السلام عليكم و رحمة الله
اخوتي الأعزاء ميال جدا انا للمقالة الإجتماعية و السياسية لكن حبيت ارتاح شوية و اتجه للأدب ، أرجو أن تقبلوا مساهمتي البسيطة
لكم مني كل اللإحترام.
يوميات رجل متعب (عنوان اولي فقط قد يتغير مع سير الأحداث) .
كانت دقات السّاعة تأتيه تباعا من خلف جُدر بيت الجيران ، كانت كل دقة من الدقات الأربع تمحقُّه للخلف بما يقارب عقدا من الزمان .... كان مشحوذ الحس ، مقبوض النفس بما كانت تُفيئه عليه كل دقة ، و بما كان يستقبله بها من مزيج ذكريات صامتة . أوصلته آخرها إلى سن الخامسة ، حين كان يترافق صوت والده بصوت عمي الطاهر المؤذن معلنا كل منها عن ميلاد يوم جديد .
هكذا ظل يتذكر ... و يتذكر ، رغم كل رغباته في أن لا يتذكر . مرت الدقائق ثم تلتها دقائق دون أن يرصد منها عددا ... : إنه يستعرض صورا و كلمات مرغما ، مرغما لأنه مسلوب الإرادة ، منهك القوى ... لا لشيء سوى لأنه كان يتذكر بتوق صادق ، بما انبَجَّس عنه تيه و عماء .
مضت دقيقة أخرى متباطئة ذكرته بتراتيل قرآن نقية ، كان قد نسى أنها كانت سباقة لصوت المؤذن و كلمات أبيه . و لربما هي من كانت توقظ أباه صباح كل يوم . لأنها كانت تنبعث من خلف نفس الجدران ، هاته الجدران التي لم تعد تأوي سوى تلك المُرملّة و تلك العجوز التي لم يعد يسمع منها سوى همهمات نهارية ، و أُنينات ليلية تعود عليها و على من معها بشيء من دنانير شهرية . جاد عليهن الدهر بها بأن تغاضى عن بعض عظم و جلد تثبت بهما العجوز كينونة لا تكاد تساوي بذلك حتى مصاريف سد الرمق.
بعد أن تلطف به التسلب ، استجمع شيئا من طاقته و همّ بالنهوض محاولا عبثا أن لا يحس به أحد. و ككل صباح إستقبلته مستهزئة .... ، متسائلة عن وسامة قبرت ، و عن شعيرات اقتُضّبت .... و بعثرت ، رغم أنها لم تكن قبل سنوات خلت لتجرؤ. فمحياه كانت تنعم بشعر وفير داكن السواد منظم بعناية غير مألوفة .... . أما هو كعادته قابلها بصمت و لا مبالاة ، محاولا تصفيف ما تبقى له من شعيرات ، من دون الخوض في تلك الإيحاءات صبّر نفسه قائلا : دعني منها فهي مجرد مرآة.
في هاته اللحظة التهكمية انبعث من غرفة مجاورة صوت متخافت : مراد ، مراد ... مراد
- نعم يا خالتي فطومة .
- الخالة : مراد قد نسيت أن أخبرك بأن الحاج بشير هاتفك بالأمس .
- مراد : و ما وراءه ؟ .
- الخالة فطومة : لم يزد عن قوله أنه قد أنهى المسألة !.
- مراد : الحمد لله ، الآن أستطيع ؟ .
- الخالة : تستطيع ماذا ؟ لم أسمعك يا ولدي .
- مراد : لا شيء ... لا شيء ، سأرى ما في الأمر فيما بعد .
لم تفهم الخالة شيئا من كلماته ، سوى أنه لا يريد الخوض في الحديث معها الآن كي لا يوقظ محمد في مثل هذا الوقت لباكر من نهار المتأخر من ليل ، هذا باشارات مقتضبة انبعثت منه .
لم تكد الخالة فطومة أن تجد ما كانت تحاول البحث عنه حتى اقتنص مراد فرصة انشغالها و خرج. بالرغم من أن ما كانت الخالة تبحث عنه قد كان في مرمى بصرها ، إلا أنها لم تبصره هذا لما أرادت أن تقيمه من علاقة بينه و بين رغبة استكمال الحديث مع مراد . علاقة أرادت أن تختلقها كي يكون لكلماتها مبرر يضمن لها لفت انتباهه . لم توفق الخالة رغم ذكائها الفطري الوافر ، لأن مراد خرج بسرعة البرق هذا دون أن تلفت انتباهه حتى عقارب الساعة .
