان المقبل أن يمثل الشعب وهو في الأصل لا يمثل قواعد الأحزاب المكونة له.
عندما يصير صوت المرشحين في آذان الجماهير نشازا، يفقد النائب وظيفته التمثيلية..وعندما تتزاوج هيئة ناخبة غير مبالية مع برامج انتخابية موسمية، فالوليد بالضرورة يكون برلمانا للخطيئة.
تقاس فعالية البرلمان من الناحية النظرية، من خلال أدائه لوظيفته الأساسية، وهي التشريع والرقابة، والبرلمان الجزائري لا يقوم بهذه الوظيفة أساسا، لأنه لا يعنيه مراقبة أداء عمل الحكومة من جهة، ولأن الرئيس اختص لنفسه التشريع بالأوامر والمراسيم الرئاسية من جهة ثانية.
ولكن رغم هذا الفشل الوظيفي، إلا أننا نشهد مع كل استحقاق انتخابي مظاهر وأعراض مرضية في العمل السياسي ملازمة للحدث، وربما أهمها في الانتخابات الحالية، ظاهرة ترشح الوزراء على رأس القوائم الحزبية، حتى وإن كان ذلك خارج حدود محافظاتهم الأصلية. والظاهرة لها وجهان، أحدهما تقني والآخر سياسي.
تقنيا: كيف يُعقل أن يترشح لمنصب النائب بالبرلمان شخص لن يحصل على أصوات أفراد عائلته، لأنه ببساطة غير مقيم بالولاية مقر الترشح، وهذه الوضعية تتسبب فيها القيادات العامة للأحزاب، التي تلجأ في حالة وجود وزيرين مرشحين من نفس المنطقة، إلى تثبيت أحدهما على رأس القائمة وتصدير الثاني إلى ولاية أخرى، عوضا من احتلاله الصدارة، وبعد كل هذا تبرر القيادة هذا الوضع بالقول إن الحزب يملك بعدا وطنيا، أي قدرة المرشحين على التقدم في أي ولاية، أما من الناحية السياسية، فترشح هذا العدد الكبير من الوزراء، مرتبط أساسا بتصورهم وقراءتهم الإست باقية للخارطة السياسية لما بعد انتخابات 17 مايو.
فالمشهد السياسي حاليا لا يقدم ضمانات معنوية لهؤلاء للاستمرار ضمن الطاقم الوزاري مع أول تعديل حكومي مقبل، كما أن الساحة السياسية مقبلة على تحولات هامة، ربما أكثرها عنفا إجراء انتخابات رئاسية مسبقة، تستدعي ضمان مقعد في البرلمان قبل فوات الأوان، فالوزراء يدركون جيدا منطق السياسة عندنا، والذي يقر بأنه في غالب الأحيان، مع الاستثناء طبعا، إذا أردت أن تحصد مقعدا في الحكومة، عليك أن تجلس أولا على مقعد البرلمان، وبأنه غير مضمون بأن تصير نائبا عند الخروج من الوزارة.
استنادا إلى هذا الوضع، يجب الإقرار بأن ما شهدناه قبل الحملة الانتخابية وأثناءها وما سنشهده بعدها، هو في صوره الأولى، انعكاس طبيعي لأزمة الحزب في الجزائر على مستوى المفهوم والممارسة، وتطفو هذه الأزمة مع كل مناسبة انتخابية، لتتجلى في عدة مستويات:
1- مركزية الترشيح: حيث إن أغلب القوائم الحزبية حازت على الثقة بتزكية من القيادة المركزية، فما معنى اختيار المرشحين الولائيين من طرف لجان مركزية على مستوى الجهاز الرئيسي للحزب؟ فطبيعة الانتخابات التشريعية بالمقارنة مع الاستحقاقات الأخرى، خاصة الانتخابات الرئاسية، تستدعي مترشحين بمواصفات قاعدية وليس بخيارات قيادية، فأغلب مرشحي الأحزاب، باستثناء الصغيرة منها، يحصلون على تفويض الترشيح بأمر من الأمانة العامة للحزب، ثم يفرض ذلك على ما يعرف بالقواعد النضالية، وهنا يظهر (جبهة التحرير الوطني)، باعتباره حزب الأغلبية النيابية، كأبرز مثال على ذلك، باعتماده على أسلوب التنقيط لضبط القوائم النهائية للحزب، وترتيب المترشحين استنادا إلى برنامج الكتروني! قد لا ينسجم مع توجهات القاعدة الحزبية، ولذلك فمن الطبيعي حدوث صدامات قبل الحملة الانتخابية وأثناءها.
