السلام عليكم الحقيقة انني من اشد المعجبين بالروائية الجزائرية احلام مستغانمي صاحبة ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير و اردت ان اتشارك معكم بمقطع من رواية فوضى الحواس
"[font="]هو رجل يشي به سكوته[/font][font="]المفاجئ بين كلمتين[/font].
[font="]ولذا يصبح الصمت معه حالة لغوية, وأحيانا حالة جوية, تتحكم[/font][font="]فيها غيمة مفاجئة للذكرى[/font].
[font="]حتمًا.. كان به شيء من الساديّة[/font].
[font="]واللحظة أيضًا[/font][font="]تراه مغريًا وموجعًا في آن واحد. ولم تسأله لماذا هو كذلك[/font].
[font="]أيمكن للإغراء أن[/font][font="]يكون طيباً؟ هو الذي يوقظ شراسة الأحلام فينا[/font]..
[font="]هي كانت تريد أن تسأله فقط: كيف[/font][font="]هو؟[/font]
[font="]ولكن قبل أن تقول شيئاً, سرق منها السؤال نفسه الذي لن يطرح غيره بعد ذلك[/font], [font="]وقال: كيف أنت؟
[/font][font="]بين ابتسامتين لفّ حول عنقه السؤال ربطة عنق من الكذب الأنيق[/font]. [font="]وعاد إلى صمته[/font].
[font="]أكان يخاف على الكلمات من البرد؟ أم يخاف عليها هي من[/font][font="]الأسئلة؟[/font]
[font="]الأسئلة غالباً خدعة, أي كذبة مهذبة نستدرج بها الآخرين إلى كذبة[/font][font="]أكبر[/font].
[font="]هو نفسه قال هذا في يوم بعيد, قبل أن[/font]..
[font="]تذكر قوله "تحاشَيْ معي[/font][font="]الأسئلة. كي لا تجبريني على الكذب. يبدأ الكذب حقاً عندما نكون مرغمين على الجواب[/font]. [font="]ما عدا هذا, فكل ما سأقوله لك من تلقاء نفسي, هو صادق[/font]".
[font="]يومها حفظت الدرس[/font][font="]جيّداً. وحاولت أن تخلق لغة جديدة على قياسه, لغة دون علامات استفهام[/font].
[font="]كانت[/font][font="]تنتظر أن تأتي الأجوبة. وعندها فقط كانت تضعها أسفل أسئلتها, دون أن تنسى أن تتبعها[/font][font="]بعلامات تعجب, وغالباً بعلامات إعجاب[/font].
[font="]تدريجيّاً, وجدت في فلسفته في التحاور, من[/font][font="]دون أسئلة ولا أجوبة, حكمة, وربما نعمةً ما[/font].
[font="]وشكرت له إعفاءها من أكاذيب صغيرة[/font][font="]أو كبيرة. كانت تقترفها دون تفكير. وبدأت تتمتع بلعبة المحادثة المفترضة التي لا[/font][font="]سؤال فيها ولا جواب[/font].
[font="]ها هوذا اليوم. هو نفسه أمام السؤال[/font].
[font="]من الأرجح أنه[/font][font="]يتساءل: أيطرحه أم يجيب عنه. وهو في الحالتين كاذب[/font].
[font="]السؤال خدعة. ومباغتة للآخر[/font][font="]في سرّه. وكالحرب إذن, تصبح فيها المفاجأة هي العنصر الحاسم. لذا, ربما قرّر الرّجل[/font][font="]صاحب المعطف أن يسرق منها سؤالها, ويتخلّى عن طريقته الغريبة في التحاور[/font].
[font="]تلك[/font][font="]الطريقة التي أربكتها طويلاً, وجعلتها تختار كلماتها بحذر كلّ مرّة, سالكة كل[/font][font="]المنعطفات اللغوية للهروب من صيغة السؤال, كما في تلك اللعبة الإذاعية التي ينبغي[/font][font="]أن تجيب فيها عن الأسئلة, دون أن تستعمل كلمة "لا" أو كلمة "نعم[/font]".
[font="]تلك اللعبة[/font][font="]تناسبها تماماً, هي المرأة التي تقف على حافة الشك. ويحلو لها أن تجيب "ربما" حتى[/font][font="]عندما تعني "نعم", و"قد" عندما تقصد "لن[/font]".
[font="]كانت تحب الصيغ الضبابية. والجمل[/font][font="]الواعدة ولو كذباً, تلك التي لا تنتهي بنقطة, وإنما بعدة نقاط انقطاع[/font].
