منابر من نور

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
السلام عليكم

ليس هناك أحبّ إلى النفس من كلمة حقّ تقال،
وموقف وفاء يعلن،
يكبر ذلك في حقّ جيل أعطى الكثير لأمته،
ولم يأخذ شيئاً ذا بال، بل كان جزاؤه الصّدود، والتناسي، حتى صارت في هذه السنوات الأخيرة تمرّ الذكريات الخاصة بوفاة بعض أعلامنا الفكرية في صمت مطبق، في حضور ضجيج حزبي، وانتهازية سياسية وإعلامية، ومن بين هؤلاء: المفكر والأديب والمصلح الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي (1889-1965م) وإن كان الشيخ غنيا عن التعريف بالنسبة لجيله ولاحقه، ولبعض الباحثين والمثقفين، فهو يكاد يكون مجهولاً بالنسبة لأغلبية من قراء العربية في الوطن العربي.

مولده:
ولد عام 1889م في قرية (سيدي عبد الله) من نواحي سطيف. تلقى تعليمه الأوَّلي على والده وعمه ؛ فحفظ القرآن ودرس بعض المتون في الفقه واللغة


[تحرير] مشواره العلمي و الأدبي
غـادر الجزائر عام 1911 ملتحقاً بوالده الذي كان قد سبقه إلى الحجاز ، وتابع تعليمه في المدينة ، وتعرف على الشيخ ابن باديس عندما زار المدينة عام 1913 ، غادر الحجاز عام 1916 قــاصــداً دمشق، حيث اشتغل بالتدريس، وشارك في تأسيس المجمع العلمي الذي كان من غاياته تــعـريـــب الإدارات الـحـكـومــيــة، وهناك التقى بعلماء دمشق وأدبائها، ويـتـذكــرهــــم بعد ثلاثين سنة من عودته إلى الجزائر فيكتب في (البصائر) العدد 64 عام 1949: "ولقد أقمت بين أولئك الصحب الكرام أربع سنين إلا قليلاً ، فأشهد صادقاً أنها هي الواحة الـخـضـراء في حياتي المجدبة ، وأنها هي الجزء العامر في عمري الغامر ، ولا أكذب الله ، فأنا قــريــــر العين بأعمالي العلمية بهذا الوطن (الجزائر) ولكن ... مَن لي فيه بصدر رحب ، وصحب كـأولــئـــك الصحب ؛ ويا رعى الله عهد دمشق الفيحاء وجادتها الهوامع وسقت ، وأفرغت فيها مــــا وسقت ، فكم كانت لنا فيها من مجالس نتناقل فيها الأدب ، ونتجاذب أطراف الأحاديث العلمية...".

في عام 1920 غادر الإبراهيمي دمشق إلى الجزائر ، وبدأ بدعوته إلى الإصلاح ونشر العلم في مدينة (سطيف) ، حيث دعا إلى إقامة مسجد حر (غير تابع للإدارة الحكومية) وفي عام 1924 زاره ابن باديس وعرض عليه فــكــرة إقامة جمعية العلماء ، وبعد تأسيس الجمعية اُختِير الإبراهيمي نائباً لرئيسها ، وانــتــدب مـــن قِـبـل الجمعية لأصعب مهمة وهى نشر الإصلاح في غرب الجزائر وفى مدينة وهران وهي المعقل الحصين للصوفية الطرقيين، فبادر إلى ذلك وبدأ ببناء المدارس الحرة ، وكان يحاضر في كل مكان يصل إليه، وهــو الأديـــب البارع والمتكلم المفوَّه، وامتد نشاطه إلى تلمسان وهى واحة الثقافة العربية في غرب الجزائر وقـامــت قيامة الفئات المعادية من السياسيين والصوفيين وقدموا العرائض للوالي الفرنسي؛ يلتمسون فـيـها إبعاد الشيخ الإبراهيمي ، ولكن الشيخ استمر في نشاطه ، وبرزت المدارس العربية في وهران.
وفي عام 1939 كتب مقالاً في جريدة (الإصلاح) ؛ فنفته فرنسا إلى بلدة (أفلو) الصحراوية ، وبعد وفاة ابن باديس انتخب رئيساً لجمعية العلماء وهو لا يزال في المنفى ولم يُفرج عنه إلا عام 1943، ثم اعتقل مرة ثانية عام 1945 وأفرج عنه بعد سنة. وفى عام 1947 عادت مجلة (البصائر) للصدور ، وكانت مقالات الإبراهيمي فيها في الذروة العليا من البلاغة ومن الصراحة والنقد القاسي لفرنسا وعملاء فرنسا. يقول عن زعماء الأحزاب السياسية:
"ومن خصومها (أي الجمعية) رجال الأحزاب السياسية من قومنا من أفراد وأحزاب يضادّونها كلما جروا مع الأهواء فلم توافقهم ، وكلما أرادوا احتكار الزعامة في الأمة فلم تسمح لهم ، وكلما طالبوا تأييد الجمعية لهم في الصغائر - كالانتخابات - فلم تستجب لهم ، وكلما أرادوا تضليل الأمة وابتزاز أموالها فعارضتهم" (1).

