[FONT="]انتشرت ظاهرة العنف السياسي في الجزائر بأشكاله المختلفة. سواء ما يطلق عليه العنف السياسي الشعبي (الذي يمارسه المواطنون أفراداً أو جماعات ضد الأنظمة السياسية المتعاقبة)، أو ما يطلق عليه العنف السياسي المؤسـسي (الرسمي) والذي تمارسه الدولة من خلال أجهزتها المختلفة ضد المواطنين أفراداً أو جماعات، أو عناصر معينة منهم. وحيث أن هذه الظاهرة يكتنفها الكثير من الغموض في جوانبها المختلفة، فإن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من البحث والتحليل في جذور ومسببات العنف السياسي في الجزائر.[/FONT]
[FONT="]وعليه يمكن صياغة المشكلة على النحو التالي:[/FONT]
[FONT="]هل العنف السياسي في الجزائر هو نتيجة لتناقضات في مواقف وتصورات القوى السياسية الموجودة على المسرح السياسي، أم أن هناك عدد من المتغيرات المختلفة التي أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في انتشار ظاهرة العنف السياسي في الجزائر. من هنا تركز هذه الدراسة على إبراز العوامل المختلفة التي أدت إلى إنتشار العنف السياسي ظاهرة وسلوكاً في الجزائر وكذلك البحث في أساسيات المشكلة والتي وصلت إلى مرحلة أصبحت تهدد ليس المجتمع العربي في الجزائر بل جميع الدول العربية نظراً للترابط الكبير بين المجتمعات العربية.[/FONT]
[FONT="]العنف السياسي في عهد بومدين :
[/FONT][FONT="]إن ما تشهده الجزائر من عنف سياسي لم يكن وليد الساعة، بل ترجع جذوره إلى بداية السبعينات من هذا القرن إن لم يكن قبل ذلك. فالشعب الجزائري كان يرزح تحت الاستعمار الفرنسي أكثر من 132 عاما، ولم يحصل على استقلاله إلا بعد تضحيات كبيرة، وبعد استخدام كافة الوسائل المتعددة من الطرق السلمية إلى استخدام القوة والعنف بشتى صوره. ولذلك فشعب كان يعاني من التقتيل والتشريد والحصار والهيمنة الخارجية أصبحت لديه المناعة الكافية لاستيعاب وتحمل أية أزمة كانت. وباستطاعته أن يضحي في سبيل استقلاله وتحقيق أهدافه الدينية والسياسية والاقتصادية. ولم تحجم قدرته وتطلعاته أي محاولات سواء من الداخل أو الخارج. إلا أنه ومن منطلق أهداف هذه الدراسة فإننا سوف نتحدث عن حالة ظهور العنف المنظم في عهد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين. لم تكن مرحلة الرئيس هواري بومدين مرحلة بناء واستقرار وتنمية فحسب بل كانت تشوبها بعض الصراعات السياسية والفكرية، إلا أنها لم تصل في حدتها وقوتها وخروجها على القانون مثل ما حدث في المراحل اللاحقة.[/FONT]
[FONT="] إن المتتبع لجذور العنف السياسي في الجزائر ليجد جذوره الأولى في الأساس البنائي والهيكلي لدولة الجزائر الحديثة والذي نتج عن التغيير السياسي في شكل السلطة الجزائرية بعد الاستقلال والمتمثل في الحركة الانقلابية التي قادها الرئيس هواري بومدين في 19 من شهر يوليو لعام 1965م والتي أطاحت بالرئيس أحمد بن بيلا وانتهت بتعديل هيكلية النظام السياسي والتركيز على إعادة بناء الحزب الحاكم ومن ثم إنفراده المطلق بالسلطة مع استيعابه لبعض عناصر المعارضة من خلال طرح برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أجلت المواجهة بين النظام السياسي وعناصر المعارضة. ولذلك نجد أنه في بداية