الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإِنَّ الدَّعوةَ السلفيَّةَ دعوةٌ صافيةٌ نقيَّة, لا يُكدِّرها مُكدِّر, ولا يُفسِدُها دخيل؛ لجلائِها وصفائِها, ووضوحِها وبهائِها, وكم من الدَّعوات الباطلة, والجماعات المنحرفة قد التصق بهذه الدعوة المباركة؟ وحاولوا التلبيس على النَّاس بأنهم من أهلها! ففضحهم الله, وسرعان ما بانَ حالُهم, وظهر ضلالُهم و..
من تزيَّا بغيرِ ما هو فيهِ *** فضحتْهُ شواهدُ الامتحانِ
ولعلِّي لا أبالغ إذا قلت: إِنَّه لم يظلم مصطلحٌ في هذا العصر بقدر ما ظُلِمَ مصطلح (السَّلفيَّة)؛ لكثرةِ ما أُلقِيَ عليه من شبهات, وحِيكَ حوله من مؤامراتٍ, من أعدائِه؛ من جماعاتٍ, وأحزابٍ وتنظيماتٍ, وكثيرِ ما لقيَ من أبنائِه؛ من تشويهِ وإِساءاتٍ, وتفريطٍ في الواجباتِ.
ومن هذه الجماعاتِ والأَحزابِ والتَّنظيماتِ الّتي تسمَّتْ باسمِ السلفيَّةِ بغيرِ حقٍّ, ولَبِسَتْ لَبوسَها بغير صِدق, ما يُسمَّى بـ(السَّلفيَّة الجهاديَّة!).
وفي حقيقتهم؛ لا هم من أَتباعِ السَّلف, ولا هم من أَهلِ الجهاد.
لأَنَّ واقعهم يشهد أَنَّهم لا للجهاد حقَّقوا! ولا بمنهج السَّلف تمسَّكوا!! مجرَّد أسماءٍ وألقابٍ تَسَمَّوا وانتَفخوا بها؛ ليَضحكوا على عقولِ الغُفْل المساكين, ويُلبِّسوا على السُّذَّج من المسلمين.
أَلقابُ مملكةٍ في غير موضِعِها كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأَسدِ
وَلا شكَّ أن إِلصاق كلمة (جهاديَّة) بالسَّلفيَّة أمرٌ فيهِ ما فيهِ! ووَراءَه ما وراءَه! من اتَّهامٍ لغيرِهم بالتَّخاذل, أو الرَّجعيَّة, أو الانهزاميَّة, ومن تقسيمِهم للدَّعوةِ إِلى: عِلميَّة! وتَقليديَّة! ورَسميَّة! و..و..وأَخيراً (جهاديَّة!) = (تكفيريَّة!) والعجبُ كلُّ العجبِ ممن يقسِّمُ السَّلفيَّةَ هذه التَّقسيماتِ! ويفتاتُ على الدَّعوة هذا الافتيات!! وكأَنَّها أموالُ تَرِكَة! أو أقسامُ شَرِكَة!
وللهِ درُّ شيخِنا البحرِ عليٍّ الحلبيِّ –حفظهُ اللهُ-, حينَ ردَّ على تلكم الفريةِ تحتَ عنوانِ: "السَّلفيَّةُ واحدةٌ", قال: "مِن أعجَب ما تَرَدَّدَ على الأسماع , وانتشر –بأخرةَ– وَذَاع : قول بعض الرّعاع, من أهل الجهل والابتداع : إِنَّ السَّلفيَّةَ أنواع !!
