تونسي امنيته زيارةالجزائر
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 23 ماي 2007
- المشاركات
- 156
- نقاط التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
بداية أعتذر لكم عن طول هذا الطرح وعن غيره مما أقدمه لكم رغم أني
أعلم أن قارئ المنتديات بشكل عام لا يتحمل صبر الإطالة إلا أن عذرنا
في ذلك أن الآلام مبرحة والوجيعة هائلة وأنت لن تخذلني
مدرستي
قد تتساءل أخي في دهشة ما علاقة هذا العنوان " مدرستي " بالمقاومة ؟
انتظر فالحديث آت واستقطع من وقتك جزءاً غير مهدر , ربما لا تأسف
عليه وإن أسفت عليه , رغم أني أعرف أن وقتك بلا ثمن مثل وقتي تماماً
فهكذا هو كذلك في عالمنا الثالث والسبعين .
إن أسفت عليه فاعلم أن رسالتي لم تصلك وسوف أعلم أنا أنني قد فشلت
في توصيلها يقيناً
هناك في زمن قديم , لن أذكره لك , وفي مدرستي الابتدائية ,
كان يا ما كان يا سعد يا إكرام وما يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام :
يدق جرس المدرسة في السابعة تماماً وبعدها بقليل نكون نحن تلاميذ
مدرسة سموحة الابتدائية قد اصطففنا في طابور شبه عسكري لننشد
نشيد الصباح المحبب إلينا :
" ناصر ... كلنا بنحبك "
" ناصر وها نفضل ... جنبك "
" ناصر يا حبيب الشعب ... يا ناصر "
كان نشيداً محبباً إلينا ولم نكن لنتعذب في إنشاده كما هو الحال مع تلاميذ اليوم
بعدها ندلف إلي فصولنا بالمدرسة في طابور يشبه ما شاهدناه بعد ذلك
في السينما لطوابير الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية على وقع
أصوات" الترمبيطة " الصادر من زميلنا الجيوشي الذي أصبح فيما
بعد صاحباً لفرقة موسيقية
وقبل أن ننشد " ناصر .. " كان الاستاذ عبد العزيز فهمي ناظر المدرسى
يمر عينا في طابور الصباح كل يوم بعد أن يأمرنا عبر صوته الجهوري ,
الذي كنا نرتعد له فور سماعه , بمد أيدينا أمام صدورنا مقلوبة على
ظهرها ليبدأ في المرور ممسكاً بآلة من الرعب كنا نطلق عليها في
المدرسة " العفريته "
مرة يمر من أمامنا ليتفحص أظافرنا و الأخرى تكون خلف ظهورنا
ليتفحص شعر رأسنا
ويوم أسود هو ان اعتبر , من وجهة نظره , أنك قد أطلت أحد أظافرك
أو طالت قليلاً بعض من شعيرات رأسك , وكان يخصني انا وحدي
بوقت مضاعف في الفحص والتفتيش حيث كان يعلم أن والدي من
رجالات التربية والتعليم ولا يجوز أن يكون باب النجار مخلع ,هكذا
كان يرى, وكنت أنا من جانبي أتمنى أن يبحث والدي له عن عمل آخر
حتى لا يقف الاستاذ عبد العزيز فهمي من حولي كل هذا الوقت يومياً
متربصاً الهفوة والهمسة والرمشة
وذات مرة وبعد وابل من التوبيخ لم يصل إلى حد استخدام العفريته أصر
على أن أعود له في اليوم التالي بعد أن أحلق زيرو أو نمرة 3 , هكذا أمرني
عدت لوالدي أشكو له ما فعله بي سيادة الناظر رغم أن شعري كان
قصيراً , فإذا بوالدي يكمل معي فاصل التوبيخ الذي كان قد بدأه معي
الناظر , مما اضطرني للذهاب إلى عم أنور الحلاق ليتلقفني فرحاً
سعيداً بعودتي السريعة ليمارس موهبته المفضلة في جعل ظهر أم
رأسي حمراء كالطربوش مما يجعله مضطراً لتطهير رقبتي بالسبيرتو
الأحمر مما كنت أصرخ منه متوجعاً فيتعالى صوته
" آه يا عيل " ... " يا ولد كن رجل "
والغريب أن عم أنور هذا كان لا يتقاضى مني مليماً واحداً فكنت قد تعودت
أن أذهب إليه خالى الوفاض , هكذا كان يرسلني والدي إليه ... فوق البيعة ,
وكثيراً ما كان يعيدني إليه أكثر من مرة إن لم ترق له حلقة رأسي
وأيضاً فوق البيعة !