مرحلة الرئيس هواري بومدين أكد النظام السياسي على سياسة تأكيد الهوية العربية والإسلامية للدولة وكان هناك شبه إجماع على تجذير أيديولوجية الدولة الجديدة. الأيديولوجية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، وكان النظام السياسي في تلك المرحلة يجيد التعامل مع مختلف القوى في الدولة، بل أن مرجعية هذه القوى قد تم تحديدها في جبهة التحرير الوطني والتي بدورها استخدمت الإسلام كأداة لتمرير سياساتها وأيديولوجيتها ولذلك نجد أنه "في كل مرة يؤكد ساسة الجزائر انتماءهم إلى الحضارة العربية الإسلامية، وبقي الإسلام الملاذ الثقافي للمشروع الاشتراكي." (. قواص، 1998:24) وقد لعب الإسلام دوراً صاهراً لوحدة وهوية وشخصية الجزائر استمر في إسباغ شرعية على الجزائر المستقلة.[/FONT]
[FONT="] فقد ساهمت الهوية الإسلامية للدولة في منح وتأكيد الشرعية للنظام السياسي، بل وحشدت كافة الكتل الشعبية خلف مشروع بناء الوحدة الوطنية، الأمر الذي أبعد -ولو مؤقتاً- شبح المواجهة بين النظام السياسي وقوى المعارضة. وفي مقابل ذلك حرص النظام السياسي على عدم إثارة الجماهير الشعبية، بل وقام بقبول بعض المطالب الشعبية التي تتعارض مع برامجه المختلفة. من ذلك عدلت الدولة عن "تطبيق سياسة تحديد النسل التي كانت تنادي بها، وذلك رغبة في اجتناب المعارضة الشديدة التي لقيتها هذه السياسة في أغلبية الأوساط الشعبية، وعدلت أيضاً عن التحويرات (التعديلات) الأساسية التي كانت تعتزم إدخالها في قانون الأحوال الشخصية خاصة فيما يهم حقوق المرأة." (بلعيد، 1998:79)[/FONT]
[FONT="] لقد استطاع النظام السياسي في عهد بومدين أن يضع توازناً سياسياً هشاً بين جميع أطراف المعارضة في الجزائر، حيث نجده، أولاً: يؤكد على سياسة التعريب الأمر الذي أدى إلى كسب تأييد ودعم التيار الإسلامي والعروبي في الجزائر وخارجها. وثانياً: بدأ في عام 1972م بإطلاق ما يعرف بـ (الثورة الزراعية) والتي أحدثت نقلة نوعية في الجزائر من حيث أنها بدأت تروج للنظام الاشتراكي في الجزائر، خاصة بعد الاستعانة بخبراء من الاتحاد السوفييتي السابق لترسيخ هذا البرامج الزراعي، الذي لم يؤت بنتائج كما كان يتوقع النظام السياسي. ثالثاً: بدأ النظام السياسي يطرح برامج اقتصادية وثقافية متعددة لرفاهية المجتمع، إلا أن هذه الإجراءات كان يقصد بها توفير سند اجتماعي واقتصادي للنظام السياسي، كعوامل ضرورية لاستقراره والحفاظ على شرعيته، غير أن فشل هذه البرامج أدى إلى كشف عدم قدرة النظام وعجزه عن تطبيق برامجه المتعددة، بل إن هذا العجز عكس عقماً داخلياً في عدم قدرة النظام على إنتاج بدائل تطرح رؤية اقتصادية وسياسية عصرية تعبر عن رغبات ومتطلبات كافة شرائح وفئات المجتمع الجزائري. ولهذا أوجد النظام السياسي عداوة جميع أطراف المعارضة، مما أدى إلى بداية المواجهة الفعلية في عام 1975م والذي تمحور حول إقرار (الميثاق الوطني الجديد) والذي تم إقراره في عام 1976م بعد تنازلات وتحالفات بين مختلف أطراف الصراع في الدولة. ومع أن الميثاق الجديد قد "أفرز معادلات جديدة في السياسة الجزائرية، لكن الشرخ كان قد بدأ بالاتساع بين دعاة التعريب، ودعاة الإصلاح الزراعي" (مركز الدراسات والأبحاث، 1992:141). ولذلك بدأ النظام السياسي محاولاته بضبط وإضعاف مراكز القوى المتصارعة والتي تهدد كلا المشروعين (التعريب والثورة الزراعية)، لكن النظام وجد نفسه في مواجهة مع هذه القوى. وجد النظام السياسي نفسه في مواجهة مباشرة مع القوى الإسلامية وخاصة القوى التي رفضت الميثاق الوطني لعام 1976م، حيث انتقلت هذه المعارضة ولأول مرة في تاريخ الجزائر من المعارضة السلمية إلى استخدام العنف المسلح.