قالوا : سلفيّة تقليديّة ! و : سلفيّة جهاديّة ! أو ( تكفيريّة !!) و : سلفيّة تجديديّة ! و: سلفيّة رسميّة ! أو : ( سُلطويّة ) !!و: سلفيّة شرعيّة !و :سلفية إصلاحيّة! ... نعم هكذا يُصَنِّفون , ولا يُنصفون!! وهكذا يَفْتَرون, ولا يَفْتُرون !!وهم في هذا –كلّه– على غير الحق, بل هم في باطلٍ صُراح؛ فالسلفية منهجٌ ربانيٌّ مُتوارَثٌ, يأخذه الخالفُ عن السَّالفِ, والأَبناءُ عن الآباءِ, والأَحفادُ عن الأَجداد ..وأَعظمُ ما يميِّزُ الدَّعوةَ السَّلفيَّةَ – على تعدُّد مزاياها- الاستسلامُ لما فيها من حقٍّ مُتَلَقَّى عن السَّلف, والالتئامُ بما مع علمائها من نورٍ كالدُّرِّ في الصَّدف ...أمَّا الأَغيار : المُغَيِّرُون : تحت ستارِ التَّجديدِ ...والمفسدونَ: تحتَ غطاءِ الجهادِ ... المبدِّلون : تحتَ عباءةِ الإِصلاحِ ... فأوراقهم مكشوفةٌ , ونَغَماتُهُم نَشاز ... لقد انتسبوا إلى السلفية –ظاهراً- , ثم خالفوا -في الحقيقة – أئمتها وكبراءَها- في هذا العصر-: الألباني , وابن عثيمين, وابن باز .. لقد تَسَربلوا لبوسها بثيابٍ رَقراقةٍ شفَّافةٍ ... فَسَرعانَ ما انكشفتْ منهمُ العورات, وبدا لكلِّ ذي عينينِ ما أَخفَوا من سَوءات !! ...".اهـ "السلفية لماذا ؟؟ مَعاذاً ومَلاذاً" ص61
أَصلٌ فاسِدٌ:
ومن الأمور التي لا بدَّ من معرفتها: أنَّ أصلَ فكرِ (السَّلفيَّة الجهاديَّة) التكفيريِّ ومنشأَه في العصرِ الحديثِ هو ما خرجَتْ به (جماعةُ التَّكفيرِ والهجرةِ) الإِخوانيَّةُ في السِّتينيَّاتِ في الجمهوريَّةِ المصريَّة, بقيادةِ (شكري مصطفى), والتي تبنَّت أفكارَ سيِّد قطبٍ الدمويَّةَ التي جاءت كردَّةِ فعلٍ, بعدما نكَّلَ بهمُ الرَّئيسُ المصريُّ الرَّاحلُ (جمال عبد الناصر), ثمَّ تبعتها جماعةُ (الجهاد) في أواخرِ السبعينيَّات, والتي كان على يديها مقتلُ الرَّئيسِ المصريِّ الرَّاحلِ (أنور السادات), ثمَّ تجدَّد هذا الفكرُ المنحرفُ مؤخَّراً بعدَ الحربِ الأَفغانيَّةِ الأُولى -وهيَ أكثرُ المراحلِ خطورةً- على يديْ (تنظيمِ القاعدةِ) في أفغانستانَ بقيادةِ! أُسامةَ بنِ لادنٍ وذراعِهِ! الأيمن! (الظواهري)!, ثُمَّ تشعَّبَ هذا التَّنظيمُ, وبدأَ يبثُّ سراياهُ في العالمِ أجمعَ, وبخاصةٍ في دولِ العالمِ الإِسلاميِّ, وبسببِ عواملَ كثيرةٍ, منها: فشوُّ الجهلِ, وتصدُّرُ أَئمَّةِ الضَّلالِ, وعدمُ احترامِ المرجعيَّةِ العلميَّةِ, ووجودُ الأَحزابِ, وتلوُّثُ كثيرٍ من عقائدِ المسلمينَ في مسألةِ ولاةِ الأمرِ, فقد انتشرَ هذا الفكرُ الخطيرُ انتشارَ النَّارِ في الهشيمِ, وانتشارَ السَّرطانِ في البدنِ السَّقيمِ, فباضَ وفرَّخ في العديدِ من الدُّول الإِسلاميَّةِ, وصارَ لـ(تنظيمِ القاعدةِ) أصلِ (جماعة السَّلفيَّةِ الجهاديَّةِ) فروعٌ في شتَّى البقاعِ والأَصقاعِ: في المغربِ, والجزائرِ, ومصرَ, والعراقِ, ولبنانَ, والسعوديةِ, والأردنِّ, وفلسطينَ, واليمنِ, والصومالِ, ..وغيرِها, بلْ وفي أمريكا وأوروبا.
