طريقة صناعة العطور طريقة صناعةالعطورالعِطْرُ مُستَحضر يصنع من موادطبيعية أو اصطناعية أو من مزيج يتألف من كليهما. ويقوم العطَّار بمزج هذه الموادبعضها ببعض لينتج العبير الفوَّاح.
يستخدمالناس العطور بطرق كثيرة ليُكسبوا أنفسهم والجو المحيط بهم روائح زكية ؛ فمن الناسمن يستخدم عطورًادُهنية أو سائلة لتبقى متعلقة بملابسهم وأجسامهم فترةطويلة. كما تستخدم النساء أصباغ الشفاه، ومستحضراتالتجميل الأخرىالمُعَطِّرة للوجه والجسد. ولعل أكبر قدر يستعمل من العطر هو ذلك القدر الذي يستخدمفي الصابونوبخاصة صابون الحمّام. كما تُضاف بعض الخامات الصناعية،المعطِّرة، الزهيدة الأسعار لبعض المنتجات بحيث تُخفيروائحها غيرالمقبولة، حتى يُقبل عليها المستهلكون. وكثيرًا ما تُعالج المنتجات الورقيةوالبلاستيكية والمطاطية بهذهالخامات الصناعية العطرة. ويُحَدِّثُنا التاريخأن الإنسان منذ زمن موغل في القدم يستخدم نوعًا من العطور ؛ فقد قامبحرقأنواع من النباتات ذات الروائح الفوَّاحة بمثابة بخور يُستخدم أثناءالقيام بالطقوس الدينية.ويعد كثير من الناس كل السوائلالمستخدمة في تطييب الجسم ـ بما في ذلك ماء الكولونيا، والسوائل الكحولية الأخرىـ عطورًا. ولكن هذا ليس صحيحًا، إذ إن العطور الحقيقية التي تُسمىالمستخلصات أو الأرواح تحتوي على قدر كبير منالزيوت العطرية؛ وهي بذلك أغلىثمنًا وقيمة من ماء الكولونيا ومياه الزينة الأخرى. وتتكون معظم العطور من نسبةتتراوح بين 10 و20% من الزيوت العطرية المذابة في الكحول، بينما لا تتجاوز زيوتالكولونيا نسبة تتراوح بين 3 و 5% مذابة في كمية من الكحول لا تقل عن 80 إلى 90% بينما يغطي الماء النسبة المتبقية. أما عطور الزينة الأخرى فتحتوي على مايقارب 2% من الزيوت العطرية مذابة في نسبة من الكحول تتراوح بين 60 و80 % بينما يغطيالماء النسبةالباقية.
كيف تصنع العـطورتتوقف التركيبة العطرية ـ إلى حدكبير ـ على الاستخدام المقصود من العطر. ومن هذا المنطلق، نجد أن معظمعطورالجسم غالية الثمن، تشتمل على ضروب من زيوت الأزهار النادرة التي تُجلبمن شتى بقاع العالم. أما العطور التيتُستخدم في صناعة الصابون، والروائحالصناعية، فتتكون تركيبتها من الخامات زهيدة الأسعار. وكثير من العطورليستسوى مزيج من الزيوت النباتية، وزيوت الأزهار، مع خامات حيوانية، وبعضالمواد المصنعة، بالإضافة إلى الكحول والماء.
الخامات النباتية. للنباتات ذات الأَرَج الفَواَّح جيوبرقيقة تُشبه الأكياس مسؤولة عن صنع الخامات التي تكسبها هذهالرائحة وتقومبتخزينها. وهذه الخامات يُطلق عليها اسم الزيوت الأساسية. ولا تُستخدم هذه الزيوتالتي تُستخلص منبتلات الأزهار إلا في صنع العطور رفيعة المستوى، غاليةالثمن. ويمكن الحصول على الزيوت العطرية أيضًا، من أجزاءالنبات الأخرى مثلالقلف، والبراعم، والأوراق، وقشور الثمار، والجذور، والخشب، وفي بعض الأحيان منالنبتة بأكملها. وتشمل قائمة النباتات التي يُستفاد من زيوتها في صناعةالعطور على نطاق واسع القرفة، والأترج، والغرنوقي أو نباتالراعي،والياسمين، والخزامى، وأعشاب البتشولي، والورود، وإكليل الجبل، وأخشاب الصندل،والمسك الرومي.ويستخلص كثير من الزيوت الأساسية من النباتاتبوساطة التقطير بالبخار. وتتمثل أولى خطوات هذه العملية في إمرارالبخار منخلال المادة النباتية. وفي هذه المرحلة تتحول الزيوت الأساسية إلى غاز، ثم يُدفعهذا الغاز من خلال شبكةتتكون من عدة أنابيب يبرد خلالها ليتحول إلى مادةسائلة مرة أخرى. وهناك طريقة أخرى للحصول على الزيوتالأساسية؛ تكون بغليبتلات الأزهار في الماء بدلاً من إمرار البخار من خلالها.