(2) [/FONT] [FONT="]والمتتبع لجذور العنف السياسي في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، يستطيع أن يحصر ذلك في ستة أمور أساسية: (قواص،1998، حيدوسي، 1997، مركز الدراسات والأبحاث، 1992).[/FONT]
[FONT="]أولاً: فشل الثورة الزراعية وعدم تحقيق أهدافها التي نادت بها ، وما ترتب على ذلك الفشل من تغيير في التركيبة السكانية حيث نزح الكثير من سكان الريف إلى المدن الأمر الذي أدى إلى نوع من الخلل في التوازن الديموغرافي. وهذا بدوره أدى إلى ضغوط على النظام السياسي لتوفير الحاجات الأساسية للمجتمع، ونتيجة لهذا الفشل، يكتشف المجتمع الجزائري أن الثورة الزراعية لم تنتج سوى الحرمان والإحباط، الأمر الذي أدى إلى اهتزاز قاعدة النظام السياسي.[/FONT]
[FONT="]ثانياً: تعثر سياسة "التعريب" في الجزائر والتي استجابت لكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، الأمر الذي أدى إلى نوع من الفوضى في هذه السياسة.[/FONT]
[FONT="]ثالثاً: فشل النظام السياسي في السيطرة على قطاع المساجد والذي اصبح ينمو بشكل كبير حيث انتشرت المساجد التي يتم إنشاؤها من قبل الشعب والجماعات الإسلامية وبذلك أصبحت مراكز توجيه وتنظيم وتخطيط للجماعات والتنظيمات الإسلامية.[/FONT]
[FONT="]رابعاً: في عام 1971م سمحت الدولة بإقامة الجمعيات التي تحولت إلى منابر يعبر من خلالها الجزائريون عن توجهاتهم الفكرية واطروحاتهم السياسية ومنتظماتهم الاجتماعية وكان تأسيس هذه الجمعيات عبارة عن نقلة نوعية تنظيمية مهمة في الحياة السياسية للأفراد والجماعات في المجتمع الجزائري، وقد أدى ذلك إلى تقوية نفوذ ومكانة تلك الجمعيات والتهيئة إلى الانتقال إلى مرحلة تالية أكثر مواجهة مع النظام السياسي.[/FONT]
[FONT="]خامساً: في عام 1976م فرض الرئيس بومدين تبني دستور جديد (الميثاق الوطني) وهو عبارة عن "دستور منسوخ عن النماذج الستالينية.... (حيث) جرى استبدال ديكتاتورية البروليتاريا بديكتاتورية الجهاز العسكري" (حيدوسي، 51:1997) وهذا الدستور الجديد بعيد كل البعد عن التعبير عن حقيقة التوازنات السياسية. وكردة فعل لمثل هذه السياسة، بدأت الجماعات والتنظيمات الإسلامية برفض هذا الدستور، ولذلك بدأ النظام السياسي بقمع الجماعات المعارضة للدستور، وخاصة الجماعات الإسلامية مما أدى إلى نموها وقوتها واثبات وجودها في المجتمع، وتوسيع قاعدتها الشعبية في مواجهة التيارات الأيديولوجية المتعددة، بل وفي مواجهة النظام السياسي.[/FONT]
