- إنضم
- 18 مارس 2009
- المشاركات
- 6,389
- نقاط التفاعل
- 55
- النقاط
- 317
- العمر
- 37
بسم الله الرحمن الرحيم</span> </span>
........................................................................................................
ما الذي حدث
........................................................................................................
ما الذي حدث
لا أدري ما الذي حدث بالضبط ، أو لعلي لم أكن مهتما بما يجري حينها ، كل ما اذكره بانني كنت صغيرا عندما حدث كل ذلك، اذكر أنني كنت ارتاد متسكعا إلى مدرستي برفقة اصدقائي حاملا حقيبة كبيرة يبست اركانها ذات الثقوب العديدة التي اضاعت لي الكثير من اقلام الرصاص والمحايات مما جعلني عرضة للعقاب اكثر من مرة، وكنت احيانا اخرى اعدو هائما برفقة اصدقائي لنتسلق اشجار التبربونة (المسكيت) لنقوم بقطفها ومن ثم مضغها وهي ثمار لا تقوى أتفه الحيوانات على تحملها ولا ادري لماذا كنا نفعل ذلك، كان يبدو علينا المرح في اسوأ صوره خاصة عندما نلاحق السلاحف والحرباوات إلى جحورها وعلى اغصانها ،كان خليل يمسك بالسلاحف والحرباوات ذات الرؤس والأعين الفذعة التي تدور كل عين ببصرها بمنأى عن الاخرى، كان خليل يعبث بها مدخلا عود صغير في فمها فتجعله ضاحكا مسرورا عندما تتناوله بالسنتها الطويلة ، ثم يخبئها داخل حقيبته التي تشبه جراب الحاوي ، من شدة امتلائها بكل غريب وعجيب ، ثم نقوم بإفزاع التلاميذ المساكين داخل الفصل ، مما يتسبب ذلك في هرج ومرج ننال على اثرة علقة ساخنة وتوبيخا حادا.
كنت كغير باقي التلاميذ في العالم اسعد كثيرا عندما يطلب الناظر حضور ولي أمري ، فقد كنت اقف داخل المدرسة وعلى شيئ من الفخر في طابور الصباح وأنا أرى والدي كالبطل وهو يلهب الناظر والمدرسين بأقذع الكلام ، كان يقول لهم بأنهم عبارة عن اشخاص تعساء اجبرتهم الظروف المريرة بأن يمتهنوا هذة الوظيفة البائسة ، ثم انهم يفرغون فشلهم وعوزهم على هؤلاء الاطفال الابرياء بحقد مهين وقسوة قل ما توجد في وحوش، انتقاما لشظفهم وبؤسهم واحلامهم المدمرة ، كان ابي يشعر بأنه مسيطر على الموقف تماما قبل ان يدرك مرة بأن ما يتفوه به عبارة عن هراء محض ، لأن المدير أبلغه بهدوء بأنه قد عثر علي وعلى رفقائي ونحن نثقب جدار مكتبه في المكان الذي يضع فيه مسودة الامتحانات.
لا أدري لماذا كان والدي لا يغضب مني ، أو ربما أنه لا يظهر غضبه على ،، فربما كان يشفق على ، عندما يراني اخرج صباحا وانا محمل بتلك الحقيبة الخرافية ، وفي قميصي نوافذ للتهوية ، وعلى ردائي عدة ألوان تبارت في اصلاحه ، وان حذائي كان يعاني من الجفاف باستمرار وتلك الجوارب تركتها لأنها كانت تسبب بعض الاغماءات في الفصل.لا أدري ماذا كان يعمل والدي قبل الآن ، لقد قالت لي امي مرة دون أن أسألها بأنه يعمل سمسارا في اي شيئ لا تدري بالضبط ربما كان في كل شيئ ، اما أنا كنت أراه لا يعمل شيئا البتة، فقط كنت أراه يمضغ التبغ طيلة الوقت ثم يبصقه عندما يريد أن يلعن أحد أو أن يتحف به كل ما يوتر سطح فراغه.
ولكني عدت في يوم ما متأخرا كعادتي بعد أن سرقنا بعض ثمار الفاكهة من احدى حدائق التي تتبارى بها المؤسسات الحكومية التي بجوار مدرستنا ، برغم أنه قد تم القبض على بعضنا إلا أننا استطعنا أن ننقذهم بإدعائنا المسكنة والسذاجة ثم بعض الدموع من خليل وسعد كفلت لنا النجاة، كان خليلا بلا شك ممثلا وقحا ، ولكن سعد كان بكائه حقيقي مما جعلني انا شخصيا لكسر من الثانية أن أشفق عليه ، لا ادري لماذا كان هذا الفتى الضئيل السكوت ، يرافقنا ، كنت اراه أنذاك، عبارة عن ضعيف يحتمي بنا ولا يجد احد يسعد برفقته، أما الآن بعد أن اصبح ذا لسان نشط ينهش سيرتي في كل مكان ، لا أراه إلا وغدا وفطرا يتغذى على غيره.
