بسم الله الرحمن الرحيم
لبس الحلقة والخيط ونحوهما
من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما
لرفع البلاء أو دفعه
لرفع البلاء أو دفعه
( من الشرك ) من هنا للتبعيض ، أي هذا من الشرك .
ولبس هذه الأشياء قد يكون شركاً أصغر وقد يكون أكبر بحسب اعتقاد لابسها .
وكان لبس هذه الأشياء من الشرك لأن كل من أثبت سبباً لم يجعله الله شيئاً شرعياً ولا قدرياً فقد أشرك بالله .
قال الشيخ السعدي رحمه الله في القول السديد : ولا بد في معرفة ثلاثة أمور في الأسباب :
أولاً : ألا يجعل منها سبباً إلا ما ثبت أنه سبب شرعاً أو قدراً .
ثانياً : ألا يعتمد العبد عليها ، بل يعتمد على مسببها ومقدرها مع قيامه بالمشروع منها ، وحرصه على النافع منها .
ثالثاً : أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره ، ولا خروج لها عنه .
( لبس الحلقة والخيط ) الحلقة : من حديد أو ذهب أو فضة . والخيط : معروف .
( ونحوهما ) كمن يضع شيئاً معيناً من نحاس أو غيره لدفع البلاء ، أو يعلق على نفسه شيئاً من أجزاء الحيوانات .
( لرفع البلاء ) إزالته بعد حصوله .
( أو دفعه ) منعه قبل نزوله .
ومن هنا بدأ المصنف في تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله بذكر شيء مما يضاد ذلك من أنواع الشرك الأكبر والأصغر ، فإن الضد لا يعرف إلا بضده .
كما قيل : بضدها تتبين الأشياء .
فمن لا يعرف الشرك لا يعرف التوحيد وبالعكس .
م / ( وقول الله تعالى : ﴿ قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هنَّ كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هنّ ممسـكات رحمتـه ، قل حسـبي الله عليه يتوكل المتوكلون ﴾ ) . { سورة الزمر 38 }
﴿أفرأيتم ﴾أخبروني
﴿ ما تدعون ﴾ تعبدون وتسألون .
﴿ ضر ﴾ مرض أو فقر أو بلاء .
﴿ كاشفات ﴾ مزيلات .
أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين : أرأيتم أي أخبروني عما تدعون من دون الله ، أي تعبدونهم وتسألونهم من الأنداد والأضداد والآلهة .
﴿ إن أرادني الله بضر ﴾ أي بمرض أو فقر أو بلاء أو شدة .
﴿ هل هنّ كاشفات ضره ﴾ أي لا يقدرون على ذلك أصلاً .
﴿ أو أرادني برحمة ﴾ أي صحة وعافية وخير وكشف بلاء .
﴿ هل هنّ ممسكات رحمته ﴾ قال مقاتل : فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا ، أي لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها ، وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشـفعاء عند الله ، لا لأنهم يكشـفون الضـر ويجيبون دعاء المضطر ، فهم يعلمون أن ذلك لله وحده ، كما قال تعالى : ﴿ ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ، ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ﴾ وقد دخل في ذلك كل من دعي من دون الله ، من الملائكة والأنبياء والصالحين فضلاً عن غيرهم .
فلا يقدر على كشف ضر ولا إمساك رحمة ، كما قال تعالى : ﴿ ما يفتح الله من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ﴾ .
مناسبة الآية للترجمة :
حيث دلت على أن دفع الضر من خصائص الله فيكون طلبه من غير الله كالحلقة والخيط ونحوهما شركاً .
من فوائد الآية :
1. في هذه الآية وأمثالها تبطل تعلق القلب بغير الله ، في جلب نفع أو دفع ضُر ، وأن ذلك شركٌ بالله .
2. التحذير من لبس الحلقة والخيط وغيرها لجلب النفع أو دفع الضر لأنه شرك .
3. بطلان عبادة الأصنام .
4. أن كشف الضر وجلب النفع من خصائص الله عز وجل .
