التفاعل
62
الجوائز
1,017
- تاريخ التسجيل
- 3 سبتمبر 2008
- المشاركات
- 8,360
- آخر نشاط

حامد خلف العُمري
ما إن بدأت الأوضاع في إيران تخرج عن سيطرة النظام الحاكم , و ما أن شعر خامنئي باهتزاز كرسيه , نتيجة الزلزال الذي أحدثه التزوير الذي صاحب الانتخابات الرئاسية ( و التي هي في حقيقتها لا تعدو كونها انتخابات لاختيار سكرتير المرشد ) , حتى لجا النظام الإيراني إلى سلاحين من أشهر أسلحته التقليدية .
الأول : سلاح الهراوة الغليظة لحد القتل .
الثاني: سلاح ( التقية السياسية ) , و الدجل السياسي , واعني (الدخول في حرب تصريحات و اتهامات مع الدول الغربية و إسرائيل), بهدف صرف أنظار الشعب عن أزمته التي يعيشها ,و إشغاله بمعركة مفتعلة ,بغية إعادة توحيده و رصه من جديد خلف قائده الأعلى .
و الحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها النظام الإيراني لهذه الإستراتيجية , بل أن تاريخه معها قديم قدم الثورة الخمينية!
و هو و إن فشل, إلى ساعة كتابة هذه السطور , في كتم صوت الشعب الهادر, إلا أنه لا زال يراهن على إقناعه بأن كل تلك المعارضات إنما هي بسبب تدخل الدول الغربية وإسرائيل في شئونه الداخلية , و لكي تكتمل فصول المسرحية , فقد أعلنت القيادة الصهيونية ( المستفيدة من تصريحات نجاد , و المقتاتة على مزاعمه بإزالتها من على الخريطة ) تأييدها و تحيتها للثوار , بل صرحت بأنها ستسعى لإقامة علاقات دبلوماسية مع زعيمهم في حال فوزه .
و من الواضح أن هذا الموقف الصهيوني يهدف إلى إضعاف جانب الثُّوار , لأن أي تأييد صهيوني لهم سيثير حولهم الكثير من الشبهات, و بالتالي سيعزز من موقف خصومهم الذين يتهمونهم بالتآمر و التعاون مع الأعداء ( المزعومين ) .
وبعيداً عن الأحداث الجارية في إيران , فإني أود أن أستعرض تاريخ النظام الإيراني التوسعي مع هذا النوع من ( التقية السياسية ) , و مدى نجاحه في تسويقها و الاستفادة منها .
و قبل أن أبدأ , فقد يكون من الموضوعي أن أثبت أولاً (نظرية كذب النظام الإيراني في عداءه للغرب و إسرائيل ) , و إثبات العكس , و ذلك عبر شواهد و أدلة واقعية و تاريخية , حتى لا يبقى الكلام مجرد دعوى .
فمن الأدلة التاريخية , فضيحة ( إيران جيت ) الشهيرة , أو قصة التعاون العسكري بين إيران و أمريكا, و التي حدثت في ثمانينيات القرن الماضي.
فبينما كانت الحرب الكلامية بين البلدين في ذروتها, وبينما كان الخميني و أتباعه يصبون لعناتهم على ما يسمونه ب " الشيطان الأكبر " , كان الرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر يعقد اتفاقاً , في باريس مع نائب الرئيس الأمريكي " بوش الأب " وبحضور مندوب الموساد " آري بن ميناشيا " , لتزويد إيران بأنواع متطورة من السلاح الأمريكي , عن طريق إسرائيل , ليستخدمها الجيش الإيراني في حربه ضد العراق و ذلك مقابل مبلغ مقداره 1,217,410 دولار أمريكا, و قد كشفت الوثائق التي أفرج عنها أرشيف الأمن القومي الأمريكي بتاريخ 10/11/2006 , تفاصيل مهمة حول هذه القضية.
و من الأدلة كذلك ما صرح به نائب الرئيس الإيراني للشئون القانونية و البرلمانية السابق, محمد علي أبطحي , في ختام مؤتمر " الخليج و تحديات المستقبل " و الذي عقد بإمارة أبو ظبي بتاريخ 13-1-2004 حيث قال بالحرف الواحد : ( إن إيران قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان و العراق , و إنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول و بغداد بهذه السهولة ) .
