1
"في مجتمع محافظ ومنغلق كالمجتمع الجزائري، تبدو كل الحيل ناجعة لأجل إثبات حسن السلوك والسيرة، لهذا لا تستغربي إن قلت لك أن نسبة كبيرة من الفتيات أعدن تركيب غشاء البكارة في العيادات المتخصصة، لأن دليل العذرية يجب أن يظهر ليلة الدخلة!". بهذه الجملة بدأت الطالبة الجامعية "حنان ع" حديثها عندما سألتها عن "موضوع العذرية في الجزائر"!
رؤية لا تبدو مبالغ فيها في الحقيقة، فقد كشفت تقارير أمنية عام 2005 أن الدولة قررت غلق 30 عيادة في الجزائر العاصمة لوحدها بتهمة "تسخير الطب لأغراض غير أخلاقية"، والحال أن من بين تلك العيادات 20 عيادة كانت تتخصص ـ وراء الستار ـ في ترقيع عشاء البكارة مقابل مبالغ كانت تصل إلى 50 ألف دينار جزائري. فمن يستطيع أن يدفع مبلغ كهذا لترقيع غشاء؟
آفاق حاولت البحث في هذه الظاهرة التي انتشرت في الجزائر في السنوات الماضية، وإن ما زالت تمارس في السرية إلا أنها صارت تثير الكثير من الجدل، وتطرح العديد من الأسئلة إزاء مجتمع محافظ في الظاهر، ومنافق في الباطن!
الذين التقينا بهم لم يقولوا أنهم تعرضوا "للغدر" أو حتى للاغتصاب، بل كل واحدة قالت أنها فعلت ذلك بمحض إرادتها، وأنها ـ لأسباب عائلية ـ اضطرت إلى ترقيع الغشاء بعد أن تقدم لها شاب مناسب وضغط أهلها كي تقبل به!
فريال في الثلاثين من العمر، قبل أن تقبل الحديث معي طلبت عدم ذكر اسمها الكامل، ولا شيء عن شخصها، قالت ـ بعد أن وعدتها بذلك ـ: "بصراحة أول معاشرة لي كانت أيام الثانوية، مع شخص تعرفت عليه وشعرت نحوه بانجذاب حقيقي.. فكرت فيه كزوج المستقبل ولكنه خذلني..!"
سألتها: كيف خذلك؟ فردت: "قال أنه ليس للزواج وأنه سيعطيني ما أريد فقد كان يأخذ من والده التاجر ما يشاء من المال، وكنت أذهب معه لأرقى المطاعم والنوادي وأركب إلى جانبه في سيارة جميلة. حياة مريحة ولكنها لم تكن مناسبة خاصة أنني مع الوقت اكتشفت أنني أخسر ولا أكسب!"
أضافت وهي تنظر إلي: "بعد عامين من الحياة معه قررت التوقف. وعندما تقدم لي شخص جيد وجدت نفسي أمام نارين. إما أخبره بالحقيقة أو أضعه أمام الأمر الواقع؟ إلى أن نصحتني صديقة أن أذهب إلى عيادة لترقيع غشاء البكارة.. لم أصدق في الأول أن الأمر ممكنا لكن الطبيب أخبرني أن الأمر سيكون كما الأول، وأنني سأستعيد عذريتي وأبدأ حياتي من جديد!
قال إن علي أن أدفع خمسون ألف دينار تكلفة العملية. ذهبت إلى صديقي السابق الذي كان قد تعرف على فتاة أخرى وطلبت منه أن يدفع تكاليف العملية. ولم يمانع دفعها لي لأتزوج عذراء! سألتها: هل تزوجت؟ قالت وهي تبتسم ابتسامة خفيفة: أجل. كل شيء مر على خير. من حسن حظي"!.
خديجة في الخامسة والعشرين. حكت لي كيف أنها عاشرت شخصا لمدة ستة أشهر. وعندما ظهرت عليها بوادر الحمل هرب وتركها.. ! قالت وهي تخفي عينيها عني "بصراحة. كنت في حالة من اليأس الشديد. فقدت الرغبة في الحياة وخفت أن يكتشف أهلي الأمر. سألتها ماذا فعلت؟ فقالت "ذهبت إلى عيادة مختصة في عمليات الإجهاض سمعت عنها من قبل، الطبيب رفض في البداية ولكنه وافق بعد أن حدد لي أن علي دفع عشرين ألف دينار مسبقا، وبعد العملية مباشرة أخبرني الطبيب أن بإمكانه القيام بعملية ترقيع غشاء البكارة ولم أصدق أذني ـ كما قالت ـ بعد ثلاثة أشهر من عملية الإجهاض عدت إليه لعملية ترقيع.
