- إنضم
- 22 أكتوبر 2006
- المشاركات
- 1,507
- نقاط التفاعل
- 4
- النقاط
- 77
رَمَضَان
وَقَائِعٌ وَ أَحْدَاث
وَقَائِعٌ وَ أَحْدَاث
بقلم فضيلة الشيخ:
عز الدين رمضاني الجزائري
- حفظهُ اللهُ تعالى-
إنّ الصيام فريضة عظيمة، يربيّ في النفوس الإرادات والملكات، ويغرس في جنابها الفضائل والكمالات، وفيه تتدرب النفوس على حمل المكروه وتحمّل المشاق والأعباء، وضبط نوازع الهزل والعبث فيها والتحكم في الأهواء.
وفي الصوم امتحان لصبر الإنسان، والصبر رائد النصر، وقد جعله الله زمنا للنشاط وتكثيف الطاعات، وموسمًا للبذل والتسابق في الخيرات فلا يصحّ أن يكون مدعاة للعجز والكسل، وذريعة إلى التقصير في العمل؛ لأنه من الناحية الصحّية قوّة للجسم يدفع عنه كثيراً من الأمراض ويشفي فيه كثيراً من العلل، وهو من الناحية المعنوية يعطي المسلم قوّة الإيمان وصفاء النفس ونقاء الروح التي لها أكبر الأثر في سعادة الأمم أفرادًا وجماعات.
ودليل هذا ذلك السجل الحافل بالانتصارات المظفرة، والمنجزات العظيمة التي حققها النبيّ صلى الله عليه وسلّم ورعيل الصحابة ومن بعدم من الصالحين في فتوحاتهم وحروبهم في مثل هذا الشهر المبارك الكريم الذي هو شهر رمضان.
وفي هذه السطور قبسات وإشارات من أحداث تاريخنا المجيد ارتبطت بنفحات شهر القرآن، ما بين فتح وجهاد، ونصر وتمكين يجد القارئ فيها ـ وبلا شك ـ ما يثير العظة والاعتبار ويبعث في نفسه بوادر الإجلال والإكبار.
1ـ نزول القرآن في رمضان
إنّ أعظم حدث وقع في شهر رمضان هو ـ بلا جدال ـ نزول القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾[البقرة : 158]، وقال تعالى في الليلة التي بدأ فيها هذا النّزول: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين﴾[الدخان: 3] وهي التي سمّاها ليلة القدر، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْر ﴾[ القدر: 1-2]، والضمير في ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ عائدٌ على القرآن الكريم وإن لم يتقدّم ذكره لدلالة المعنى عليه، كما قال تعالى: ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَاب﴾[ص:32] ولم يتقدّم للشمس ذكر.
قال ابن كثير(1) بعد نقله الاتّفاق على يوم بعثته صلى الله عليه وسلّم وهو يوم الاثنين(2): «ثمّ قيل كان ذلك في شهر ربيع الأوّل، كما تقدّم عن ابن عبّاس وجابر أنّه ولد عليه السلام في الثاني عشر من ربيع الأوّل يوم الاثنين، وفيه عرج به إلى السماء، والمشهور أنّه بعث صلى الله عليه وسلّم في شهر رمضان، كما نصّ على ذلك عبيد بن عمير ومحمّد بن إسحاق وغيرهما».
ومما يؤيّد هذا القول ويعزّز موقعه ما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عبّاس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فَلَرَسول الله صلى الله عليه وسلّم أجود بالخير من الريح المرسلة».
قال الحافظ في الفتح (1/43): «وفيه إشارة إلى أنّ ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان؛ لأنَّ نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت في حديث ابن عبّاس، فكان جبريل يتعاهده كلّ سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان...».