بل أنه قد يكون من المضحك أن تعلم أن القوات الأمريكية في العراق , هي من تولى حماية الرئيس الإيراني عن زيارته للعراق العام الماضي , من ساعة و صوله حتى مغادرته !
أما على صعيد علاقة إيران بإسرائيل , فيكفي ما صرح به وزير الخارجية في حكومة نتنياهو "ديفيد ليفي" حيث قال: (إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام أن إيران هي العدو) " جريدة هارتس اليهودية 1/6/1997"
و كذلك ما قاله "شارون" في مذكراته , حيث قال صراحة : ( لم أر في الشيعة أعداء لإسرائيل على المدى البعيد , عدونا الحقيقي هو المنظمات الإرهابية الفلسطينية ) " مذكرات شارون , ترجمة أنطوان عبيد - ص 576 "
و الحقيقة أن المجال لا يتسع لتتبع المزيد من الأدلة و الوثائق أو التصريحات , و أظن أن من أراد ذلك فلن يصعب عليه , فهناك عشرات الوثائق و المقالات المنشورة على الانترنت , والتي تناولت هذا الجانب (1) , و مع ذلك فلا يزال بيننا من يعتقد بأن إيران هي حاملة راية الجهاد و المقاومة ضد أمريكا و إسرائيل , و المصيبة أن ذلك ليس قاصراً على العوام , بل يتعداه إلى طبقات من المثقفين !
و يبقى السؤال , ما الذي يدفع إيران لتصنًّع العداء لتك الدول؟ و لماذا لا تصرح بعلاقاتها معها كما في عهد الشاه؟ و لماذا تبادلها تلك الدول تصريحات العداء الزائفة ؟
يبدو , و الله اعلم , أن في ظهور إيران كمقاوم لأمريكا أو إسرائيل , و كقائد لما يسمى بمعسكر الممانعة مصلحة مشتركة لتلك الأطراف مجتمعة , لأن ذلك يحقق هدفين مزدوجين :
الأول : و هو ما يعبر عنه البعض بالحاجة الوجودية لإسرائيل، فمن المعلوم أن إسرائيل تحب أن تبدو دائما بمظهر الضعيف المحدق به الخطر و المحاط بسياج من الدول المعادية , ما يمكنها من الحصول على مساعدات و أسلحة الدول الغربية الكبرى , و قد رأينا كيف تحالف العالم بأسره معها لمنع تهريب السلاح لحماس , و لذلك فهي , وكما أشرت , تستغل تصريحات المسئولين الإيرانيين الذين يتوعدون بإزالتها من على الخارطة لإقناع الرأي العام الغربي بحاجتها للدعم المستمر , و كذلك لجعله يتفهم ما تقوم به من أعمال إرهابية ضد المدنيين في فلسطين أو لبنان .
الثاني : ( و هو ما قد يخفى على الكثيرين ) تلميع المذهب الشيعي و تسويقه , بهدف مزاحمة الإسلام السني الغير متقبل للمشروع الغربي , و يتم ذلك عبر تقديم المذهب الشيعي كمذهب يقوم في الأساس على مبدأ الثورة و المقاومة للعدو دون مواربة , و قد لمسنا تأثر الكثير منا ( ولا أقصد العوام فقط ) بخطابات نصر الله و نجاد النارية و المتكررة ضد إسرائيل ! .
و هذا الهدف يندرج تحت الهدف الأمريكي الأكبر الساعي إلى إحداث نوع من التوازن بين قوى المنطقة , واستخدامها كأدوات لضرب بعضها ببعض , و قد كان من آثار هذا الهدف إطلاق أمريكا يد إيران في العراق ,بسبب وجود أكثرية سنية تسعى أمريكا لتحجيمها , بينما نراها تكف نفس اليد في لبنان لضعف أهل السنة هناك , و لموالاة قياداتهم لأمريكا.
