التفاعل
17
الجوائز
617
- تاريخ التسجيل
- 14 فيفري 2009
- المشاركات
- 2,568
- آخر نشاط
1/1

زعماء الأحزاب والخريطة المغلوطة
ليست هذه هي المرة الأولى التي تنفجر فقاعات زعامات ما يسمى بأحزاب المعارضة الجزائرية. وتبلغ المأساة ذروتها الدرامية عندما نجد المترشّحين لا يقرون بالفشل في الانتخابات، ويصرّون رغم ذلك على عدم الاستقالة من رئاسة الأحزاب التي تحوّلت إلى سبايا، وإقطاعات خاصة بهم منذ سنوات طويلة.
ففي التقاليد الديمقراطية المعروفة، فإن رئيس الحزب الذي يفشل في الانتخابات يقوم فورا بالتخلي عن قيادة الحزب الذي ينتمي إليه ويسلم المشعل لقائد آخر ليجرب حظه وحظ حزبه في الانتخابات المقبلة. أما في الجزائر فالعكس هو السائد تماما. وهكذا تكون الجزائر قد انتقلت من عهد الحزب الواحد إلى عهد الزعيم الأوحد لهذا الحزب أو ذاك، إلى يوم يبعثون، في زمن التعددية الحزبية. فالذي حصل منذ عقدين من الزمن هو مجرد تبدل في القشرة، أما المضمون فقد بقي دون تغيير يذكر. فماذا يعني كل هذا؟
سأستعين بالكاتب الجزائري الراحل مصطفى الأشرف لمقاربة البنية الكلية للأمة في الجزائر، والتي أعتقد جازما بأنها أزمة ثقافية وأخلاقية معا. يقول الأشرف في كتابه ''الجزائر: الأمة والمجتمع'' بأن مرحلة الاستقلال ببلادنا قد شهدت بروز ''خريطة اجتماعية مغلوطة نسبيا، كنتيجة لطموح البرجوازية الصغيرة التي أخذت تلعب على الحبلين، وكنتيجة لترقية غير متوقعة في السلم الاجتماعي''. وفي الحقيقة، فإن هذه الخريطة مغلوطة على جميع الأصعدة وليس على لمستوى الاجتماعي فقط، كما يحدد الأشرف، إنها خريطة مغلوطة على صعيد المنظومة التربوية، والاتحادات والجمعيات الثقافية والمهنية والمؤسسات السياسية والاقتصادية، وعلى مستوى المسؤوليات في البلديات والدوائر والولايات، والديبلوماسية أيضا. إن هذه الخريطة المغلوطة بصيغة الجمع هي التي أسست للأزمة، ولاتزال تعيد إنتاجها. ولنستمع مرة أخرى إلى الأشرف وهو يناقش مشكلة المعارضة بعد شهر فقط من الاستقلال.
''إن عنصر المعارضة مفقود أيضا بسبب موانع ترجع إلى الشعور القومي، كالأخوّة الكاذبة، والتديّن المغرض، والرجعية البغيضة، والاتجاه الأخلاقي الساذج، والقائم على تقسيم الناس إلى فقراء وأغنياء وأخيار وأشرار..''. ومن هنا فإن فقدان المعارضة الحقيقية على المستوى السياسي في هرم السلطة هو نتاج لغياب المعارضات داخل الأسرة.
وفي مختلف ما يدعى بأجهزة الدولة الأيديولوجية الأخرى مثل النقابة، ومؤسسات التعليم العامة والخاصة، وداخل وسائل الإعلام، ومؤسسة القضاء وفي الخطابات الثقافية والفنية، فالمعارضة ليست جزئية وانتقائية، فإما أن تكون شاملة أو لاتكون، وإما أن تكون دائمة، أو أن تكون موسمية عابرة.
والمعارضة تعريفا هي الفعل في الواقع اليومي، ويمكن أن نبحث أيضا عن أسباب غياب المعارضات فنجدها في الشعور الطائفي، أو الشعور الاثني أو التكتل الجهوي وفي والولاءات القبلية، وكل ما له علاقة بالنزعة العروشية. نحن إذا أمام مشكل ثقافي معقد وبنيوي ينبغي مواجهته بشجاعة وبمبضع الجراح وإلا فإننا سنبقى ندور في الحلقة المفرغة. إن فقدان المعارضة النقدية والفاعلة في الميدان مشكل ثقافي حقيقي وليس مجرد حالة سياسية ظرفية.
