هل دفن علىّ رضى الله عنه فى النجف ؟؟؟

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

aicha

:: عضو مُشارك ::
إنضم
19 جانفي 2007
المشاركات
271
نقاط التفاعل
0
النقاط
6
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
إن من الدعاوى العريضةِ التي يتشدقُ بها الشيعةُ الإماميةُ نسبةَ القبرِ الذي في النجفِ أنهُ قبرُ الخليفةِ الرابعِ عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه ، وهذه الدعوةُ تحتاجُ إلى دليلٍ وبرهانٍ ، والأعجبُ من ذلك أن يغترَ بعض عوامِ أهل السنةِ بمثلِ هذا الأمرِ ، بل قد يكون من المسلماتِ عندهم ، وفي هذا البحثِ المتواضعِ نقفُ مع نسفِ هذه الدعوى من أساسها وذلك من خلالِ كتبِ التاريخِ ، وكلامِ العلماءِ الثقاتِ ، وأسألُ اللهَ أن ينفعَ بهِ .

مقدمة :
امتلأت كثيرٌ من بلادِ المسلمين بالمشاهدِ التي تنسبُ إلى الأنبياءِ والصحابةِ زوراً وكذباً ، وقد كذب نسبةَ كثيرٍ منها شيخُ الإسلام ابنُ تيميةِ فقال في " اقتضاء الصراط المستقيم " (2/651) : فمن هذه الأمكنةِ ما يظنُ أنه قبرُ نبي أو رجلٍ صالحٍ ، وليس كذلك ، أو يظن أنه مقام له ، وليس كذلك .
فأما ما كان قبراً له أو مقاماً ، فهذا من النوعِ الثاني ، وهذا بابٌ واسعٌ أذكرُ بعض أعيانهِ .
فمن ذلك عدةُ أمكنةٍ بدمشق ، مثلُ مشهدٍ لأبي بنِ كعبٍ خارج البابِ الشرقي ، ولا خلاف بين أهلِ العلمِ أن أبي بنَ كعبٍ إنما توفي بالمدينة لم يمت بدمشق . واللهُ أعلمُ قبرُ من هو ؛ لكنه ليس بقبرِ أبي بنِ كعب صاحبُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بلا شك .
وكذلك مكانٌ بالحائطِ القبلي بجامعِ دمشق يقال إن فيه قبرَ هود عليه السلام ، وما علمتُ أحداً من أهلِ العلمِ ذكر أن هوداً النبي مات بدمشق ، بل قد قيل إنه مات باليمن ، وقيل بمكة ، فإن مبعثه كان باليمن ، ومهاجره بعد هلاكِ قومهِ كان إلى مكة فأما الشام فلا دارهُ ولا مهاجرهُ ، فموته بها والحال هذه مع أن أهلَ العلمِ لم يذكروهُ بل ذكروا خلافه في غاية البعدِ .

وكذلك مشهدٌ خارج الباب الغربي من دمشق يقالُ إنه قبرُ أويس القرني ، وما علمتُ أن أحداً ذكر أن أويساً مات بدمشق ، ولا هو متوجهٌ أيضاً ؛ فإن أويساً قدم من اليمن إلى أرضِ العراقِ . وقد قيل إنه قتل بصفين ، وقيل إنه مات بنواحي أرضِ فارس ، وقيل غيرُ ذلك . فأما الشامُ فما ذكر أنه قدم إليها فضلا عن المماتِ بها .

ومن ذلك ايضاً قبرٌ يقالُ له قبرُ أمِ سلمةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا خلاف أنها رضي الله عنها ماتت بالمدينة لا بالشام ، ولم تقدم الشام أيضاً . فإن أمَ سلمةَ زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تسافر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . بل لعلها أم سلمة أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية ، فإن أهلَ الشامِ كشهرِ بنِ حوشب ونحوه ، كانوا إذا حدثوا عنها قالوا : أمُ سلمةَ . وهي بنتِ عمِ معاذ بنِ جبل ، وهي من أعيانِ الصحابياتِ ، ومن ذواتِ الفقهِ والدينِ منهن . أو لعلها أمُ سلمةَ امرأة يزيد بن معاوية ، وهو بعيدٌ ، فإن هذه ليست مشهورةً بعلمٍ ولا دينٍ . وما أكثر الغلط في هذه الأشياءِ وأمثالها من جهةِ الأسماءِ المشتركةِ أو المغيرةَ .

ومن ذلك : مشهدٌ بقاهرةِ مصر يقال إن فيه رأسَ الحسينِ رضي الله عنه ، وأصلهُ أنهُ كان بعسقلان مشهد يقال إن فيه رأسَ الحسين ، فحمل فيما قيل الرأسُ من هناك إلى مصر ، وهو باطلٌ باتفاقِ أهلِ العلمِ ؛ لم يقل أحدٌ من أهلِ العلمِ إن رأسَ الحسين كان بعسقلان ، بل فيه أقوالٌ ليس هذا منها ، فإنه حمل رأسهُ إلى قدام عبيد الله بنِ زياد بالكوفة ، حتى روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يغيظه . وبعضُ الناسِ يذكرُ أن الروايةَ كانت أمام يزيد بنِ معاويةَ بالشامِ ، ولا يثبتُ ذلك ، فإن الصحابةَ المسمين في الحديث إنما كانوا بالعراق .
وكذلك مقابرٌ كثيرةٌ لأسماءِ رجال معروفين قد علم أنها ليست بمقابرهم .ا.هـ.
وهناك مشاهدُ أخرى لا نريدُ إطالة الحديثِ عنها ، والذي يهمنا ما نحنُ بصددهِ هل يثبتُ قبرُ علي بنِ طالب رضي اللهُ عنه في النجف ؟ ولنا مع هذه المشاهد مقال آخر إن شاء الله .

• أَيَنَ دُفِنَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ ؟ :
إن مقتلَ الخليفةِ الرابعِ علي رضي اللهُ عنه كان فاجعةً عظيمةً ، ولذا لن أتطرق إلى قصةِ مقتلِ علي بنِ أبي طالب رضي الله عنه ، وكلنا يعلمُ أن الذي قتل علي رضي اللهُ عنه هو عبدُ الرحمن بنُ ملجم المُرادِيُّ أحدُ الخوارجِ ، أفرد له الإمامُ الذهبيُّ في " السير – السيرة النبوية " (3/287) ترجمةً فقال في بدايتها : خارجيٌّ مُقترٍ ، قاتل علي رضي الله عنه ... وهو عند الخوارجِ من أفضلِ الأمةِ ، وكذلك تُعَظِّمُهُ النُّصَيْريَّةُ . وقال الفقيه أبو محمد بن حزم : يقولون إن ابنَ ملجم أفضلُ أهلِ الأرضِ خلَّص روحَ اللاهوت من ظلمةِ الجسدِ وكدره . فاعجبوا يا مسلمين لهذا الجنون ... وابنُ ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرةِ . وهو عندنا أهل السنةِ ممن نرجو له النارَ ، ونجوزُ أن اللهَ يتجاوزُ عنه ، لا كما يقول الخوارجُ والروافضُ فيه ، وحكمه حُكمُ قاتلِ عثمان ، وقاتلِ الزبير ، وقاتل طلحة ، وقاتل سعيد بن جبير ، وقاتل عمار ، وقاتل خارجة ، وقاتل الحسين ، فكلُّ هؤلاءِ نبرأ منهم ونبغضهم في اللهِ ، ونكلُ أمورهم إلى الله عز وجل .ا.هـ.
فهذا هو موقفُ الطوائفِ من عبدِ الرحمن بنِ ملجم .