وتُعد طريقة الاستخلاص بالمذيب طريقة مهمة للحصول على الزيوتالأساسية من الأزهار. وفي هذه الطريقة تذابالبتلات في مذيب. ثم يُقطَّرهذا المذيب من المحلول تاركًا خلفه مادة شمعية تحتوي على الزيت العطري. وبعد ذلكتوضع المادة الشمعية في الكحول الأثيلي فيذوب الزيت الأساسي في هذا الكحولويطفو إلى أعلى مع الكحول علىالسطح الشمعي. ثم يُعرض المزيج إلى درجةحرارة معيّنة فيتبخر الكحول وتبقى خلفه مادة عالية التركيز من الزيتالأساسي.وهناك طريقة أخرى لاستخلاص الزيوت منالأزهار، يُطلق عليها الاستخلاص عن طريق النقع. وفي هذه الطريقة تُوضعطبقةمن الدهون في صحاف زجاجية، وتوزع البتلات فوق هذه الطبقة فتقوم الدهون بامتصاصالزيت من هذه البتلاتمكونة مادة شحمية تُسمّى المرهم العطري، ثم يُعالجهذا المرهم بالكحول لفصل الزيت عنه.
الخامات الحيوانية. تعمل الخامات الحيوانية على إبطاء زوال الزيتالأساسي وتبخره، وعلى ذلك تجعل شذاها يدوم وقتًاأطول. ومن أجل هذه الخاصيةغالبًا مايُطلق عليها اسم المواد المثبِّتة. وتشمل قائمة المقومات العطرية التيتُؤخذ منالحيوانات الكاستُر، وهي مادة زيتية يفرزها القندس، ومسك الزباد،وهي مادة دُهنية تُؤخذ من قط الزباد، والمسكالمعروف الذي يؤخذ من الأيائل،والعنبر وهو مادة شمعية مصدرها حوت العنبر.الخاماتالاصطناعية. تدخل الخامات الاصطناعية في عدد كبير من المواد التي تُستخدم في صناعةالعطور. ويمكنالحصول على المواد الأولية للخامات الاصطناعية من مصادرطبيعية، أو المواد البتروكيميائية، أو قطران الفحم الحجري. وتمتاز بعضالمواد الاصطناعية بأن لها الخاصية الكيميائية نفسها التي تتكون منها الموادالمشابهة لها في الطبيعة، إلاأن بعضًا منها لا يوجد له نظير، ويختلفاختلافًا كبيرًا عن أية مادة توجد في الطبيعة. وقد استُحدث في السنواتالأخيرةالعديد من الروائح الاصطناعية في كل أرجاء العالم لتلبية الحاجةالمتزايدة باطراد للعطور، ومجاراة للتجديد والتطورالسريع المتسم بالإبداعفي حقل صناعة العطور.
نبذةتاريخيةكان الناس قديمًا يحرقون الراتينج ذا الرائحةالعطرية، واللبان الصمغي، والأخشاب ذات الأرج العطري بمثابة بخورفيالاحتفالات، والطقوس الدينية. وقد راقتهم تلك الروائح الزكية التي كانتتنبعث من هذا البخور المحروق.
وعثرالمنقبون عن الآثار على أنواع من العطور في أضرحة الفراعنة المصريين الذين عاشواقبل ما يزيد على ثلاثة آلافسنة خلت . فقد كان قدماء المصريين ينقعونالأخشاب ذات الروائح الزكية وكذلك الراتينج في مزيج من الماء والزيتثميدهنون أجسادهم بهذا السائل، كما عكفوا على حفظ جثث موتاهم وتحنيطها بمثلهذه السوائل. وقد تعلم الإغريقوالرومان صناعة تحضير العطور منالمصريين.ظلت صناعة العطور لمئات السنين، فناً شرقيًاخالصًا. وأثناء الحروب الصليبية، جلب الصليبيون في السنوات الأولى منالقرنالثالث عشر الميلادي العطور معهم من فلسطين إلى كل من إنجلترا وفرنسا. وما إن حلالقرن السادس عشر،حتى أصبحت العطور رائجة في كل أنحاء أوروبا. وقد بدأاستخدام المواد الكيميائية الاصطناعية على نطاق كبيرفيصناعة العطور منذنهاية القرن التاسع عشر.
إن عاصمة العالم لصناعة العطور، هي مدينة صغيرة تدعى جراسGrasse ، بمقاطعة بروفانس Provence في جنوب فرنسا . وتمتد الحقول حولها أميالاً ، وهي مغطاة بالأزهار- منها اللافندر والياسمين وزهر البرتقال . وتقطف الأزهار ، وأحياناً الأوراق ، وتنقل إلى المصانع في جراس ، حيث تجري عليها عمليات استخلاص الزيوت ، التي تعطي الأزهار رائحتها المميزة .
استخلاص العطور:
تعد هذه العمليات شديدة التعقيد، ومن أسباب ذلك ، أن الزيوت العطرة ، توجد في أجزاء مختلفة من النبات – في بتلات القرنفل ، والهياسنث ، والورد ، والزنبق ، وفي أزهار وأوراق اللافندر ، والبنفسج ، وفي خشب الأرز (السدر) ، وفي جذور الأيرس ، وفي ثمار أشجار الموالح .