ودافع في (البصائر) عن اللغة العربية دفاعاً حاراً: "اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة ، ولا دخيلة ، بل هي في دارها وبين حماتها وأنصارها ، وهي ممتدة الجذور مع الماضي مشتدة الأواصر مع الحاضر ، طويلة الأفنان في المستقبل" (2).

واهتمت (البصائر) بالدفاع عن قضية فلسطين ؛ فكتب فيها الإبراهيمي مقالات رائعة. عاش الإبراهيمى حتى استقلت الجزائر ، وأمّ المصلين في مسجد (كتشاوة) الذي كان قد حُوّل إلى كنيسة ، ولكنه لم يكن راضياً عن الاتجاه الذي بدأت تتجه إليه الدولة بعد الاستقلال ؛ فأصدر عام 1964 بياناً ذكر فيه: "إن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية"


وفاته:
تُوفي - رحمه الله - يوم الخميس في العشرين من أيار (مايو) عام 1965. بعد أن عاش حياة كلها كفاح لإعادة المسلمين إلى دينهم القويم ؛ فجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين

الشيخ البشير الإبراهيمي الجزائري ومقاومته للصوفية






ترتبط مقاومة الصُّوفيَّة المبتدعة بإصلاح العقيدة ارتباطاً وثيقاً, وقدَ كشفَ الإبراهيميُّ رحمه اللَّه
عن مخازي هؤلاء وحاربهم بشدَّة, وعاملهم بما يستحقُّون لأَّنهم تاجروا باسم الدِّين, وزجَّت بهم فرنسا في أتون المعركة, فَأَصغِ إليه وهو يقول :
"في أيَّام الحملة الكبرى على الحكومة الفرنسيَّة ظهرَ هؤلاء بمظهر مناقض للدِّين، فكشفوا السِّترَ عن حقيقتهم المستوردة، ووقفوا في صفِّ الحكومة مؤيِّدين لها، خاذلين لدينهم وللمدافعين عن حريَّته مطالبين بتأييد استعباده، عاملين بكُلّ جهدهم على بقائه بيد حكومة مستحيِّة تخرِّبه بأيديهم، وتشوِّه حقائقه بألسنتهم، وتلوِّثُ محاربيه ومنابره بضلالتهم"

ويقول :
"وقد أخَذوا في الزَّمن الأخير ببعض مظاهر العصر ، وتسلَّموا بعضَ أسلحتهم بإملاء من الحكومة للدِّفاع عن الباطل ، فكوَّنوا جمعيَّة ، وأنشأوا مجلَّة ، وجهَّزوا كتيبة من الكُتَّاب يقودها أعمى –ليشترك عاقلهم وسفيههم في هذه المخزيَات ، وبحكم العموميَّة في الجمعيَّة ، والاشتراك في المجلة ،ولو في دائرته الضيِّقَة ومن أهله وجيرانه … دافعناهم –عندما ظهروا بذلك المظهر- بالحق فركبوا رؤوسهم ، فتسامحنا قليلاً إبقاءً على حرمة (المحراب) و (المنبر) التي انتهكوها ، فشدَّدوا إبقاءً على حرمة (الخبزة) !! فكشفنا عن بعض الحقائق المستوردة فلجُّوا وخاضوا ، وثاروا وخاروا ، فلمَّا عَتَوْا من أمر ربِّهم رميناهم بالآبدَة … وهي أنَّ الصَّلاة خلفهم باطلة ، لأنَّ إمامتهم باطلة … لأنَّهم جواسيس" !!