2- مركزية الخطاب الانتخابي للأحزاب، التي لم تدرك بعد أن الانتخابات البرلمانية تستلزم برامج انتخابية جوارية محلية وليست مركزية، فما قيمة أن يقف رئيس حزب في مدينة داخلية أمام مواطنين، يعانون من انعدام أبسط متطلبات المعيشة، ويحاول إقناعهم بأن برنامجه ينطلق من معاداة الليبرالية المتوحشة، ونقد التوجه الإمبراطوري للعولمة، ويذهب آخر للجزائر العميقة، ليقول بأن الحل الأمثل لمشكلة التنمية يكمن في ترسيخ أسس الاقتصاد الإسلامي، بينما يحاضر ثالث في تجمعاته الانتخابية عن الحكومة الالكترونية.
والحقيقة أن هذه الرهانات أبعد ما تكون عن واقع المواطن وانشغالاته، وهي تزيد في تعميق الهوة بين الطبقة السياسية والامتداد الشعبي، لننتقل من حالة عدم الثقة إلى حالة العداء المطلق. وأولى تبعات هذا الوضع، أن البرلمانيات تصبح انتخابات أشخاص لا انتخابات أحزاب.
3-هلامية العلاقة بين الدولة والحزب، كأحد رواسب الأزمة المؤسسية، التي تعانيها البلاد، ومثال ذلك، حزبا جبهة التحرير الوطني وحمس (حركة مجتمع السلم)، فالأول يستغل الدولة في حملته الانتخابية، بإحداث حالة من التماهي بينهما، من خلال عدم الفصل بين إنجازات الحزب وسياسات الدولة، فمثلا يتم ربط الاعتمادات المالية التي تخصصها الدولة لحساب الولايات، بوجود وزراء ونواب ومجالس محلية تابعة للحزب، ويتم تسويق ذلك حزبيا.
أما حركة مجتمع السلم، بحماسها الدائم ووفاء بمبدأ الانضمام للحكومة، فقد تراجعت عن مصطلحات المغالبة والمعارضة والمقاطعة والممانعة، لأنها لم تعد تنتج عملا سياسيا بالمرة، وعلى العكس من ذلك حاول أعضاء "حمس"، إيجاد مصطلحات جديدة أقدر على تفسير راهن ومستقبل الخارطة السياسية في البلاد، وربما صار الخطاب السياسي للحزب، يحاكي توزيعات ضمنية داخل البرلمان وفق صيغة "المحاصصة"، وإلا كيف نفسر حديث بعض قادة الحزب عن أرقام مسبقة من "الكوطة"، التي سيحصل عليها الحزب عشية الانتخابات.
وهنا نلحظ كيف أن استغلال الحركة للدولة ليس على طريقة جبهة التحرير الوطني، لأنها على المستوى الفعلي تشارك في الحكومة وتملك منصب وزير للدولة، ورغم ذلك تقدم برنامجا انتخابيا يدعو إلى التغيير الهادئ، الذي لا ندري مدى صدقيته في ظل الانطواء تحت غطاء دعم برنامج الرئيس، فماذا ستغير "حمس" وهي صورة من المشهد السياسي؟
وعلى ضوء ما ذكر، يفقد البرلمان معناه وقيمته، فإذا كانت وظيفته الطبيعية، أنه هيئة تمثيلية للمواطنين تنقل صوتهم وتنوب عنهم، فإننا في الجزائر قد أسسنا لجيل ثان من البرلمانات، وهي برلمانات تمثيلية للأحزاب وليس للشعب، لأننا رأينا كيف أن أغلب منخرطي الأحزاب والمناضلين احتجوا على أن القوائم لا تمثل ولا تعكس تطلعات القاعدة، فكيف ننتظر من البرلمان المقبل أن يمثل الشعب وهو في الأصل لا يمثل قواعد الأحزاب المكونة له.
لذلك، فالانتخابات التشريعية لا تعدو كونها موسما لقطف الثمار السياسية، التي تتنوع بحسب طبيعة كل حزب وحجمه، بين من يهدف الحصول على كرسي داخل البرلمان وآخر يرى في الموعد فرصة للوصول إلى قصر الحكومة، ومن ثم بداية طريق النضال السياسي، لأن السياسة في عرفنا، تبدأ من هناك وليس من الأوساط الشعبية!.