وصارَ له قادةٌ ومنظِّرون كُثُر؛ كأبي قتادةَ الفلسطيني, وأبي بصيرٍ, وأبي حمزةَ المصري, ومحمد سرور, وكلُّهم في بلادِ الكفرِ يقطنون, وحمود العقلاء الشُّعيبي, وعلي الخضير, وناصر الفهد, والمقدسيِّ, والزَّرقاوي, والحواليِّ, والعَودةِ, والطّريري..وغيرِهم, وكلُّهم في بلاد الإِسلام يقيمون.
وما (السَّلفيَّةُ الجهاديَّةُ) إِلا أَحدَ فروعِ هذا التَّنظيمِ الكبيرِ, ممَّن يحملُ هذا الفكرَ الخطيرَ.
فكما نرى أَنَّ هذه الجماعةَ قد بُنِيَتْ على أصلٍ فاسدٍ, وفكرٍ قطبيٍّ مخالفٍ محترقٍ! بشريٍّ منحرفٍ عن الكتابِ والسنةِ ومنهجِ السَّلفِ الصَّالحِ؛ و(القاعدةُ!!) تقولُ: كلُّ ما بنيَ على فاسدٍ فهو فاسدٌ.
جهادٌ شرعيٌّ, وجهادٌ وهميٌّ!!
فَرُويدَكم أيُّها المتعجِّلون! إِنَّ الجهادَ الشَّرعيَّ اليومَ بالحجِّة والعلمِ والبيانِ, أَمَّا جهادُ السَّيفِ والرُّمحِ والسِّنانِ فله وقتُه وأَوانُه؛ وذلكَ حين تتوفَّرُ شروطُه, وتتواجدُ رجالُه, ونُعِدُّ له العُدَّةَ الّلازِمةَ.
فلو أَنَّكم انشغلتُم بواجبِ الوقتِ من التَّعلُّم والتَّعليمِ, وزرعِ التَّوحيدِ وحُبِّ السُّنَّة في نفوسِ النَّاسِ, ودعوتهم إِلى الخيرِ, لحقَّقتم ما أَرادَ اللهُ منكم, ولكنَّكم انشغلتُم بما لا تستطيعونَ عمَّا تستطيعون, فلا أَنتُم حققتُم ما تستطيعون, ولا أَدركتُم ما لا تستطيعون.. و
إِذا لم تَستَطِعْ شَيئاً فَدَعْهُ *** وَجاوِزْهُ إِلى ما تَستَطيعُ
"وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً". [النساء:66]
قالَ الشَّيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمه الله-: "إِنَّه في عصرِنا الحاضرِ يتعذَّرُ القيامُ بالجهادِ في سبيلِ اللهِ بالسَّيفِ ونحوِه، لضعفِ المسلمين مادِّيَّاً ومعنويَّاً, وعدمِ إِتيانِهم بأَسبابِ النَّصرِ الحقيقيَّةِ، ولأَجلِ دُخولهِم في المواثيقِ والعهودِ الدَّوليَّةِ، فلمْ يَبْقَ إِلّا الجهادُ بالدَّعوةِ إِلى اللهِ على بصيرةٍ".اهـ "فتاوى الشيخ ابن عثيمين"(18/388)
وقالَ فضيلةُ الشَّيخِ زيدٍ بنِ هادي المدخليِّ -حفظه الله-: "وَما عَمَلُ الجماعاتِ المسلَّحةِ في بعضِ الأَقطارِ الّتي تصولُ وتجولُ باسمِ الجِهادِ والدَّعوةِ إِلى العودةِ إِلى الشَّريعةِ الإِسلاميةِ –زعموا- فتقتلُ هذا, وتأخذُ مالَ هذا, وتروِّعُ أُسَراً ومجتمعاتٍ, وتنسفُ مصالحَ ومنشآتٍ؛ كمطارٍ ومدرسةٍ ونحوِهما؛ إِلَّا صورةً من صورِ الإِرهابِ الرَّهيبِ المغلَّفِ, والإِجرامِ العصيبِ المكثَّفِ.