بعد هذا الاستطرادِ نرجع إلى دفنِ علي بن أبي طالب بعد أن قتله عبدُ الرحمن بن ملجم ، وقد فصلت كتبُ السير والتاريخ ومنها : " البداية والنهاية " للإمامِ ابنِ كثير ، ونقل ابنُ كثيرٍ أقوالاً في دفن علي بنِ أبي طالب .
قال ابن كثير في " البداية والنهاية " (7/342 – 343) عند ذكرِ الأقوالِ في مكانِ دفنِ علي بن أبي طالب : " والمقصودُ أن علياً رضي اللهُ عنه ، لما مات صلى عليه ابنُهُ الحسنُ ، فكبر عليه تسعَ تكبيراتٍ ، ودفن بدارِ الإمارةِ بالكوفةِ ؛ خوفاً عليه من الخوارجِ أن ينبشوا عن جثتهِ ، هذا هو المشهورُ . ومن قال : إنهُ حُمل على راحلتِهِ ، فذهبت به فلا يُدري أين ذهبت ؟ فقد أخطأ وتكلف ما لا علم لهُ بهِ ، ولا يسيغهُ عقلٌ ولا شرعٌ ، وما يعتقدهُ كثيرٌ من جهلةِ الروافضِ من أن قبرهُ بمشهدِ النجفِ فلا دليل على ذلك ولا أصل له ، ويقالُ : إنما ذاك قبرُ المغيرةَ بنِ شعبةََ حكاه الخطيبُ البغداديُ عن أبي نعيم الحافظ ، عن أبي بكر الطلحي ، عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ ، هو مطين ، أنه قال : " لو علمت الشيعةُ قبرَ هذا الذي يعظمونه بالنجفِ لرجموهُ بالحجارةِ ، هذا قبرُ المغيرةَ بنِ شعبةَ " .

وقد قيل : إن علياً دفن قبلى المسجدِ الجامعِ من الكوفةِ . قالهُ الواقدي . والمشهورُ أنهُ بدارِ الإمارةِ . وقيل : بحائطِ جامعِ الكوفةِ . وقد حكى الخطيبُ البغدادي عن أبي نعيم الفضلِ بنِ دكين أن الحسنَ والحسينَ حولاه فنقلاهُ إلى المدينةِ فدفناه بالبقيعِ عند قبرِ زوجتهِ فاطمةَ أمهما .
وقيل : إنهم لما حملوهُ على البعيرِ ضل منهم ، فأخذته طيئ يظنونه مالاً ، فلما رأوا أن الذي في الصندوقِ ميتٌ ، ولم يعرفوا من هو دفنوا الصندوقَ بما فيه ، فلا يعلمُ أحدٌ أين قبره . حكاه الخطيبُ أيضا . وروى الحافظُ ابنُ عساكر ، عن الحسنِ بنِ علي قال : دفنتُ علياً في حجرةٍ من دورِ آل جعدةَ .
وعن عبدِ الملكِ بنِ عمير قال : لما حفر خالدُ بنُ عبدِ اللهِ أساسَ دارِ ابنهِ يزيد استخرجوا شيخاً مدفوناً أبيضَ الرأسِ واللحيةِ ، كأنما دفن بالأمس ، فهم بإحراقهِ ، ثم صرفه اللهُ عن ذلك إلى غيرهِ ، فاستدعى بقباطى فلفهُ فيها ، وطيبهُ وتركه مكانهُ . قالوا : وذلك المكانُ بحذاءِ بابِ الوراقين مما يلي قبلةَ المسجدِ في بيتِ إسكاف ، وما يكاد يقرُ في ذلك الموضعِ أحدٌ إلا انتقل منه . وعن جعفر بنِ محمد الصادق قال : صُلى على علي ليلاً ، ودفن بالكوفةِ ، وعمي موضع قبرهِ ، ولكنه عند قصرِ الإمارةِ .
وقال ابنُ الكلبي : شهد دفنه في الليلِ الحسنُ والحسينُ وابنُ الحنفيةِ وعبدُ الله بنُ جعفر وغيرُهم من أهلِ بيتهم ، فدفنوه في ظاهرِ الكوفةِ وعموا قبرهُ ؛ خيفةً عليه من الخوارجِ وغيرهم .ا.هـ.
وسُئل شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (4/498 – 526) سؤالاً اخترتُ منه ما يهم مسألتنا والجواب عنه نصهُ : هَلْ صَحَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ أَوْ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ " عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : إذَا أَنَا مُتّ فَأَرْكِبُونِي فَوْقَ نَاقَتِي وَسَيِّبُونِي فَأَيْنَمَا بَرَكَتْ ادْفِنُونِي . فَسَارَتْ وَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ قَبْرَهُ ؟ فَهَلْ صَحَّ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ عَرَفَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَيْنَ دُفِنَ أَمْ لَا ؟ وَمَا كَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ ؟ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ ؟ وَمَنْ قَتَلَهُ ؟ .
فأجاب : ... وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي " مَوْضِعِ قَبْرِهِ " . وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ دُفِنَ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ ؛ وَأَنَّهُ أُخْفِيَ قَبْرُهُ لِئَلَّا يَنْبُشَهُ " الْخَوَارِجُ " الَّذِينَ كَانُوا يُكَفِّرُونَهُ وَيَسْتَحِلُّونَ قَتْلَهُ ؛ فَإِنَّ الَّذِي قَتَلَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْخَوَارِجِ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ المرادي وَكَانَ قَدْ تَعَاهَدَ هُوَ وَآخَرَانِ عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ وَقَتْلِ مُعَاوِيَةَ وَقَتْلِ عَمْرِو بْنِ العاص ؛ فَإِنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ وَكُلَّ مَنْ لَا يُوَافِقُهُمْ عَلَى أَهْوَائِهِمْ ... وَأَمَّا الْمَشْهَدُ الَّذِي بِالنَّجَفِ فَأَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقَبْرِ عَلِيٍّ بَلْ قِيلَ إنَّهُ قَبْرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَذْكُرُ أَنَّ هَذَا قَبْرُ عَلِيٍّ وَلَا يَقْصِدُهُ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ ؛ مَعَ كَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ : مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالشِّيعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَحُكْمِهِمْ بِالْكُوفَةِ .ا.هـ.
وقال أيضا (27/446) : وَأَمَّا " مَشْهَدُ عَلِيٍّ " فَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَبْرَهُ ؛ بَلْ قَدْ قِيلَ : إنَّهُ قَبْرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ .ا.هـ.
وقال أيضاً (27/493 – 494) : وَمِنْهَا قَبْرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي بِبَاطِنِ النَّجَفِ ؛ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَلِيًّا دُفِنَ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ كَمَا دُفِنَ مُعَاوِيَةُ بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ مِنْ الشَّامِ وَدُفِنَ عَمْرٌو بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْخَوَارِجِ أَنْ يَنْبُشُوا قُبُورَهُمْ ؛ وَلَكِنْ قِيلَ إنَّ الَّذِي بِالنَّجَفِ قَبْرُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَذْكُرُ أَنَّهُ قَبْرُ عَلِيٍّ وَلَا يَقْصِدُهُ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ .ا.هـ.
فخلاصةُ القولِ : أن علي بنَ أبي طالب دفن في قصرِ الإمارةِ ، وهو المشهورُ والمعروفُ . وأما مشهده في بالنجفِ والذي تدعي الشيعةُ أنه قبرهُ فلا يعقلُ تاريحياً .
 