وعلى ضوء ما ذكر، يفقد البرلمان معناه وقيمته، فإذا كانت وظيفته الطبيعية، أنه هيئة تمثيلية للمواطنين تنقل صوتهم وتنوب عنهم، فإننا في الجزائر قد أسسنا لجيل ثان من البرلمانات، وهي برلمانات تمثيلية للأحزاب وليس للشعب، لأننا رأينا كيف أن أغلب منخرطي الأحزاب والمناضلين، احتجوا على أن القوائم لا تمثل ولا تعكس تطلعات القاعدة، فكيف ننتظر من البرلمان المقبل أن يمثل الشعب وهو في الأصل لا يمثل قواعد الأحزاب المكونة له.
عندما يصير صوت المرشحين في آذان الجماهير نشازا، يفقد النائب وظيفته التمثيلية..وعندما تتزاوج هيئة ناخبة غير مبالية مع برامج انتخابية موسمية، فالوليد بالضرورة يكون برلمانا للخطيئة.
تقاس فعالية البرلمان من الناحية النظرية، من خلال أدائه لوظيفته الأساسية، وهي التشريع والرقابة، والبرلمان الجزائري لا يقوم بهذه الوظيفة أساسا، لأنه لا يعنيه مراقبة أداء عمل الحكومة من جهة، ولأن الرئيس اختص لنفسه التشريع بالأوامر والمراسيم الرئاسية من جهة ثانية.
ولكن رغم هذا الفشل الوظيفي، إلا أننا نشهد مع كل استحقاق انتخابي مظاهر وأعراض مرضية في العمل السياسي ملازمة للحدث، وربما أهمها في الانتخابات الحالية، ظاهرة ترشح الوزراء على رأس القوائم الحزبية، حتى وإن كان ذلك خارج حدود محافظاتهم الأصلية. والظاهرة لها وجهان، أحدهما تقني والآخر سياسي.
تقنيا: كيف يُعقل أن يترشح لمنصب النائب بالبرلمان شخص لن يحصل على أصوات أفراد عائلته، لأنه ببساطة غير مقيم بالولاية مقر الترشح، وهذه الوضعية تتسبب فيها القيادات العامة للأحزاب، التي تلجأ في حالة وجود وزيرين مرشحين من نفس المنطقة، إلى تثبيت أحدهما على رأس القائمة وتصدير الثاني إلى ولاية أخرى، عوضا من احتلاله الصدارة، وبعد كل هذا تبرر القيادة هذا الوضع بالقول إن الحزب يملك بعدا وطنيا، أي قدرة المرشحين على التقدم في أي ولاية، أما من الناحية السياسية، فترشح هذا العدد الكبير من الوزراء، مرتبط أساسا بتصورهم وقراءتهم الإست باقية للخارطة السياسية لما بعد انتخابات 17 مايو.
فالمشهد السياسي حاليا لا يقدم ضمانات معنوية لهؤلاء للاستمرار ضمن الطاقم الوزاري مع أول تعديل حكومي مقبل، كما أن الساحة السياسية مقبلة على تحولات هامة، ربما أكثرها عنفا إجراء انتخابات رئاسية مسبقة، تستدعي ضمان مقعد في البرلمان قبل فوات الأوان، فالوزراء يدركون جيدا منطق السياسة عندنا، والذي يقر بأنه في غالب الأحيان، مع الاستثناء طبعا، إذا أردت أن تحصد مقعدا في الحكومة، عليك أن تجلس أولا على مقعد البرلمان، وبأنه غير مضمون بأن تصير نائبا عند الخروج من الوزارة.
استنادا إلى هذا الوضع، يجب الإقرار بأن ما شهدناه قبل الحملة الانتخابية وأثناءها وما سنشهده بعدها، هو في صوره الأولى، انعكاس طبيعي لأزمة الحزب في الجزائر على مستوى المفهوم والممارسة، وتطفو هذه الأزمة مع كل مناسبة انتخابية، لتتجلى في عدة مستويات:
1- مركزية الترشيح: حيث إن أغلب القوائم الحزبية حازت على الثقة بتزكية من القيادة المركزية، فما معنى اختيار المرشحين الولائيين من طرف لجان مركزية على مستوى الجهاز الرئيسي للحزب؟ فطبيعة الانتخابات التشريعية بالمقارنة مع الاستحقاقات الأخرى، خاصة الانتخابات الرئاسية، تستدعي مترشحين بمواصفات قاعدية وليس بخيارات قيادية، فأغلب مرشحي الأحزاب، باستثناء الصغيرة منها، يحصلون على تفويض الترشيح بأمر من الأمانة العامة للحزب، ثم يفرض ذلك على ما يعرف بالقواعد النضالية، وهنا يظهر (جبهة التحرير الوطني)، باعتباره حزب الأغلبية النيابية، كأبرز مثال على ذلك، باعتماده على أسلوب التنقيط لضبط القوائم النهائية للحزب، وترتيب المترشحين استنادا إلى برنامج الكتروني! قد لا ينسجم مع توجهات القاعدة الحزبية، ولذلك فمن الطبيعي حدوث صدامات قبل الحملة الانتخابية وأثناءها.