و لا تزال الوقائع تؤكد لنا أن العداء الإيراني لأمريكا و إسرائيل يبقى في أكثره مجرد تصريحات و تهديدات فارغة لا يسندها أي تحرك حقيقي , عدا ما يكون من مناورات تكتيكية , و اعني بالتحديد مواجهات حزب الله مع إسرائيل , و التي ثبت أنها مواجهات تكتيكية مقننة و مرتبطة بالحسابات الإيرانية فحسب , و ليس من ورائها أي نصر للأمة , و إلا فما تفسير تفرج حزب الله على ما حدث في غزة إبان العدوان الصهيوني الأخير عليها , بل و المسارعة في نفي تورطه في عمليات إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان؟!
و يدرك المتتبع لاستراتيجيات هذا التنظيم , أنه إنما أريد له أن يوجد في جنوب لبنان كبديل للميلشيات النصرانية التي فشلت في الحد من نشاط الفصائل الفلسطينية في لبنان , لأنه أقدر في منع الفصائل الفلسطينية المسلحة من الوصول إلى نقاط التماس مع العدو.
و لسائل أن يسأل , أليست إيران داعمة للجهاد في فلسطين ؟
فأقول , إن ما نشاهده من احتفاء إيران بقيادات حماس و فتح أذرعتها لقادة الجهاد في فلسطين , لا يعدو كونه مناورة و تقية سياسية أخرى ! أحسب أن الإخوة في حماس أذكى من أن تنطلي عليهم , فإيران لا تعطي شيئاً لوجه الله , و من قتل الفلسطينيين و شردهم في العراق و ألجأهم إلى ترك بيوتهم و العيش في العراء, لا يمكن أن يرحمهم في فلسطين , و لو كانت إيران صادقة في دعمها لحماس لأنفذت و عدها الذي قطعته إبان فوز حماس بالانتخابات , و المتمثل في إعطاءها مبلغ خمسين مليون دولار! و يبقى أن الذي أعطى الفرصة كاملة لإيران للمتاجرة بالقضية الفلسطينية وتزعم الساحة الإسلامية , إنما هو الموقف العربي السلبي تجاه المقاومة و تراجع الدور الريادي لبعض الدول العربية .
و لتتأكد أخي القارئ الكريم من أن العلاقة بين أمريكا أو إسرائيل و إيران إنما هي علاقة تعاون استراتيجي وليس العكس , فإني أسوق هنا بعض التساؤلات التي أتمنى منك أن تتأمل فيها بموضوعية:
1. كم عدد الحروب التي اندلعت بين إيران و أمريكا أو إسرائيل منذ انطلاقة الثورة حتى الآن؟
2. هل حدث أن استهدفت مواقع إستراتيجية إيرانية على غرار ما حدث للمفاعل العراقي؟
الواقع يشهد أن أمريكا إنما خاضت الحروب ضد أعداء إيران التاريخيين , أفغانستان التي مازالت مشاعر الغضب الطائفي والعنصري الإيراني تتأجج ضدها , بسبب عقدة سقوط الدولة الصفوية على يد الأفغان الغلزائين (1722-1729م), و العراق الذي تصدى للزحف الصفوي الجديد بقيادة الخميني , بينما بقيت إيران في مأمن بفضل قدرتها على الاستفادة من نقاط الالتقاء بين مشروعها التوسعي و المشروع الأمريكي , تلك النقاط التي خرجت إدارة اوباما الجديدة ببعضها إلى العلن, عبر اجتماعات تنسيق المواقف ضد طالبان !
أما ما يربط إيران بإسرائيل تحديداً , فهناك من يرى أنه أبعد من تاريخ تأسيس الدولتين , إذ لا يزال اليهود يشعرون بالمنة التاريخية للفرس , وذلك بسبب تخليص القائد الفارسي " قورش الكبير " لليهود من السبي البابلي , و لقد وُجدت منظمات شبابية يهودية في طهران تحت اسم"قورش الكبير" ! , و يمكن اعتبار مرحلة حكم الشاة بأنها الفترة التي شهدت أكبر وضوح لطبيعة العلاقة بين إيران و إسرائيل , قبل انطلاق " التقية " أو الثورة الخمينية التي لم تغير في حقيقة العلاقة الشيء الكثير .