[FONT="]سادساً: فشل السياسة التصنيعية التي اعتمدها النظام السياسي، والتي تهدف إلى تشييد قاعدة اقتصادية متحررة عن تأثيرات وضغوط السياسة الاقتصادية الرأسمالية المهيمنة. ولتحقيق ذلك فقد تبنت النخبة الحاكمة "نموذجاً تنموياً يستند إلى مجموعة من الأفكار والإجراءات، مثل التأميمات وبناء قطاع عام واسع، واعتماد المخططات التنموية الهادفة إلى إقامة اقتصاد [متمركز حول الذات] وكذلك فكرة التصنيع الكثيف المستند على ما أطلق عليه اسم [الصناعات التصنيعية]" (قواص، 50:1998) وهذه السياسة أوقعت البلاد ضحية البرنامج الاقتصادي الغير متكافئ وإمكانات الدولة، حيث اعتبر الرئيس هواري بومدين أن "لا استقلال سياسياً دون سياسة تصنيعية مستقلة . غير أن تلك السياسة أدت إلى حرمان النظام من تأمين الاكتفاء الذاتي الغذائي للبلاد" (قواص، 50:1998)[/FONT]
[FONT="]من خلال قراءة وتحليل العناصر السابقة يمكن القول بأن حجم العنف السياسي [بشقيه الشعبي والرسمي] في الجزائر خلال فترة الرئيس هواري بومدين لم يصل إلى درجة المواجهة المسلحة بين أطراف المعارضة، وبقي الوضع في إطار المعارضة السلمية باستثناء حالات محدودة، ولذلك نستطيع القول أن مرحلة هواري بومدين لم تشهد عنفاً سياسياً بالمعنى المتعارف عليه، إلا أن أواخر مرحلة الرئيس هواري بومدين، ونتيجة لبعض السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تم اتخاذها في تلك المرحلة بلورت أسس العنف السياسي المعاصر في الجزائر. ولذلك فإن هذه المرحلة من عهد الرئيس هواري بومدين قد يفسرها الاتجاه الذي يؤكد على حالة اختلال في النسق الاجتماعي والسياسي مما يؤدي إلى عدم قدرة النظام السياسي على التكيف مع البيئة الداخلية والخارجية، وكذلك عدم قدرته على الاستجابة للضغوط والمطالب الشعبية، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث العنف السياسي.[/FONT]
(2)كانت أول عملية عنف قد سجلت في مدينة [بليداء] مسقط رأس الشيخ محفوظ نحناح رئيس حركة المجتمع الإسلامي (حماس) قام بها أنصار الشيخ نحناح فاتحين بذلك الطريق لتغيير شكل المعارضة وأسلوبها من الأسلوب السلمي إلى أسلوب العنف
[FONT="]وعليه يمكن صياغة المشكلة على النحو التالي:[/FONT]
[FONT="]هل العنف السياسي في الجزائر هو نتيجة لتناقضات في مواقف وتصورات القوى السياسية الموجودة على المسرح السياسي، أم أن هناك عدد من المتغيرات المختلفة التي أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في انتشار ظاهرة العنف السياسي في الجزائر. من هنا تركز هذه الدراسة على إبراز العوامل المختلفة التي أدت إلى إنتشار العنف السياسي ظاهرة وسلوكاً في الجزائر وكذلك البحث في أساسيات المشكلة والتي وصلت إلى مرحلة أصبحت تهدد ليس المجتمع العربي في الجزائر بل جميع الدول العربية نظراً للترابط الكبير بين المجتمعات العربية.[/FONT]
[FONT="]العنف السياسي في عهد بومدين :
[/FONT][FONT="]إن ما تشهده الجزائر من عنف سياسي لم يكن وليد الساعة، بل ترجع جذوره إلى بداية السبعينات من هذا القرن إن لم يكن قبل ذلك. فالشعب الجزائري كان يرزح تحت الاستعمار الفرنسي أكثر من 132 عاما، ولم يحصل على استقلاله إلا بعد تضحيات كبيرة، وبعد استخدام كافة الوسائل المتعددة من الطرق السلمية إلى استخدام القوة والعنف بشتى صوره. ولذلك فشعب كان يعاني من التقتيل والتشريد والحصار والهيمنة الخارجية أصبحت لديه المناعة الكافية لاستيعاب وتحمل أية أزمة