• أَوْلُ مَن أدَعَى نِسْبَةَ القَبْرِ فِي النَّجَفِ لِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ :
قد يُطرحُ سؤالٌ : مَنْ أولُ من نشر أن المشهدَ الذي بالنجفِ هو قبرُ علي بنِ طالب ؟
بين العلماءُ أولَ من فرى فرية قبر علي في النجف ، وكان من تولى كبر هذا الكذب هي دولة بني بويه ، وبالتحديد حسن بن بويه الديلمي ،
وإليك أخي أقوال العلماء في :
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في " الفتاوى " (4/502) : " وَإِنَّمَا اتَّخَذُوا ذَلِكَ مَشْهَدًا فِي مُلْكِ بَنِي بويه - الْأَعَاجِمِ - بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَرَوَوْا حِكَايَةً فِيهَا : أَنَّ الرَّشِيدَ كَانَ يَأْتِي إلَى تِلْكَ وَأَشْيَاءَ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ " .ا.هـ.
وقال أيضا (27/446 – 447) : وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أُظْهِرَ – أي قبر علي - بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَوْتِ عَلِيٍّ فِي إمَارَةِ بَنِي بويه وَذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ حِكَايَةٌ بَلَغَتْهُمْ عَنْ الرَّشِيدِ أَنَّهُ أَتَى إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إلَى مَنْ فِيهِ مِمَّا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ وَبِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ لَا يَقُومُ شَيْءٌ . فَالرَّشِيدُ أَيْضًا لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ .
وَلَعَلَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ إنْ صَحَّتْ عَنْهُ فَقَدْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قِيلَ لِغَيْرِهِ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ يَقُولُونَ : إنَّ عَلِيًّا إنَّمَا دُفِنَ فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ . وَهَكَذَا هُوَ السُّنَّةُ ؛ فَإِنَّ حَمْلَ مَيِّتٍ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةُ أَمْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ ؛ فَلَا يُظَنُّ بِآلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُمْ فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ وَلَا يَظُنُّهُ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ حَتَّى أَظْهَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْأَعَاجِمِ الْجُهَّالِ ذَوِي الْأَهْوَاءِ .ا.هـ.
وقال الذهبي في " السير " (16/250) عند ترجمةِ حسنِ بنِ بُوَيْه الدَّيْلَمِيُّ : " نُقلَ أَنَّهُ لَمَّا احتُضرَ مَا انطلقَ لساَنُهُ إِلاَّ بِقَولِهِ تَعَالَى : " مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَه . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَه " [ الحَاقَّة :28-29 ].وَمَاتَ بعلَّةِ الصَّرَعِ ، وَكَانَ شِيْعِيّاً جَلِداً أظهرَ بِالنَّجفِ قَبْراً زَعَمَ أَنَّهُ قَبْرُ الإِمَامِ عَلِيٍّ ، وَبنَى عَلَيْهِ المَشْهَدَ ، وَأَقَامَ شعَارَ الرَّفْضِ ، وَمأْتمَ عَاشُورَاءَ ، وَالاعتزَالَ ، وَأَنشَأَ بِبَغْدَادَ البيمَارِستَانَ العَضُدِيَّ وَهُوَ كَاملٌ فِي مَعْنَاهُ ، لكنَّهُ تَلاَشَى الآنَ " .ا.هـ.
وأما الشيعة فإنهم يذكرون رواياتٍ لإثبات أنه قبرُ علي بن أبي طالب فيقولون :
يُروى في قصة اكتشاف قبر الإمام علي ( عليه السلام ) كما يذكر صاحب ( إرشاد القلوب ) : عن صفوان الجمال قال: لما وافيت مولاي الصادق ( عليه السلام ) الغري ـ يعني النجف الأشرف ـ حيث أحضر المنصور العباسي الإمام من المدينة إلى الكوفة عاصمة العباسيين قبل بناء بغداد، قال الإمام الصادق (عليه السلام) لي : يا صفوان أنخ الناقة فإن هذا حرم جدي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأنختها فنزل الإمام، واغتسل وغيّر ثوبه إلى أن قال: بلغنا القبر فوقف الإمام الصادق (عليه السلام) ونظر يمنة ويسرة ثم أرسل دمعة وقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون. ثم قال: السلام عليكم أيها الوصي البر التقي. السلام عليكم أيها النبأ العظيم. ثم أنكب الإمام على القبر وقال : بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين يا نور الله التام .. إلى آخر الزيارة. قال صفوان الجمال قلت : يا سيدي أتأذن لي أن أخبر أصحابك من أهل الكوفة فقال : نعم . وأعطاني دراهم فأصلحت القبر وبنيت فوقه كوّة .
وبقيت معرفة قبر الإمام مقتصرة على نفر من المقربين الخواص لأهل البيت ( عليهم السلام ) . حتى ظهر بشكل علني وبدأ يزوره الناس في أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد . حيث يُروى في ( إرشاد القلوب ) عن عبد الله بن حازم يقول : خرجنا يوماً مع الرشيد في الكوفة للصيد فصرنا إلى ناحية الغريّ فرأينا ظباءً فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فحاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة فسقطت عليها، وفزعت الصقور ناحية وارتدت الكلاب ، فتعجب الرشيد من ذلك ثم إن الظباء هبطت من الأكمة فتراجعت عنها الكلاب والصقور ففعلت ذلك ثلاثاً فقال الرشيد : آتوني بأكبر رجل في الكوفة فجيء برجل شيخ من بني سعد، فقال له : ما هذه ؟ قال : إن أعطيتني الأمان أبلغتك، قال : لك عهد الله وميثاقه ألاّ أهيجك ولا أوذيك ، فقال : أخبرني أبي عن أجداده أن هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، جعله الله حرماً لا يأوي إليه أحد إلاّ أمن .
فنزل هارون الرشيد ودعا بماء فتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرّغ عليها فجعل يبكي وأمر ببناء على القبر وجعل له أربعة أبواب وعلق بعض المقربين إليه من حاشيته - ويبدو أنه كان من أصحاب الحظوة - بقوله : ( تفعل بقبره هذا وتحبس أولاده ) وكان هذا سنة 170هـ وكان أول بناء على القبر وإعلان عنه .ا.هـ.
وصاحبُ كتاب " إرشاد القلوب " هو أبو محمد حسنُ بن أبي الحسن محمد الديلمي الشيعي ( ت 760 ) ، وهو في مجلدين كما أشار إلى ذلك صاحب كتاب " هداية العارفين " ( ص 228) ، وهو كتاب يرجع إليه الشيعة كثيراً .
وربما قول شيخ الإسلام : " وَذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ حِكَايَةٌ بَلَغَتْهُمْ عَنْ الرَّشِيدِ أَنَّهُ أَتَى إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إلَى مَنْ فِيهِ مِمَّا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ " هو ما أورده الديلمي آنفا في " إرشاد القلوب " ، والله أعلم .
• قُبُورٌ تُنْسَبُ إِلى عَلِيَّ بنِ أَبِي طَالِبٍ :
قد يعجبُ البعضُ عندما يعلمُ أن هناك قبوراً تنسبُ إلى علي بنِ أبي طالب في بلادٍ أخرى غير النجف ، وهذا أمر لا يصدقهُ عاقلٌ ، ولنأخذ بعضاً مما نسب إلى علي بنِ أبي طالب .
فهذا لقاءٌ مع سفيرِ طالبان في دولة الإمارات عزيز الرحمن عبدالأحد وهو سفير طالبان ، وذلك قبل إغلاق الإمارات للسفارة . وقد تم هذا اللقاء بتاريخ 12/11/2001
س : يذكرُ بعضُ أعداءِ حكومةِ طالبان الإسلامية أن أميرها وعلماءها من عبدةِ القبورِ والأصنامِ فما صحة هذه الأخبار ؟
ج : والله المفروض أن هذا السؤال لا يَرد ، خاصة بعد تدمير طالبان للأصنام الموجودة في بميان بأفغانستان ، فقد هدموها ، وكذلك وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قامت بدور كبير جدًا في إصلاح المجتمع ، كذلك قامت طالبان بهدم المزارات وتدميرها ، وكذلك منع قيام الأعياد التي كان المسلمون يحتفلون بها ، خاصة في مزار شريف التي يُذكر أنها بها قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهذا غير معروف تاريخيًا ، وقد كان الأفغان يطوفون حول هذه المزارات ويقيمون لها في كل سنة أعياد محددة .. كل هذه هدمتها طالبان ومنعت الأعياد ، حتى لم يبق في الوقت الحالي أي آثار لهذه الأعياد .ا.هـ.
ووجدتُ في موقعِ المرتضى على " الشبكةِ " مشاهد آل البيت الآطايب في فلسطين بقلم : عبد الله مخلص ـ عضو مجمع اللغة العربية بدمشق ( ت 1947 ) . ما يلي :
• مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الرملة
في ضاحية مدينة الرملة ـ وهي تقع بين بيت المقدس ويافا ـ وعلى قارعة الطريق المؤدي إلى مدينة « لد » وفي يسارها كرم مغروس بالأشجار المختلفة يستغله الوقف الإسلامي بتأجيره من الراغبين وهو مقيد بسجلات الأوقاف باسم وقف الإمام علي .
ففي هذا الكرم قبة تحتها قبر ينسب للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وفي منتصف الطريق السلطاني بين بيت المقدس ويافا وفي موضع يسمى باب الواد مقام بني بالحجارة غير مسقوف يقال له مقام الإمام علي . ولكن هذا المقام وذلك المشهد لم يذكرهما أحد من الرحالين المسلمين أو غيرهم ، إلا أن أعياناً موقوفة في أراضي مدينة الرملة تستثمرها إدارة الأوقاف في مدينة يافا .
• مقام علي بن أبي طالب في نابلس
في مدينة نابلس مدفن واسع الجنبات يسمى رجال العامود يقع على الجادة السابلة من النابلس إلى بيت المقدس وعليه أبنية وقباب . وفي هذا المدفن مقام ينسب إلى سيدنا علي بن أبي طالب وصفه عبد الغني النابلسي المتوفى سنة 1143 الهجرية في رحلته المسماة « الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية » فقال : « ثم دخلنا إلى مكان في داخل المدفن ينزل إليه بدرج يقال له مقام الإمام علي رضي الله عنه فيه محراب وعليه جلالة ومهابة ، فلعله رؤي هناك إما في المنام وإما في اليقظة باعتبار التجلي في عالم الأوهام فوقفنا ودعونا الله تعالى ثم خرجنا إلى تلك الجبانة فزرنا ما فيها من القبور وحصلنا إن شاء الله على كمال الأجور » .
 
