من يعطل ميلاد النخبة المفكرة
يرتبط مصطلح ''النخبة'' بالجزء البشري الذي يفكر في المجتمع، ويضع الخطط للمشاريع الكبرى التي تقرر مصير الدولة ومؤسساتها، إذا كان مفهوم النخبة هكذا، فإن من يدرس أوضاع بلداننا يكتشف بأن تخلفها يعود من جهة إلى الظروف الاستعمارية وموروثها في ميادين الاقتصاد، والتعليم، والإدارة، والتقنية، والمعمار، وتخطيط القرى والمدن، والعلم وغيرها من المجالات الحيوية، وإلى تعقيدات مرحلة الاستقلال الوطني بما في ذلك عدم وجود خيار وتطورات التنمية الأكثـر عصرية وحداثة، وبشأن هذا العنصر الأخير، فإن المسؤولية تلقى على عاتق النظام السياسي، أي على الأجهزة السياسية والتنفيذية، وفي الواقع فإن تكوين النخبة المفكرة المخططة أمر ليس بالسهل، لأن فترة الاستقلال تميزت بالارتجال، ولأن الدولة تفتقد إلى النموذج كما تفتقد إلى البرنامج الواضح في هذا المجال. ومن الناحية النظرية فإن مهمة تشكيل وتكوين النخبة المفكرة في شتى الميادين الحيوية منوطة بالمنظومة التربوية بكل مراحلها وأنواعها، ففي البلدان التي أنجزت شروط الدولة العصرية والحديثة معا، نجد الجامعة والمعاهد العليا هي التي تفكر للسياسيين، ولمؤسسات الدولة التنفيذية. وهكذا نجد في هذه البلدان، في أوروبا وأمريكا، وبعض دول آسيا مثل اليابان تركيزا شديدا على الانتقائية، حيث تقوم باختيار المواهب والكفاءات الذكية وتوجيهها توجيها خاصا، ومتخصصا، ففي هذه البلدان توكل أمور التفكير لهذه العناصر المنتقاة والموجهة إلى الجامعات والمدارس العليا المعروفة بأنها معاقل لما يدعى بصناعة'' الأنتلجنسيا'' التي تتكفل بقيادة البلاد، وهكذا نجد مثلا جامعة كامبردج، وأكسفورد، ومدرسة لندن للاقتصاد، ونجد هارفاد، وييل والمدارس العليا والسوربون، والكوليج دو فرانس على التوالي في بريطانيا، وأمريكا وفرنسا، ونجد نفس الاهتمام والممارسات في ألمانيا، والسويد، والنرويج، وكندا، وإيطاليا وغيرها من الأمم.
وهنا نتساءل: هل تعميم التعليم في بلدنا هو المسؤول عن عدم تشكل النخبة العالمية في كل حقول المعرفة، أم أن السبب يعود إلى الموقف السياسي السلبي من هذه النخبة؟
مما لا شك فيه أن ظروف الاستقلالات الوطنية قد أفرزت الكثير من المشكلات المحورية منها عدم تطوير المنظومة التعليمية، وتحديثها، وضمان المستوى اللغوي والعلمي والفكري العالي فيها، فالشعوب الخارجية من الاستعمار والغارقة في الأمية متعددة الأشكال تطمح أول ما تطمح إلى أن تتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وهكذا فإن سياسات التعليم ببلداننا قد ركزت لسنوات طويلة على توفير مقاعد الدراسة للمواطنين والمواطنات بدون تمييز، وبتغليب كفة الكم على الكيف في كثير من الأحيان، ولقد لعب هذا الخيار دورين أولهما يتمثل في تحقيق نسبة معقولة من المتعلمين فضلا عن اشتمال هذه العملية على أبناء الشرائح الفقيرة مثل شريحة الفلاحين وشريحة العمال، وثانيهما تتمثل في تحقيق نسبة ضئيلة من النوعية التي هي الركيزة الأساسية لصنع وتكوين النخبة . عندما نتكلم عن النخبة فإن المقصود هو وجودها الحقيقي والفاعل في مجال الصحة، والسياسة والمعمار والعلوم والفلسفة والآداب والقانون وإدارة الأزمات الطارئة والاقتصاد وهلم جرّا. ففي بلادنا لا توجد ''لجان التفكير'' سواء التابعة للمجتمع المدني، أو تلك التابعة للحكومة والأحزاب السياسية الرسمية.