وقال ابن القيّم في الزاد (1/77): «واختلف في شهر البعث فقيل: لثمان مضين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، هذا قول الأكثرين، وقيل بل كان ذلك في رمضان واحتج هؤلاء بقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾، قالوا: أوّل ما أكرمه الله تعالى بنبوّته، أنزل عليه القرآن، وإلى هذا ذهب جماعة، منهم يحي الصرصري حيث يقول في نونيّته:
وأَنْتَ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَأَشْرَقَتْ
شَمْسُ النُبُوَّةِ في رَمَضَانِ
والأوّلون قالوا: إنّما كان إنزال القرآن في رمضان جملة واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزّة، ثم نزل منجّما بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة، وقالت طائفة : ﴿أُنْزِلََ فِيهِ الّقُرْآنُ﴾، أي في شأنه وتعظيمه وفرض صومه، وقيل كان ابتداء المبعث في شهر رجب».
وخلاصة القول أنّ نزول القرآن كان في شهر رمضان، سواء قلنا بنزوله فيه جملة واحدة، وهذا ممّا لا خلاف فيه لدلالة الكتاب عليه، ولحديث عبد الله ابن عبّاس، أو قلنا إنّ بدء الوحي ونزول أوّل آيات القرآن كان في رمضان على ما هو المشهور من مذاهب العلماء.
والحكمة في تنزيل القرآن في هذا الشهر، ومدارسة جبريل للنبيّ صلى الله عليه وسلم فيه، يتبيّن منها الغرض من الترغيب في تلاوة الكتاب الكريم، وهو تعويض الصائم ما تركه من شهوات نفسه لله، ومدّه بالغذاء المبارك الذي به قوام الأرواح وزكاء النفوس، فكانت الحكمة والله أعلم أن اختار الله شهر رمضان ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ﴾[القصص:68] ليكون موسم تجديد الصلة بالله والرجوع إلى دينه والعكوف على كلامه، فيتجدّد تطهير البشر بهدى من إله الأوّلين والآخرين، وتتشبّع الألسنة والقلوب بتلاوة وتدبّر كلام قيّوم السماوات والأرضين.
2ـ غزوة بدر الكبرى
وهي أكرم المشاهد وأعظم غزوات النبيّ صلى الله عليه وسلّم، وأرفع شأناً وأسمى ذكرًا، أنزل الله فيها سورة تتلى إلى يوم الدين وهي سورة الأنفال، سميت بغزوة بدر الكبرى، وبغزوة بدر العظمى، ويوم وقعة بدر، وببدر القتال، وببدر البطشة، وسمّاها الله بيوم الفرقان، وبيوم التقى الجمعان حيث يقول جلّ جلاله: ﴿بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾[الأنفال 41].
وقد اتفقت كلمة أهل العلم بالسيرة أنّها وقعت في شهر رمضان(3) سنة اثنين من الهجرة، قال ابن إسحاق(4): فكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من شهر رمضان.
وقد حقّق المسلمون فيها انتصارا كبيرًا على أعدائهم من الكفَرة والمشركين، وأعزّ الله تبارك وتعالى بهذه الوقعة الإسلام والمسلمين وحقّق لهم وعدهم من إحدى الطائفتين، وخذل الكفر وأهله وكسر شوكة الطغيان.
قال ابن كثير واصفًا يوم الوقعة الشهيرة، وما وقع فيها من الآيات الكثيرة: «هذا وقد تواجه الفئتان وتقابل الفريقان، وحضر الخصمان بين يدي الرحمن، واستغاث بربّه سيّد الأنبياء، وضجّ الصحابة بصنوف الدعاء إلى ربّ الأرض والسماء، سامع الدعاء وكاشف البلاء»(5).
وقد سجّل لهم القرآن هذا الموقف العظيم الدال على عبوديتهم الله واستمساكهم بحبله وطمعهم في تأييده ونصره: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم﴾[الأنفال: 109].
وكان من أعقاب هذا النصر العزيز والإنجاز العظيم أن عزّز المسلمون موقعهم وفرضوا وجودهم، وأصبح سلطانهم مهيبا في المدينة وما حولها، وامتدّ نفوذهم على طريق القوافل في شمال الجزيرة وأسلم يومئذٍ بشر كثير من أهل المدينة رغبة ورهبةً.
قال ابن القيّم الزاد (3/88): «ودخل النبيّ صلى الله عليه وسلّم المدينة مؤيّدًا مظفرًا منصورا قد خافه كلّ عدوّ له بالمدينة وحولها، فأسلم بشر كثير من أهل المدينة وحينئذ دخل عبد الله بن أُبيّ المنافق وأصحابه في الإسلام ظاهرًا».