يتبع
اخوتي الأعزاء ميال جدا انا للمقالة الإجتماعية و السياسية لكن حبيت ارتاح شوية و اتجه للأدب ، أرجو أن تقبلوا مساهمتي البسيطة
لكم مني كل اللإحترام.
يوميات رجل متعب (عنوان اولي فقط قد يتغير مع سير الأحداث) .
كانت دقات السّاعة تأتيه تباعا من خلف جُدر بيت الجيران ، كانت كل دقة من الدقات الأربع تمحقُّه للخلف بما يقارب عقدا من الزمان .... كان مشحوذ الحس ، مقبوض النفس بما كانت تُفيئه عليه كل دقة ، و بما كان يستقبله بها من مزيج ذكريات صامتة . أوصلته آخرها إلى سن الخامسة ، حين كان يترافق صوت والده بصوت عمي الطاهر المؤذن معلنا كل منها عن ميلاد يوم جديد .
هكذا ظل يتذكر ... و يتذكر ، رغم كل رغباته في أن لا يتذكر . مرت الدقائق ثم تلتها دقائق دون أن يرصد منها عددا ... : إنه يستعرض صورا و كلمات مرغما ، مرغما لأنه مسلوب الإرادة ، منهك القوى ... لا لشيء سوى لأنه كان يتذكر بتوق صادق ، بما انبَجَّس عنه تيه و عماء .
مضت دقيقة أخرى متباطئة ذكرته بتراتيل قرآن نقية ، كان قد نسى أنها كانت سباقة لصوت المؤذن و كلمات أبيه . و لربما هي من كانت توقظ أباه صباح كل يوم . لأنها كانت تنبعث من خلف نفس الجدران ، هاته الجدران التي لم تعد تأوي سوى تلك المُرملّة و تلك العجوز التي لم يعد يسمع منها سوى همهمات نهارية ، و أُنينات ليلية تعود عليها و على من معها بشيء من دنانير شهرية . جاد عليهن الدهر بها بأن تغاضى عن بعض عظم و جلد تثبت بهما العجوز كينونة لا تكاد تساوي بذلك حتى مصاريف سد الرمق.
بعد أن تلطف به التسلب ، استجمع شيئا من طاقته و همّ بالنهوض محاولا عبثا أن لا يحس به أحد. و ككل صباح إستقبلته مستهزئة .... ، متسائلة عن وسامة قبرت ، و عن شعيرات اقتُضّبت .... و بعثرت ، رغم أنها لم تكن قبل سنوات خلت لتجرؤ. فمحياه كانت تنعم بشعر وفير داكن السواد منظم بعناية غير مألوفة .... . أما هو كعادته قابلها بصمت و لا مبالاة ، محاولا تصفيف ما تبقى له من شعيرات ، من دون الخوض في تلك الإيحاءات صبّر نفسه قائلا : دعني منها فهي مجرد مرآة.
في هاته اللحظة التهكمية انبعث من غرفة مجاورة صوت متخافت : مراد ، مراد ... مراد
- نعم يا خالتي فطومة .
- الخالة : مراد قد نسيت أن أخبرك بأن الحاج بشير هاتفك بالأمس .
- مراد : و ما وراءه ؟ .
- الخالة فطومة : لم يزد عن قوله أنه قد أنهى المسألة !.
- مراد : الحمد لله ، الآن أستطيع ؟ .
- الخالة : تستطيع ماذا ؟ لم أسمعك يا ولدي .
- مراد : لا شيء ... لا شيء ، سأرى ما في الأمر فيما بعد .
لم تفهم الخالة شيئا من كلماته ، سوى أنه لا يريد الخوض في الحديث معها الآن كي لا يوقظ محمد في مثل هذا الوقت لباكر من نهار المتأخر من ليل ، هذا باشارات مقتضبة انبعثت منه .
لم تكد الخالة فطومة أن تجد ما كانت تحاول البحث عنه حتى اقتنص مراد فرصة انشغالها و خرج. بالرغم من أن ما كانت الخالة تبحث عنه قد كان في مرمى بصرها ، إلا أنها لم تبصره هذا لما أرادت أن تقيمه من علاقة بينه و بين رغبة استكمال الحديث مع مراد . علاقة أرادت أن تختلقها كي يكون لكلماتها مبرر يضمن لها لفت انتباهه . لم توفق الخالة رغم ذكائها الفطري الوافر ، لأن مراد خرج بسرعة البرق هذا دون أن تلفت انتباهه حتى عقارب الساعة .
يتبع