إن المفكر البرازيلي الرائع بأولوفريري يؤكد في معظم مؤلفاته بدءا من ''بيداغوجية المضطهدين''، و''بيداغوجيا الحرية''، وبيداغوجية القلب''، و''بيداغوجية الأمل'' إلى ''التعليم من أجل الوعي الناقد''، بأن الطريق إلى الديمقراطية يمر من فضاء بناء الوعي الثقافي النقدي على مستوى الفرد والجماعة. فالنقد هنا يعني أساسا انخراط الفرد في عمليات التحويل والتغيير في مجتمعه. وهكذا فالديمقراطية لاتعني مجرد تشكيل الأحزاب التي لاتظهر إلا في المناسبات وفي مواسم الانتخابات، وإنما هي فعل شيء ما يساهم في قهر التخلف، وفي بناء الكرامة للإنسان.
إنه من الضروري حقا ومن أجل مستقبل الجزائر أن يتم الشروع في تجاوز هذه الإعاقة الثقافية في بلادنا، ويلخصها الأشرف كما يلي: ''إن هذه الثقافة إنما هي ثمرة هجينة تمخض عنها مجتمع يعاني من النقائص. ولذلك فإمكانياتها محدودة. فالتثقيف الذاتي الملتزم لم يعطها إلا بعدا واحدا. وهو البعد السياسي الذي من خصائصه الارتجال.. وعلى الأخص التقليد...''
فالأزمة إذا في بلادنا ليست أزمة أشخاص، بل هي أزمة ثقافية وأفكار. إن تغيير النسق الثقافي والفكري ليس ترفا حيث أن عدم إنجاز هذه المهمة هو عنوان وأصل الأزمة التي نعاني منها ومن إعادة إنتاجها باستمرار دون اختراق لها. فالتغيير الثقافي والفكري يتم داخل الإنسان وبانخراطه هو في ذلك.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تنفجر فقاعات زعامات ما يسمى بأحزاب المعارضة الجزائرية. وتبلغ المأساة ذروتها الدرامية عندما نجد المترشّحين لا يقرون بالفشل في الانتخابات، ويصرّون رغم ذلك على عدم الاستقالة من رئاسة الأحزاب التي تحوّلت إلى سبايا، وإقطاعات خاصة بهم منذ سنوات طويلة.
ففي التقاليد الديمقراطية المعروفة، فإن رئيس الحزب الذي يفشل في الانتخابات يقوم فورا بالتخلي عن قيادة الحزب الذي ينتمي إليه ويسلم المشعل لقائد آخر ليجرب حظه وحظ حزبه في الانتخابات المقبلة. أما في الجزائر فالعكس هو السائد تماما. وهكذا تكون الجزائر قد انتقلت من عهد الحزب الواحد إلى عهد الزعيم الأوحد لهذا الحزب أو ذاك، إلى يوم يبعثون، في زمن التعددية الحزبية. فالذي حصل منذ عقدين من الزمن هو مجرد تبدل في القشرة، أما المضمون فقد بقي دون تغيير يذكر. فماذا يعني كل هذا؟
سأستعين بالكاتب الجزائري الراحل مصطفى الأشرف لمقاربة البنية الكلية للأمة في الجزائر، والتي أعتقد جازما بأنها أزمة ثقافية وأخلاقية معا. يقول الأشرف في كتابه ''الجزائر: الأمة والمجتمع'' بأن مرحلة الاستقلال ببلادنا قد شهدت بروز ''خريطة اجتماعية مغلوطة نسبيا، كنتيجة لطموح البرجوازية الصغيرة التي أخذت تلعب على الحبلين، وكنتيجة لترقية غير متوقعة في السلم الاجتماعي''. وفي الحقيقة، فإن هذه الخريطة مغلوطة على جميع الأصعدة وليس على لمستوى الاجتماعي فقط، كما يحدد الأشرف، إنها خريطة مغلوطة على صعيد المنظومة التربوية، والاتحادات والجمعيات الثقافية والمهنية والمؤسسات السياسية والاقتصادية، وعلى مستوى المسؤوليات في البلديات والدوائر والولايات، والديبلوماسية أيضا. إن هذه الخريطة المغلوطة بصيغة الجمع هي التي أسست للأزمة، ولاتزال تعيد إنتاجها. ولنستمع مرة أخرى إلى الأشرف وهو يناقش مشكلة المعارضة بعد شهر فقط من الاستقلال.