صدقيني لم أكن زبونته الوحيدة. كان في سجل الانتظار عشرات الفتيات غيري جئن لنفس الغرض أي ترقيع غشاء البكارة. تصوري كم ينهب هؤلاء الأطباء بسببنا! قالتها لي وهي تتجنب النظر إليّ دائما.
سألتها هل تشعرين الآن أنك استعدت نفسك؟ قالت بعد صمت: "لا.. لم أستعد شيئا. ما زلت أسدد الديون إلى الآن. أشعر أنني يائسة ولم أعد أثق في أحد. أنتظر أن يدق بابي شخص عادي ككل بنت. ربما أنسى معه ما جرى!"
ما يبدو مدهشا أن عبارة "أرغمت على فعل ذلك" لم تكن واردة في حديث الفتيات، إلا عندما تحاول الفتاة أن تقول "خدعني وهرب.." مع أن كل اللائي تحدثت معهن قلن لي أنهن فعلن ذلك لأن الدنيا تغيرت، لكن سرعان ما اصطدمن بالأسرة التي لم تتغير، بالخصوص إزاء قضية مصيرية اسمها شرف البنت.. نادية امرأة متزوجة اليوم، وعدتها أنني لن أكتب أكثر من حكايتها دون ذكر تفاصيل عنها، قالت أن الرجل الوحيد الذي صدقت أنه يحبها هو الذي منحته عذريتها لأنها كانت تريده! لكنه "ضحك علي ـ كما قالت ـ بعد شهرين من المعاشرة، كنا نلتقي مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع في فندق، وكان يقول أنه يرتب نفسه ليتقدم لي، ولكنه لم يكن صادقا. فقد اكتشفت أنه على علاقة مماثلة مع فتيات أخريات. فقررت الانسحاب.
سألتها ماذا فعلت؟ فقالت: "فكرت في التوجه إلى الشرطة لتقديم شكوى ضده، فقد ظلت تلك الفكرة تراودني طويلا، ولكني خفت. خفت من نظرة الشرطة لي. سينظرون إلي كعاهرة وخفت أن يستغلوا الأمر ضدي! لهذا فكرت في الانتحار وكنت سأرتكب ذلك ضد نفسي لولا أني قرأت ذات يوم عن ترقيع غشاء البكارة. وعندما ذهبت إلى إحدى العيادات التي عرفتني عليها جارة لي في نفس المبنى، لم ينظر الطبيب إلي أبدا، بل قال كأنه يلقي بيانا سياسيا: "ستكلفك العملية أربعين ألف دينار..!" بعت ذهبي واستدنت من أشخاص أعرفهم لأجل دفع تكاليف العملية..!
سألتها ماذا بعد العملية؟ ما الذي تغير في حياتها؟ فقالت: لا شيء. مع أن العملية انطلت على زوجي، وصدق أنه كان الوحيد في حياني، أنا اليوم أحاول أن أعوضه بكل شيء عن تلك الكذبة، لأنه يستحق الاحترام..!"
لم نتوقف هنا، بل ذهبنا إلى البحث عن أبعاد ظاهرة "رتق البكارة" أو ترقيعها أو كيفما كانت المسميات الكثيرة التي صارت تلجأ إليها الفتيات الجزائريات لأجل "صيانة شرف العائلة ليلة الدخلة" على الرغم من أنه ليست كل العمليات ترقيع غشاء البكارة كانت فعالة، فقد كشفت تقارير من المتشفيات أن العديد من جرائم القتل التي حدثت ليلة الدخلة سببها غشاء البكارة، بحيث أن الطب أثبت بعد التشريح أن العروس القتيلة أجرت عملية ترقيع غشاء البكارة وأن العملية لم تكن ناجحة بالمعايير الحقيقية، بل وخلفت تشوهات على مستوى أنوثة المرأة، ولهذا يحدث في ليلة الدخلة ما لم يكن في الحسبان. كما قالت الدكتورة عائدة مازوني أخصائية أمراض تناسلية.
