-1-القصص في العصر الجاهلي
التاريخ العربي مليء بالكثير من القصص والروايات التاريخية التي سطرها المؤرخون فيما بين صفحاتها ، ويبقى بعض هذه القصص في ذاكرة القارئ والسامع كالأسطورة لشهرتها وذيوع صيتها وتسلسل أحداثها المسيطر في الذاكرة .
وحرب " داحس والغبراء " تتمتع بشهرة واسعة..... دامت مدة أربعين عاما ..
من أهم الحروب المروعة المؤلمة التي قامت بسبب السباق هي حرب (داحس والغبراء) وهى أشهر من نار على علم في تاريخ العرب ، وقد احتدمت نارها أربعين عاماً بين قبيلتي عبس وذبيان أبنى بغيض بن ريث بن غطفان. والسبب الذي أشعل الشرارة الأولى لنيران هذه الحرب الضروس كان السباق الذي أجرى بين الفرسين داحس وكان فحلاً لقيس بن زهير العبسي ، والغبراء وكانت حجراً (أنثى) لحمل بن بدر الذبياني ، وكان قد تم الاتفاق بين الطرفين على رهان قدره مائة بعير. وعند انتهاء مدة الإضمار (تدريب الخيل للسباق) وحلول موعد السباق قيد الفرسان إلى موضع الانطلاق وكان حمل بن بدر صاحب الغبراء قد أعد كميناً من بعض فتيان قبيلته وراء بعض التلال على مسالك طريق السباق وأمرهم بالوثوب بوجه الفرس داحس إن جاء سابقاً فينحرف عن الطريق المعين ويؤمن فوز الغبراء، وبدأ السباق وكانت الغبراء في الطليعة في بادئ الأمر ولكن سرعان ما انتزع داحس القيادة منها بدون جهد (وهذا ما كان يخشاه حمل بن ندر) ومضى الفرسان في السباق وكان تفوق داحس واضحاً إلا أنه ما كاد يصل إلى موقع الكمين حتى خرج فجأة الفتيان من المخبأ ووثبوا بوجهه فجفل ووقع وأوقع فارسه ، وبهذا فسح المجال للغبراء للفوز ، ثم نهض فارس داحس وامتطى صهوة جواده ثانية بعد أن تأكد من عدم إصابته بعطب وانطلق داحس بفارسه كالصاعقة إثر الغبراء وكاد أن يظفر بها لولا قصر المسافة المتبقية لخط النهاية الذي أنقذ الغبراء. فازت الغبراء وطالب صاحبها بدر بالرهان وكاد أن يحصل عليه لولا أن المؤامرة انكشفت وبان زيف السباق بعد أن ندم فتيان الكمين على فعلتهم الشنعاء واعترفوا بإيعاز حمل بن بدر إليهم في تنفيذ المؤامرة ، وقد حكم المحكمون الرهان إلى قيس بن زهير العبسي فرضخا للأمر بالفوز لداحس وطالبوا حمل بن بدر وأخاه حذيفة بن بدر بإعطاء الرهان إلى قيس بن زهير ..
وفي ذلك قال قيس :
وما لاقيت من حمل بن بدر وإخوته على ذات الأصـاد
هم فخروا علي بغير فخـر وردوا دون غايتهم جوادي
بدأت نذر الشؤم تحوم حول القبيلتين وغيوم الحرب تتلبد في سماء عبس وذبيان لكن انتهى الأمر بسلام و كادت نار الفتنة أن تخمد وتهمد لولا أن أثارها جماعة السوء من قوم حذيفة بن بدر بتحريض من حمل شقيق حذيفة وذلك بأن لاموا حذيفة على تسليمه بالأمر الواقع وإعطائه الرهان إلى قيس ، وبدأت خيوط المأساة تحاك من جديد فقد أرسل حذيفة إلى قيس يطالبه بإرجاع الرهان ولم يكن من المنتظر أن ينال هذا الطلب غير الرفض ، وتطور النقاش الحاد إلى تراشق بالكلمات البذيئة كان ابن حذيفة قد تمادى في التطاول على قيس بالشتائم فما كان من قيس إلا أن طعنه برمح بالقرب منه وأرداه قتيلاً. و طل إله الحرب بوجهه البشع مرة ثانية ، ولكن العقلاء ورسل الخير من الطرفين قد تدخلوا وأنهوا النزاع بفر ض دية المقتول على قيس الذي وافق على تقديمها دفعاً للشر وتجنباً لوقوع مالا تحمد عقباه بين العشيرتين الشقيقتين. كان المفروض أن تتوقف أعمال العدوان بعد أن سوى النزاع وارتضاه الطرفان إلا أن روح الشر الكامنة بحذيفة بن بدر وأخيه حمل أبت ألا تخلق ما من شأنه أن يفسد الجو بين أولاد العم ، فبعد بضعة أيام من مقتل ابن حذيفة حرض حذيفة بعض رجال قبيلته على اغتيال مالك بن زهير شقيق قيس قد تم تنفيذ هذا الاغتيال. وجرت محاولات لإصلاح ذات البين ، وقد امتنع رؤساء عشائر عن المصالحة إلا أن قيس بن زهير كان أكثر تسامحاً من زملائه رؤساء العشائر وقبل الدية عن مقتل أخيه مالك ووافق رؤساء العشائر على مضض ، إلا أن حذيفة رفض إعطاء الدية رغم تسامح قيس الذي كان يروم إرجاع المياه إلى مجاريها بين أولاد العم ، فحلت الكارثة وقامت الحرب الضروس فقال عنترة العبسى في مقتل مالك:
فلله عيناً من رأى مثل مالك *** عقيرة قوم إن جرى فرسان
فليتهما لم يجريا قيد غلـوة *** وليتهما لم يرسـلا لرهـان
و بعد مرور أربعين سنة من الاقتتال خمدت نيران الحرب بعقد صلح بعد سماع نبأ زحف أبرهة الحبشي بأرض العرب بجيشه العظيم المدمر لكل ما في طريقه (لهدم الكعبة المشرفة ) ... ... ...
