صدر هذا التقرير على خلفية قضية الأرض المقدسة
في إطار التضييق والملاحقات التي تتعرض لها الجمعيات الخيرية الإسلامية في الولايات المتحدة قضت محكمة فيدرالية في السابع والعشرين من مايو الماضي بسجن مدير مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية شكري أبو بكر لمدة 65 عاما بتهم دعم وتمويل ما وصف بالإرهاب، وتبييض أموال لصالح حركة حماس، كما قضت على متهمين آخرين بالسجن بمدد تتراوح بين 15 و65 عاما تحت نفس التهم. وكانت المحكمة نفسها قد أصدرت حكما في 22 أكتوبر 2007 ببراءة المتهمين وبطلان القضية، ولكن الإدارة الأمريكية عادت وفتحت الملف بعد أن تغير قاضي المحكمة وأعضاء هيئة المحلفين، وعلى خلفية الحكم الأول بالبراءة صدر هذا التقرير "الإخوان المسلمون في الولايات المتحدة" عن مؤسسة (الحادي عشر من سبتمبر للبحث عن أجوبة) (Nine Eleven Finding Answers)، ويستعرض التقرير مستندات يقول إنها عبارة عن مجموعة من الوثائق الداخلية لحركة الإخوان المسلمين مكتوبة بواسطة قادتها، قدمها المدعون الفيدراليون كأدلة في القضية، واعتبرت صحيحة من قبل هيئة الدفاع.
يستهل التقرير حديثه عن إخوان أمريكا بعبارة وردت في مذكرة داخلية للإخوان صادرة عام 1991 بعنوان "مذكرة شرح: عن الهدف الإستراتيجي العام للجماعة في أمريكا الشمالية"، كتبها محمد أكرم العدلوني الذي يعرفه التقرير بأنه أحد قيادات إخوان أمريكا، ووردت هذه المذكرة ضمن مستندات قضية الأرض المقدسة، تقول العبارة "إن على الإخوان أن يدركوا أن عملهم في أمريكا هو عبارة عن جهاد عظيم في إزالة وتحطيم الحضارة الغربية من الداخل، "وتخريب" بيتهم البائس بأيديهم وأيدي المؤمنين، حتى تزول وينتصر دين الله على كافة الأديان الأخرى".
طالع أيضا:
حماس: الحكم بسجن مؤسسي "الأرض المقدسة" مسيس
إدانة "الأرض المقدسة".. تصدم حقوقيين الأمريكيين
أمريكا.. بطلان دعوى ضد جمعية متهمة بدعم حماس
ويتشابه هذا المقطع مع الكثير من مقاطع التقرير التي تتعمد الابتسار والقراءة الحرفية منزوعة السياق لبعض الفقرات، إضافة لعرض بعض الأمور التي تتسم بالغموض والاشتباه في إطار يقيني.
ويستغل التقرير هذه العبارة للتدليل على منطلقاته الأساسية التي يمكن تلخيصها في أن جماعة الإخوان المسلمين في أمريكا تنظيم سري لديه أهداف غير تلك التي يعلنها، ولديه عدد من المنظمات التي تعمل في الواجهة دون أي رابط واضح بينها وبين الإخوان، ولكنها في النهاية جزء من شبكة الإخوان، وتسعى لتنفيذ أهداف الإخوان السرية التي تتمثل في تحطيم الولايات المتحدة من الداخل، والسعي لتأسيس مجتمع إسلامي عالمي، وأن من هذه المنظمات صندوق الأرض المحتلة الذي أصبح فيما بعد مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتطوير.
يمر التقرير سريعا على تاريخ نشأة جماعة الإخوان المسلمين، ويركز على فكر سيد قطب، وعلى ما حفلت به كتاباته من معاداة للغرب، وكذلك على الدور الذي قام به عدد من ناشطي الإخوان في تأسيس منظمات إسلامية عالمية كرابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي.
الإخوان وقيادات العمل المسلح
ويربط التقرير بين الإخوان وبين عدد من الجماعات والقيادات الإسلامية المسلحة على اعتبار أنهم انبثقوا من الجماعة، ومن هؤلاء عمر عبد الرحمن، وأيمن الظواهري، وخالد الشيخ محمد، وبعض منفذي هجمات الحادي عشر من مارس 2004 في مدريد، ولم يعتمد التقرير في هذا الربط على مستندات قضية مؤسسة الأرض المقدسة التي ذكر في المقدمة أنه يعتمد عليها، وإنما على مقالات نشرت في صحف مثل واشنطن بوست ونيوزويك.ينتقل التقرير بعد ذلك لاستعراض تاريخ الإخوان في أمريكا، ويعتمد هنا على بيان ورد ضمن مستندات قضية مؤسسة الأرض المقدسة لزيد النعمان الذي عرفه التقرير على أنه قائد مكتب تنظيم جماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة، فيتحدث عن نشأة حركة الإخوان المسلمين في أمريكا بداية من ستينيات القرن الماضي، وكيفية تحولهم من النشاط الطلابي ضمن اتحاد الطلبة المسلمين إلى تنظيمات إقليمية وفقا للبلد التي جاءوا منها، ومن ثم نشوء الوعي بالاختلاف بين البيئة التي يعمل بها الإخوان في الدول العربية، وبين تلك التي يتحركون فيها في الولايات المتحدة.