و الغريب أن يكون اليهود الفرس هم الأكثـر سفكاً لدماء الفلسطينيين من غيرهم , فنائب رئيس الحكومة الإسرائيلية "شاؤول موفاز" صاحب الخطة العسكرية لمواجهة الانتفاضة و التي كانت نتيجتها مجزرة نابلس وجنين هو فارسي من مواليد طهران عام 1948، و قد هاجرت أسرته إلى فلسطين عام 1957, و "دان حالوتس" رئيس القوات الجوية الإسرائيلية السابق و الملقب ب"جنرال الاغتيالات" , و الذي كانت أبشع مجازره في يوليو 2002 حينما أعطى أوامر بقصف مبنى سكني لاغتيال أحد قادة حركة حماس واستشهد في تلك المجزرة 14 مدنيا بينهم 9 أطفال , ينتمي هو الآخر لعائلة يهودية مهاجرة من "هاجور" الإيرانية .
ختاماً , فمع تأكدي من انه لا يوجد عداء حقيقي ( أيدلوجي ) بين إيران و تلك الدول , ( بل لا يوجد في أدبيات المذهب الاثنا عشري ما يحث عليه!) فإني لا أستطيع نفي وجود بعض الخلافات المصلحية , اوخلافات التنافس على مناطق النفوذ , و هذا النوع من الخلاف يمكن أن تحله الصفقات السياسية , بعكس الخلاف ( الأيدلوجي ) الذي لا يمكن للصفقات السياسية إنهاءه , وهذا ينسحب أيضا على خلافات التيارات المنبثقة عن هذين المشروعين و الموجودة في عالمنا العربي و بخاصة في دول الخليج , و لذلك فمن السهولة عليك ملاحظة التعاون و التنسيق بين التيارات التغريبية و الطائفية في تلك البلدان ضد التيارات السنية وبخاصة السلفي .
و يبقى السؤال : هل سينجح نظام الملالي التوسعي في خديعة شعبه هذه المرة , كما خدعه من قبل , و كما خدع الكثير من العرب العاطفيين ؟
أم أن الشعب , الذي يعيش منه ما يقارب الأربعة عشر مليون شخص تحت خط الفقر ( بحسب تقرير للبنك المركزي الإيراني ) ,و الذي ملَّ من أهدار ثرواته على مشاريع أصحاب العمائم التوسعية, سيقول كلمته ؟
----------------------------
1) انظر على سبيل المثال : " قصة التعاون الإيراني الإسرائيلي " لعز الدين بن حسين القوطالي
ما إن بدأت الأوضاع في إيران تخرج عن سيطرة النظام الحاكم , و ما أن شعر خامنئي باهتزاز كرسيه , نتيجة الزلزال الذي أحدثه التزوير الذي صاحب الانتخابات الرئاسية ( و التي هي في حقيقتها لا تعدو كونها انتخابات لاختيار سكرتير المرشد ) , حتى لجا النظام الإيراني إلى سلاحين من أشهر أسلحته التقليدية .
الأول : سلاح الهراوة الغليظة لحد القتل .
الثاني: سلاح ( التقية السياسية ) , و الدجل السياسي , واعني (الدخول في حرب تصريحات و اتهامات مع الدول الغربية و إسرائيل), بهدف صرف أنظار الشعب عن أزمته التي يعيشها ,و إشغاله بمعركة مفتعلة ,بغية إعادة توحيده و رصه من جديد خلف قائده الأعلى .
و الحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها النظام الإيراني لهذه الإستراتيجية , بل أن تاريخه معها قديم قدم الثورة الخمينية!
و هو و إن فشل, إلى ساعة كتابة هذه السطور , في كتم صوت الشعب الهادر, إلا أنه لا زال يراهن على إقناعه بأن كل تلك المعارضات إنما هي بسبب تدخل الدول الغربية وإسرائيل في شئونه الداخلية , و لكي تكتمل فصول المسرحية , فقد أعلنت القيادة الصهيونية ( المستفيدة من تصريحات نجاد , و المقتاتة على مزاعمه بإزالتها من على الخريطة ) تأييدها و تحيتها للثوار , بل صرحت بأنها ستسعى لإقامة علاقات دبلوماسية مع زعيمهم في حال فوزه .
و من الواضح أن هذا الموقف الصهيوني يهدف إلى إضعاف جانب الثُّوار , لأن أي تأييد صهيوني لهم سيثير حولهم الكثير من الشبهات, و بالتالي سيعزز من موقف خصومهم الذين يتهمونهم بالتآمر و التعاون مع الأعداء ( المزعومين ) .
