إنما الأعمال بالنيات..!!

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

aboudakka

:: عضو مُشارك ::
إنضم
4 ديسمبر 2008
المشاركات
169
نقاط التفاعل
2
النقاط
7
العمر
45


حديث عمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه .



هذا حديث عظيم

ولذا فإن العلماء يُصدّرون به مصنفاتهم كما فعل الإمام البخاري .
وقيل في تعليل ذلك : لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حسن نيته فيه في هذا التأليف .


قال عبد الرحمن بن مهدي : لو صنفتُ كتابا في الأبواب لجعلت حديث عمر بن الخطاب في الأعمال بالنيات في كل باب . وقال : من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ .


قال ابن رجب : وهذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها ، فرُويَ عن الشافعي أنه قال : هذا الحديث ثلث العلم ، ويدخل في سبعين بابا من الفقه .


وعن الإمام أحمد رضي الله عنه قال : أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث :حديث عمر ' إنما الأعمال بالنيات ' ،

وحديث عائشة ' من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ' ،وحديث النعمان بن بشير ' الحلال بيّن والحرام بيّن ' .

النيّة في اللغة هي القصد والإرادة، فيتبيّن من ذلك أن النيّة من أعمال القلوب ، فلا يُشرع النطق بها ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلفظ بالنية في العبادة ، أما قول الحاج : ' لبيك اللهم حجاً ' فليس نطقاً بالنية ، لكنه إشعارٌ بالدخول في النسك ، بمعنى أن التلبية في الحج بمنـزلة التكبير في الصلاة ، ومما يدل على ذلك أنه لو حج ولم يتلفّظ بذلك صح حجه عند جمهور أهل العلم .

فائدة النيّة :
تمييز العبادات بعضها عن بعض وتمييز العبادات عن العادات
فالأول مثل تمييز صلاة الظهر عن صلاة العصر ، وتمييز صلاة النافلة عن صلاة الفريضة .وكتمييز صوم رمضان عن صوم النافلة .


والثاني مثل تمييز غُسل الجنابة عن غُسل التطهّر والتّبرّدوقد قيل :
بصلاح النيّات تُصبح العادات عبادات
وبفساد النيّات تُصبح العبادات عادات

فالعادات من أكل وشُرب ونوم ونحو ذلك إذا صلحت فيها النيّة أصبحت عبادات ، إذ الوسائل لها أحكام المقاصد .والعبادات إذا فسدت فيها النيّات أو غاب عن صاحبها استحضارها ولم يرد عليه الاحتساب كانت أعماله عادات أو كالعادات . لا قيمة لها ولا روح .


فقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) يعني أحد أمرين الأول : أن وقوعها واعتبارها شرعا لا يكون إلا بالنية , فكل عمل اختياري يفعله العبد لا بد له من نية باعثة على هذا العمل , والثاني أن صحة هذه الأعمال وفسادها , وقبولَها وردَّها , والثواب عليها وعدمه لا يكون إلا بالنية .


ويستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإنما لكل امريء ما نوى ) وجوب الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال ؛ لأنه أخبر أنه لا يخلُصُ للعبد من عمله إلا ما نوى ، فإن نوى في عمله اللهَ والدار الآخرة ، كتب الله له ثواب عمله ، وأجزل له العطاء ، وإن أراد به السمعة والرياء ، فقد حبط عمله ، وكتب عليه وزره ، كما يقول الله عزوجل في محكم كتابه : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) .


و لما كان قبول الأعمال مرتبطاً بقضية الإخلاص ، ساق النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً ليوضح الصورة أكثر ، فقال : ( فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) ، وأصل الهجرة : الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام ، أو من دار المعصية إلى دار الصلاح ، وهذه الهجرة لا تنقطع أبداً ما بقيت التوبة ؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ) رواه الإمام أحمد في مسنده و أبوداود و النسائي في السنن .


وقد يستشكل البعض ما ورد في الحديث السابق ؛ حيث يظنّ أن هناك تعارضاً بين هذا الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا هجرة بعد الفتح ) كما في ' الصحيحين ' ، والجواب عن ذلك : أن المراد بالهجرة في الحديث الأخير معنىً مخصوص ؛ وهو : انقطاع الهجرة من مكة ، فقد أصبحت دار الإسلام ، فلا هجرة منها .


على أن إطلاق الهجرة في الشرع يراد به أحد أمور ثلاثة : هجر المكان ، وهجر العمل ، وهجر العامل ، أما هجر المكان : فهو الانتقال من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وأما هجر العمل : فمعناه أن يهجر المسلم كل أنواع الشرك والمعاصي ، كما جاء في الحديث النبوي : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) متفق عليه ، والمقصود من هجر العامل : هجران أهل البدع والمعاصي ، وذلك مشروط بأن تتحقق المصلحة من هجرهم ، فيتركوا ما كانوا عليه من الذنوب والمعاصي ، أما إن كان الهجر لا ينفع ، ولم تتحقق المصلحة المرجوّة منه ، فإنه يكون محرماً .



وضابط حصول النيّة وترتّب الأجر عليها ما قاله ابن المُلقِّن حيث قال : والضابط لحصول النيّة أنه متى قصد بالعمل امتثال أمر الشرع ، وبتركه الانتهاء بنهي الشرع ، كانت حاصلة مُثاباً عليها ، وإلا فلا ، وإن لم يقصد ذلك كان عملاً بهيمياً ، ولذا قال بعض السلف : الأعمال البهيمية ما عُملت بغير نيّة .
وإذا صلحت النيّة فربما بلغ العبد منازل الأبرار ، وتَسَنّم المراتب العُلى بحسن نيّته .ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنما الدنيا لأربعة نفر :

عبد رزقه الله عز وجل مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله عز وجل فيه حقه . قال : فهذا بأفضل المنازل .