وأضافت مازني "العيادات التي تأخذ من الضحية ملايين الدينارات عادة ما تعي جيدا أنها لا تستطيع ضمان عملية ترقيع ناجحة بإمكانيات بدائية أحيانا، باعتبار أن أغلب العيادات لا تتوفر على أهم التجهيزات اللازمة، والفتاة حين تغادر العيادة فهي تغادرها معتقدة أنها تخلص من عار قديم، دون أن تعرف أن ثمة عمليات غير ناجحة وأن الغشاء لم يرقع ولهذا لا يحدث ما ينتظره الزوج أو العائلة ليلة الدخلة مما يحول العرس إلى مأتم..!".
العديد من القضايا في ملفات الشرطة عن جرائم قتل حدثت في الصبيحة الزوجية ارتكبها الزوج، وعادة يرتكبها الأب أو الأخ لغسل شرف العائلة، والقانون لا ينظر إلى الجرائم بنفس نظرته إلى جرائم القتل الأخرى، كما قالت المحامية نصيرة يايسي التي ذكرت أن جرائم القتل التي تحدث ليلة الدخلة أو في الصباح تندرج اجتماعيا في جرائم الشرف، ولهذا القانون ينظر إلى الجاني كضحية وغالبا ما تكون الحكم خفيفا..!
من المسئول حقا؟ من الصعب الرد على السؤال في مجتمع كالمجتمع الجزائري الذي ينخره الفساد والإرهاب معا، بيد أن الإرهاب الذي يريد قيام الدولة الإسلامية بالدم يغتصب بدوره العديد من القيم في المجتمع، ناهيك أن الإرهابيين اغتصبوا النساء في سنوات التسعينات مما جعل الدولة تلجأ لأول مرة إلى "ترخيص الإجهاض لأسباب إنسانية" لأن الضحية التي تتعرض لاغتصاب جماعي أحيانا من قبل إرهابيين كما جرى فعليا إبان قيادة الدموي "عنتر الزوابري" لما يسمى بالجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) التي ارتكبت 5344 عملية اغتصاب ضد فتيات تتراوح أعمارهن ما بين 12 و 35 سنة، بعضهن قتلن وبعضهن وجدن أنفسهن في حالة حمل غير إرادي وقد كان لهن الحق في "الإجهاض" وأحيانا في "ترقيع الغشاء" بشكل رسمي وقانوني أيضا.
فتح هذا الانفلات الأمني بحسب العديد من الأخصائيين الاجتماعيين الباب للعيادات كي تمارس هذا النوع من الترقيع بكل الطرق، وبالتأكيد فهم يمارسونه بشكل سري لأنهم يحددون تكلفة العملية ولأن الضحية تأتي لتتخلص من عار لا تريده، وهو استغلال لحالة كما يراها القانون الذي أغلق عشرات العيادات ما بين سنتين 2003 و 2005 في العاصمة، بينما ظلت عيادات أخرى محجوبة عن أنظار الرقابة، يعرفها من يريد القيام بمعلية إجهاض أو ترقيع.
العديد من العيادات التي دلتني عليها بعض اللواتي عملن العملية فيها غيرت عنوانها، والعيادات الباقية رفضت استقبالنا بحجة أنها "عيادة محترمة" ! حاولت الحديث مع أحد الأطباء لكنه رفض قائلا "أنا مشغول ليس لي وقت للصحافة"! لكن حديث مع الممرضة جعلنا نفهم أن زوار العيادة من النساء عموما لأن الطبيب مختص في الأمراض النسائية..!
قلت لها أنني سمعت بأن العيادة كانت لها قضايا مع العدالة في السابق؟ فنفت الممرضة قائلة "مجرد إشاعات لفقها بعض المغرضين ضد الدكتور "نذير س" المعروف أنه شخص محترم. والدكتور فاز بالقضية وعاد إلى فتح العيادة في وجه زبائنه..!
قلت لها إن بعض المغرضين لم تكن أكثر من زبونة الدكتور .. اعترفت أمام الشرطة أن الطبيب أجرى لها عملية إجهاض" فغضبت الممرضة وهي ترد بعصبية" المحكمة لم تصدق كلام عاهرة أرادت أن تلوث سمعة الطبيب..!" قالتها وهي تطلب مني المغادرة وتركها تواصل عملها!