ورغم أني كنت فوق البيعة إلا أن عم أنور ما أن يلمحني أسير بالقرب
من محله حتى يسرع للحاق بي عاقداً العزم على أن لا يتركني إلا
ورأسي كما ولدتني أمي
هكذا كان عم أنور يجامل والدي وعلى حسابي
والحقيقة لقد كانت مدرستي في غاية النظافة والجمال والانضباط ,ولم يحدث
يوماً أن طرد الأستاذ عبد العزيز فهمي تلميذاً واحداً من المدرسة حتى
ولو كانت مقابل عدم دفع المصروفات المدرسية , والتي كانت في ذلك
الوقت على ما أذكر لا تتعدى الجنيه الواحد , إلا أنني كنت أعد الأيام
متشوقاً لأصبح رجلاً في المدرسة الإعدادية المجاورة لمدرستي حيث كان
ناظر المدرسة لا يقص الأظافر ولا يأمر بحلق شعر الرأس وربما فيها
أنال حريتي وأتمكن من إطالة شعر رأسي قليلاً , هكذا كانت كل أمنيتي
في ذلك الزمان
اجتزت امتحان " القبول " الذي كنا نطلق عليه ذلك في هذا الوقت ونجحت
بمجموع أسعد والدي كما سعدت أنا به جداً لدرجة لم أسعد بأكثر منها لأي
امتحان آخر بعد ذلك في حياتي
ها هي أيام وسوف أكون بالمدرسة الإعدادية وأصبح رجلاً ولن أحلق زيرو
بعد اليوم وسوف تتغير معاملة والدي لي لأصبح كإخوتي الكبار
في أول أيام الدراسة ولفرط سعادة والدي المخبأة في أعماقه منحني ولأول
مرة في حياتي مائة وخمس وخمسون قرشاً هي كل المصروفات المدرسية
للعام الأول من المرحلة الإعدادية , حيث كان رحمة الله عليه يرفض سداد
مثل تلك المصروفات , حيث لا يصح لرجل مثله من رجال التربية والتعليم
أن تكون مثل تلك المبالغ , أي كانت,مقابلاً لما يقدمه هو من عطاء لتربية
وتعليم أجيال من التلاميذ ,
والأغلب أنه قد غير وجه نظره هذه فيما بعد , لسبب لم أعلمه , أو ربما
قد رأى أنني قد أوشكت على دور الرجولة مما ينبغي معه عدم تعرضي
لأي نوع من الإحراج
بصحبة ثلاثة من أصدقاء العمر , بعد ذلك , كنا نذهب إلى المدرسة صباح
كل يوم سيراً على الأقدام , وهناك بالمدرسة رغم صغرها نسبة إلي المدارس
الحكومية في ذلك الوقت حيث كانت تتكون من طابقين فقط و كان بها فناء
كبير مقسم إلى عدة ملاعب لجميع أنواع الألعاب الجماعية تقريباً
ملعب لكرة اليد وآخر للكرة الطائرة وثالث للسلة ورابع صغير لكرة القدم
وكان بها صوبة زراعية زجاجية تحوي أنواع كثيرة من النباتات , لنتعلم
كيف تزرع , وكان بها معمل للرسم والهوايات كصنع السجاجيد اليدوية
وخلافه ومختبر لإجراء بعض التجارب العلمية الصغيرة
والأجمل والأغرب أن كان بها مسرح يسع لأكثر من مأتي كرسي
كنا نقيم فيه بعض مسرحياتنا ولم أنسي حتى اليوم تلك المسرحية التي
دخلنا بها المسابقة مع المدارس الأخرى وكانت مسرحية :
" العلم نور ومفهومية والجهل عار وميت أزية "
ولم تكن هناك قضية كقضية التمثيل أو الفن وجدواهما مطروحة
ولو لمجرد المناقشة
ولم تنس المدرسة السباحة حيث تشكل منا بعد ذلك فريق للمدرسة في
السباحة تم اختياره بعد استطلاع رغباتنا ليأخذنا الأستاذ حسونة مدرس
التربية الرياضية يوماً واحداً في الأسبوع إلي حمام سباحة الجامعة ,
وكان هو واحد من أثنين في كل المدينة في ذلك الوقت
طبعاً وكله على حساب صاحب المحل !!!
انتقلت بعد ذلك للمدرسة الثانوية , ويا لها من مدرسة , ويا له من ناظر مدرسة
ووقتها لم يكن قد أطلقوا عليه " مدير المدرسة " والحمد لله أنه هو وجيله
لم يلحقوا بمرحلة المدراء والوكلاء والخبراء
اتسعت الملاعب وكبرت المعامل والمختبرات وزاد عليها مدرجاً للمحاضرات
العامة وتشكلت الفرق وتنوعت الأنشطة
رياضة ... موسيقى ... صحافة ... أدب .. إذاعة .. جوالة ... عدد كما شئت
طلاب تعددت أنشطتهم خارج حدود المدرسة منهم من يلعب بأندية بطولة
الدوري و منهم من يمثل بالإذاعة و منهم من سافر عبر الجوالة إلى بعض
الدول الأوربية
حضرة ناظر المدرسة .. " الأستاذ السلكاوي "
ما أن يراك السلكاوي هذا بأحد الطرقات في أي وقت من اليوم فاعلم أن
خطاب بعلم الوصول سوف يسبقك إلى والدك ولن تعود إلى المدرسة
إلا معه وبصحبته ليقدم لك والدك التماساً ووعداً على مسئوليته بأن لا
تعد لذلك مرة أخري وإن عدت سوف يكون مصيرك الرحيل والانتقال
إلي مدرسة " المرقصية الثانوية " والتي كانت أكبر وأوسع من مدرستي
إلا أنها مجهزة ببعض المدرسين المدربين على التعامل على من هم مثل
شاكلتك من المشاغبين الذين يخرجون دون إذن في طرقات المدرسة
ويا ويلك وويل مدرسك إن تنامى إلي علم أحد بالمدرسة أنك تأخذ عند
أحد من المدرسين درساً خصوصياً لتقويتك في أحد المواد الدراسية التي
رأيتها قد أعضلتك لتجد نفسك مطروداً منبوذاً من زملائك أنت ومدرسك
هذا خارج حدود الاحترام ما لم يكن هو يفعل ذلك على سبيل الرسالة
الواجبة نحو الضعفاء أمثالك
ــــــــ