كانت. وباستطاعته أن يضحي في سبيل استقلاله وتحقيق أهدافه الدينية والسياسية والاقتصادية. ولم تحجم قدرته وتطلعاته أي محاولات سواء من الداخل أو الخارج. إلا أنه ومن منطلق أهداف هذه الدراسة فإننا سوف نتحدث عن حالة ظهور العنف المنظم في عهد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين. لم تكن مرحلة الرئيس هواري بومدين مرحلة بناء واستقرار وتنمية فحسب بل كانت تشوبها بعض الصراعات السياسية والفكرية، إلا أنها لم تصل في حدتها وقوتها وخروجها على القانون مثل ما حدث في المراحل اللاحقة.[/FONT]
[FONT="] إن المتتبع لجذور العنف السياسي في الجزائر ليجد جذوره الأولى في الأساس البنائي والهيكلي لدولة الجزائر الحديثة والذي نتج عن التغيير السياسي في شكل السلطة الجزائرية بعد الاستقلال والمتمثل في الحركة الانقلابية التي قادها الرئيس هواري بومدين في 19 من شهر يوليو لعام 1965م والتي أطاحت بالرئيس أحمد بن بيلا وانتهت بتعديل هيكلية النظام السياسي والتركيز على إعادة بناء الحزب الحاكم ومن ثم إنفراده المطلق بالسلطة مع استيعابه لبعض عناصر المعارضة من خلال طرح برامجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أجلت المواجهة بين النظام السياسي وعناصر المعارضة. ولذلك نجد أنه في بداية مرحلة الرئيس هواري بومدين أكد النظام السياسي على سياسة تأكيد الهوية العربية والإسلامية للدولة وكان هناك شبه إجماع على تجذير أيديولوجية الدولة الجديدة. الأيديولوجية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية، وكان النظام السياسي في تلك المرحلة يجيد التعامل مع مختلف القوى في الدولة، بل أن مرجعية هذه القوى قد تم تحديدها في جبهة التحرير الوطني والتي بدورها استخدمت الإسلام كأداة لتمرير سياساتها وأيديولوجيتها ولذلك نجد أنه "في كل مرة يؤكد ساسة الجزائر انتماءهم إلى الحضارة العربية الإسلامية، وبقي الإسلام الملاذ الثقافي للمشروع الاشتراكي." (. قواص، 1998:24) وقد لعب الإسلام دوراً صاهراً لوحدة وهوية وشخصية الجزائر استمر في إسباغ شرعية على الجزائر المستقلة.[/FONT]
[FONT="] فقد ساهمت الهوية الإسلامية للدولة في منح وتأكيد الشرعية للنظام السياسي، بل وحشدت كافة الكتل الشعبية خلف مشروع بناء الوحدة الوطنية، الأمر الذي أبعد -ولو مؤقتاً- شبح المواجهة بين النظام السياسي وقوى المعارضة. وفي مقابل ذلك حرص النظام السياسي على عدم إثارة الجماهير الشعبية، بل وقام بقبول بعض المطالب الشعبية التي تتعارض مع برامجه المختلفة. من ذلك عدلت الدولة عن "تطبيق سياسة تحديد النسل التي كانت تنادي بها، وذلك رغبة في اجتناب المعارضة الشديدة التي لقيتها هذه السياسة في أغلبية الأوساط الشعبية، وعدلت أيضاً عن التحويرات (التعديلات) الأساسية التي كانت تعتزم إدخالها في قانون الأحوال الشخصية خاصة فيما يهم حقوق المرأة." (بلعيد، 1998:79)[/FONT]