وبعيداً عن الأحداث الجارية في إيران , فإني أود أن أستعرض تاريخ النظام الإيراني التوسعي مع هذا النوع من ( التقية السياسية ) , و مدى نجاحه في تسويقها و الاستفادة منها .
و قبل أن أبدأ , فقد يكون من الموضوعي أن أثبت أولاً (نظرية كذب النظام الإيراني في عداءه للغرب و إسرائيل ) , و إثبات العكس , و ذلك عبر شواهد و أدلة واقعية و تاريخية , حتى لا يبقى الكلام مجرد دعوى .
فمن الأدلة التاريخية , فضيحة ( إيران جيت ) الشهيرة , أو قصة التعاون العسكري بين إيران و أمريكا, و التي حدثت في ثمانينيات القرن الماضي.
فبينما كانت الحرب الكلامية بين البلدين في ذروتها, وبينما كان الخميني و أتباعه يصبون لعناتهم على ما يسمونه ب " الشيطان الأكبر " , كان الرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر يعقد اتفاقاً , في باريس مع نائب الرئيس الأمريكي " بوش الأب " وبحضور مندوب الموساد " آري بن ميناشيا " , لتزويد إيران بأنواع متطورة من السلاح الأمريكي , عن طريق إسرائيل , ليستخدمها الجيش الإيراني في حربه ضد العراق و ذلك مقابل مبلغ مقداره 1,217,410 دولار أمريكا, و قد كشفت الوثائق التي أفرج عنها أرشيف الأمن القومي الأمريكي بتاريخ 10/11/2006 , تفاصيل مهمة حول هذه القضية.
و من الأدلة كذلك ما صرح به نائب الرئيس الإيراني للشئون القانونية و البرلمانية السابق, محمد علي أبطحي , في ختام مؤتمر " الخليج و تحديات المستقبل " و الذي عقد بإمارة أبو ظبي بتاريخ 13-1-2004 حيث قال بالحرف الواحد : ( إن إيران قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان و العراق , و إنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول و بغداد بهذه السهولة ) .
بل أنه قد يكون من المضحك أن تعلم أن القوات الأمريكية في العراق , هي من تولى حماية الرئيس الإيراني عن زيارته للعراق العام الماضي , من ساعة و صوله حتى مغادرته !
أما على صعيد علاقة إيران بإسرائيل , فيكفي ما صرح به وزير الخارجية في حكومة نتنياهو "ديفيد ليفي" حيث قال: (إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام أن إيران هي العدو) " جريدة هارتس اليهودية 1/6/1997"
و كذلك ما قاله "شارون" في مذكراته , حيث قال صراحة : ( لم أر في الشيعة أعداء لإسرائيل على المدى البعيد , عدونا الحقيقي هو المنظمات الإرهابية الفلسطينية ) " مذكرات شارون , ترجمة أنطوان عبيد - ص 576 "
و الحقيقة أن المجال لا يتسع لتتبع المزيد من الأدلة و الوثائق أو التصريحات , و أظن أن من أراد ذلك فلن يصعب عليه , فهناك عشرات الوثائق و المقالات المنشورة على الانترنت , والتي تناولت هذا الجانب (1) , و مع ذلك فلا يزال بيننا من يعتقد بأن إيران هي حاملة راية الجهاد و المقاومة ضد أمريكا و إسرائيل , و المصيبة أن ذلك ليس قاصراً على العوام , بل يتعداه إلى طبقات من المثقفين !
و يبقى السؤال , ما الذي يدفع إيران لتصنًّع العداء لتك الدول؟ و لماذا لا تصرح بعلاقاتها معها كما في عهد الشاه؟ و لماذا تبادلها تلك الدول تصريحات العداء الزائفة ؟
يبدو , و الله اعلم , أن في ظهور إيران كمقاوم لأمريكا أو إسرائيل , و كقائد لما يسمى بمعسكر الممانعة مصلحة مشتركة لتلك الأطراف مجتمعة , لأن ذلك يحقق هدفين مزدوجين :
الأول : و هو ما يعبر عنه البعض بالحاجة الوجودية لإسرائيل، فمن المعلوم أن إسرائيل تحب أن تبدو دائما بمظهر الضعيف المحدق به الخطر و المحاط بسياج من الدول المعادية , ما يمكنها من الحصول على مساعدات و أسلحة الدول الغربية الكبرى , و قد رأينا كيف تحالف العالم بأسره معها لمنع تهريب السلاح لحماس , و لذلك فهي , وكما أشرت , تستغل تصريحات المسئولين الإيرانيين الذين يتوعدون بإزالتها من على الخارطة لإقناع الرأي العام الغربي بحاجتها للدعم المستمر , و كذلك لجعله يتفهم ما تقوم به من أعمال إرهابية ضد المدنيين في فلسطين أو لبنان .