''إن عنصر المعارضة مفقود أيضا بسبب موانع ترجع إلى الشعور القومي، كالأخوّة الكاذبة، والتديّن المغرض، والرجعية البغيضة، والاتجاه الأخلاقي الساذج، والقائم على تقسيم الناس إلى فقراء وأغنياء وأخيار وأشرار..''. ومن هنا فإن فقدان المعارضة الحقيقية على المستوى السياسي في هرم السلطة هو نتاج لغياب المعارضات داخل الأسرة.
وفي مختلف ما يدعى بأجهزة الدولة الأيديولوجية الأخرى مثل النقابة، ومؤسسات التعليم العامة والخاصة، وداخل وسائل الإعلام، ومؤسسة القضاء وفي الخطابات الثقافية والفنية، فالمعارضة ليست جزئية وانتقائية، فإما أن تكون شاملة أو لاتكون، وإما أن تكون دائمة، أو أن تكون موسمية عابرة.
والمعارضة تعريفا هي الفعل في الواقع اليومي، ويمكن أن نبحث أيضا عن أسباب غياب المعارضات فنجدها في الشعور الطائفي، أو الشعور الاثني أو التكتل الجهوي وفي والولاءات القبلية، وكل ما له علاقة بالنزعة العروشية. نحن إذا أمام مشكل ثقافي معقد وبنيوي ينبغي مواجهته بشجاعة وبمبضع الجراح وإلا فإننا سنبقى ندور في الحلقة المفرغة. إن فقدان المعارضة النقدية والفاعلة في الميدان مشكل ثقافي حقيقي وليس مجرد حالة سياسية ظرفية.
إن المفكر البرازيلي الرائع بأولوفريري يؤكد في معظم مؤلفاته بدءا من ''بيداغوجية المضطهدين''، و''بيداغوجيا الحرية''، وبيداغوجية القلب''، و''بيداغوجية الأمل'' إلى ''التعليم من أجل الوعي الناقد''، بأن الطريق إلى الديمقراطية يمر من فضاء بناء الوعي الثقافي النقدي على مستوى الفرد والجماعة. فالنقد هنا يعني أساسا انخراط الفرد في عمليات التحويل والتغيير في مجتمعه. وهكذا فالديمقراطية لاتعني مجرد تشكيل الأحزاب التي لاتظهر إلا في المناسبات وفي مواسم الانتخابات، وإنما هي فعل شيء ما يساهم في قهر التخلف، وفي بناء الكرامة للإنسان.
إنه من الضروري حقا ومن أجل مستقبل الجزائر أن يتم الشروع في تجاوز هذه الإعاقة الثقافية في بلادنا، ويلخصها الأشرف كما يلي: ''إن هذه الثقافة إنما هي ثمرة هجينة تمخض عنها مجتمع يعاني من النقائص. ولذلك فإمكانياتها محدودة. فالتثقيف الذاتي الملتزم لم يعطها إلا بعدا واحدا. وهو البعد السياسي الذي من خصائصه الارتجال.. وعلى الأخص التقليد...''
فالأزمة إذا في بلادنا ليست أزمة أشخاص، بل هي أزمة ثقافية وأفكار. إن تغيير النسق الثقافي والفكري ليس ترفا حيث أن عدم إنجاز هذه المهمة هو عنوان وأصل الأزمة التي نعاني منها ومن إعادة إنتاجها باستمرار دون اختراق لها. فالتغيير الثقافي والفكري يتم داخل الإنسان وبانخراطه هو في ذلك.