[font="]وكان[/font][font="]هو رجل اللغة القاطعة[/font].
[font="]كانت جمله تقتصر على كلمات قاطعة للشك, ترواح بين "طبعا[/font]" [font="]و"حتما" و"دوما" و"قطعا[/font]".
[font="]وبإحدى هذه الكلمات, بدأت قصّتهما منذ سنة. تماماً كما[/font][font="]بإحداهنّ انتهت منذ شهرين[/font].
[font="]تذكر أنّه يومها, قطع المكالمة فجأة, بإحدى هذه[/font][font="]الكلمات المقصلة, وأنها بقيت للحظات معلّقة إلى خيط الهاتف, لا تفهم ماذا[/font][font="]حدث[/font].
[font="]اكتشفت بعد ذلك, أنه لم يكن بإمكانها أن تغير شيئا. فتلك الكلمات ما كانت[/font][font="]لغته فحسب. بل كانت أيضا فلسفته في الحياة, حيث تحدث الأشياء بتسلسل قدريّ ثابت[/font], [font="]كما في دورة الكائنات, وحيث نذهب "طوعاً" إلى قدرنا, لنكرر "حتماً" بذلك المقدار[/font][font="]الهائل من الغباء أو من التذكي, ما كان لا بدّ "قطعاً" أن يحدث. لأنه "دوماً" ومنذ[/font][font="]الأزل قد حدث, معتقدين "طبعاً" أنّنا نحن الذين نصنع أقدارنا[/font]!
[font="]كيف لنا أن نعرف[/font], [font="]وسط تلك الثنائيات المضادّة في الحياة, التي تتجاذبنا بين الولادة والموت.. والفرح[/font][font="]والحزن.. والانتصارات والهزائم.. والآمال والخيبات.. والحب والكراهية.. والوفاء[/font][font="]والخيانات.. أننا لا نختار شيئا مما يصيبنا[/font].
[font="]وأنّا في مدّنا وجزرنا, وطلوعنا[/font][font="]وخسوفنا, محكومون بتسلسل دوريّ للقدر. تفصلنا عن دوراته وتقلّباته الكبرى, مسافة[/font][font="]شعره[/font].
[font="]كيف لنا أن ننجو من سطوة ذلك القانون الكونيّ المعقّد الذي تحكم تقلباته[/font][font="]الكبيرة, تفاصيل جدّ صغيرة, تعادل أصغر ما في اللغة من كلمات, كتلك الكلمات الصغرى[/font][font="]التي يتغير بها مجرى حياة[/font]!
[font="]يوم سمعت منه هذا الكلام, لم تحاول أن تتعّمق في[/font][font="]فهمه. فقد كان ذلك في زمن جميل اسمه "بدءًا[/font]".
[font="]ولذا كم كان يلزمها من الوقت لتدرك[/font][font="]أنهما أكملا دورة الحب, وأنه بسبب أمر صغير لم تدركه بعد, قد دخلا الفصل الأخير من[/font][font="]قصة, وصلت "قطعاً" إلى نهايتها[/font]!
[font="]عندما ينطفئ العشق, نفقد دائمًا شيئاَ منّا[/font]. [font="]ونرفض أن يكون هذا قد حصل. ولذا فإنّ القطيعة في العشق فنّ, من الواضح أنّه كان[/font][font="]يتعمّد تجنّب الاستعانة به, لتخفيف ألم الفقدان[/font].
[font="]تذكر الآن ذلك اليوم الذي قالت[/font][font="]له فيه "أريد لنا فراقاً جميلاً[/font].."
[font="]ولكنه أجاب بسخرية مستترة "وهل ثمة فراق[/font][font="]جميل؟[/font]".
[font="]أحيانا كان يبدو لها طاغية يلهو بمقصلة اللغة[/font].
[font="]كان رجلاً مأخوذاً[/font][font="]بالكلمات القاطعة, والمواقف الحاسمة[/font].
[font="]وكانت هي امرأة تجلس على أرجوحة[/font] "[font="]ربما[/font]".
[font="]فكيف للّغة أن تسعهما معاً؟[/font]
[font="]هو لم يقل سوى "كيف أنت؟" وهي قبل[/font][font="]اليوم لم تكن تتوقع أن يربكها الجواب عن سؤال كهذا[/font].
[font="]وإذ بها تكتشف كم هي رهيبة[/font][font="]الأسئلة البديهية في بساطتها, تلك التي نجيب عنها دون تفكير كل يوم, غرباء لا[/font][font="]يعنيهم أمرنا في النهاية, ولا يعنينا أن يصدقوا جوابا لا يقل نفاقا عن[/font][font="]سؤالهم[/font].