فلله الحمد والمنّة على نصره عبده وإعزازه جنده وهزمه الأحزاب وحده ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ﴾[آل عمران 160].
3 ـ غزوة فتح مكة
وهي صفحة مشرقة جديدة، وذكرى عزيزة مجيدة، أضيفت إلى سجلّ الانتصارات في شهر رمضان المبارك، وتسمّي غزوة الفتح الأعظم، وقد ذكرها الله في كتابه في غير موضع، قال تعالى: ﴿لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾[الحديد : 10].
وقال تعالى: ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾[سورة النصر].
ولم تختلف المصادر المؤرّخة للمغازي في أنّ فتح مكّة كان في رمضان سنة ثمان للهجرة، وإنّ اختلف في تاريخ الفتح ما بين ثلاث عشرة وست عشرة وسبع عشرة وثمان عشرة من رمضان(6)، والمشهور الذي في كتب المغازي أنّ دخول النبيّ صلى الله عليه وسلّم مكّة كان لتسع عشرة خلت من رمضان(7).
ولقد كان هذا الفتح يوما مشهودًا، «أعزّ الله به دينه ورسوله وجنده وحزبه الأمين، واستنقذ به بلاده وبيته الذي جعله هدى للعالمين من أيدي الكفّار والمشركين، وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء وضربت أطناب عزّه على مناكب الجوزاء، ودخل النّاس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجًا، وخرج له رسول الله صلى الله عليه وسلّم بكتائب الإسلام وجنود الرحمن سنة ثمان لعشر مضين من رمضان»(8).
وكان من أعقاب هذا الفتح العظيم، بعد تطهير البلد الأمين من الشرك الأثيم أن وضع النبيّ صلى الله عليه وسلّم للناس معالم حرمة البيت وحدّد لهم وظيفة المقيم فيه والداخل إليه في خطبة جامعة في اليوم الثاني الذي يلي يوم الفتح، فكان أن قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه ومجّده بما هو أهله:«يا أيّها الناس إنّ الله حرّم مكّة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما أو يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخّص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقولوا: إنّ الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما حلّت لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلّغ الشاهد الغائب». (رواه البخاري ومسلم وغيرهما).
4 ـ فتح الأندلس في رمضان
وهذا رصيد آخر يضاف إلى حلقات النصر والتمكين لهذا الدين، يصل مدّة إلى جميع البقاع، ويعمّ بنوره مختلف الأصقاع، وكأنّ رمضان قد كان على ميعاد مع مفاخر الإسلام في الأندلس.
ففي شهر رمضان سنة إحدى وتسعين للهجرة بدأ فتح الإسلام للأندلس بسرية طريف البربريّ في أربعمائة رجل ومعهم مائة فرس(9).
وفي شهر رمضان سنة اثنين وتسعين للهجرة كانت حملة طارق بن زياد مولى موسى بن نصير لتحقيق هذا الفتح في اثني عشر ألفا، وتملّك بلاد الأندلس بكمالها على ما ذكر ابن كثير(10)، بعد ما خاض طارق بن زياد حربًا دامية دامت ثمانية أيّام على نهر لكة من أعمال شذونة لليلتين بقيتا من رمضان(11).
وفي شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين للهجرة كانت حملة موسى بن نصير لتوسيع الفتح، حيث ضمّ مدنا ومقاطعات لم تكن فتحت بعد أن اقتحم بعضها وحاصر البعض الآخر(12)، ورجع بغنائم وأموال وتحف لا تحصى ولا تعدّ كثرة(13).
5 ـ معركة الزلاقة
والزلاقة أرض في الأندلس قرب مدينة قرطبة، كانت عندها الوقعة المشهورة باسمها بين مسلمي الأندلس والإفرنج، سنة تسع وسبعين وأربعمائة في يوم جمعة من العشر الأول من شهر رمضان الخير(14)، وكان الفرنج في خمسين ألفا، فتيقّنوا الغلب والظفر بالفوز وغرّهم كثرتهم، لكنّهم هُزموا وانقلبوا داخرين ولم يرجع منهم إلى بلادهم غير ثلاثمائة فارس، وغنم المسلمون كلّ ما لهم من مال وسلاح ودوابّ وغير ذلك(15).