كما لا يوجد تنسيق جدي ومبرمج بين الجامعات والمعاهد العليا وبين مؤسسات الإنتاج بمختلف فروعها وأنواعها أو بين الأولى وبين الوزارات والمديريات المسؤولة مباشرة على مشاريع التنمي
يرتبط مصطلح ''النخبة'' بالجزء البشري الذي يفكر في المجتمع، ويضع الخطط للمشاريع الكبرى التي تقرر مصير الدولة ومؤسساتها، إذا كان مفهوم النخبة هكذا، فإن من يدرس أوضاع بلداننا يكتشف بأن تخلفها يعود من جهة إلى الظروف الاستعمارية وموروثها في ميادين الاقتصاد، والتعليم، والإدارة، والتقنية، والمعمار، وتخطيط القرى والمدن، والعلم وغيرها من المجالات الحيوية، وإلى تعقيدات مرحلة الاستقلال الوطني بما في ذلك عدم وجود خيار وتطورات التنمية الأكثـر عصرية وحداثة، وبشأن هذا العنصر الأخير، فإن المسؤولية تلقى على عاتق النظام السياسي، أي على الأجهزة السياسية والتنفيذية، وفي الواقع فإن تكوين النخبة المفكرة المخططة أمر ليس بالسهل، لأن فترة الاستقلال تميزت بالارتجال، ولأن الدولة تفتقد إلى النموذج كما تفتقد إلى البرنامج الواضح في هذا المجال. ومن الناحية النظرية فإن مهمة تشكيل وتكوين النخبة المفكرة في شتى الميادين الحيوية منوطة بالمنظومة التربوية بكل مراحلها وأنواعها، ففي البلدان التي أنجزت شروط الدولة العصرية والحديثة معا، نجد الجامعة والمعاهد العليا هي التي تفكر للسياسيين، ولمؤسسات الدولة التنفيذية. وهكذا نجد في هذه البلدان، في أوروبا وأمريكا، وبعض دول آسيا مثل اليابان تركيزا شديدا على الانتقائية، حيث تقوم باختيار المواهب والكفاءات الذكية وتوجيهها توجيها خاصا، ومتخصصا، ففي هذه البلدان توكل أمور التفكير لهذه العناصر المنتقاة والموجهة إلى الجامعات والمدارس العليا المعروفة بأنها معاقل لما يدعى بصناعة'' الأنتلجنسيا'' التي تتكفل بقيادة البلاد، وهكذا نجد مثلا جامعة كامبردج، وأكسفورد، ومدرسة لندن للاقتصاد، ونجد هارفاد، وييل والمدارس العليا والسوربون، والكوليج دو فرانس على التوالي في بريطانيا، وأمريكا وفرنسا، ونجد نفس الاهتمام والممارسات في ألمانيا، والسويد، والنرويج، وكندا، وإيطاليا وغيرها من الأمم.
وهنا نتساءل: هل تعميم التعليم في بلدنا هو المسؤول عن عدم تشكل النخبة العالمية في كل حقول المعرفة، أم أن السبب يعود إلى الموقف السياسي السلبي من هذه النخبة؟
مما لا شك فيه أن ظروف الاستقلالات الوطنية قد أفرزت الكثير من المشكلات المحورية منها عدم تطوير المنظومة التعليمية، وتحديثها، وضمان المستوى اللغوي والعلمي والفكري العالي فيها، فالشعوب الخارجية من الاستعمار والغارقة في الأمية متعددة الأشكال تطمح أول ما تطمح إلى أن تتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وهكذا فإن سياسات التعليم ببلداننا قد ركزت لسنوات طويلة على توفير مقاعد الدراسة للمواطنين والمواطنات بدون تمييز، وبتغليب كفة الكم على الكيف في كثير من الأحيان، ولقد لعب هذا الخيار دورين أولهما يتمثل في تحقيق نسبة معقولة من المتعلمين فضلا عن اشتمال هذه العملية على أبناء الشرائح الفقيرة مثل شريحة الفلاحين وشريحة العمال، وثانيهما تتمثل في تحقيق نسبة ضئيلة من النوعية التي هي الركيزة الأساسية لصنع وتكوين النخبة . عندما نتكلم عن النخبة فإن المقصود هو وجودها الحقيقي والفاعل في مجال الصحة، والسياسة والمعمار والعلوم والفلسفة والآداب والقانون وإدارة الأزمات الطارئة والاقتصاد وهلم جرّا. ففي بلادنا لا توجد ''لجان التفكير'' سواء التابعة للمجتمع المدني، أو تلك التابعة للحكومة والأحزاب السياسية الرسمية.
كما لا يوجد تنسيق جدي ومبرمج بين الجامعات والمعاهد العليا وبين مؤسسات الإنتاج بمختلف فروعها وأنواعها أو بين الأولى وبين الوزارات والمديريات المسؤولة مباشرة على مشاريع التنمي