5. وجوب التوكل على الله ، والاكتفاء به عما سواه ، وهذا لا ينافي عمل الأسباب المشروعة .
وعن عمـران بن حصـين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجـلاً وفي يـده حلقة من صُفْر ، فقال : ( ما هذا ؟ ) قال : من الواهنة ، فقال : ( انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً ، فإنك لو مُتَّ وهي عليك ما أفلحت أبداً ) . رواه أحمد بسند لا بأس به ( 4/445)
( عمران بن حصين ) أي بن عبيد بن خلف الخزاعي ـ أو نُجَيد ـ صحابي بن صحابي ، أسلم عام خيبر ، ومات سنة 52ﻫ بالبصرة .
( رأى رجلاً ) وفي رواية للحاكم ( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عضـدي حلقة صفر ، فقال : ما هذه ؟ ... ) .
فالمبهم في رواية أحمد هو عمران راوي الحديث .
( ما هذه ) يحتمل أن الاستفهام للاستفصال عن سبب لبسها ، ويحتمل أن يكون للإنكار ، قال صاحب فتح المجيد : هو أظهر .
( فإنها من الواهنة ) قال أبو السعادات : الواهنة عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها فيرقى منها .
وقيل : هو مرضٌ يأخذ في العضد ، وهي تأخذ الرجال دون النساء .
وإنما نهاه عنها لأنه اتخذها على معنى أنها تعصمه من الألم .
( انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً ) النزع : هو الجذب بقوة ، أخبر أنها لا تنفعه بل تضره وتزيده ضعفاً ، وكذلك كل أمر نهي عنه فإنه لا ينفع غالباً ، وإن نفع بعضه فضره أكبر من نفعه .
( فإنك لو مُت وهي عليك ما أفلحت أبداً ) لأنه شرك في هذه الحال ، والفلاح هو الفوز والظفر والسعادة .
مناسبة الحديث للترجمة :
حيث دل الحديث على إنكار لبس الحلقة لدفع الضر ، لأن جلب النفع ودفع الضر من الأفعال الخاصة بالله ، وطلبها من غير الله شرك به .
من فوائد الحديث :
1. أن لبس الحلقة وغيرها للاعتصام بها من الأمراض من الشرك .
2. فيه استفصال المفتي .
3. ينبغي لمن أراد إنكار المنكر أن يسأل أولاً عن الحال .
4. وجوب إزالة المنكر لقوله ( انزعها ) .
5. أن مراتب الإنكار تتفاوت ، فإذا نفع الكلام حرم التغليظ فيه .
6. النهي عن تعليق الحلق والخرز ونحوهما على المريض أو غيره .
7. التنبيه على النهي بالتداوي بالحرام ، وروى أبو داود بإسناد حسن والبيهقي عن أبي الدرداء مرفوعاً في حديث : ( تداووا ولا تداووا بحرام ) .
8. أن الأسباب التي لا أثر لها بمقتضى الشرع أو العادة أو التجربة لا ينتفع بها الإنسان .
9. أن الحرام لا ينفع في الأصل وإن نفع في بعض فمضرته أكبر .
10. أن لبس الحلقة وشبهها لدفع البلاء أو رفعه من الشرك .
11. أن الأعمال بالخواتيم لقوله : ( لو مت وهي عليك ) فعُرف أنه لو أقلع عنها قبل موته لم تضره .
12. أن المسلم إذا فعل ذنباً أُنكر عليه فتاب منه فإن ذلك لا ينقصه ، وأنه ليس من شرط أولياء الله عدم الذنوب
فائدة :
فإن قيل كيف قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تزيدك إلا وهناً ) وهي ليس لها تأثير ؟
قال الشيخ محمد رحمه الله : ( لا تزيدك إلا وهناً أي وهناً في النفس لا في الجسم ، وربما تزيده وهناً في الجسم ، أما وهن النفس فلأن الإنسان إذا تعلقت نفسه بهذه الأمور ضعفت واعتمدت عليها ونسيت الاعتماد على الله ، والانفعال النفسي له أثر كبير في إضعاف الإنسان ... ) أ . ﻫ
م / وله عن عقبة بن عامر مرفوعاً : ( من تعلّق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودَعة فلا ودَع الله له ) . وفي رواية : ( من تعلق تميمة فقد أشرك ) .