• مشهد علي بن أبي طالب في عكا
ذكر الهروي وياقوت الحموي أنه كان على عين البقرة في مدينة عكا مشهد يُنسب إلى علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه حاول الفرنج تحويله إلى كنيسة فلم يفلحوا وعاد بعد ذلك مسجداً للمسلمين . قلنا : ولا يوجد الآن على العين المذكورة مشهد أو مسجد .
فهل يُعقلُ أن علي بنَ أبي طالب له كل هذه المشاهد ؟! سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ .

وأختمُ بهذه الفتوى للشيخِ سليمانَ بنِ ناصر العلوان بخصوص مسألتنا :
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تناقلت بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ، وبعض الصحف مناشدة أهل النجف بتعظيم وحماية الأماكن المقدسة كقبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فهل يثبت أن قبر علي بالنجف ؟ وما حكم الإسلام في تقديس القبور ، والبناء عليها ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ المكرم حفظه الله تعالى
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لم يثبت أن قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النجف ، ولا قاله أحد من الأئمة ، وقد دلت الأدلة ، والوقائع على خلافه
• وأكثر الأئمة على أنه قتل بالكوفة ، ودفن في هذه الأرض ، وهذا قول أبي جعفر محمد بن علي الباقر ومحمد بن سعد ، والعجلي 0
وقد قيل بأنه دفن في قصر الإمارة ، خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته ، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية ، والحافظ ابن كثير ، وقال عن هذا القول بأنه هو المشهور ، وقال : ومن قال إنه حمل على راحلته فذهبت به فلا يدرى أين ذهب ، فقد اخطأ ، وتكلف ما لا علم له به ، ولا يسيغه عقل ولا شرع وقيل إنه دفن قبلي المسجد الجامع من الكوفة قاله الواقدي ، قال ابن كثير والمشهور بدار الإمارة
• وقالت طائفة قتل بالكوفة ، ودفن بالمدينة ، وقد قال بذلك شريك ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، وقال : إن الحسن والحسين حولاه فنقلاه إلى المدينة فدفناه بالبقيع عند قبر فاطمة 0
• وقيل : إنهم حملوه على بعير ضل منهم فأخذته طئ يظنونه مالاً ، فلما رأوا أن الذي في الصندوق ميت ، ولم يعرفوه دفنوا الصندوق بما فيه فلا يعلم أحد أين قبره 0
• وزعمت الرافضة أنه مدفون في النجف ، وهذا كذب وليس له أصل ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في منهاج السنة : ومثل من يظن من الجهال أن قبر علي بباطن النجف . وأهل العلم – بالكوفة وغيرها – يعلمون بطلان هذا ، ويعلمون أن علياً ومعاوية وعمرو بن العاص كل منهم دفن في قصر الإمارة ببلده ، خوفاً عليه من الخوارج أن ينبشوه 0
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية : وما يعتقده كثيرمن جهلة الروافض من أن قبره بمشهد النجف ، فلا دليل على ذلك ، ولا أصل له ، ويقال إنما ذاك قبر المغيرة بن شعبة ، حكاه الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الحافظ عن أبي بكر الطلحي عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ ، عن مطر أنه قال : لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة ، هذا قبر المغيرة بن شعبة )
وقبور المسلمين يجب احترامها ، وحمايتها من عبث الجهال والطغام ، وأهل البدع والشرك ، فلا يجوز الجلوس عليها ، لما روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه . رواه مسلم 0 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده ، خير له من أن يجلس على قبر) رواه مسلم في صحيحه من طريق سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه 0
ويحرم البناء على القبور ، لما جاء في الصحيحين من طريق ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) متفق على صحته 0
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث الرجال للنظر في القبور فتهدم المخالفة للسنة ، قال أبو الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) رواه مسلم من طريق حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل ، عن أبي الهياج 0
ويحرم الصلاة إلى القبور ، لما روى مسلم في صحيحه من طريق واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ) 0
ونُهي عن المشي بالنعال بين القبور ، فقد روى أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من طريق الأسود بن شيبان ، عن خالد بن سمير ، عن بشير بن نهيك ، عن بشير بن الخصاصية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلاً يمشى في نعلين بين القبور فقال (يا صاحب السبتيتين ألقهما ) وحكى ابن عبد الهادي في المحرر عن أحمد أنه قال : إسناده جيد 0
ونقل ابن قدامة في المغني عن أحمد أنه قال : إسناد حديث بشير بن الخصاصية جيد أذهب إليه إلا من علة ، وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأساً 0
قال عبد الرحمن بن مهدى : كنت أكون مع عبد الله بن عثمان في الجنائز ، فلما بلغ المقابر ، حدثته بهذا الحديث ، فقال : حديث جيد ، ورجل ثقة ، ثم خلع نعليه فمشى بين القبور 0
وصححه الحاكم ، وحسنه النووي في المجموع 0
ولا يجوز تحري الدعاء عند القبور ، أو إسراجها ، أو نبشها بدون ضرورة ، وأكبر من ذلك الطواف على القبور ، ودعاء أصحابها من دون الله تعالى ، فهذا من الشرك بالله الذي لا يغفره تعالى إلا بالتوبة . قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً ) وقال تعالى ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) 0
وإن في تعظيم القبور من المفاسد العظمية التي لا يعلمها إلا الله تعالى ما يغضب لأجله كل من في قلبه وقار وتعظيم لله تعالى ، وغيرة على التوحيد ، وتهجين ، وتقبيح للشرك ، وبسبب تعظيمها سلبت حرية كثير من البشرية إلى الاسترقاق للمخلوقين وأسرتهم تلك التصورات الضالة ، والعقائد الفاسدة ، فهم في غيهم يعمهون 0
أخوكم : سليمان بن ناصر العلوان 20/2/1424هـ
وفي الختامِ أسألُ اللهَ أن ينفعَ بهذا البحثِ المتواضعِ ، وأرجو من كلِ من يقرأ هذا المقال وكان لديهِ تعقيبٌ أو تنبيهٌ أو إضافةٌ فلا يبخلُ بما لديه ، وله مني الشكرُ الجزيلُ ، ومن اللهِ الأجرُ الجميلُ .
كتبه : عبدالله زقيل

5 رجب 1424 هـ
 
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته في مقاله اخرى وفي موضوع اخر نصحتيني يااختي الفاضله ان لا اثير هذه المواضيع للنقاش مع اني اجد ان التصحيح للمعلومه واجب لان ليس كل مشهور صحيح فلا اجد نفسي مبرء الذمه امام الله اذا وجدت شيء غير صحيح ولم انصح به ومن كل هذا لا انوي زرع الفرقه او الاسائه مثلما انت بلا شك هذا هدفك يااختي في البدايه مقالتك متشعبه واجدك كلطير تنقرين هنا وهناك وهذا لم اعهده منك بطرح مواضيعك اما بخصوص قبر سيدنا علي فمن المسلمات انه في ارض النجف وحجتهم به انه ان يزار من قبل احفاده ومن عصور مضت وحتى ان الزياره كلمات الزياره والسلام عليه هي متوارثه من احفاده وشيء اخر ان الخرقه التي لف بها رئسه الشريف عندما طعنه ابن ملجم موجوده في متحف بصحن المرقد وشيا اخر تصوري بعقلك اذا لم يكن هذا قبره في النجف فانه اكيد داخل نطاق حدود الكوفه فلا اعتقد انه معلوم عندهم في مكان اخر وهم يزورونه في النجف والموضوع فيه تفاصيل كثيره اما بخصوص اقوال ابن تيميه فيااختي الفاضله اذا اكان هذا الرجل حجه عليك فهو غير حجه عندي وانا بهذا لا اتبع اهوائاتي لاني اجده مخالف لاحاديث كثيره صحيحه وانه خالف المذاهب الاربعه وانه من المتاخرين الحنابله وخالف حتى ابن حنبل في فتاويه فهذا الرجل لم يجوز التوسل بالنبي بالدعاء واعتبره كفر مع ان ابن حنبل له رئي اخر ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل ، قال في منسك المروزي بعد كلام ما نصه: وسل الله حاجتك متوسلاً إليه بنبيه (ص) تقض من الله عز وجل . انتهى. هكذا ذكره ابن تيمية في الرد على الأخنائي ص168!! ثم يجد أنهم هم بنوا على قبر أحمد بن حنبل في بغداد مسجداً وقبة ، وجعلوه مزاراً يصلون عنده ، ويتمسحون به ويتوسلون به ! وما زال ذلك ديدن الحنابلة الى اليوم ! والكثير من هذا القبيل اذكرها فقط
قال ابن كثير في النهاية:12/ 323: ( وفي صفر سنة 542 رأى رجل في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غفر له . قال: فلم يبق خاصٌ ولا عامٌ إلا زاره ، وعقدت يومئذ ثم مجلساً ، فاجتمع فيه ألوفٌ من الناس ) !! وفي طبقات الحنابلة للموصلي:2/186: (سمعت رزق الله يقول: زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبو علي فرأيته يقبل رجل القبر ! فقلت له: في هذا أثر ؟قال لي: أحمد في نفسي شئ عظيم ، وما أظن أن الله تعالى يؤاخذني بهذا )!! وكذلك الصحابه توسلوا روى الجميع توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله روى الحاكم في المستدرك:3/334: (عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر أنه قال: استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه اليك به فاسقنا . فما برحوا حتى سقاهم الله . قال فخطب عمر الناس فقال: أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده ، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه ، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس ، واتخذوه وسيلة الى الله عز وجل فيما نزل بكم). وروت ذلك عامة االمصادر وهذا السيده عائشه تعلم اللمسلمين أن يتوسلوا بقبر النبي ذكر في عقد الدارمي في سننه:1/43، باباً بعنوان: (باب ما أكرم الله تعالى نبيه صلىالله عليه وسلم بعد موته) ، وروى فيه هذا الحديث: حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري ،حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله ، قال قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت: أنظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوىً إلى السماء، حتى لايكون بينه وبين السماء سقف، قال ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق).اهـ . وان انبي ااكرم يامرنا بشيء وهذا الرجل يخالف واليك هذا النص روى الترمذي: 5/229: (حدثنا محمود بن غيلان ، أخبرنا عثمان بن عمر ، أخبرنا شعبة ، عن أبي جعفر ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي (ص) فقال: أدع الله أن يعافيني . قال: إن شئت دعوت ، وإن شئت صبرت فهو خير لك.
قال: فادعه . قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء:
اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة . يا محمد إني توجهت بك الى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي ، اللهم فشفعه فيَّ . فيااختي الفاضله اجد على العاقل ان يقرء وكل شيء فكثير من الامور مخفيه لكن الشيء الضاهر والمعلوم هو العقل والانسان بطبعه مكرم عن المخلوقات بعقله وبطبعي اردد قول نبينا الاكرم محمد بن عبد الله (ص( الناس اعداء ماجهلوا واتمنى ومن القلب يااختي العزيزه ان لا يكون هذا خلاف بيننا بقدر ماهو تبادل للعلم والمعرفه واجرنا على الله ولك مني كل التقدير والاحترام وهنا مقوله لاحد العلماء يقول بها احترام العالم مناقشه علمه والاشكال عليه ونحنوا انا وانت لا اضن اننا نعتقد انفسنا بهذه المنزله لكن نقتدي بهم وجزاكم الله خيرا والحمد لله رب العالمين​
 
قال ابو امة الله:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته في مقاله اخرى وفي موضوع اخر نصحتيني يااختي الفاضله ان لا اثير هذه المواضيع للنقاش مع اني اجد ان التصحيح للمعلومه واجب لان ليس كل مشهور صحيح فلا اجد نفسي مبرء الذمه امام الله اذا وجدت شيء غير صحيح ولم انصح به ومن كل هذا لا انوي زرع الفرقه او الاسائه مثلما انت بلا شك هذا هدفك يااختي في البدايه مقالتك متشعبه واجدك كلطير تنقرين هنا وهناك وهذا لم اعهده منك بطرح مواضيعك​
وعليكم السلام ورحمه الله وبركاتة
لا حول ولا قوة الا بالله
زميليً ,كلانا والله نريد دخول الجنه أسال الله سبحانه وتعالى ان يجعلني واياكم من اهلها ...
 
القرآن الكريم كلام الله الذي لا خطأ فيه فباب الحديث والبحث باب كبير يحتاج إلى فهم ودرايه ,, بالعقل والمنطق نسأل هل الله سبحانه وتعالى قريب أم بعيد ؟

إذا كان الجواب بعيد كفر لأنم انركوا آيه صريحة من القرآن الكريم ! و إذكان الجوا ب ا قريب فهذا مطابقه للآيه الكريمة : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )

والقريب لا يحتاج إلى واسطه لتقربنا منه لانه قريب ! لو اخذت منك قلم و وضعته على طاوله بالقرب منك ,, لن تحتاج إلى وسيلة نقل ( واسطه ) لتأخذ القلم لأانه قريب منك ,, اما لو اخذت القلم وسافرت به إلى بلد بعيد عندها تحتاج إلى وسيلة نقل ( واسطه ) لتقربك من هذا القلم و تصل إليه ( طبعاً هذا المثال لتقريب الصورة فقط )

على فكرة أبو جهل وغيره كانوا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى وعندما يسألهم الناس لماذا تعبدون الأصنام وتدعونهم كانوا يقولون : ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )





ويقول تعالى : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ )

الله سبحانه وتعالى يخبر رسوله سواء استغفرت للقوم او لم تستغفر فلن يغفر الله لهم !!!!!!!! إذا ما فائدة دعاء الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم اذا هذا لا يعتبر واسطه !! لان الامر كله لله سبحانه وتعالى ان شاء غفر وان شاء عذب سبحانه وتعالى ,,,


هل من في القبور يسمعون ؟

قال تعالى : ( وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ )

إذا من في القبور لا يسمعوننا فكيف ندعوا من لا يسمعنا !


ويقول تعالى : ( فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً )

و يقول تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )
 
ما شاء الله لا قوة إلا بالله
جزاك الله خيرا يا أخي على هذه الأخلاق


بارك الله فيك وهدانا الله وإياك لما يحبه الله تعالى ويرضاه
 
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته اختي الكريمه aicha وبكل اعتزاز بك انا اسئلك هل تعلمين ان كل المذاهب الاسلاميه تجوز التوسل بلنبي والصالحين وكذلك زياره القبور حتى ان نبينا الاكرم حبيب الله العالمين محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وعلى اله زار قبر شهداء بدر ولم يحرمه حتى ان جاء اول من نهى عن ذلك هو ابن تيميه وبعده والسلفيه وانا ادعوك ان تبحثي عن شخص قبل هذا الرجل لم يجوز الزياره والتوسل واما عن الرد عن هذا الاعتقاد فهو ليس محله الان لان في جعبتي الكثير لكن لا اريد ا ن اكون ضيف ثقيل لاني احس بكم اخوه واعتز بكم من قلبي برغم اختلاف الاراء وانتي اخصك بلتحديد لك عندي جم من الاحترام والتقدير وهذا لااود ان يذهب بمقاله قد تفهم خطء وشكرا لك وادعو الله ان يجعل حسن العاقبه ويرزقنا شفاعه نبينا محمد صلوات الله عليه وعلى اله والحمد لله رب العالمين
 
]
وعليكم السلام ورحمه الله وبركاتة
جزاك الله خير يا اخي
وعليك بهذ البحث وهو مهم للغاية فيه إجابة
دعوى أنه هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي ومناقشتها


د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن


المطلب الأول
دعوى أن شيخ الإسلام هو الذي ابتدع القول بعدم جواز التوسل بالنبي

يرى المناوئون لابن تيمية رحمه الله جواز التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في أحواله الأربعة:
فالحال الأول : التوسل به قبل خلقه: لحديث: «لما اقترف آدم الخطيئة، قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال الله: يا آدم، وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه.
قال: يا رب؛ لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك، فقال الله سبحانه وتعالى: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك) (125).
والحال الثاني : التوسل به صلّى الله عليه وسلّم بعد خلقه في مدة حياته في الدنيا: ويستدلون لذلك بحديث عثمان بن حُنيف (26)رضي الله عنه أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: «إن شئتَ دعوت لك، وإن شئتَ أخرت ذاك، فهو خير، فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه، لتقضى لي، اللهم فشفعه فيّ» ، قال: ففعل الرجل، فبرىء(127).
والحال الثالث : التوسل به صلّى الله عليه وسلّم في البرزخ كالتوسل به وهو في قبره، ويستدلون لذلك بحديث دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم لأم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومنه قوله: (اللهم بحق نبيك، والأنبياء الذين قبلي) (128).
قال ابن حجر الهيتمي (ت - 973هـ) في بيان الدلالة الثانية: من الحديث (الثانية في التوسل به بعد وفاته؛ لأن قوله صلّى الله عليه وسلّم: والأنبياء الذين من قبلي، معطوف على نبيك، وهي دلالة ظاهرة في التوسل بهم بعد وفاتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالتوسل به صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته أولى)(129).
وحديث عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها حين قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إليها، فقالت: انظروا قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، ففعلوا، فمطروا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل، حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق) (130).
ويذكرون قصة الأعرابي الذي جاء إلى قبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقال: السلام عليك يا رسول الله، يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتاباً صادقاً، قال فيه: { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} [النساء: 64] ، وقد جئتك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى ربي - عز وجل - وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه *** فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء بقبر أنت ساكنه *** فيه العفاف وفيه الجود والكرم
قال راوي هذه القصة العتبي (131): ثم استغفر الأعرابي وانصرف، فحملتني عيناي، فرأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم فقال: يا عتبي، الحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له، فخرجت خلفه فلم أجده(132) .
والحال الرابع : التوسل به صلّى الله عليه وسلّم في عرصات القيامة، حين يلجأ الناس إليه ليشفع لهم الشفاعة العظمى(133) .
ويرى المناوئون لابن تيمية رحمه الله أنه أول من منع التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته(134) .
ويرون أنه أخرج الأحاديث الصحيحة في التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته، عن دلالتها حين منع التوسل به صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته (135).
ويرون أن من لم ير التوسل بعد وفاته، فلازمه أنه يرى أنه ليس برسول الآن، وليس له جاه (136).
ويرون أن من أنكر التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم بحجة أنه بدعة فهو ذو فهم سقيم، وصدر ضيق، فروح الشريعة الإسلامية توجب التمييز بين أنواع البدعة، فمنها البدعة الحسنة، والبدعة السيئة، وأن هذا التوسل من البدعة الحسنة (137).


المطلب الثاني
مناقشة الدعوى

يستمر المناوئون لابن تيمية رحمه الله في كيل الدعاوى عليه بدون نقد ولا تمحيص، فيقوّلونه ما لم يقل، ويبحثون عن الأدلة الصحيحة فيصرفون دلالتها عن ما هي عليه، ويستدلون بالأحاديث الضعيفة، والقصص، والحكايات المكذوبة، نصرة للبدعة، وحرباً للسنة وأهلها.
وقد ظن المناوئون لابن تيمية رحمه الله حين يزعمون أنه أول من منع التوسل بالنبي بعد وفاته أنهم قد قدحوا فيه، ورموه بالعظائم، ولم يعلموا أن هذه شهادة له بحسن المعتقد، وقوة البصيرة في الدين، وإن كان هناك قدح فهو في القرون السبعة السابقة التي رميت وافتري عليها بأنها تقول بجواز التوسل بالنبي بعد موته، وهي لم تقل.
ولهذا يعجب ابن تيمية رحمه الله حين يناظره مخالفوه، ويعرضون عليه مسائل عدة، يرون أنه خالف الإجماع فيها فيقول: (أن لفظ (كم) يقتضي التكثير، وهذا يوجب كثرة المسائل، التي خرق المجيب فيها الإجماع)(138) .
ثم يبين عدم خرقه الإجماع بقوله: (والذين هم أعلم من هذا المعترض، وأكثر اطلاعاً اجتهدوا في ذلك غاية الاجتهاد، فلم يظفروا بمسألة واحدة خرق فيها الإجماع، بل غايتهم أن يظنوا في المسألة أنه خرق فيها الإجماع، كما ظنه بعضهم في مسألة الحلف بالطلاق، وكان فيها من النزاع نقلا، ومن الاستدلال فقهاً وحديثاً ما لم يطلع عليه)(139) .
ثم ذكر: (أن المجيب - ولله الحمد - لم يقل قط في مسألة إلا بقول سبقه إليه العلماء)(140) .
وأما التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم قبل خلقه فهذا من عجائب المبتدعة التي يقذفون بها على العامة، فيصدقهم من يصدقهم، ويعصم الله أهل السنة فيبعدهم عنها، ويكشف لهم كذبها وزيفها، وهذا من حفظه لهم - سبحانه وتعالى -.
وعمدة القائلين بالتوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم قبل وجوده على أحاديث، وقصص وحكايات عن الأنبياء السابقين، وأنهم يتوسلون بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وهي كلها كذب، لا يصح منها شيء ألبتة، يقول ابن تيمية رحمه الله:
(وهذه القصص التي يذكر فيها التوسل عن الأنبياء بنبينا ليست في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا لها إسناد معروف عن أحد من الصحابة، وإنما تذكر مرسلة، كما تذكر الإسرائيليات التي تروى عمن لا يعرف)(141) .
وأما توسل آدم بنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم قبل خلقه: فهو حديث ضعيف سنداً ومتناً.
أما السند ففيه: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ وهذا مجمع على ضعفه:
قال يحيى بن معين (ت - 233هـ) : بنو زيد بن أسلم ليسوا بشيء (142).
وقال أبو زرعة (ت - 264هـ) : ضعيف الحديث(143) .
وقال النسائي (ت - 303هـ) : ضعيف(144) .
وضعفه على بن المديني(145) جداً (146).
وقال ابن حبان (ت - 354هـ) : (كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم حتى كثر ذلك في روايته.. فاستحق الترك) (147).
وقال البيهقي (ت - 358هـ) : (تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه عنه وهو ضعيف) (148).
وقال الذهبي (ت - 748هـ) : ضعفوه(149).
وقال ابن حجر (ت - 852هـ) : ضعيف(150).

وأما عن إخراج الحاكم(151) لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وتصحيحه الإسناد(152) ، فهذا له وقفات:
1 - أن تصحيح الحاكم (ت - 405هـ) ، وتفرده به لا يعتد به، قال فيه ابن تيمية في نقده إخراجه هذا الحديث في مستدركه: (وأما تصحيح الحاكم لمثل هذا الحديث وأمثاله، فهذا مما أنكره عليه أئمة العلم بالحديث، وقالوا: إن الحاكم يصحح أحاديث، وهي موضوعه مكذوبة عند أهل المعرفة بالحديث) (153).
وذكر أمثلة لتصحيحه بعض الأحاديث وهي غير صحيحة ثم قال: (ولهذا كان أهل العلم بالحديث لا يعتمدون على مجرد تصحيح الحاكم، وإن كان غالب ما يصححه فهو صحيح، لكن هو في المصححين بمنزلة الثقة الذي يكثر غلطه، وإن كان الصواب أغلب عليه، وليس فيمن يصحح الحديث أضعف من تصحيحه)(154) .
2 - أخرج الحاكم (ت - 405هـ) في مستدركه حديثاً لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ولم يصحح إسناده، وإنما قال: (الشيخان رضي الله عنهما لم يحتجا بعبد الرحمن بن زيد بن أسلم)(155) ، وهذا تناقض.
3 - أن الإمام الذهبي (ت - 748هـ) رحمه الله لم يوافق الحاكم (ت - 405هـ) في تصحيحه هذا الإسناد، وإنما قال في تلخيص المستدرك: (بل موضوع، وعبد الرحمن واه)(156) .
وهناك علة ثانية في السند: وهي الجهالة، فالسند فيهم من لم يعرف، كما قال الهيثمي(157) : (فيه من لم أعرفهم)(158) .
وفي السند: عبد الله بن مسلم الفهري: فقد ذكر الذهبي (ت - 748هـ) في ترجمته هذا الحديث ووصفه بأنه: (خبر باطل)(159) ، ووافقه ابن حجر (ت - 852هـ)(160) .
وهناك - أيضاً - علة ثالثة في السند: وهي اضطراب عبد الرحمن، ومن دونه في إسناده، فتارة يروونه مرفوعاً، وتارة موقوفاً على عمر (ت - 23هـ) عن عبد الله بن إسماعيل بن أبي مريم، وعبد الله هذا لا يعرف(161) .
وأما المتن: فعليه ملحوظتان:
الأولى : أن ظاهر الحديث ينص على أن مغفرة الخطيئة كانت بسبب توسل آدم بنبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وهذا مخالف لنص القرآن الكريم، إذ المغفرة كانت بسبب الكلمات التي تلقاها آدم من ربه، قال عزّ وجل: { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة: 37] ، وقيل: إن الكلمات هي ما ذكر في قوله تعالى: { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] .
قال ابن تيمية رحمه الله: (أخبر أنه تاب عليه بالكلمات التي تلقاها منه، وقد قال تعالى: { { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } [الأعراف: 23] الآية)(162) .
الثانية : أن الحديث فيه زيادة: (ولولا محمد ما خلقتك) وهذه الزيادة تخالف القرآن الكريم، حيث نص على أن الحكمة من خلق الجن الإنس هي عبادة الله وحده، كما قال سبحانه: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
 