ويا ليتَ هذا الصِّنفَ ممن أَطلقوا على أَنفسِهِم جماعةَ كذا, وادَّعوا العلمَ وأَصدَروا الفتاوى والأَحكَامَ الَّتي تبيحُ دماءَ الحكَّامِ, بلْ ودماءَ السَّاكتينَ عن مثالبِ الحكَّامِ والكافِّينَ أَيديهم عن مصاولتِهم في أَوطانِهم.
أقولُ: يا ليتَ هؤلاءِ بذلوا جهودَهم في نشرِ تعاليمِ الإِسلامِ بينَ محتاجيه -عقيدةً وعبادةً وخُلُقاً وسُلوكاً وأَدباً- بِقَدْرِ ما يستطيعون- مُتَّخذينَ من القرآنَ الكريمَ منهجاً, ومن السُّنَّةِ الصَّحيحةِ مَدخَلاً ومَخرجَاً ـ قبلَ أَن يُشهِروا على النَّاسِ أَسلحَتهم, ويخيفوا سبلَهم ويزلزِلوا أَمنَهم واستقرارَهم بغياً وظلماً وعدواناً, غير أنَّه باسمِ الغَيرَةِ على شريعةِ الإِسلامِ, وصلاحِ أُمَّةِ الإِسلامِ, وهم بهذا الصَّنيعِ يشوِّهون سُمعةَ أمَّةِ الإِسلامِ الحقيقيِّ, ويفتحونَ نوافذَ الذَّمِّ بل أبوابَها على مِصراعَيْها لأَعداءِ الإِسلامِ والمسلمين من الغربيِّين والشَّرقيِّين ليدخُلوا منها, بَلْ ويطلقوا على إِسلامِنا المجيدِ لقبَ القسوةِ والجَورِ والتَّطرُّفِ والإِرهاب كما يطلقونَ على أَهلِه إِطلاقاً عامَّاً بأَنَّهم إِرهابيُّون ومتطرِّفون, بل ولا يحترمون حقَّاً من حقوقِ الإِنسانيَّة, وذلك كلُّه بسببِ سوءِ التَّصرُّفِ في دعوةِ الخلقِ التي يجبُ أن تكونَ بالأُسلوبِ الشَّرعيِّ الصَّحيحِ والسَّيرِ على منهاجِ الرُّسلِ والأَنبياء الواضحِ الصَّريحِ...".اهـ
"الإرهاب وأثره في الأفراد والأمم" ص13
قلتُ: هيهاتَ أن يفهموا هذا الكلام, وينزجروا من هذا الملام, وصدقَ من قال:
ذو العقلِ يَشْقَى في النَّعيمِ بعقلِهِ *** وأَخو الجهالةِ في الشَّقاوةِ يَنْعَمُ
وَمِنَ البليَّةِ عَذْلُ من لا يَرْعَوي *** عَن غَيِّهِ وخطابُ من لا يَفْهَمُ
ثُمَّ هؤلاءِ؛ أَيِّ جهادٍ عنه يتكلَّمون؟ وأَيِّ قتالٍ به يتفيهَقون؟ لو أنَّك سألتَهم عن مسألةٍ من مسائلِ فقهِ الجهادِ لرأيتهم جاهلينَ في ذلكَ أشدَّ الجهل!! في الوقتِ الّذي يملأُ صراخُهم الوعرَ والسَّهل.
وستُبدي لكَ الأَيَّامُ ما كنتَ جاهلاً...و
"نعمْ؛ نحنُ نؤمنُ بالجهاد, ونعطيهِ أَهمِّيَّته الشَّرعيَّة, ونؤدِّيه مكانتَه الدِّينيَّة, ونعرفُ له قدره؛ لكن: ضِمنَ ضوابطِ الشَّرعِ, وأَحكامِ علمائِه, وهديِ أئمَّتهِ وكُبَرائِه..