( عقبة بن عامر ) هو الجهني صحابي مشهور ، مات قريباً من الستين .
( من تعلق تميمة ) علقها على نفسه أو أحد من ولده .
والتمائم : قال أبو السعادات : التمائم جمع تميمة ، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم ، يتقون بها العين في زعمهم .
( فلا أتم الله له ) دعاء عليه بأن الله لا يتم أموره .
( ودعة ) هو شيء يستخرجونه من البحر يشبه الصدف ، يعتقدون أنه يشفي من العين .
( فلا ودَع الله له ) أي لا جعله في دَعة وسكون .
( من تعلق تميمة فقد أشرك ) قال أبو السعادات : إنما جعلها شركاً لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم ، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه .
مناسبة الحـديث للباب :
حيث دل الحديث أن تعليق التميمة معتقداً فيها النفع شـرك ، لأن جلب النفع ودفع الضـر من الأفعال الخاصة بالله
من فوائد الحديث :
1. نفي النفع المعتقد في التميمة والودعة .
2. جواز الدعاء على العصاة على سبيل العموم .
3. أن التميمة نوع من الشرك .
4. الوعيد الشديد لمن فعل ذلك ، فإنه مع كونه شركاً ، فقد دعا عليه رسول الله بنقيض مقصوده .
م/ ولابن أبي حاتم عن حذيفة : ( أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمَّى فقطعه وتلا قوله : ﴿ وما يؤمن أكثرهم إلا وهم مشركون ﴾ ) .
( ابن أبي حـاتم ) هـو الإمـام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ، محمد بن إدريـس الرازي ، الحـافظ , مات سنة ( 327ﻫ ) .
( حذيفة ) هو ابن اليمان حليف الأنصار ، صحابي جليل من السابقين ، ويقال له صاحب السر ، وأبوه أيضاً صحابي ، مات حذيفة في أول خلافة علي سنة ( 36ﻫ ) .
( رجلاً في يده خيطاً من الحمَّى ) أي من أجل الحمَّى لدفعها ، وكان الجهال يعلقون لذلك التمائم والخيوط ونحوها .
وروى وكيع عن حذيفة ( أنه دخل على مريض يعوده ، فلمس عضده فإذا فيه خيط ، فقال : ما هذا ؟ قال : شيء رُقي لي فيه ، فقطعه وقال : لو مت وهو عليك ما صليت عليك ) .
( فقطعه ) أي قطع الخيط ثم تلا قوله : ﴿ وما يؤمن أكثرهم إلا وهم مشركون ﴾ .
معنى الأثر إجمالاً :
أن حذيفة بن اليمان أبصر رجلاً قد ربط في عضده خيطاً يتقي به مرض الحمى فأزاله عنه منكراً فعله هذا ، واستدل حذيفة بالآية على أن هذا شرك أي أن كثيراً من الناس يكون مؤمناً بالله ولكن يخلط إيمانه بالشرك .
مناسبة الأثر للباب :
أن فيه اعتبار لبس الخيط لدفع المرض شركاً يجب إنكاره .
من فوائد الأثر :
1. أن اتخاذ الخيط ونحوه لدفع الضر شرك .
2. فيه إزالة المنكر باليد ولو لم يأذن صاحبه .
3. وجوب إنكار المنكر .
4. أن الشرك يوجد في هذه الأمة .
5. عمق فهم الصحابة وسعة علمهم .
6. أن قلب الشخص قد يجتمع فيه الإيمان والشرك .
2. فيه إزالة المنكر باليد ولو لم يأذن صاحبه .
3. وجوب إنكار المنكر .
4. أن الشرك يوجد في هذه الأمة .
5. عمق فهم الصحابة وسعة علمهم .
6. أن قلب الشخص قد يجتمع فيه الإيمان والشرك .
شـــرح
كتــاب التوحيــد
للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
كتــاب التوحيــد
للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله