المـــرأة فـي أدب نجيــب محفــــوظ مظاهر تطـوّر المـرأة فـي مصـــر المعاصـــرة من خـلال روايات نجيب محفـوظ : 1945 - 1967
وراء هذا الكتاب جهد وافر، قامت به مترجمة الكتاب، التي هي - بالوقت ذاته - مؤلفته. لقد وضعته المؤلفة/المترجمة بالفرنسية، فهو - بحقيقة الأمـــــــر - رســـــــالتها للدكتوراه، حصـــــلت بها على درجتهـــــا العلمية من جامعة ( جنيف )، بسويسرا، بالعام 1983. إذن، فقـد جــاء المؤلّـــــف الفرنسي ليحتـوي جهـدا أكـاديميـــا، توفرت له جوانب النجاح، بعد أن توفرت فيه متطلبات البحث العلمي الأكاديمي، من جدة، ودقة، ورصانة.
وتشير الدكتورة فوزية العشماوي، في تقديمها لترجمتها العربية لكتابها، إلى أن رسالتها - موضوع هذا الكتاب - كانت أول رسالة دكتوراه تناقش في جامعة أوربية، عن نجيب محفوظ، وأن الكتاب من الكتب الأوائل المبكرة، التي صدرت بالفرنسية عن محفوظ، قبل خمس سنوات من حصوله على جائزة نوبل، في العام 1988؛ ولكنها تمسك - تواضعـــا - عن أي إشارة إلى احتمال أن تكون دراستها العلمية الجادة والقيمة، وكتابها في طبعته الفرنسية، قد أسهما - بدرجة أو بأخرى - في تمهيد طريق نجيب محفوظ إلى نوبل؛ وإن كانت الدكتورة العشماوي تشير في مقدمة الكتاب إلى أنها، بحسها الأدبي، وبحكم تواجدها بالأوساط القريبة من مركز منح الجائزة، قد تنبأت لمحفوظ، في لقاء لهـــما بالعام 1979، بأنه سوف يحصل على تلك الجائزة رفيعة الشأن.
نحن - إذن - أمام كتاب ذي طبيعة خاصة، يندر أن تجد لحالته مثيلا؛ فقد ولد بهيئة بحث أكاديمي؛ ثم تحول إلى كتاب موجه للقارئ الأوربي؛ ثم رأت صاحبته ألاّ تحرم أبناء جلدتها من جهدها، فتوفرت على ترجمته للعربية؛ وهي ترجمة لم تكن سهلة، بالرغم من أن المترجمة هي ذاتها المؤلفة، وبالرغم من امتلاكهــا ناصية كل من اللغتين، إذ كان عليهـا أن تستغني عن التفاصيل التي لزمت للطبعة الفرنسية، لتعين القارئ الفرنسي على قراءة الكتاب .. مشوار كبير قطعه هذا الكتاب، لنقرأه ونحتفي به الآن؛ إذ استغرق الأمر ما يقرب من عشرين سنة ( 83 - 2002 )، ليصل هذا الكتاب ليد قارئ العربية.
وبالرغم من طول الرحلة، التي قطعهـا هذا الكتاب، إلاّ أنه لا يزال محتفظا بطزاجته، فلا يزال موضوعه مطروحا في الدوائر الفكرية والاجتماعية، حتى الآن؛ ولا يزال الجدل حول قضايا المرأة محتدما، غير محسوم؛ ولعل كتاب الدكتورة العشماوي، وهو يهتم بعرض مظاهر تطور المرأة في مصر المعاصرة، من خلال روايات نجيب محفوظ المنشورة في الفترة بين 1945 و 1967 .. لعله يساعد في إضاءة جوانب من هذه القضــايا، الخاصة بالشق المؤنث من أحد أنواع الكائنات الحية، أعطى لنفسه الحق في اعتلاء قمة هرم التطور بين سائر مخلوقات الله؛ ومع ذلك، لا يزال يعمّـق الفوارق بين شقيه، حتى أنه ليكاد يصنع منهما نوعين متباينين : أحدهما مذكر، وهو يري نفسه الأرقى، والآخر مؤنث، ويعيش - لا يزال - محروما من حقوق كثيرة يحتكرها الشق الآخر !
ويتكون الكتاب من تقديم، ثم مقدمة عامة؛ أما قلبه، فجزآن : الأول، نظرة عامة على مظاهر تطور المرأة في مصر المعاصرة، من خلال روايات نجيب محفوظ ( 1945 - 1967 )؛ والثاني، دراسة تحليلية موسعة لثلاث شخصيات نسائية؛ هي : " نفيسة " - بداية ونهاية، 1949؛ و " نـــور " - اللص والكــلاب، 1961؛ و " زهـــرة " - ميرامــار، 1967.
وتهتم المؤلفة، في مقدمة الكتاب، بالتأصيل للاهتمام بقضايا المرأة في مصر الحديثة، فتعود بالقارئ إلى مفتتح القرن 19، الذي شهد بداية حركة تحرير المرأة المصرية، واقتناع مجموعة من المثقفين والمستنيرين المصريين بأن تحرير الوطن يجب أن يبدأ بتحرير المرأة. كما تمهد المؤلفة لظهور نجيب محفوظ، فتشير إلى أن ذلك التطور في الفكر الاجتماعي قد صاحبه ازدهار في النشاط الصحافي والإنتاج الأدبي؛ وقد ترتب على ذلك الرواج الصحفي ارتفاع أسهم النثر العربي، على حساب الشعر. ولم يلبث ذلك النثر أن تخلص من عيوب كانت تجعله صعبا على قارئ الصحيفة؛ ثم ظهرت حركة ترجمة للروايات العالمية، التي أقبل عليها القراء؛ فأثمر ذلك كله أن بدأت إرهاصات الكتابات الروائية. ويسجل التاريخ الأدبي أن " زينب " – 1914، لمحمد حسين هيكل، هي أول رواية في الأدب العربي الحديث، يتوفر لها الشكل الأقرب إلى الاكتمال الفني. لقد تأثرت الموجة الأولى من الروائيين المصريين، والعرب عامة، بالحياة والأدب الأوربيين، بدرجات متفاوتة، حسب الخبرة الفردية بهذين العاملين؛ وقد صــوّرت المرأة في إنتاج هؤلاء الرواد الروائيين على أنها مجرد مخلوق جميل، يثير المشاعر، نبيلها أو خبيثها، على حد سواء، دون أن يكون لها كيان مستقل. كما أن معظم هؤلاء الأدباء قد تفادوا تقديم وتصوير المرأة المسلمة في رواياتهم، حتى لا يتعرضوا للتقاليد الإسلامية؛ ولجأوا إلى اختيار بطــلاتهــم من بنات وسيدات الأقليات. وحتى " زينـــب "، بطلة هيكل، لم يوفق المؤلف في إحكام رسم شخصيتها بحيث يقدم لنا بطلة مصرية حقيقية، عاشت في بداية القرن 20، فجعلهـا أشــبه بشــخصيات القرن التــــاسع عشـــــــــر التي صــــــورها ( جي دي موباســـــــــان ) في رواياته و ( لا مارتين ) في قصائده؛ إذ كانت زينب، الفلاحة ابسيطة، التي تنتمي للطبقة الكادحة، تتحدث برقة مفرطة، وبمفردات غريبة على لسانها الأصلي، عن الحب الذي يفضي إلى الموت عشــــقا !
وقد تباينت أنماط الشخصيات النسائية التي وردت في الروايات التالية لزينب؛ فمعظم من جاءوا بعد هيكل قدموا شخصيات نسائية، من الريف والمدن المصرية، ضعيفة وخاضعة تماما للرجل، يحميها أو يستغلها. أما ( العقاد )، فقد صور بطلته اليهودية " ســـــارة " - في الرواية التي تحمل اسمهـــا، 1938 - كامرأة مخادعة، كاذبة، خائنة؛ وعلى العكس منه، جاءت بطلات كتاب مثل محمد عبد الحليم عبد الله، ويوسف السباعي، نساء مثاليات، ملائكيـــات الطبـــاع.
ويهمنا، في هذا السياق، أن نشير إلى الفقرة الأخيرة من صفحة 22، التي تحتاج إلى مراجعة من المؤلفة، لأن صياغتها تصور للقارئ أن نجيب محفوظ جاء في جيل تال لمحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف السباعي، ونعتقد أن ثلاثنهم من نفس الموجة.
كما نلاحظ، في هذا المجال، أن المؤلفة، في هذا الاستعراض التاريخي السريع، لم تشر إلى إحســـان عبد القدوس إلا في سطر واحد - صفحة 22 أيضا - بالرغم من أهمية هذا الروائي الكبير، الذي استأثرت الشخصيات النسائية بكل إنتاجه، وبالرغم من رؤيته الخاصة لقضايا المرأة، الأمر الذي كان من شأنه – بالمقارنة - أن يزيد من درجة تجسيد رؤية نجيب محفوظ الاجتماعية لهذه القضايا. وتنسحب هذه الملاحظة، أيضا، على روائي عملاق آخر، هو يوسف إدريس. ولعل المؤلفة تعود فتقدم لنا مؤلفا آخر يغطي هذه المنطقة، التي نتفهم أن عدم توقفها عندها ربما كان استجابة لحرصها على إحكــام تصميم وبناء بحثها الأكاديمي، ومن ثم كتابها، الذي استهدف - بالمقام الأول والأخير، وكما يقول عنوانه المحدد - الإنتاج الروائي لنجيب محفوظ وحده، وفي نصف مسيرته الإبداعية، التي امتدت لخمسين سنة، أطـــال الله عمره.
لقد كان ظهور نجيب محفوظ، في الأربعينيات من القرن العشرين، نقلة مؤثرة في تاريخ الرواية العربية، إذ استطاع هذا الكاتب العبقري - خلال النصف الثاني من هذا القرن العشرين - أن يخرج هذه الرواية من الإقليمية إلى آفاق العالمية، لأنه نجح في نقل الواقع الاجتماعي المصري، دون أن يقلد تيارا خارجيا، وإن كان استفاد كثيرا بالتقانيات البنائية للرواية. لقد جعل محفوظ من الرواية سجلا اجتماعيا لمصر الحديثة، إذ نقل - بصدق، وبدرجة عالية من الفن - واقع الوعي المصري المعاصر، وتفاصيل الحياة اليومية الاعتيادية في حواري وأزقة القاهرة المعزية.
يتبع
وراء هذا الكتاب جهد وافر، قامت به مترجمة الكتاب، التي هي - بالوقت ذاته - مؤلفته. لقد وضعته المؤلفة/المترجمة بالفرنسية، فهو - بحقيقة الأمـــــــر - رســـــــالتها للدكتوراه، حصـــــلت بها على درجتهـــــا العلمية من جامعة ( جنيف )، بسويسرا، بالعام 1983. إذن، فقـد جــاء المؤلّـــــف الفرنسي ليحتـوي جهـدا أكـاديميـــا، توفرت له جوانب النجاح، بعد أن توفرت فيه متطلبات البحث العلمي الأكاديمي، من جدة، ودقة، ورصانة.
وتشير الدكتورة فوزية العشماوي، في تقديمها لترجمتها العربية لكتابها، إلى أن رسالتها - موضوع هذا الكتاب - كانت أول رسالة دكتوراه تناقش في جامعة أوربية، عن نجيب محفوظ، وأن الكتاب من الكتب الأوائل المبكرة، التي صدرت بالفرنسية عن محفوظ، قبل خمس سنوات من حصوله على جائزة نوبل، في العام 1988؛ ولكنها تمسك - تواضعـــا - عن أي إشارة إلى احتمال أن تكون دراستها العلمية الجادة والقيمة، وكتابها في طبعته الفرنسية، قد أسهما - بدرجة أو بأخرى - في تمهيد طريق نجيب محفوظ إلى نوبل؛ وإن كانت الدكتورة العشماوي تشير في مقدمة الكتاب إلى أنها، بحسها الأدبي، وبحكم تواجدها بالأوساط القريبة من مركز منح الجائزة، قد تنبأت لمحفوظ، في لقاء لهـــما بالعام 1979، بأنه سوف يحصل على تلك الجائزة رفيعة الشأن.
نحن - إذن - أمام كتاب ذي طبيعة خاصة، يندر أن تجد لحالته مثيلا؛ فقد ولد بهيئة بحث أكاديمي؛ ثم تحول إلى كتاب موجه للقارئ الأوربي؛ ثم رأت صاحبته ألاّ تحرم أبناء جلدتها من جهدها، فتوفرت على ترجمته للعربية؛ وهي ترجمة لم تكن سهلة، بالرغم من أن المترجمة هي ذاتها المؤلفة، وبالرغم من امتلاكهــا ناصية كل من اللغتين، إذ كان عليهـا أن تستغني عن التفاصيل التي لزمت للطبعة الفرنسية، لتعين القارئ الفرنسي على قراءة الكتاب .. مشوار كبير قطعه هذا الكتاب، لنقرأه ونحتفي به الآن؛ إذ استغرق الأمر ما يقرب من عشرين سنة ( 83 - 2002 )، ليصل هذا الكتاب ليد قارئ العربية.
وبالرغم من طول الرحلة، التي قطعهـا هذا الكتاب، إلاّ أنه لا يزال محتفظا بطزاجته، فلا يزال موضوعه مطروحا في الدوائر الفكرية والاجتماعية، حتى الآن؛ ولا يزال الجدل حول قضايا المرأة محتدما، غير محسوم؛ ولعل كتاب الدكتورة العشماوي، وهو يهتم بعرض مظاهر تطور المرأة في مصر المعاصرة، من خلال روايات نجيب محفوظ المنشورة في الفترة بين 1945 و 1967 .. لعله يساعد في إضاءة جوانب من هذه القضــايا، الخاصة بالشق المؤنث من أحد أنواع الكائنات الحية، أعطى لنفسه الحق في اعتلاء قمة هرم التطور بين سائر مخلوقات الله؛ ومع ذلك، لا يزال يعمّـق الفوارق بين شقيه، حتى أنه ليكاد يصنع منهما نوعين متباينين : أحدهما مذكر، وهو يري نفسه الأرقى، والآخر مؤنث، ويعيش - لا يزال - محروما من حقوق كثيرة يحتكرها الشق الآخر !
ويتكون الكتاب من تقديم، ثم مقدمة عامة؛ أما قلبه، فجزآن : الأول، نظرة عامة على مظاهر تطور المرأة في مصر المعاصرة، من خلال روايات نجيب محفوظ ( 1945 - 1967 )؛ والثاني، دراسة تحليلية موسعة لثلاث شخصيات نسائية؛ هي : " نفيسة " - بداية ونهاية، 1949؛ و " نـــور " - اللص والكــلاب، 1961؛ و " زهـــرة " - ميرامــار، 1967.
وتهتم المؤلفة، في مقدمة الكتاب، بالتأصيل للاهتمام بقضايا المرأة في مصر الحديثة، فتعود بالقارئ إلى مفتتح القرن 19، الذي شهد بداية حركة تحرير المرأة المصرية، واقتناع مجموعة من المثقفين والمستنيرين المصريين بأن تحرير الوطن يجب أن يبدأ بتحرير المرأة. كما تمهد المؤلفة لظهور نجيب محفوظ، فتشير إلى أن ذلك التطور في الفكر الاجتماعي قد صاحبه ازدهار في النشاط الصحافي والإنتاج الأدبي؛ وقد ترتب على ذلك الرواج الصحفي ارتفاع أسهم النثر العربي، على حساب الشعر. ولم يلبث ذلك النثر أن تخلص من عيوب كانت تجعله صعبا على قارئ الصحيفة؛ ثم ظهرت حركة ترجمة للروايات العالمية، التي أقبل عليها القراء؛ فأثمر ذلك كله أن بدأت إرهاصات الكتابات الروائية. ويسجل التاريخ الأدبي أن " زينب " – 1914، لمحمد حسين هيكل، هي أول رواية في الأدب العربي الحديث، يتوفر لها الشكل الأقرب إلى الاكتمال الفني. لقد تأثرت الموجة الأولى من الروائيين المصريين، والعرب عامة، بالحياة والأدب الأوربيين، بدرجات متفاوتة، حسب الخبرة الفردية بهذين العاملين؛ وقد صــوّرت المرأة في إنتاج هؤلاء الرواد الروائيين على أنها مجرد مخلوق جميل، يثير المشاعر، نبيلها أو خبيثها، على حد سواء، دون أن يكون لها كيان مستقل. كما أن معظم هؤلاء الأدباء قد تفادوا تقديم وتصوير المرأة المسلمة في رواياتهم، حتى لا يتعرضوا للتقاليد الإسلامية؛ ولجأوا إلى اختيار بطــلاتهــم من بنات وسيدات الأقليات. وحتى " زينـــب "، بطلة هيكل، لم يوفق المؤلف في إحكام رسم شخصيتها بحيث يقدم لنا بطلة مصرية حقيقية، عاشت في بداية القرن 20، فجعلهـا أشــبه بشــخصيات القرن التــــاسع عشـــــــــر التي صــــــورها ( جي دي موباســـــــــان ) في رواياته و ( لا مارتين ) في قصائده؛ إذ كانت زينب، الفلاحة ابسيطة، التي تنتمي للطبقة الكادحة، تتحدث برقة مفرطة، وبمفردات غريبة على لسانها الأصلي، عن الحب الذي يفضي إلى الموت عشــــقا !
وقد تباينت أنماط الشخصيات النسائية التي وردت في الروايات التالية لزينب؛ فمعظم من جاءوا بعد هيكل قدموا شخصيات نسائية، من الريف والمدن المصرية، ضعيفة وخاضعة تماما للرجل، يحميها أو يستغلها. أما ( العقاد )، فقد صور بطلته اليهودية " ســـــارة " - في الرواية التي تحمل اسمهـــا، 1938 - كامرأة مخادعة، كاذبة، خائنة؛ وعلى العكس منه، جاءت بطلات كتاب مثل محمد عبد الحليم عبد الله، ويوسف السباعي، نساء مثاليات، ملائكيـــات الطبـــاع.
ويهمنا، في هذا السياق، أن نشير إلى الفقرة الأخيرة من صفحة 22، التي تحتاج إلى مراجعة من المؤلفة، لأن صياغتها تصور للقارئ أن نجيب محفوظ جاء في جيل تال لمحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف السباعي، ونعتقد أن ثلاثنهم من نفس الموجة.
كما نلاحظ، في هذا المجال، أن المؤلفة، في هذا الاستعراض التاريخي السريع، لم تشر إلى إحســـان عبد القدوس إلا في سطر واحد - صفحة 22 أيضا - بالرغم من أهمية هذا الروائي الكبير، الذي استأثرت الشخصيات النسائية بكل إنتاجه، وبالرغم من رؤيته الخاصة لقضايا المرأة، الأمر الذي كان من شأنه – بالمقارنة - أن يزيد من درجة تجسيد رؤية نجيب محفوظ الاجتماعية لهذه القضايا. وتنسحب هذه الملاحظة، أيضا، على روائي عملاق آخر، هو يوسف إدريس. ولعل المؤلفة تعود فتقدم لنا مؤلفا آخر يغطي هذه المنطقة، التي نتفهم أن عدم توقفها عندها ربما كان استجابة لحرصها على إحكــام تصميم وبناء بحثها الأكاديمي، ومن ثم كتابها، الذي استهدف - بالمقام الأول والأخير، وكما يقول عنوانه المحدد - الإنتاج الروائي لنجيب محفوظ وحده، وفي نصف مسيرته الإبداعية، التي امتدت لخمسين سنة، أطـــال الله عمره.
لقد كان ظهور نجيب محفوظ، في الأربعينيات من القرن العشرين، نقلة مؤثرة في تاريخ الرواية العربية، إذ استطاع هذا الكاتب العبقري - خلال النصف الثاني من هذا القرن العشرين - أن يخرج هذه الرواية من الإقليمية إلى آفاق العالمية، لأنه نجح في نقل الواقع الاجتماعي المصري، دون أن يقلد تيارا خارجيا، وإن كان استفاد كثيرا بالتقانيات البنائية للرواية. لقد جعل محفوظ من الرواية سجلا اجتماعيا لمصر الحديثة، إذ نقل - بصدق، وبدرجة عالية من الفن - واقع الوعي المصري المعاصر، وتفاصيل الحياة اليومية الاعتيادية في حواري وأزقة القاهرة المعزية.
يتبع