كما أن الحيوانات تلعب دورها في صناعة العطور، نتنج الحيوانات بعضاً من المواد ذات الأهمية الكبيرة في صنع العطور . وأهم هذه المواد) المسك) ، وهو إفراز غدي من ذكر غزال المسك الذي يعيش في جبال أطلس والهيمالايا . و(العنبر) وهي مادة تتكون في أمعاء حوت العنبر ويخرجها من جسمه ، فتطفو على الماء في الخليج العربي وبعض مناطق استراليا . وتأتي مادة اسمها (كاستورويم) من القندس الكندي . وهناك مادة تعرف باسم (الزباد) وهي كريهة الرائحة يفرزها قط الزباد . ورغم ذلك فهي ذات قيمة كبيرة ، إذا خلطت مع مواد أخرى .
التوليف:
إن الزيوت المستخلصة من الأزهار والنباتات ، باهظة الثمن جداً ، لأن مجرد إنتاج أوقية واحدة من العطر، يتطلب كميات هائلة من الأزهار، وقد أدى ذلك إلى استخدام زيوت صناعية في جميع العطور، مع إضافة نسبة صغيرة من زيت الأزهار الخالص. والواقع أن زيوت زنبقة الوادي ، والليلاك ، لا يمكن استخلاصها تجارياً، وتستبدل بها دائماً الزيوت الصناعية . ولقد أصبح في مقدور الكيميائيين ، بعد سنوات من البحث ، إنتاج زيوت صناعية ، مشابهة تماماً للزيوت الأصلية .
والعطور المجهزة بالصورة التي نشتريها بها ، تكون عادة مخلوطات من الزيوت الصناعية ، وخلاصات زهرية، وبلاسم تعمل على بطء تبخرها ، وخلاصات حيوانية ، كالمسك ، تزيد من فترة بقاء العبير . وعملية توليف المكونات، عملية تحتاج إلى كثير من الحذق الشديد، وقليل من الناس ، من لهم حاسة الشم الحساسة التي تؤهلهم لذلك . وقد يتطلب العطر الواحد ، عدة شهور من التجارب والتوليف .
تاريخ العطور:
ربما كان أول استخدام للعطور في الطقوس الدينية، ومما لا شك فيه ، أن قدماء المصريين ، قد صنعوا قرابين من الزيوت العطرية أو المراهم ، واستخدموا العطور في تحنيط الموتى . وفي اليونان، شاع استخدام العطور ، لدرجة أنه في بعض الأحيان ، لم يكن يسمح لغير الحلاقين والنساء بشرائها، وذلك خوفاً من عدم توفرها للأغراض الدينية .
وقد استخدمت الإمبراطورية الرومانية، كميات خيالية من العطور، ولم تقتصر النساء على تعطير أنفسن فحسب، بل كن أيضاُ يعطرن قرودهن وكلابهن، وأثناء الولائم، كانت أسراب الولائم تطلق، بعد غمس أجنحتها في العطر، الذي كان يتساقط منها برفق على رؤوس المدعوين، وفي عهد نيرون، كان سقف قاعة الدعوات يمطر رذاذاً من العطور والأزهار .
وفي ذلك الوقت ، كان الشرق أكبر مصدر للعطور، واستهلك نيرون، في جنازة زوجته، كل ما أمكن إنتاجه من عطر في الجزيرة العربية في عشر سنوات .
وقد أدت غزوات البربر إلى توقف استخدام العطور في أوروبا، إلا أن الصليبيين أعادوا جلبها، إذ أخذوا معهم عند عودتهم، علباً من المراهم المعطرة لنسائهم . وقد انتشر استخدام العطور المستوردة من الشرق في أوروبا كلها .
ومن سوء الحظ ، أن رجال البلاط كانوا يستخدمون العطور بدلاً من الصابون والماء – وكان بلاط الملك لويس الرابع عشر الفخم، معروفاً باسم " البلاط المعطر "، لقد كان البلاط غير صحي بشكل عجيب بالمقاييس الحديثة، إذ لم تكن لديهم حمامات، حتى في قصر فرساي البديع، وما لبث أن أصدر لويس الخامس عشر، أمراً يلزم البلاط باستعمال عطر مختلف كل يوم .
وقد أصبح الاستحمام أكثر شيوعاً في القرن الثامن عشر، إلا أن استخدام العطور ظل مستمراً بصورة أكبر، ويقال أن نابليون كان يستهلك نصف جالون من ماء الكولونيا يومياً .
وتزدهر صناعة العطور في الوقت الحالي ، أكثر من أي وقت مضى، وكثيراً ما تظهر في الأسواق عطور جديدة، ذات أسماء غريبة، وقد أصبح ما كان يعتبر كمالياً للأثرياء، متعة يستطيع الجميع التمتع بها .