وأَمَّا إِشاعةُ الفوضى, وترويعُ الآمِنين ـ أو المستأمِنين ـ, وتقتيلُ الأَطفالِ والنِّساءِ والشُّيوخِ, ونزعُ الأُمَّة من أَمنِها وأَمانِها ـ باسمِ الجِهادِ! والدِّينِ!! -وبالعواطفِ الجارفةِ, أَو الحماساتِ الفارغةِ-: فهو عينُ المحادَّةِ للهِ, ولرسولهِ, وللمؤمنين, وخروجٌ عن جادَّةِ أَهلِ العلمِ الراسِخين.
وهذهِ الفعائِلُ التي وصفنا أَخيراً يسمِّيها الغربُ ومن تبعه من أَهلِ الشَّرقِ إِرهاباً!!
... فالدعوةُ السَّلفيَّةُ -الهادِئةُ الهادِيةُ- دعوةٌ علميَّةٌ, ودعوةٌ ربانيَّةٌ, تأْبى تلكمُ المحدثاتِ, وتنأَى بنفسِها عن هاتيكَ الفتنِ العاصفاتِ؛ لا جُبناً أو خَوفاً -كما يصوِّره ويتصوَّره- بعضُ الغلاةِ المخالفين, أَو أَشباهِهم من الجهلةِ المتعنِّتين...".اهـ (السلفية لماذا؟؟ معاذاً وملاذاً) ص118
مَقصِدُ الجِهادِ:
إِنَّ الجهادَ عبادةٌ عظيمةٌ, وطاعةٌ كريمةٌ, مقصِدها الأَسمى, وغايتُها العُظمى؛ هو "تبليغُ دينِ اللهِ, ودعوةُ النَّاسِ إِليه وإِخراجهم من الظُّلماتِ إِلى النُّور, و إِعلاءُ دينِ اللهِ في أرضهِ, وأن يكونَ الدِّينُ كلُّه للهِ وحدَه كما قالَ -عزَّ وجلَّ- في كتابهِ الكريمِ: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ ..".
وفي الصَّحيحَينِ عن أَبي هريرةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "أُمِرتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشهدوا أَن لا إِله إِلّا اللهُ وأَنِّي رسولُ اللهِ؛ فإِذا قالوها عصموا منِّي دماءَهم وأَموالَهم إِلّا بحقِّها وحسابُهم على اللهِ"". "فضل الجهاد والمجاهدين" لشيخ الإسلام ابن باز –رحمه الله- ص8
فهذا هوَ مقصِد الجهادِ في دينِنا العظيمِ, وشرعِنا الحنيفِ, أَمَّا مقصِد الجهادِ عندَ هؤلاءِ يختلفُ اختلافاً كلِّياً, وكما قيل: من ثمارِهم تعرفونهم, فجهادُهم قائمٌ على تكفيرِ الحكَّام, وعدمِ الاعترافِ بولايَتهم الشَّرعيَّة, وتهييجِ النَّاسِ عليهِم.
الجهاديُّون والحُكَّام:
والواقعُ يدلُّ على أَنَّ الذينَ خرجوا على الحاكمِ -وإِن كانَ كافرًا، فضلًا عن كونِه مسلمًا ظالمًا- وهم ضعفاءُ غيرُ قادرين؛ أَنَّ خروجَهم آلَ إِلى فسادٍ أَعظمَ، والتَّاريخُ خيرُ دليلٍ على هذا، قالَ شيخُ الإِسلامِ ابنُ تيميَّة -رحمهُ الله تعالى-: "... ويقالُ: ستُّون سنةً من إمامٍ جائرٍ؛ أَصلحُ من ليلةٍ واحدةٍ بلا سلطان، والتجرِبة تبيِّن ذلك".اهـ "مجموع الفتاوى" (28/391)
وقالَ -رحمه الله تعالى-: "...وقَلَّ مَن خرجَ على إِمامٍ ذي سلطانٍ؛ إِلّا كانَ ما تولَّدَ على فِعْلِهِ من الشرِّ، أعظمَ مما تولَّد من الخيرِ". اهـ "منهاج السنة النبوية" (4/240)
وقالَ أيضًا: "...ولعلَّه لا يكادُ يُعْرَف طائفةٌ خرجتْ على ذي سلطانٍ؛ إِلّا وكانَ في خروجِها من الفسادِ ما هو أعظمُ من الفسادِ الّذي أَزالتْه". اهـ "منهاج السنة النبوية" (3/168)
فكانوا كالَّذي يبني قَصراً ويهدمُ مِصراً, أو كمنْ أرادَ أن يُطِبَّ زكاماً فأَحدثَ جُذاماً, وما ذاكَ إِلّا لجهلهم المفرِط, وقلَّة فقههِم في الدِّين! "ومن يُردِ اللهُ بهِ خيراً يفقِّهه في الدِّين"...