[FONT="] لقد استطاع النظام السياسي في عهد بومدين أن يضع توازناً سياسياً هشاً بين جميع أطراف المعارضة في الجزائر، حيث نجده، أولاً: يؤكد على سياسة التعريب الأمر الذي أدى إلى كسب تأييد ودعم التيار الإسلامي والعروبي في الجزائر وخارجها. وثانياً: بدأ في عام 1972م بإطلاق ما يعرف بـ (الثورة الزراعية) والتي أحدثت نقلة نوعية في الجزائر من حيث أنها بدأت تروج للنظام الاشتراكي في الجزائر، خاصة بعد الاستعانة بخبراء من الاتحاد السوفييتي السابق لترسيخ هذا البرامج الزراعي، الذي لم يؤت بنتائج كما كان يتوقع النظام السياسي. ثالثاً: بدأ النظام السياسي يطرح برامج اقتصادية وثقافية متعددة لرفاهية المجتمع، إلا أن هذه الإجراءات كان يقصد بها توفير سند اجتماعي واقتصادي للنظام السياسي، كعوامل ضرورية لاستقراره والحفاظ على شرعيته، غير أن فشل هذه البرامج أدى إلى كشف عدم قدرة النظام وعجزه عن تطبيق برامجه المتعددة، بل إن هذا العجز عكس عقماً داخلياً في عدم قدرة النظام على إنتاج بدائل تطرح رؤية اقتصادية وسياسية عصرية تعبر عن رغبات ومتطلبات كافة شرائح وفئات المجتمع الجزائري. ولهذا أوجد النظام السياسي عداوة جميع أطراف المعارضة، مما أدى إلى بداية المواجهة الفعلية في عام 1975م والذي تمحور حول إقرار (الميثاق الوطني الجديد) والذي تم إقراره في عام 1976م بعد تنازلات وتحالفات بين مختلف أطراف الصراع في الدولة. ومع أن الميثاق الجديد قد "أفرز معادلات جديدة في السياسة الجزائرية، لكن الشرخ كان قد بدأ بالاتساع بين دعاة التعريب، ودعاة الإصلاح الزراعي" (مركز الدراسات والأبحاث، 1992:141). ولذلك بدأ النظام السياسي محاولاته بضبط وإضعاف مراكز القوى المتصارعة والتي تهدد كلا المشروعين (التعريب والثورة الزراعية)، لكن النظام وجد نفسه في مواجهة مع هذه القوى. وجد النظام السياسي نفسه في مواجهة مباشرة مع القوى الإسلامية وخاصة القوى التي رفضت الميثاق الوطني لعام 1976م، حيث انتقلت هذه المعارضة ولأول مرة في تاريخ الجزائر من المعارضة السلمية إلى استخدام العنف المسلح.(2) [/FONT] [FONT="]والمتتبع لجذور العنف السياسي في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، يستطيع أن يحصر ذلك في ستة أمور أساسية: (قواص،1998، حيدوسي، 1997، مركز الدراسات والأبحاث، 1992).[/FONT]
[FONT="]أولاً: فشل الثورة الزراعية وعدم تحقيق أهدافها التي نادت بها ، وما ترتب على ذلك الفشل من تغيير في التركيبة السكانية حيث نزح الكثير من سكان الريف إلى المدن الأمر الذي أدى إلى نوع من الخلل في التوازن الديموغرافي. وهذا بدوره أدى إلى ضغوط على النظام السياسي لتوفير الحاجات الأساسية للمجتمع، ونتيجة لهذا الفشل، يكتشف المجتمع الجزائري أن الثورة الزراعية لم تنتج سوى الحرمان والإحباط، الأمر الذي أدى إلى اهتزاز قاعدة النظام السياسي.[/FONT]
[FONT="]ثانياً: تعثر سياسة "التعريب" في الجزائر والتي استجابت لكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، الأمر الذي أدى إلى نوع من الفوضى في هذه السياسة.[/FONT]
[FONT="]ثالثاً: فشل النظام السياسي في السيطرة على قطاع المساجد والذي اصبح ينمو بشكل كبير حيث انتشرت المساجد التي يتم إنشاؤها من قبل الشعب والجماعات الإسلامية وبذلك أصبحت مراكز توجيه وتنظيم وتخطيط للجماعات والتنظيمات الإسلامية.[/FONT]
