بغداد – لوك بيكر (رويترز)
في ممر حار ومزدحم في مستشفى الواسطي في بغداد يترقب نوفل داود بقلق إجراء جراحة تجميل تعيد إليه أذنيه اللتين خسرهما قبل عشرة أعوام عقوبة له من هروبه من جيش الرئيس السابق صدام حسين. حيث تم نقله لمستشفى تابع للدولة بمدينة البصرة.
وهناك قيدت يداه خلف ظهره وعصبت عيناه وحقن بمخدر لكي يفقد إحساسه بالألم ثم قطع جراح أذنه اليسرى تنفيذا لأمر الدكتاتور السابق صدام حسين غير أن مأساته لم تنته عند هذا الحد إذ اكتشف الأطباء أن الأمر كان يقضي بقطع أذنه اليمنى وليس اليسرى فقطع الجراح الأذن الأخرى أيضا.
تمنى دواد الموت بعد ذلك وأصيب باكتئاب ولم يعد يبالي للحياة وتمنى لو أنه قتل غير أنه بقي في الجيش عدة سنوات "مرة" تعرض خلالها للضرب والسخرية والتعذيب على أيدي الجنود والضباط الآخرين، وأخيرا سرح في عام 2001 تنفيذا لقرار عفو.
وأمضي السنوات القليلة التالية في منزله يعاني من إحباط شديد يمنعه من الخروج، كم أن الناس كانوا يتجنبوه لمعرفتهم من التشويه الذي أصابه بسبب هروبه من الجيش.
ولم يكن هناك من يقبل توظيفه ولم تقبل أي امرأة الزواج منه وأصبح شبه منبوذ اجتماعيا، واعتاد داود ارتداء غطاء الرأس التقليدي على رأسه وربطه باحكام لإخفاء مكان أذنيه فيما يأمل مع مرور كل يوم أن ينتهي عهد صدام واخيرا ذهب صدام.
ويقدر عدد من فقدوا أذنيهم بنحو 3500 جندي عراقي وذلك منذ أصدر صدام أمرا بهذا الشأن في عام 1994 في محاولة لاستغلال الخوف لوقف عمليات الهروب المتزايدة من الجيش.
وفقد أول خمسمائة هارب من الجيش أو نحو ذلك إحدى الاذنين بالكامل غير أن هذا الإجراء أثار حالة من الغضب الشديد في داخل وخارج البلاد فيما رفض عدد كبير من الجراحين إجراء العملية ليتم تخفيف العقوبة إلى قطع جزء من الأذن. وفي وقت لاحق الغيت كليا وحل الجلد محلها.
وبعد عشرة أعوام وفي أعقاب سقوط صدام بدأ ضحايا عمليات التشويه يتغلبون تدريجيا على نبذ الآخرين لهم ويبحثون عن وظائف وحياة طبيعية فيما راودهم الأمل في علاج ما أصابهم من تشويه.
وقبل حوالي ستة أسابيع تحول الأمل إلى حقيقة، وأعلنت مجموعة من الجراحين العراقيين تدعمهم وزارة الصحة أنهم سيجرون عمليات تجميل مجانية لضحايا قرار صدام إلى جانب العمليات التي يجرونها بالفعل لضحايا القنابل والرصاص.
وكان أحد الرواد في اتخاذ هذا القرار رضا علي جراح التجميل بمستشفى الواسطي الذي أجرى مئات من عمليات تجميل الأذن. وحتى الآن تقدم نحو 50 ممن فقدوا آذانهم لإجراء عمليات من بينهم داود الذي جاء من البصرة إلى بغداد في رحلة تستغرق ست ساعات بالحافلة فور علمه بالعرض من الصحف المحلية.
ومن المرضى الذين عالجهم د. علي شاب يدعي وحيد (29 عاما) الذي فر من الجيش في عام 1994 لأنه "سئم خوض الحرب تلو الأخرى" ولكن سرعان ما ألقي القبض عليه ونقل لمستشفي في بغداد حيث تكرر نفس المشهد الرهيب من تقييد اليدين وعصب العينين ثم التخدير واستئصال الأذن.
ودفع الشعور بالغضب والمهانة وحيد إلى الانهيار ويقول إنه كاد يفقد عقله واستخدم شفرات ليجرح ذراعيه وصدره ولا تزال أثارها ظاهرة، ومنذ سقوط صدام تغيرت حياة وحيد بالفعل وعقب الحرب حصل على وظيفة سائق لدى إحدى منظمات حقوق الإنسان ثم استمع في الراديو لعرض إجراء عمليات التجميل.
وأجرى وحيد عملية واحدة شملت تركيب قاعدة من البلاستيك على شكل هلال في مكان الأذن اليمنى ويقوم الجراحون بتشكيل أذن جديدة فوقها مستخدمين الجل والغضاريف المأخوذة من أجزاء أخرى من جسم المريض.
وكل يوم تقريبا يذهب وحيد لمستشفى الواسطي ليسأل الأطباء عن موعد العملية التالية. ولا يزال وحيد يخفي مكان الأذن المقطوع بشعره وبقبعة ويقول "لقد أساء الناس معاملتي ولكن كل ذلك تغير الآن، أنا سعيد جدا لأنني لم انتحر، وحياتي أصبحت طبيعية الآن".