]
وعليكم السلام ورحمه الله وبركاتة
جزاك الله خير يا اخي
 
وبعد هذا: فإن توسل آدم بمحمد - عليهما الصلاة والسلام - ليس بصحيح، والحديث مكذوب، لا يصح الاحتجاج به، كما قال ذلك ابن تيمية رحمه الله(163) .
وأما الحال الثاني : وهو التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته: فالمراد به التوسل بدعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم لا بذاته، وكان هذا هو المفهوم الصحيح لكلام الصحابة - رضوان الله عليهم - في معنى التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم: أنه توسل بدعائه لا بذاته، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما التوسل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، والتوجه به في كلام الصحابة فيريدون به التوسل بدعائه وشفاعته) (164).
والسبب في خلط بعض المتأخرين، وعدم معرفتهم مقاصد ألفاظ الصحابة: أن لفظ التوسل دخل فيه من تغيير لغة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، ما أوجب غلط من غلط عليهم في دينهم ولغتهم.
والعلم يحتاج إلى نقل مصدّق، ونظر محقق، والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه، ومعرفة دلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم(165) .
وقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يطلبون من الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته أن يدعو للمسلمين إذا نزل بهم بلاء عام، أو فاقة، كطلبهم منه صلّى الله عليه وسلّم أن يستسقي لهم، ولذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (وكانوا في حياته إذا أجدبوا توسلوا بنبيهم صلّى الله عليه وسلّم، توسلوا بدعائه، وطلبوا منه أن يستسقي لهم)(166) .
ثم ذكر حديث ابن عمر (ت - 72هـ) رضي الله عنهما وهو قوله: (ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى، عصمة للأرامل
ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستسقي على المنبر، فما نزل حتى يجيش له ميزاب)(167) .
وأما المنع من التوسل بالذات فسببه: أن الذات ليست سبباً ولا وسيلة لإجابة الدعاء، فتوسلنا بها لا ينفع؛ لأنها ليست وسيلة مشروعة لإجابته، يقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما إذا لم نتوسل إليه - سبحانه - بدعائهم ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم: لم تكن ذواتهم سبباً يقتضي إجابة دعائنا، فكنا متوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولاً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم نقلاً صحيحاً، ولا مشهوراً عن السلف)(168) .

وأما حديث الضرير: فهو حديث صحيح(169) ، لكن النقاش في دلالة الحديث: فليس فيه ما يريدون تقريره من جواز التوسل بجاه الموتى وذواتهم، وذلك يتضح بأمور منها:
1 - أن الحديث فيه التوسل بدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم في حياته، ذلك أن الأعمى جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وطلب منه الدعاء بقوله: (ادع الله أن يعافيني)، فطلب الأعمى هو دعاء الرسول له؛ لأنه يعلم أن دعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم أرجى للقبول.
2 - أن النبي صلّى الله عليه وسلّم فهم من الأعمى أنه يطلب الدعاء، ولذا خيره بين أن يدعو له، أو أن يصبر، فاختار الدعاء، خلافاً للمرأة التي بها مس، فخيرها النبي صلّى الله عليه وسلّم بين أن يدعو لها، أو أن تصبر: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت لك.
فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف)(170) .
3 - أن الأعمى أصر على طلبه وقال: (بل ادع) وهذا ما يؤكد أنه توسل بدعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته.
4 - أنه لو كان توسل الأعمى بجاه النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو بذاته، لما احتاج أن يأتي النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويطلب منه الدعاء، بل كان يكفيه أن يبقى في بيته، ويتوسل إلى الله بذات النبي وجاهه، لكنه لم يفعل، فدل على أنه طلب دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم.
5 - أن قوله: (فشفعه فيّ) معناه: اقبل دعاءه في، ولا يصح أن يحمل على التوسل بالذات، أو الجاه، أو الحق.
قال ابن تيمية رحمه الله: (وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريح في أنه إنما توسل بدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم وشفاعته، وهو طلب من النبي صلّى الله عليه وسلّم الدعاء وقد أمره النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقول: (اللهم شفعه فيّ)، ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي صلّى الله عليه وسلّم)(171) .
6 - أن معنى قوله: (وشفعني فيه): أي أقبل شفاعتي ودعائي، وهذه الجملة من الحديث لا يستطيع المبتدعة أن يجيبوا عنها، مع أنها ثابتة صحيحة كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله(172) .
7 - أن هذا الحديث آية من آيات النبي ومعجزة من معجزاته صلّى الله عليه وسلّم، ولذا رواه البيهقي (ت - 458هـ) في دلائل النبوة(173) ، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلّى الله عليه وسلّم ودعائه المستجاب، وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق، والإبراء من العاهات، فإنه صلّى الله عليه وسلّم ببركة دعائه لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره) (174).
8 - أنه لو كان توسل الأعمى بذات الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجاهه، وحقه، لا بدعائه، لكان كل أعمى من الصحابة، ومن بعدهم، إلى هذا الزمان، يتوسل إلى الله بذات النبي صلّى الله عليه وسلّم، وجاهه، وحقه عند الله، ولن يبقى بعد ذلك أعمى.
كما قال ابن تيمية رحمه الله: (لو كان أعمى(175) توسل به، ولم يدع له الرسول بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة، أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى)(176) .
وقال: (ولو أن كل أعمى دعا بدعاء ذلك الأعمى، وفعل كما فعل من الوضوء والصلاة بعد موت النبي صلّى الله عليه وسلّم وإلى زماننا هذا لم يوجد على وجه الأرض أعمى)(177) .
وفي الجملة: فإن الذي يرى أن توسل الأعمى بالرسول المقصود به دعاء الرسول فهو الموافق لمعنى الحديث، وهو العامل به على الحقيقة، كما يقول ابن تيمية رحمه الله: (فإنا بالحديث عاملون، وله موافقون، وبه عالمون، والحديث ليس فيه إلا أنه طلب حاجته من الله عزّ وجل، ولم يطلبها من مخلوق، ونحن إلى الله - تعالى - نرغب، وإياه نسأل، فهو المدعو المسؤول، كما أنه المعبود المستعان لا نشرك به شيئاً (178)، وقد قال - تعالى -: { فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15] .
وأما الحال الثالث : وهو التوسل به صلّى الله عليه وسلّم وهو في قبره في الحياة البرزخية، - أي بعد مماته - فلم يكن أحد من الصحابة يتوسل به بعد موته صلّى الله عليه وسلّم، ولم ينقل هذا عن أحد من الأئمة نقلاً صحيحاً، كما صرح بهذا ابن تيمية رحمه الله مراراً(179) .
وأما قصة أم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهي ضعيفة، وعلتها: روح بن صلاح، وفيه ضعف.
قال ابن عدي (ت - 365هـ) : (في بعض حديثه نكرة)(180) .
وقال الدارقطني (ت - 385هـ) : (ضعيف الحديث)(181) .
وقال ابن ماكولا(182) : (ضعفوه)(183) .
وذكر الذهبي (ت - 648هـ) أن ابن عدي (ت - 365هـ) ضعفه (184).
وقال أبو نعيم(185) : (لم نكتبه إلا من حديث روح بن صلاح تفرد به) (186) .
وقال الهيثمي (ت - 807هـ) : (فيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح)(187).
وأما توثيق ابن حبان (ت - 354هـ) ، والحاكم (ت - 405هـ) له، وانفرادهما بهذا التوثيق فليس بحجة، وقد بينت سابقاً موقف أهل العلم من تفرد الحاكم (ت - 405هـ) بالتوثيق، وأما ابن حبان (ت - 354هـ) فهو متساهل أيضاً في التوثيق، فتراه يوثق المجاهيل، حتى الذين يصرح هو نفسه أنه لا يدري من هو ولا من أبوه؟ (188).
ولذا فإن تفردهما بالتوثيق لا يقبل أمام جرح غيرهما، حتى وإن كان جرح غيرهما مبهماً(189)
وأما حديث عائشة بنت الصديق (ت - 58هـ) رضي الله عنها وعن أبيها - فهو ضعيف لا يحتج به(190) ، لأمور منها:
أ - ضعف السند ففيه سعيد بن زيد، وهو لا يحتج به، فكان يحيى بن سعيد(191) يضعف حديث سعيد جداً (192).
وقال النسائي (ت - 303هـ) وغيره: ليس بالقوي(193) .
وقال ابن حبان (ت - 354هـ) : (كان صدوقاً حافظاً، ممن كان يخطىء في الأخبار، ويهم في الآثار حتى لا يحتج به إذا انفرد)(194) .
وقال ابن حجر (ت - 852هـ) : (صدوق له أوهام)(195) .
وفيه محمد بن الفضل أبو النعمان، ويقال له عارم، وهذا صدوق اختلط في آخر عمره، وتغير فلا يدري ما يحدث به، فوقعت المناكير الكثيرة في روايته، وإذا لم يعلم التمييز بين سماع المتقدمين والمتأخرين منه: يترك الكل، ولا يحتج بشيء منه(196) .
قال ابن حجر (ت - 852هـ) : (ثقة ثبت تغير في آخر عمره)(197) .
ب - أن هذا الحديث موقوف، وليس بمرفوع إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعلى فرض صحته فإنه رأي اجتهادي من عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها قد خالف السنة، وخالف أقوال الصحابة، وقد بين ابن تيمية رحمه الله الموقف من اجتهادات الصحابة إذا لم يخالف الصحابي غيره، أو إذا لم يشتهر، أو لم يعرف هل خالفه غيره أم لا؟ ثم قال: (ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا فيما يخالفها بلا ريب عند أهل العلم)(198) .
 