الجهاديّون والعلماءُ:
إِنَّ الواقعَ المشاهدَ لأَفرادِ هذهِ الطائفةِ المخذولةِ المرذولةِ يدلُّ على أَنّه سلمَ من أَلسنتهم اليهودُ والنَّصارى, ولم يسلمْ منهم علماءُ التَّوحيد والسُّنة!
فهمْ دائمو "الطَّعنِ في كبارِ علماءِ السُّنة، والنيلِ منهم، ورميهم بأنهم علماءُ سلطةٍ، وأَنهم قَلَمٌ في يدِ مُحَرِّك، وأنهم عبيدُ العبيدِ، وأنهم ركنوا إِلى القصورِ العامِرة، والسيَّاراتِ الفاخِرة، وأنهم أَصحابُ ذيلِ بغلةِ السُّلطان!! وعلى أَحسنِ الأَحوالِ: فهم جهلةٌ بالواقعِ، وسطحيُّون، ومُلَبَّسٌ عليهم من قِبَلِ الحكّام، وهم علماءُ حيضٍ ونِفاس، أمّا الفتاوى العامّة في النوازلِ المدلهمّة؛ فليسوا مرجِعًا موثوقًا به في ذلكَ... إِلى غيرِ ذلكَ من الافتراءاتِ!!
حتّى قالَ بعضُهم في هيئةِ كبارِ العلماءِ بالمملكةِ العربيّةِ السُّعوديةِ: (هيئة الفاتيكان) أَو (هيئة كبارِ العُملاء)!! فنعوذُ باللهِ من الهوى والضَّلالة والفَظاظَة!!". "فتنة التفجيرات والاغتيالات"ص203
وهذا مِن أَقبح ما يُقال في حقِّ علماءِ هذهِ الأُمّةِ وأئمَّتها, فتَعساً لأُمّةٍ ضيَّعت علماءَها, وحقَّرت كُبراءَها, فكيفَ يفلحُ قومٌ ضيّعوا علماءَهم وأَكابرَهم؟ كيف؟! قالَ ابنُ المباركِ –رحمه الله-: "مَن استَخفَّ بالعلماءِ؛ ذهبتْ آخرتُه، ومن استخفَّ بالأمراءِ، ذهبتْ دنياه، ومَن استخفَّ بالإِخوان؛ ذهبتْ مروءَته".اهـ "سير أعلام النبلاء" (8/408)
الآثارُ المدمِّرةُ لجِهادِهِم المَزعومِ!!
إنَّ الذينَ ينتسبونَ إِلى دعوتنا السَّلفيَّة -زوراً وبهتاناً -من جماعاتِ التَّكفيرِ والتَّفجيرِ, وأَدعياءِ الجهادِ-: ليسوا من السَّلفيةِ في شيء؛ فإِنّ السلفيَّة الحقَّةَ ليستْ إِلّا اتِّصالاً أَميناً بدعوةِ السَّلفِ الرَّحيمةِ الرَّفيقةِ بالمسلمينَ وغيرِ المسلمين, بالعلمِ النّافعِ والعملِ الصالحِ, والدَّعوةِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ.
فإنّنا –السّلفيّين- نبرأُ إِلى الكبيرِ المتعال, من تلكمُ الأَعمال, أينما كانت رايتُها, ومهما كانت غايتُها.