قال الذهبيّ في العبر (2/340) عند ذكره أحداث سنة تسع وسبعين وأربعمائة: «وفيها وقعة الزلاقة وذلك أنّ "الإذقونش"(16) جمع الجيوش فاجتمع المعتمد(17) ويوسف بن تاشفين(17) أمير المسلمين والمطوعة، فأتوا الزلاقة، من عمل "بطَلْيُوس"(18) فالتقى الجمعان فوقعت الهزيمة على الملاعين، وكانت ملحمة عظيمة في أوّل جمعة من رمضان".
ووصف الذهبيّ هذه المعركة في أعلام النبلاء(20) بقوله: «ثمّ التقى الجمعان، واصطدم الجبلان بالزلاقة من أرض بطليوس، فانهزم الكلب، واستؤصل جمعه، وقلّ من نجاه في رمضان سنة تسع وسبعين، وجرح المعتمد في بدنه ووجهه، وشهد له بالشجاعة والإقدام وغنم المسلمون ما لا يوصف».
وبهذا الفتح المبين والنصر العظيم عزّت دولة الإسلام في تلك الأيّام، وعلا ذكر كتائب الإيمان بين الأنام، بما حقّقته من نصر وعزّ وتمكين في شهر الصيام.
6ـ معركة عين جالوت
وهي بلدة من أعمال فلسطين بين بيسان ونابلس، ردّها الله على المسلمين وطهّرها من أيدي يهود الغاصبين.
وكانت هذه الواقعة في العشر الأخير من رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة للهجرة، وبالتحديد يوم الجمعة في الخامس والعشرين من رمضان، ورجع النصر فيها للإسلام وأهله بعد اقتتال عظيم واحتدام مرير، قتل فيها المغول وجماعة من بيته(21).
وكان بطل هذه المعركة وقائدها الملك المظفر سيف الدين قطز(22) قال الذهبيّ في تاريخ الإسلام: (وله اليد البيضاء في جهاد التتار فعوّض الله شبابه بالحسنة ورضي عنه).
7 ـ وحدث أيضا في رمضان
وهذه لمحة خاطفة، وإشارات هادفة، مستلّة من تاريخ جيش رسول الله صلى الله عليه وسلّم وفي سياسته الحكيمة لإقامة صرح الدولة الراشدة وبناء كيانه.
ففي رمضان وفي السنة الأولى للهجرة كانت سريّة سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب في ثلاثين رجلا من المهاجرين إلى سيف البحر من ناحية العبيص، فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب من كفّار قريش، فحجر بينهم مجدي بن عمرو الجهني، وكان موادعا للفريقين فلم يكن بينهما قتال(23).
وهو أوّل لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحمزة بن عبد المطلب(24).
وفي رمضان سنة ستّ من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلّم كانت سريّة زيد بن حارثة إلى أمّ قِرفة بوادي القرى على سبع ليال من المدينة لينتقم من فزارة من بني بدر لنهبهم قافلة تجارية للمسلمين(25).
وفي السنة نفسها وفي الشهر نفسه كانت سريّة عبد الله بن عتيك مع مفرزة من خمسة رجال بخيبر، قتل فيها أبا رافع سلام بن أبي الحقيق الذي حرّض غطفان على المسلمين(26).
وفي شهر رمضان سنة سبع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلّم كانت سريّة غالب بن عبد الله اللّيثي إلى الميفعة بناحية نجد وبينها وبين المدينة ثمانية بُرد، بعثه النبيّ في مائة وثلاثين رجلا، كبدوا المشركين فيها خسائر في الأرواح وغنموا نعما وشاءً(27).