قال : وعبد رزقه الله عز وجل علما ولم يرزقه مالا قال فهو يقول : لو كان لي مال عملت بعمل فلان قال فاجرهما سواء .قال : وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه عز وجل ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقه فهذا بأخبث المنازل .

قال : وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما فهو يقول : لو كان لي مال لعملت بعمل فلان . قال : هي نيته فوزرهما فيه سواء . رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما ، وقال الترمذي حديث حسن صحيح .

ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال : إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معـكم . قالوا : يا رسول الله وهم بالمدينة ؟ قال : وهم بالمدينة حبسهم العذر . رواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه ، ورواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه


قال الحافظ ابنُ حجر: المرء يؤجر بنيتِه كما يؤجر العامل؛ فسَلِ اللهَ الإخلاص وتجنب الرياء، قال علي بن الحسين: إني لأستحيي من الله أن أرى الأخَ من إخواني؛ فأسأل الله له الجنةَ وأبخل عليه بالدنيا؛ فإذا كان غدا قيل لي: لو كانت الدنيا بيدك كنتَ بها أبخلَ وأبخل.


كانت الطاعةُ حاضرةً عند السّلف في ليلِهم ونهارِهم وفي كل جوانب حياتهم؛ حتى إنّهم ليأكلون بنيّةٍ، ويمشون بنيّةٍ، وينامُون بنيّةٍ؛ وكلُّ إناءٍ بما فيه ينضحُ! وقد بلغ بهم الأمرُ أن يغتنموا الحسناتِ من الأمور المباحة


ولله درُّ ابن السمعاني حيث قال في بيان فائدة إتباع ((إنما الأعمالُ بالنيّات)) بـ((وإنما لكل امريءٍ ما نوى)): 'فيه دلالةٌ على أنّ الأعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب؛ إلاّ إذا نوى بها صاحبُها القربة: كالأكل إذا نوى به القوّةَ على الطاعة، والنومِ إذا قصد به ترويحَ البدن للعبادة، والوطءِ إذا أُريد به التعفُّفُ عن الفاحشة، كما قال عليه السلام: (وفي بُضْع أحدكم صدقة...) الحديث'.


وقد كان السلف رضي الله عنهم يستحضرون النيّةَ في كلّ شيءٍ؛ وهذا سببُ النورِ في علمِهم والبركةِ في عملِهم، كما قال ابن رجب رحمه الله: 'كل حركات القلب والجوارح إذا كانت كلُّها لله؛ فقد كمل إيمانُ العبدِ بذلك باطناً وظاهراً! ويلزم من صلاح حركات القلب صلاحُ حركاتِ الجوارح. فإذا كان القلبُ صالحاً ليس فيه إلا إرادةُ اللهِ وإرادةُ ما يريده؛ لم تنبعث الجوارحُ إلا فيما يريده الله؛ فسارعتْ إلى ما فيه رضاه، وكفّتْ عمّا يكرهه وعمّا يخشى أن يكون ممّا يكرهه وإن لم يتيقَّنْ ذلك.


قال الحسن رحمه الله: ما نظرتُ ببصري ولا نطقتُ بلساني ولا بطشتُ بيدي ولا نهضتُ على قدمي حتى أنظر: أعلى طاعةٍ أو على معصيةٍ؟ فإن كانت طاعة تقدَّمتُ، وإن كانت معصية تأخَّرتُ!


وقال محمد بن الفضل البلخي: ما خطوتُ منذ أربعين سنةً خطوةً لغير الله عزّ وجلّ!
وقيل لداود الطائي: لو تنحَّيْتَ من الظلّ إلى الشمس؟ فقال: هذه خُطًى لا أدري كيف تُكتَب؟


فهؤلاء القوم لمّا صلحتْ قلوبُهم: فلم يبقَ فيها إرادةٌُ لغير الله؛ صلحتْ جوارحُهم؛ فلم تتحرّكْ إلا لله عزّ وجلّ وبما في مرضاته'!


فالأعمال إنما تتفاضل ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العبد من الإيمان والإخلاص ، حتى إن صاحب النية الصادقة يكون له أجر العامل نفسه ولو لم يعمل , ولهذا لما تخلف نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن غزوة تبوك بسبب بعض الأعذار الشرعية التي أعاقتهم عن الخروج قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح : ( إن بالمدينة أقواماً ما سِرْتُم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر ) .


وكما تجري النية في العبادات فكذلك تجري في المباحات , فإن قصد العبد بكسبه وأعماله المباحة , الاستعانة بذلك على القيام بحق الله والواجبات الشرعية , واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه , ونومه وراحته , ومكسبه ومعاشة , أجر على تلك النية ، ومن فاته ذلك فقد فاته خير كثير , يقول معاذ رضي الله عنه ( إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي ) , وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنك لن تعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا أجرت عليه ، حتى ما تجعله في فيِّ امرأتِك )


وأما الحرام فلا يكون قربة بحال من الأحوال حتى لو ادعى الإنسان فيه حسن النية .


وبذلك يكون هذا الحديث جامعاً لأمور الخير كلها , فحري بالمؤمن أن يفهم معناه وأن يعمل بمقتضاه في جميع أحواله وأوقاته .
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top