فكمْ جلبتْ تلكمُ الأَعمالُ الوحشيَّةُ الإِجراميّةُ من ويلاتٍ للمسلمينَ ولبلادِهم, وطمَّعتْ فيهم المتربِّصينَ والمتصيِّدين, وفرَّقتْ شملَهم, وشتَّتتْ جمعهُم, وزعزَعتْ أمنَهم, وأَزهقت الأَرواحَ البريئةَ بغيرِ حقّ؟!
قالَ الشّيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمه الله- مشيراً إِلى الذينَ يتصرّفون بغيرِ حكمةٍ: "...وأَعني بهمْ أولئكَ: الذينَ يُلقونَ المتفجِّراتِ في صفوفِ النّاسِ؛ زَعماً منهمْ أَنَّ هذا من الجهادِ في سبيلِ الله!
والحقيقةُ أنّهم أساءوا إِلى الإِسلامِ وأَهلِ الإِسلامِ أَكثرَ بكثيرٍ ممّا أَحسنوا؛ فازدادَ تشويهُ الإِسلامِ بنظرِ الغربيّين, وغيرِ الغربيّين! ماذا أنتجَ هؤلاء؟! هلْ أقبلَ الكفّارُ على الإِسلام؟! أَو ازدادوا نفرةً منه؟! وأَهلُ الإِسلامِ يكادُ الإِنسانُ يغطّي وجهَه؛ لئلّا يُنسبَ إِلى هذهِ الطّائفةِ المُرجِفةِ المُروِّعة, والإِسلام بريءٌ منها, الإِسلام بريءٌ منها.
حتّى بعدَ أَن فُرِضَ الجهادُ؛ ما كانَ الصحابةُ يذهبونَ إِلى مجتمعِ الكفّار يقتلونهم –أبداً-؛ إِلا بجهادٍ له رايةٌ من وليٍّ قادرٍ على الجِهاد.
أَمّا هذا الإِرهاب؛ فهو –واللهِ-نقصٌ على المسلمينَ –أُقسِمُ بالله-؛ لأَنّنا نجدُ نتائِجَه بلا نتيجةٍ أبداً؛ بل بالعكس؛ فإِنّ فيهِ تشويهُ السُّمعة.
ولو أنّنا سَلَكنا الحكمةَ, فاتَّقينا اللهَ في أَنفسِنا, وأَصلحنا أَنفسَنا أَوّلاً, ثمَّ حاولنا إِصلاحَ غيرِنا بالطُّرق الشَّرعيَّة ثانياً؛ لكانَ نتيجةُ هذا نتيجةً طيِّبةً".اهـ"شرح أصول التفسير"(الشريط الأول/الوجه الأول), وانظر "كلمة تذكير بمفاسد الغلو في التكفير"ص29
ضياعُ الجهاديّين بين أَفكار ِ الجاهِلين وتَطبيقِ الثّائِرين:
لا شكَّ أَنَّ منهجَ جماعةِ (السَّلفيَّة الجهاديَّة) -منهجَ التّكفيرِ والتّفجيرِ- قائمٌ على فكرٍ منحرفٍ ملتوٍ خطير, وعلى تطبيقِ وتنفيذِ أَصحابِ جهلٍ عريضٍ مستطير, إِذْ يقولُ مُنظِّرهم وحاملُ لوائِهم سيِّد قطب: "لعلّك تبيّنت ممّا أسلَفْنا آنفاً أنَّ غايةَ الجهادِ في الإِسلامِ هي هدمُ بنيانِ النُّظمِ المناقِضةِ لمبادِئه, وإِقامَة حُكومةٍ مؤسَّسةٍ على قواعدِ الإِسلام في مكانِها واستبدالُها بها, وهذه مهمة إِحداث انقلابٍ إِسلاميٍّ عام -غيرِ منحصرٍ في قُطرٍ دونَ قطر, بل مما يريدُه الإِسلامُ ويضعه نُصْبَ عينيهِ أنْ يحدثَ هذا الانقلابُ الشّاملُ في جميع أَنحاء المعمورة، هذهِ غايتُه العليا ومقصِدُه الأَسمى الذي يطمحُ إليه ببصره, إِلا أنّه لا مندوحةَ للمسلمين! أَو أَعضاءِ الحزبِ الإِسلاميِّ! عن الشُّروعِ في مهمّتهم بإِحداثِ الانقلابِ المنشودِ والسَّعيِ وراءَ تغييرِ نظمِ الحكمِ في بلادِهم التي يسكنونها".