وفي أوّل من رمضان من السنة الثامنة كان بعث سريّة أبي قتادة بن ربعي الأنصاري في ثمانية رجال إلى مكان يدعى بطن إضم بينها وبين المدينة ثلاث بُرُد. وكان هدفها هو التضليل عن التوجه نحو مكّة لفتحها. فذهبت هذه السريّة بعكس اتجاه مكّة ثمّ تحرك المسلمون نحو هدفهم الأصليّ مكّة(28).
وفي رمضان من السنة الثامنة للهجرة كان بعث السرايا لهدم أعظم الأصنام التي كانت تعبدها العرب، فبعث خالد بن الوليد في ثلاثين فارسا لهدم العزّى وكانت لقريش وبني كنانة، وعمرو بن العاص لهدم سواع وهم صنم هذيل، وسعد بن زيد الأشهليّ في عشرين فارسا لهدم مناة وهو صنم للأوس والخزرج وغسّان(29).
وفي رمضان من السنة العاشرة للهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب في سريّة إلى اليمن في ثلاثمائة فارس، وكانت أوّل خيل دخلت إلى تلك البلاد، وهي بلاد مذحج، فقاتل من كان فيها وانتصر عليهم وغنم منهم النعم والشاء وأسر الأسرى ثمّ أعلنوا إسلامهم(30).
فهذه بعض إيحاءات من صفحات مشرقة، وبريق ومضات من ذكريات مونقة كلّلت بانتصارات عظيمة ومنن جسيمة امتنّ الله بها على عباده المؤمنين السابقين لتكون محلّ عظة واعتبار لخلفهم من المؤمنين اللاحقين وفاءًا بعهده وإعزازًا لدينه، كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الروم:47] وكما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِين إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون﴾[الصافات: 171-173]، نصرهم الله لأنّهم قائمون بدينه وهو الظاهر على الأديان كلّها، فمن تمسّك به فهو ظاهر على الأمم كلها، ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾[التوبة: 33].
والله وحده المستعان وعليه التكلان إنّه نعم المولى ونعم النصير.
1- السيرة النبوية (392/1)
2- ويؤيّده ما ثبت في صحيح مسلم وسنن أبي داود أنه صلّى الله عليه وسلّم سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه ويوم أنزل عليّ فيه».
3- السيرة النبوية لابن هشام (238/2)
4- انظر السيرة النبوية لابن كثير (2/469)، وعيون الأثر (1/281)، وزاد المعاد (3/171)، وجوامع السيرة (ص86)
5- السيرة النبوية (2/416)
6- السيرة النبوية الصحيحة (2/475)
7- السيرة النبوية الصحيحة (2/457)
8- زاد المعاد (3/394)
9- الكامل في التاريخ (4/561)
10- البداية والنهاية (9/69)
11- الكامل (4/562)
12- الكامل (4/564)
13- البداية والنهاية (9/103)
14- الكامل (10/154)
16- الإذقونش وضبط بإلفاء بدل القاف: ملك الفرنج
17- المعتمد ابن عباد صاحب الأندلس ترجمته في السيرة (9/58)
18- أبو يعقوب الأمير صاحب مراكش
19- مدينة كبيرة بالأندلس تقع على الحدود
20- السيرة (9/62)
21- البداية والنهاية (13/256)
22- ترجمته في السيرة (22/300)
23- جوامع السيرة (ص: 77) وتاريخ جيش النبيّ صلى الله عليه وسلّم (ص: 68)
24- الطبقات الكبرى (2/6)
25- الطبقات الكبرى (2/90) وتاريخ جيش الرسول صلى الله عليه وسلّم (ص: 68)
26- الطبقات الكبرى (2/90) وتاريخ جيش الرسول صلى الله عليه وسلّم (ص: 76)
27- الطبقات الكبرى (2/119) وتاريخ جيش النبيّ صلى الله عليه وسلّم (ص: 78)
28- الطبقات الكبرى (2/133) وتاريخ جيش النبيّ صلى الله عليه وسلّم (ص: 14)
29- الطبقات الكبرى (2/145-146) وتاريخ جيش النبيّ صلى الله عليه وسلّم (ص: 84-85)
30- الطبقات الكبرى (2/169) وتاريخ جيش النبيّ صلى الله عليه وسلّم (ص: 89).