-2-الأمثال في الأدب الجاهلي
الأمثال أصدق شيء يتحدث عن أخلاق الأمة وتفكيرها وعقليتها , و تقاليدها وعاداتها , ويصور المجتمع وحياته وشعوره أتم تصوير فهي مرآة للحياة الاجتماعية والعقلية والسياسية والدينية واللغوية , وهي أقوي دلالة من الشعر في ذلك لأنه لغة طائفة ممتازة , أما هي فلغة جميع الطبقات.
ولذلك أبدع معظم العرب الجاهليين في ضرب الأمثال في مختلف المواقف والأحداث
ولقيت هذه الأمثال شيوعا لخفتها وعمق ما فيها من حكمة وإصابتها للغرض المنشودة منها, وصدق تمثيلها للحياة العامة ولأخلاق الشعوب
يجتمع في المثل أربعة لا يجتمع في غيره من الكلام إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكتابة فهو نهاية البلاغة
والأمثال في الغالب أصلها قصة، أي أن الموقف الأصلي الذي ضرب فيه المثل يكون قصة أدت في النهاية إلى ضرب المثل
بعض القصص الحقيقية التي أدت في النهاية إلى ضرب مثل:
*رجع بخفي حنين(كان حنين إسكافا فساومه أعرابي على خفين فاختلفا, فأراد حنين أن يغيظ الأعرابي, فأخذ أحد الخفين وطرحه في الطريق, ثم ألقى الآخر في مكان آخر, فلما مر الأعرابي بأحدهما قال ما أشبهه بخف حنين ولو كان معه الآخر لأخذته, ثم مشى فوجد الآخر, فترك راحلته وعاد ليأتي بالخف الأول, وكان حنين يكمن له فسرق راحلته ومتاعه. وعاد الأعرابي إلى قومه يقول لهم جئتكم بخفي حنين. ويضرب هذا المثل لمن خاب مسعاه.)
*على أهلها جنت براقش ( وبراقش كلبة لقوم من العرب اختبأت مع أصحابها من غزاة, فلما عاد الغزاة خائبين لأنهم لم يعثروا عليهم نبحت براقش فاستدلوا بنباحها على مكان أهلها فاستباحوهم. ويضرب هذا المثل في سوء الرفقة)
*وافق شن طبقة ( شَنّ رجل من العرب خرج ليبحث عن امرأة مثله يتزوجها, فرافقه رجل في الطريق إلى القرية التي يقصدها, ولم يكن يعرفه من قبل. قال شن: أتحملني أم أحملك؟ فقال الرجل: يا جاهل أنا راكب وأنت راكب فكيف تحملني أو أحملك؟ فسكت شن حتى قابلتهما جنازة, فقال شن: أصاحب هذا النعش حي أم ميت؟ فقال الرجل ما رأيت أجهل منك, ترى جنازة وتسأل عن صاحبها أميت أم حي, فسكت شن, ثم أراد مفارقته, فأبى الرجل إلا أن يأخذه إلى منزله, وكانت له بنت تسمى طبقة. فسألت أباها عن الضيف فأخبرها بما حدث منه, فقالت يا أبت ما هذا بجاهل؛ إنه أراد بقوله أتحملني أم أحملك: أتحدثني أم أحدثك. وأما قوله في الجنازة فإنه أراد: هل ترك عقبا يحيا به ذكره؟ فخرج الرجل وجلس مع شن وفسر له كلامه, فقال شن: ما هذا بكلامك , فصارحه بأنه قول ابنته طبقة, فتزوجها شن. ويضرب مثلا للمتوافقين )
هذه كانت نظرة سريعة للأمثال في الأدب الجاهلي, فرأينا كيف كانت الأمثال في ذلك العصر, وبما تميزت به من خفه ودقة وسلاسة وإيجاز وعمق ما فيها من حكمه وصواب رأي, وكيف أبدع العرب قبل الإسلام في الأمثال, فحياتنا الآن لا تخلو من أمثالهم وحكمهم
:yahoo:يتبع