خلال استعراض التقرير لهذا التاريخ ركز على أمور محددة تدعم زاوية الرؤية التي ينطلق منها ويحاول إثباتها، ومنها العمل السري، وتغلغل جماعة الإخوان وتأثيرها على المنظمات التي نشأت بين الشباب المسلمين المهاجرين.
التدريب على السلاح
يحاول التقرير إثبات أن إخوان أمريكا قد طوروا نوعا من القدرة العسكرية، ويدلل على ذلك بخطاب لزيد النعمان تحدث فيه عن أهداف إخوان أمريكا في عام 1982-1983 وذكر من ضمن الأهداف النشاط الخاص وتأمين الجماعة، وذكر التقرير أنه عندما سئل النعمان عن المقصود بالنشاط الخاص وتأمين الجماعة رد بالقول "النشاط الخاص يعني العمل العسكري، وتأمين الجماعة يعني أمن الجماعة ضد المخاطر الخارجية، على سبيل المثال، العمل على مراقبة الحركات المريبة التي تعمل في الساحة السياسية الأمريكية مثل الصهيونية، والماسونية... إلخ، ومراقبة الهيئات الحكومية مثل الCIA، FBI...إلخ، لنرى إن كانوا يراقبونا، وكيف نستطيع التخلص من هذه المراقبة إن وجدت".وفي نفس السياق يذكر التقرير أن النعمان تحدث عن أن العديد من معسكرات الإخوان في الولايات المتحدة بها تدريب على السلاح، إلا أن التدريب على السلاح أصبح أكثر صعوبة في بعض المناطق؛ لأن السلطات "بدأت تصبح أكثر صرامة في السماح للمسلمين باستخدام المعسكرات".
ينطلق التقرير عند حديثه عن حماس من المادة رقم 2 من دستور حماس التي تنص على أن "حركة المقاومة الإسلامية تعتبر جناحا من أجنحة حركة الإخوان المسلمين في فلسطين...." ليتحدث عن العلاقة بين إخوان أمريكا وحماس، وعن أن المنظمات المرتبطة بالإخوان في أمريكا دعمت الانتفاضة، وأنه "كان هناك باستمرار تجديد للعلاقات بين حركة الإخوان وحماس".
ويقتبس التقرير في هذا الصدد مقتطفات من عدد من مذكرات ومستندات الجماعة التي كانت جزءا من أوراق قضية الأرض المقدسة، والتي تتحدث عن حماس وتشيد بدورها في الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
بناء على ما سبق يرى التقرير أن "المهمة الرئيسية لحركة الإخوان من أوائل التسعينيات ولاحقا، هي دعم حركة حماس في الأراضي الفلسطينية ماديا وسياسيا، طبقا لتعليمات مكتب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في القاهرة".
ويلاحظ هنا ربط نشاط إخوان أمريكا بتعليمات مكتب الإرشاد بالقاهرة مع ما في ذلك من حساسية خضوع مواطنين أمريكان لأفراد من دول أخرى، وما يثيره ذلك من طعن في انتماء هؤلاء وولائهم.
"كير" منظمة إخوانية!
يقول التقرير إن كير إحدى المنظمات الإخوانية
يقول التقرير إن إخوان أمريكا ساهموا في تأسيس المجلس الأمريكي للعلاقات الإسلامية "كير" لزيادة قدرتهم على الانتشار، وإن كير تطورت لتصبح الصوت الإخواني الأقوى في الإعلام وأبرز "منظمات الواجهة" لجماعة الإخوان المسلمين في أمريكا. وفي حديثه عن علاقة كير بإخوان أمريكا يركز التقرير على طبيعة العلاقات بين المنظمات التي يعتبرها واجهة لجماعة الإخوان في أمريكا، وعلى إصرار هذه المنظمات على عدم إظهار وجود أي علاقات بينها. وفي هذا السياق يذكر واقعة تلقي كير خمسة آلاف دولار كتبرع من مؤسسة الأرض المقدسة عام 1994، وإصرار نهاد عوض المدير التنفيذي لكير في شهادة قدمها للكونجرس على نفي تلقي هذا التبرع الذي لم يلبث أن أثبته التحقيق بعد الإطلاع على الشيك الخاص به.ويعلق التقرير على هذه الواقعة بأنه "حتى لو كانت هذه التبرعات غير قانونية أو غير متوقعة، فهذا الإنكار العنيف (والمزيف) يثير بعض التساؤلات المهمة التي يمكن الإجابة عنها فقط بتقبل تعريف الجماعة لأنفسهم بأنهم تنظيم سري لا يمكن أن يكشف طبيعته الحقيقية، أو العلاقات بين الكيانات المختلفة التي تكون الجماعة".