[FONT="]رابعاً: في عام 1971م سمحت الدولة بإقامة الجمعيات التي تحولت إلى منابر يعبر من خلالها الجزائريون عن توجهاتهم الفكرية واطروحاتهم السياسية ومنتظماتهم الاجتماعية وكان تأسيس هذه الجمعيات عبارة عن نقلة نوعية تنظيمية مهمة في الحياة السياسية للأفراد والجماعات في المجتمع الجزائري، وقد أدى ذلك إلى تقوية نفوذ ومكانة تلك الجمعيات والتهيئة إلى الانتقال إلى مرحلة تالية أكثر مواجهة مع النظام السياسي.[/FONT]
[FONT="]خامساً: في عام 1976م فرض الرئيس بومدين تبني دستور جديد (الميثاق الوطني) وهو عبارة عن "دستور منسوخ عن النماذج الستالينية.... (حيث) جرى استبدال ديكتاتورية البروليتاريا بديكتاتورية الجهاز العسكري" (حيدوسي، 51:1997) وهذا الدستور الجديد بعيد كل البعد عن التعبير عن حقيقة التوازنات السياسية. وكردة فعل لمثل هذه السياسة، بدأت الجماعات والتنظيمات الإسلامية برفض هذا الدستور، ولذلك بدأ النظام السياسي بقمع الجماعات المعارضة للدستور، وخاصة الجماعات الإسلامية مما أدى إلى نموها وقوتها واثبات وجودها في المجتمع، وتوسيع قاعدتها الشعبية في مواجهة التيارات الأيديولوجية المتعددة، بل وفي مواجهة النظام السياسي.[/FONT]
[FONT="]سادساً: فشل السياسة التصنيعية التي اعتمدها النظام السياسي، والتي تهدف إلى تشييد قاعدة اقتصادية متحررة عن تأثيرات وضغوط السياسة الاقتصادية الرأسمالية المهيمنة. ولتحقيق ذلك فقد تبنت النخبة الحاكمة "نموذجاً تنموياً يستند إلى مجموعة من الأفكار والإجراءات، مثل التأميمات وبناء قطاع عام واسع، واعتماد المخططات التنموية الهادفة إلى إقامة اقتصاد [متمركز حول الذات] وكذلك فكرة التصنيع الكثيف المستند على ما أطلق عليه اسم [الصناعات التصنيعية]" (قواص، 50:1998) وهذه السياسة أوقعت البلاد ضحية البرنامج الاقتصادي الغير متكافئ وإمكانات الدولة، حيث اعتبر الرئيس هواري بومدين أن "لا استقلال سياسياً دون سياسة تصنيعية مستقلة . غير أن تلك السياسة أدت إلى حرمان النظام من تأمين الاكتفاء الذاتي الغذائي للبلاد" (قواص، 50:1998)[/FONT]
[FONT="]من خلال قراءة وتحليل العناصر السابقة يمكن القول بأن حجم العنف السياسي [بشقيه الشعبي والرسمي] في الجزائر خلال فترة الرئيس هواري بومدين لم يصل إلى درجة المواجهة المسلحة بين أطراف المعارضة، وبقي الوضع في إطار المعارضة السلمية باستثناء حالات محدودة، ولذلك نستطيع القول أن مرحلة هواري بومدين لم تشهد عنفاً سياسياً بالمعنى المتعارف عليه، إلا أن أواخر مرحلة الرئيس هواري بومدين، ونتيجة لبعض السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تم اتخاذها في تلك المرحلة بلورت أسس العنف السياسي المعاصر في الجزائر. ولذلك فإن هذه المرحلة من عهد الرئيس هواري بومدين قد يفسرها الاتجاه الذي يؤكد على حالة اختلال في النسق الاجتماعي والسياسي مما يؤدي إلى عدم قدرة النظام السياسي على التكيف مع البيئة الداخلية والخارجية، وكذلك عدم قدرته على الاستجابة للضغوط والمطالب الشعبية، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث العنف السياسي.[/FONT]
(2)كانت أول عملية عنف قد سجلت في مدينة [بليداء] مسقط رأس الشيخ محفوظ نحناح رئيس حركة المجتمع الإسلامي (حماس) قام بها أنصار الشيخ نحناح فاتحين بذلك الطريق لتغيير شكل المعارضة وأسلوبها من الأسلوب السلمي إلى أسلوب العنف