الثاني : ( و هو ما قد يخفى على الكثيرين ) تلميع المذهب الشيعي و تسويقه , بهدف مزاحمة الإسلام السني الغير متقبل للمشروع الغربي , و يتم ذلك عبر تقديم المذهب الشيعي كمذهب يقوم في الأساس على مبدأ الثورة و المقاومة للعدو دون مواربة , و قد لمسنا تأثر الكثير منا ( ولا أقصد العوام فقط ) بخطابات نصر الله و نجاد النارية و المتكررة ضد إسرائيل ! .
و هذا الهدف يندرج تحت الهدف الأمريكي الأكبر الساعي إلى إحداث نوع من التوازن بين قوى المنطقة , واستخدامها كأدوات لضرب بعضها ببعض , و قد كان من آثار هذا الهدف إطلاق أمريكا يد إيران في العراق ,بسبب وجود أكثرية سنية تسعى أمريكا لتحجيمها , بينما نراها تكف نفس اليد في لبنان لضعف أهل السنة هناك , و لموالاة قياداتهم لأمريكا.
و لا تزال الوقائع تؤكد لنا أن العداء الإيراني لأمريكا و إسرائيل يبقى في أكثره مجرد تصريحات و تهديدات فارغة لا يسندها أي تحرك حقيقي , عدا ما يكون من مناورات تكتيكية , و اعني بالتحديد مواجهات حزب الله مع إسرائيل , و التي ثبت أنها مواجهات تكتيكية مقننة و مرتبطة بالحسابات الإيرانية فحسب , و ليس من ورائها أي نصر للأمة , و إلا فما تفسير تفرج حزب الله على ما حدث في غزة إبان العدوان الصهيوني الأخير عليها , بل و المسارعة في نفي تورطه في عمليات إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان؟!
و يدرك المتتبع لاستراتيجيات هذا التنظيم , أنه إنما أريد له أن يوجد في جنوب لبنان كبديل للميلشيات النصرانية التي فشلت في الحد من نشاط الفصائل الفلسطينية في لبنان , لأنه أقدر في منع الفصائل الفلسطينية المسلحة من الوصول إلى نقاط التماس مع العدو.
و لسائل أن يسأل , أليست إيران داعمة للجهاد في فلسطين ؟
فأقول , إن ما نشاهده من احتفاء إيران بقيادات حماس و فتح أذرعتها لقادة الجهاد في فلسطين , لا يعدو كونه مناورة و تقية سياسية أخرى ! أحسب أن الإخوة في حماس أذكى من أن تنطلي عليهم , فإيران لا تعطي شيئاً لوجه الله , و من قتل الفلسطينيين و شردهم في العراق و ألجأهم إلى ترك بيوتهم و العيش في العراء, لا يمكن أن يرحمهم في فلسطين , و لو كانت إيران صادقة في دعمها لحماس لأنفذت و عدها الذي قطعته إبان فوز حماس بالانتخابات , و المتمثل في إعطاءها مبلغ خمسين مليون دولار! و يبقى أن الذي أعطى الفرصة كاملة لإيران للمتاجرة بالقضية الفلسطينية وتزعم الساحة الإسلامية , إنما هو الموقف العربي السلبي تجاه المقاومة و تراجع الدور الريادي لبعض الدول العربية .