المرجع في ظلال القرآن سيد قطب ج3/ص1451 طبعة دار الشروق". انظر "الدامغة لمقالات المارقة دعاة التكفير والتفجير" للشيخ موسى آل عبد العزيز –رحمه الله- ص20
من هنا نشأَ التّخطيطُ والتّفكيرُ لهذا الفكرِ الضَّالِّ المنحرف! وعند من كانَ التَّنفيذ؟ لا شكَّ أنه كان عندَ وحشِ الكهوفِ والشّاشاتِ! وبطلِ الجحورِ والفضائيّاتِ! الذي فتنَ المسلمينَ والمسلماتِ بكلامِه الجذّاب, ولسانِه الكذّاب, إِنّه أُسامة! وما أَدراكَ ما أُسامة! من لا يساوي في العلمِ قُلامَة! من تسبَّب بحرمانِ ملايينِ المسلمينَ من الأَمنِ والسَّلامة!..لأَنّ "ما استدلّ به ابنُ لادنٍ في جوازِ الخروجِ يبيّن لكلِّ من آتاهُ اللهُ علماً وبصيرةً بمنهجِ السَّلف الصّالحِ أنّ الرّجلَ ضحلُ العلم, بل جاهلٌ! وسفيهُ الأَحلامِ!! ولا يدينُ بعقيدةِ السّلف الصّالح, وأَنه خارجيُّ العقيدةِ! وداعيةُ خلافٍ, وفتنٍ ومُغالَبة من أَجلِ الرِّئاسَة!! وهذا الأَمرُ لن يُبلَغَ بالمغالَبة, كما ورد عنه –صلى الله عليه وسلم-: "إِنّكم لنْ تبلُغوا هذا الأَمرَ بالمغالَبة". [الصحيحة/1709]". "الدامغة" ص65
و"قالَ أسامةُ بنُ لادنٍ في مقابلتِه مع قناةِ الجزيرةِ! -أصلح الله شأنها والقائمين عليها- بشأنِ التّفجيراتِ التي وقعتْ في الرِّياض: "شرفٌ عظيمٌ فاتَنا أَن لم نكنْ قَدْ ساهَمنا في قتلِ الأَمريكانِ في الرِّياض"، وقالَ أيضاً: "فأَنا أَنظر بإجلالٍ كبيرٍ واحترامٍ إِلى هؤلاءِ الرِّجالِ العِظامِ عَلى أَنّهم رَفَعوا الهَوانَ عن جبينِ أُمّتِنا سواءً الذينَ فجّروا في الرّياضِ أو تفجيرات الخُبَر أو تفجيرات شرق إِفريقيا وما شابه ذَلِكَ"."التفجيرات من منهج الخوارج والبغاة" ص58
وحَسْبُك بإِيرادِ هذا الكلامَ الذي هو غايةٌ في السُّوء والفَساد, فحكايَته تُغني عن ردِّه. وكما قيل قديماً -في المثل-: "حَسْبُكَ من شرٍّ سَماعُه".
لذا قالَ الإِمامُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ -رحمه الله- عنه: "أسامةُ بنُ لادِن: من المفسِدينَ في الأَرض، ويتحرَّى طُرقَ الشَّرِّ الفاسِدة, وخَرَجَ عن طاعةِ وليِّ الأَمر". (جريدة المسلمون-9 /5/ 1417)
ومزيدُ البيانِ والتَّفصيلِ, في هذا الأَمرِ الجَليلِ؛ في كتابي "الأَفْنانُ النَّديَّة" –يسَّر اللهُ إِتمامَه-.