جـ - أن هذا الحديث فيه مغالطة علمية وفيه مخالفة للواقع المحسوس: فليس في حجرة عائشة (ت - 58هـ) رضي الله عنها في حياتها كوة، بل كان بعضه باقياً، كما كان على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم بعضه مسقوف، وبعضه مكشوف، وكانت الشمس تنزل فيه، ولم توضع الكوة في حجرتها إلا بعد أن أدخلت الحجر في المسجد زمن الوليد بن عبد الملك (ت - 96هـ) ، لينزل منها من ينزل إذا احتيج إلى ذلك؛ لأجل تنظيف وغيره (199).
وأما قصة الأعرابي الذي جاء إلى قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم: فهذه إسنادها مظلم، وبعضهم يرويها بسند، وبعضهم بغير سند، وإسنادها فيه: الحسن بن محمد.
قال ابن حبان (ت - 354هـ) : (لا يجوز الاحتجاج به، ولا الرواية عنه بحال)(200).
قال عنه ابن عدي (ت - 365هـ) : (كل أحاديثه مناكير)(201) .
وقال ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) عن إسناد هذه القصة: (ليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة، وإسنادها مظلم مختلف، ولفظها مختلف أيضاً)(202) ، ففي سندها ومتنها اضطراب.
ولو كان عمل هذا الأعرابي عند قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم مشروعاً لسبقه إليه من كان إلى الخير أسبق، وإلى السنة أوفق من الصحابة والتابعين، لكنهم لم يعملوا هذا العمل، ولم يدلهم إليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم فدل على أن هذا العمل باطل لا تقوم به حجة، ولا يعمل مثل هذا العمل المبتدع إلا من ضعف إيمانه أو من جهل قدر الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأمره (203).
وأما الحال الرابع : وهو التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم في عرصات القيامة ليشفع للناس: فإن أريد بالتوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم طلب الشفاعة منه يوم المحشر الشفاعة العظمى(204) ، فهذا مما أجمع عليه المسلمون، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (أجمع المسلمون على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يشفع للخلق يوم القيامة، بعد أن يسأله الناس ذلك وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة)(205) ، كما قال تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] ، وقال: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [البقرة: 255] .
وقال رحمه الله: (من شك في شفاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة فهو مبتدع ضال)(206) .
وأما إلزام من لم ير التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته بأنه لا يرى أنه رسول الآن، وأنه ليس له جاه، فهذا إلزام باطل، وتصوره كافٍ في الرد عليه؛ لأنه قام على أساس باطل وهو مشروعية التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته، والمشروعية حكم شرعي يحتاج إلى دليل، والدليل يدل على خلاف ذلك، إذ أنه يدل على أن التوسل بالنبي بدعة غير مشروعة، وبهذا يبطل الإلزام.
ثم إن الدليل والميزان على قبول رسالة محمد صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته كما هو الحال في حياته يكون باتباعه وطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، فهو صلّى الله عليه وسلّم رسول، وإثبات رسالته يكون بهذه الأمور، لا بالأمور المبتدعة، وهو الدليل على محبة الله - تعالى - كما قال - تعالى - { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} [آل عمران: 31] .
وأما مسألة جاه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: فهو وجيه عند الله وهو أفضل الخلق، وجاهه ثابت لا يتغير بإحداث عبادة لا يرضاها الله ورسوله أو تركها، فهو - بأبي وأمي - أفضل الخلق على الإطلاق، ولا يؤثر في جاهه صلّى الله عليه وسلّم عند ربه فعل ما يغضبه ولم يأمر به من التوسل به بعد موته، ولا يزيد جاهه عند الله بطاعة الطائعين، ولا ينقص بمعصية العاصين، فربط عمل البدعة المحدثة بتقدير الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومعرفة جاهه، وربط ترك البدعة - اتباعاً للسنة - بتنقيص الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وجحده حقه وجاهه: ربطٌ لا أساس له من شرع صحيح، ولا عقل صريح والله المستعان.
وأما من زعم بأن التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد موته بدعة حسنة؛ فقد ضل الطريق، ولم يهتد إليه سبيلاً، فليس هناك بدعة في الدين حسنة، بل البدع كلها ضلال كما قال المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «كل بدعة ضلالة»(207) .
قال ابن تيمية رحمه الله: (من قال في بعض البدع إنها بدعة حسنة، فإنما ذلك إذا قام دليل شرعي على أنها مستحبة.
أما ما ليس بمستحب ولا واجب فلا يقول أحد من المسلمين: إنها من الحسنات التي يتقرب بها إلى الله، ومن تقرب إلى الله بما ليس من الحسنات المأمور بها أمر إيجاب ولا استحباب فهو ضال متبع للشيطان، وسبيله من سبل الشيطان) (208) .


( نقلا عن كتاب " دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية " للدكتور عبدالله الغصن - وفقه الله ، طبع دار ابن الجوزي بالدمام ، ومن أراد الهوامش فعليه بالكتاب .. ).

فجزى الله خيرا علماء أهل السنة
أرجوا منك اخي الكريم أن تتوجه إلى موقع فيه إخوة المتخصصين في المجال وإن شاء الله سيكون دائما متواجدين للرد على اي شبهه أو اي سؤال

بارك الله فيك وجزاك الله كل خير
 
ماشاء الله بارك الله فيكم على سلسة العلم الطيبة أحسن الله إليكم وأدخلكم الجنة نحن في إنتظار المزيد
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top