2- مركزية الخطاب الانتخابي للأحزاب، التي لم تدرك بعد أن الانتخابات البرلمانية تستلزم برامج انتخابية جوارية محلية وليست مركزية، فما قيمة أن يقف رئيس حزب في مدينة داخلية أمام مواطنين، يعانون من انعدام أبسط متطلبات المعيشة، ويحاول إقناعهم بأن برنامجه ينطلق من معاداة الليبرالية المتوحشة، ونقد التوجه الإمبراطوري للعولمة، ويذهب آخر للجزائر العميقة، ليقول بأن الحل الأمثل لمشكلة التنمية يكمن في ترسيخ أسس الاقتصاد الإسلامي، بينما يحاضر ثالث في تجمعاته الانتخابية عن الحكومة الالكترونية.
والحقيقة أن هذه الرهانات أبعد ما تكون عن واقع المواطن وانشغالاته، وهي تزيد في تعميق الهوة بين الطبقة السياسية والامتداد الشعبي، لننتقل من حالة عدم الثقة إلى حالة العداء المطلق. وأولى تبعات هذا الوضع، أن البرلمانيات تصبح انتخابات أشخاص لا انتخابات أحزاب.
3-هلامية العلاقة بين الدولة والحزب، كأحد رواسب الأزمة المؤسسية، التي تعانيها البلاد، ومثال ذلك، حزبا جبهة التحرير الوطني وحمس (حركة مجتمع السلم)، فالأول يستغل الدولة في حملته الانتخابية، بإحداث حالة من التماهي بينهما، من خلال عدم الفصل بين إنجازات الحزب وسياسات الدولة، فمثلا يتم ربط الاعتمادات المالية التي تخصصها الدولة لحساب الولايات، بوجود وزراء ونواب ومجالس محلية تابعة للحزب، ويتم تسويق ذلك حزبيا.
أما حركة مجتمع السلم، بحماسها الدائم ووفاء بمبدأ الانضمام للحكومة، فقد تراجعت عن مصطلحات المغالبة والمعارضة والمقاطعة والممانعة، لأنها لم تعد تنتج عملا سياسيا بالمرة، وعلى العكس من ذلك حاول أعضاء "حمس"، إيجاد مصطلحات جديدة أقدر على تفسير راهن ومستقبل الخارطة السياسية في البلاد، وربما صار الخطاب السياسي للحزب، يحاكي توزيعات ضمنية داخل البرلمان وفق صيغة "المحاصصة"، وإلا كيف نفسر حديث بعض قادة الحزب عن أرقام مسبقة من "الكوطة"، التي سيحصل عليها الحزب عشية الانتخابات.
وهنا نلحظ كيف أن استغلال الحركة للدولة ليس على طريقة جبهة التحرير الوطني، لأنها على المستوى الفعلي تشارك في الحكومة وتملك منصب وزير للدولة، ورغم ذلك تقدم برنامجا انتخابيا يدعو إلى التغيير الهادئ، الذي لا ندري مدى صدقيته في ظل الانطواء تحت غطاء دعم برنامج الرئيس، فماذا ستغير "حمس" وهي صورة من المشهد السياسي؟
وعلى ضوء ما ذكر، يفقد البرلمان معناه وقيمته، فإذا كانت وظيفته الطبيعية، أنه هيئة تمثيلية للمواطنين تنقل صوتهم وتنوب عنهم، فإننا في الجزائر قد أسسنا لجيل ثان من البرلمانات، وهي برلمانات تمثيلية للأحزاب وليس للشعب، لأننا رأينا كيف أن أغلب منخرطي الأحزاب والمناضلين احتجوا على أن القوائم لا تمثل ولا تعكس تطلعات القاعدة، فكيف ننتظر من البرلمان المقبل أن يمثل الشعب وهو في الأصل لا يمثل قواعد الأحزاب المكونة له.
لذلك، فالانتخابات التشريعية لا تعدو كونها موسما لقطف الثمار السياسية، التي تتنوع بحسب طبيعة كل حزب وحجمه، بين من يهدف الحصول على كرسي داخل البرلمان وآخر يرى في الموعد فرصة للوصول إلى قصر الحكومة، ومن ثم بداية طريق النضال السياسي، لأن السياسة في عرفنا، تبدأ من هناك وليس من الأوساط الشعبية!.