[font="]ولكن مع آخرين, كم يلزمنا من الذكاء, لنخفي باللغة جرحنا؟[/font]
[font="]بعض[/font][font="]الأسئلة استدراج لشماتة, وعلامة الاستفهام فيها, ضحكة إعجاز, حتّى عندما تأتي في[/font][font="]صوت دافئ كان يوما صوت من أحببنا[/font].
"[font="]كيف أنتِ؟[/font]"
[font="]صيغة كاذبة لسؤال آخر[/font]. [font="]وعلينا في هذه الحالات, أن لا نخطئ في إعرابها[/font].
[font="]فالمبتدأ هنا, ليس الذي نتوقعه[/font]. [font="]إنه ضمير مستتر للتحدي, تقديره "كيف أنت من دوني أنا؟[/font]"
[font="]أما الخبر.. فكل مذاهب[/font][font="]الحب تتفق عليه[/font].
[font="]من الأسهل علينا تقبل موت من نحب. على تقبل فكرة فقدانه[/font], [font="]واكتشاف أن بإمكانه مواصلة الحياة بكل تفاصيلها دوننا[/font].
[font="]ذلك أن في الموت تساويا[/font][font="]في الفقدان, نجد فيه عزاءنا[/font].
[font="]كانت تفاضل بين جواب وآخر, عندما تنّبهت إلى أن[/font][font="]جلستهما قد أصبحت فجأة معركة عاطفية صامتة. تدار بأسلحة لغوية منتقاة بعناية[/font][font="]فائقة[/font].
[font="]وإذ بالطاولة المربعة التي تفصلهما, تصبح رقعة شطرنج, اختار فيها كل واحد[/font][font="]لونه ومكانه. واضعا أمامه جيشا.. وأحصنة وقلاعا من ألغام الصمت, استعدادا[/font][font="]للمنازلة[/font].
[font="]أجابته بنيّة المباغتة[/font]:
- [font="]الحمد لله[/font]..
[font="]الأديان نفسها, التي[/font][font="]تحثنا على الصدق, تمنحنا تعابير فضفاضة بحيث يمكن أن نحملها أكثر من معنى. أوليست[/font][font="]اللغة أداة ارتياب؟[/font]
[font="]أضافت بزهو من يكتسح المربع الأول[/font]:
- [font="]وأنت؟[/font]
[font="]ها هي[/font][font="]تتقدم نحو مساحة شكه, وتجرده من حصانه الأول. فهو لم يتعود أن يراها تضع الإيمان[/font][font="]برنسا لغويا على كتفيها[/font].
[font="]ظلت عيناها تتابعانه[/font].
[font="]هل سيخلع معطفه أخيراً, ويقول[/font][font="]إنه مشتاق إليها. وأنه لم يحدث أن نسيها يوماً؟[/font]
[font="]أم تراه سيرفع قبة ذلك المعطف[/font], [font="]ويجيبها بجواب يزيدها برداً؟[/font]
[font="]أي حجر شطرنج تراه سيلعب, هو الذ يبدو غارقا في[/font][font="]تفكير مفاجئ, وكأنه يلعب قدره في كلمة؟[/font]
[font="]تذكرت وهي تتأمله, ما قاله كاسباروف[/font], [font="]الرجل الذي هزم كل من جلس مقابلا له أمام طاولة شطرنج[/font].
[font="]قال: "إن النقلات التي[/font][font="]نصنعها في أذهاننا أثناء اللعب, ثم نصرف النظر عنها. تشكل جزءا من اللعبة, تماما[/font][font="]كتلك التي ننجزها على الرقعة[/font]".
[font="]لذ تمنت لو أنها أدركت من صمته, بين أي جواب[/font][font="]وجواب تراه يفاضل. فتلك الجمل التي يصرف القول عنها, تشكل جزءا من جوابه[/font].
[font="]غير[/font][font="]أنه أصلح من جلسته فقط. وأخذ الحجر الذي لم تتوقعه[/font].
[font="]وقال دون أن يتوقف عن[/font][font="]التدخين[/font].
- [font="]أنا مطابق لك[/font].
[font="]ثم أضاف بعد شيء من الصمت[/font].
- [font="]تماماً[/font]..
[font="]هو لم[/font][font="]يقل شيئا عدا أنه استعمل إحدى كلماته "القاطعة" بصيغة مختلفة هذه المرة. فانقطع[/font][font="]بينهما التحدي[/font]."