و لتتأكد أخي القارئ الكريم من أن العلاقة بين أمريكا أو إسرائيل و إيران إنما هي علاقة تعاون استراتيجي وليس العكس , فإني أسوق هنا بعض التساؤلات التي أتمنى منك أن تتأمل فيها بموضوعية:
1. كم عدد الحروب التي اندلعت بين إيران و أمريكا أو إسرائيل منذ انطلاقة الثورة حتى الآن؟
2. هل حدث أن استهدفت مواقع إستراتيجية إيرانية على غرار ما حدث للمفاعل العراقي؟
الواقع يشهد أن أمريكا إنما خاضت الحروب ضد أعداء إيران التاريخيين , أفغانستان التي مازالت مشاعر الغضب الطائفي والعنصري الإيراني تتأجج ضدها , بسبب عقدة سقوط الدولة الصفوية على يد الأفغان الغلزائين (1722-1729م), و العراق الذي تصدى للزحف الصفوي الجديد بقيادة الخميني , بينما بقيت إيران في مأمن بفضل قدرتها على الاستفادة من نقاط الالتقاء بين مشروعها التوسعي و المشروع الأمريكي , تلك النقاط التي خرجت إدارة اوباما الجديدة ببعضها إلى العلن, عبر اجتماعات تنسيق المواقف ضد طالبان !
أما ما يربط إيران بإسرائيل تحديداً , فهناك من يرى أنه أبعد من تاريخ تأسيس الدولتين , إذ لا يزال اليهود يشعرون بالمنة التاريخية للفرس , وذلك بسبب تخليص القائد الفارسي " قورش الكبير " لليهود من السبي البابلي , و لقد وُجدت منظمات شبابية يهودية في طهران تحت اسم"قورش الكبير" ! , و يمكن اعتبار مرحلة حكم الشاة بأنها الفترة التي شهدت أكبر وضوح لطبيعة العلاقة بين إيران و إسرائيل , قبل انطلاق " التقية " أو الثورة الخمينية التي لم تغير في حقيقة العلاقة الشيء الكثير .
و الغريب أن يكون اليهود الفرس هم الأكثـر سفكاً لدماء الفلسطينيين من غيرهم , فنائب رئيس الحكومة الإسرائيلية "شاؤول موفاز" صاحب الخطة العسكرية لمواجهة الانتفاضة و التي كانت نتيجتها مجزرة نابلس وجنين هو فارسي من مواليد طهران عام 1948، و قد هاجرت أسرته إلى فلسطين عام 1957, و "دان حالوتس" رئيس القوات الجوية الإسرائيلية السابق و الملقب ب"جنرال الاغتيالات" , و الذي كانت أبشع مجازره في يوليو 2002 حينما أعطى أوامر بقصف مبنى سكني لاغتيال أحد قادة حركة حماس واستشهد في تلك المجزرة 14 مدنيا بينهم 9 أطفال , ينتمي هو الآخر لعائلة يهودية مهاجرة من "هاجور" الإيرانية .
ختاماً , فمع تأكدي من انه لا يوجد عداء حقيقي ( أيدلوجي ) بين إيران و تلك الدول , ( بل لا يوجد في أدبيات المذهب الاثنا عشري ما يحث عليه!) فإني لا أستطيع نفي وجود بعض الخلافات المصلحية , اوخلافات التنافس على مناطق النفوذ , و هذا النوع من الخلاف يمكن أن تحله الصفقات السياسية , بعكس الخلاف ( الأيدلوجي ) الذي لا يمكن للصفقات السياسية إنهاءه , وهذا ينسحب أيضا على خلافات التيارات المنبثقة عن هذين المشروعين و الموجودة في عالمنا العربي و بخاصة في دول الخليج , و لذلك فمن السهولة عليك ملاحظة التعاون و التنسيق بين التيارات التغريبية و الطائفية في تلك البلدان ضد التيارات السنية وبخاصة السلفي .
و يبقى السؤال : هل سينجح نظام الملالي التوسعي في خديعة شعبه هذه المرة , كما خدعه من قبل , و كما خدع الكثير من العرب العاطفيين ؟
أم أن الشعب , الذي يعيش منه ما يقارب الأربعة عشر مليون شخص تحت خط الفقر ( بحسب تقرير للبنك المركزي الإيراني ) ,و الذي ملَّ من أهدار ثرواته على مشاريع أصحاب العمائم التوسعية, سيقول كلمته ؟
----------------------------
1) انظر على سبيل المثال : " قصة التعاون الإيراني الإسرائيلي " لعز الدين بن حسين القوطالي