عموما تم مصادرة تلك الثمار وافرج عنا فعدت إلى المنزل حزينا ولكني وجدت مجموعة كبيرة من الفواكه وقد وضعت على الطاولة الوحيدة التي نتجمع عليها ، وبعضها يكاد يقفز من الاكياس الورقية التي تعاني من كثرة ما تحمل،
بعد ذلك وجدت أن ابي بدا يغدق علينا بعض المال عند ذهابنا إلى المدرسة ، بل انني توقفت تماما عن حمل الطعام والسندويتشات في حقيبتي ، مما سهل أن اذهب إلى المدرسة بدون حقيبة ، رغما أن الحقيبة الجديدة كانت أروع واجمل حقيبة في المدرسة بأكملها ، ولعلني كنت خجلا منها أو انها لم تعد ذات فائدة ، بعد أن اصبحت اتناول فطوري كمعظم التلاميذ نقدا مع الحلويات والمياه الغازية.
ثم اذكر انني كنت داخل الفصل اتلاعب ببعض الأوراق والأقلام التي جمعتها وخليل خلسة من مختلف الفصول، إذا بدأ الناظر على باب الفصل برفقة رجل لم أراه من قبل يريد حضوري ،
ذهبت إليهم وحملني إلى منزل جديد فخم بسيارة فخيمة، نزلت ولم القى بالا لما يحدث ، وسريعا ما انخرطت في حياتي الجديدة.
تم تغير المنزل الجديد في غضون أشهر إلى قصر منيف ذا حديقة غناء ، ثم ارتدت مدرسة مختلطة ذات طوابق عديدة ، وفتيات آسرات ، لم تستطع اللغة التي يدرس بها هنالك أن تقف عائقا في طريقي ، فكنت ذا طبيعة فجة تستلهم كل شيئ بفظاعة ، ثم أذكر أنني، ما لبثت سنوات قليلة ، حتى كنت اعج بالفتيات من حولي يضحكن من قصصي التي لا تنتهي ومن لباقتي المنهمرة، ولا أدري لماذا فجأة قفزت إلى ذاكرتي سلمي ، تلك التلميذة العجيبة التي كنت اقف على شارع منزلها منتظرا أياها في الغدو والرواح ، اطلب ودها بكافة الطرق ، وكانت عندما تتعطف على وتكلمني ، اعدو مسرورا وخليل وبقية اصدقائي يجرون ورائي حسدا وغبطة ، كأنما نلنا كأس البطولة أثر ركلة ترجيحية كنت انا من سددها.
انت سلمى تنظر إلى كأنما تنظر إلى شرنقة علقت بأطراف ثوبها ، كنت مفتون بها حينذاك أما الآن ، فأنها لا تعدو في نظري غير متسولة وسخة تدعي التعجرف.
كنت لا أشاهد التلفاز ، فهذا الجهاز الذي يختذل الحياة ويقدمها معلبة لبعض المترهلين بأحلامهم وهلاويسهم، كان لا يعني لي شيئا ، فقد كنت اعيش الحياة بطولها وعرضها ، وما أجده من لذات ومطائب، تفتقرها برامج التلفاز.
غير أني ذات يوم صحوت متأخرا كعادتي ، وكنت اتناول الشاي وامصه مصا وانا انظر إلى التلفاز من دون رغبة مني ، وفجأة وجدت أبي في مشهد مقتضب من الاخبار محاطا بأجانب ومسئولين ، ادلى بتعليق لم افهمه غير أني وجدت تلك النظرة التي كان يحسب نفسه مسيطرا على الوضع تماما عندما يسل لسانه على اساتذتي والناظر.
وأنا في غمرة الأندهاش إذا أجد ابي خرج من غرفته ودخل إلى الحمام وكنت اسمع صوت سواكه الضاج ، ثم عاد وانضم إلى وصب كوبا من الشاي ، عندها ولأول مرة سألت أبي :
أبي لقد رأيتك في التفاز الآن
فقط اليوم رأيتني؟
أبي قل لي بحق الله ، ما لذي تفعله بنا وبهذا البلد؟
نظر إلى ابي مليئا ثم ابتسم وقال لي :
-هل تتدرك أولئك القوم الذين كنت اهرع طيلة النهار إلى مكاتبهم لإيجاد وظيفة، وأولئك الذين كانو يمتحنوني ثم يصلون في النهاية إلى تعليق لا يكلفهم أي مشقة بأنني لست بذي جدوى ، وأن الكلية التي درست بها تم أغلاقها لأنها كانت خطأ فادحا، وانها لم تخرج سوى بضعة نفر رماني حظي التعس أن أكون من ضمنهم.
ثم قال بفخر وهو يمص شايه:
أنهم الآن يملأون مكتبي طيلة النهار ، يتحفوني بنكاتهم السخيفة ويتزلفون إلى بغية ، إيجاد وظيفة لهم.
نظرت إلى المرأة التي خلف التلفاز ونظرت إلى صورتي وأبي ونحن نمصان الشاي مصا ، عندها انفجرت ضاحكا ، ولم يبدو على أبي الاهتمام أو التعجب ولم يسألني سر الضحكة ، لأن
طبع السمسار المتأصل فيه لا يعبأ بشيئ لا يجد من وراءه منفعة.
أما ضحكتي فقد كانت نتاج معرفتي لسر مكري