وقد عد الشيخ الإبراهيمي الصُّوفيَّةَ داءً عُضالاً يحب التَّخلُّصُ منه، لِتُحَرّر عقيدة المسلم من التَّشويش، وتطلق لعقله العنان في التَّشبُّع وفهم الشريعة ، فتراه يصرِّح بقوله:
"إننا علمنا حقَّ العلم بعد التَّروِّي والتَّثبُّت ودراسة أحوال الأُمَّة ومناشئ أمراضها أنَّ هذه الطُّرق المبتدعة في الإسلام هي سببُ تفرُّق المسلمين ، ونعلم أنَّنا حين نقاومها نقاوم كلَّ شر ،إنَّ هذه الطُّرق لم تسلم منها بقعة من بقاع الإسلام ، وإنَّها تختلف في التَّعاليم والرُّسوم الظاهر كثيراً ، ولا تختلف في الآثار النَّفسيَّة إلاّ قليلاً ، وتجتمعُ كلها في نقطة واحدة وهي التَّحذير والإلهاء عن الدِّين والدُّنيا"

ويتابعُ شارحاً مخاطرَ الطرقيَّة وبدعها ، حيث تعلَّقَ كثيرٌ من المسلمين بطقوس طريقتهم ، وبطروحات مشايخهم ، ولم يعودوا على اتِّصال مباشر مع الكتاب وصحيح السُّنَّة ، بل أصبحت هذه الطُّرقُ حاجزاً بينهم وبين مصادر الشريعة ، وكأنَّها دين جديد ، لقد أصبحت بعض الطُّرق –كما يرى الإبراهيمي- في بلاد العرب والمسلمين ، وفي الجزائر بخاصَّة ، إضافة جديدة إلى محاولات الدَّس التي قام بها أعداء كثيرون للإسلام ، إن كان بنحل الأحاديث ، أو بالتَّأويلات المزِّورة للحقيقة ، أو ما شاع عند العديد من الحركات الباطنيَّة ، ولكن يعود ليؤكِّد أن هذا كان خطره أقل بكثير من خطر هذه الطَّريقة ، فيقول:
"أما والله ما بلغَ الوضَّاعون للحديث ، ولا بلغت الجمعيَّات السريَّة والعلنيَّة الكائدة للإسلام من هذا الدِّين عشر معشار ما بلغتهُ من هذه الطُّرق المشؤومة … إنَّ هذه الهَّوة العميقة التي أصبحت حاجزة بين الأمَّة وقرآنها هي من صنع أيدي الطرقيِّين" .

ويقول مقرِّعاً والطَّرقيَّة وفَهْمَهم الخاطئ للإسلام:
" .. فكل راقصٍ صوفي ، وكل ضاربٍ بالطَّبل صوفي ، وكل عابثٍ بأحكام الله صوفي ، وكل ماجنٍ خليعٍ صوفي ، وكل مسلوب العَقل صوفي ، وكل آكل للدُّنيا بالدين صوفي ، وكل ملحدٍ بآيات الله صوفي ، وهَلُّم سحباً ، أَفيَجْمُلُ بجنودِ الإصلاح أن يَدَعُوا هذه القلعة تحمي الضَّلال وتُؤْويه ، أم يجب عليهم أن يحملوا عليها حملةً صادقَةً شعارهم: (لا صوفيَّــة في الإســلام) حتى يدكُّوها دكَّاً ، وينسفوها نسفاً ، ويذروها خاويةً على عروشها" .

وقد كان رحمه الله تعالى في محاربتهِ للصُّوفيَّة وخرافاتها وتُرّهاتهم متأثِّراً بتعاليم حركة الشيخ محمد بن عبدالوهَّاب الإصلاحيَّة ،ويتَّضحُ ذلك عندما نراه يُعَلّل هجوم المتاجرين بالدَّين على هذه الدَّعوةِ السُّنِّيَّة الإصلاحيَّـة في البلاد الحجازيَّة التي سَّماها خصومُها بِـ(ـالوهَّابيَّـة) –تنفيراً وتَشويهاً- لأنَّها قضت على بدعهم ، وحاربت خرافاتهم ، فيقول:
"إنَّهم موتورون لهذه الوهَّابيَّة التي هدمت أنصابهم ، ومحت بدعهم فيما وقعَ تحتَ سلطانهم من أرضِ الله ، وقَد ضجَّ مبتدعة الحجاز فضجَّ هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسة ، فليس ما نسمعهُ هنا من ترديد كلمة (وهابي) تُقذف في وجه كل داعٍ إلى الحقِّ إلاّ نواحاً مردَّداً على البدع التي ذهبت صرعى هذه الوهَّابيَّة" .
 
السلام عليكم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك اخى
الف شكرا على موضوع

الله يحفضك
ننتضر جديدك اخى​
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top