يذكر هنا أنه تم إدراج كير و300 منظمة وشخص آخرين في قضية مؤسسة الأرض المقدسة تحت مسمى "متآمرون غير متهمين".
وفي نفس السياق يتحدث التقرير عن العلاقات والروابط الأسرية التي تربط بين قيادات عدد من "منظمات الواجهة"، وبين تلك القيادات وعدد من قادة حماس، ويرى في هذه العلاقات دليلا على أن هذه المنظمات ترتبط بروابط سرية لا تريد الإعلان عنها، وبالتالي تستخدم العلاقات الأسرية كطريقة لتغطية الارتباط التنظيمي.
يذكر أنه كان من ضمن أسباب الذين هاجموا أحكام الإدانة التي صدرت ضد قيادات مؤسسة الأرض المقدسة أن عددا من المتهمين فيها يرتبطون بصلاة قرابة مع قيادات من حماس ما يجعل قرار المحكمة في رأيهم مسيسا وظالما.
الجهاد الحضاري
في نهاية التقرير يذكر ما يعتبره دليل إدانة لإخوان أمريكا؛ حيث يعود إلى المذكرة التي اقتبس منها العبارة التي استهل بها التقرير، ويقتبس منها فقرات أخرى تتحدث عن ضرورة "توطين الإسلام والحركة الإسلامية حتى يصبحا جزءا من الوطن الذي يعيشان فيه"، وأن عملية التوطين هذه "تعتبر "جهادا حضاريا" تقع مسئوليته على عاتق المسلمين وعلى رأسهم الإخوان المسلمين"، وأن "قدر المسلم أن يجاهد ويعمل أينما كان وفي أي مكان حل حتى تقوم الساعة".ويرى التقرير أن هذا يعني أن مفهوم التوطين لا يقصد به فقط الوصول إلى العيش بسلام في المجتمع، ولكنه في الحقيقة جزء من الجهاد الذي يعرفه التقرير على أنه "الحرب المقدسة لفتح البلاد بالإسلام" holy war for the conquest of the land by Islam، وبالتالي يعطي التقرير مسحة عسكرية لمفهوم الجهاد الحضاري الذي ذكرته المذكرة، ويعتبر ذلك دليلا على وجود أجندة خفية لإخوان أمريكيا.
ويخلص التقرير في النهاية إلى أن حركة الإخوان المسلمين العالمية قامت على مدى ثلاثة عقود، بتنفيذ مخطط لشن "الجهاد الحضاري" ضد الولايات المتحدة، بهدف جعلها جزءا من خلافة إسلامية أو دولة إسلامية عالمية، وأن هذه كانت مهمة شبكة المنظمات التي تعبر عن تواجد حركة الإخوان المسلمين في أمريكا، وأنه على الرغم من أن العضوية في حركة الإخوان المسلمين قانونية، فإن الجماعة قد دأبت على تصوير كل مجموعة أو منظمة على أنها مستقلة وغير منتسبة لبنية الإخوان، وأن هذه المنظمات تطبق إجراءات أمنية صارمة، وهذه النزعة إلى السرية واتخاذ إجراءات أمنية تشكل مصدرا للقلق والنقاش.
ويرى التقرير أيضا أن المستندات التي اعتمد عليها تبين أنه حتى وإن كانت حركة الإخوان لا تتبنى العنف بشكل علني، فإنها كانت منشغلة في التدريب على السلاح، وكان لها فرع خاص أمني سري لمراقبة أجهزة تطبيق القانون، ورصد اهتمام وكالات المخابرات بأنشطة حركة الإخوان، وأنه سواء ثبتت على منظمة الأرض المقدسة تهمة تمويل الإرهاب أو لم تثبت فإنه من الواضح أن الإخوان المسلمون ومنظماتهم المتعددة في أمريكا يسعون لتنفيذ أجندة مختلفة تماما عن تلك التي يعلنون تبنيها.
صحفية من أسرة موقع الإسلاميون (طرق وحركات)
* يمكن مطالعة النص الإنجليزي للتقرير على الرابط التالي:
http://www.nefafoundation.org/miscellaneous/nefaikhwan1007.pdf
http://islamyoon.islamonline.net/comments/contactus/contactus_islamyoon.jsp?ref=footer