الزحف القاري وقطع الأرض
بقلم الدكتور حسني حمدان الدسوقي حمامة
أستاذ مساعد الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة المنصورة
أ- الزحف القاري:
وقبل أن نذكر أساسيات نظرية " ألواح الغلاف الصخري " أو ما نسميها " قطع الأرض " بلغة القرآن الكريم، يحسن أن نشير إلى نظرية الزحف القاري باعتبارها الأساس الذي تولدت منه النظرية الحديثة.
الزحف القاري(Continental Drift)
يعني حيود القارات وزحزحتها في المكان على سطح الأرض، بمعنى أن قطع الأرض المتمثلة في جبالها وقاراتها ليست جامدة في مكان واحد، ولكنها تنزاح في الفراغ. وقد لاحظ الأقدمون ذلك التشابه العجيب بين حواف القارات على جانبي المحيط الأطلسي(Atlantic Ocean). فلو حاولنا أن نقرب خريطتي قارتي أفريقيا وأمريكا الشمالية لوجدنا تطابق حوافهما تطابقاً عجيباً، وكأنهما كانتا قطعة واحدة، وكذلك الحال بالنسبة لأفريقيا وشبه الجزيرة العربية، حيث لم يكن للبحر الأحمر وقت التحامهما وجود.
وفي نهاية القرن الثامن عشر لاحظ الجيولوجي الأسترالي إدوارد سوس Edward Suseأن السجل الجيولوجي يكاد يكون متماثلاً في القارات الجنوبية في كل من أمريكا الجنوبية وأفريقيا، والهند، وأستراليا. ومن هنا فكر في أنهن كن متحدات في وقت ما من الزمن الماضي مكونات قارة عملاقة، أسماها جندوانالاند (Gondanaland).
ولقد أشار ألفريد فاجنر (Alfred Wegner)(1880م ـ 1930م) إلى وجود كتلة كبيرة جداً من اليابسة كونت قارة عملاقة اسمها بانجيا Pangeaتكونت من التحام القارات القديمة، وذلك منذ قرابة 250مليون سنة. وكانت تتكون من أسلاف قارات العالم الحالية، ثم أخذت هذه القطعة تتقطع إلى عدة قطع، ثم أخذت أجزاؤها تتباعد تدريجيا حتى أخذت أشكالها ومواضعها الحالية. وهكذا يتضح الإعجاز في كلمة (قطع) التي وردت في القرآن الكريم نكرة إشارة إلى تقطيع الأرض عبر الزمن.
ولربما قال البعض إن ذلك محض خيال وظن، حيث لم يكن أحد قد شهد خلق تلك القطع أو رآها وهي تنزاح، ولكن أليس من الظن ما يقرب إلى الحقيقة؟ فشواهد وحدة اليابسة عبر الزمن الأرضي كثيرة. منها شواهد جغرافية، مثل تشابه حافات القارات التي أشرنا إليها من قبل وشواهد في توزع بقايا الكائنات القديمة المعروفة بالأحافير، مثل تواجد أحافير نبات الجلوسوبتيرز في صخور عمرها واحد في قارات متباعدة اليوم، حيث يدل ذلك على أن تلك القارات كن يشغلن إقليماً مناخياً واحداً. يا سبحان الله !!!
فقد كانت الصحراء الليبية والصحراء العربية في يوم ما جنوب خط الاستواء في منطقة جليدية ضمن قطعة هائلة من اليابسة كونت قارة عملاقة سميت " بانجي " أو كل الأرض (Pangea). وقد لوحظ أن رواسب الحريث الجليدية لم تكن موجودة فقط في أماكن بعيدة عن الأقطاب الحالية مثل الهند وأفريقيا، ولكن اتجاهات الزحف الجليدي تتجه بعيداً عن خط الإستواء ونحو الأقطاب، وهذا يشير إلى التحام القارات في أزمنة ماضية، وكانت الثلاجات تزحف عبر مساحة واحدة من الأرض
الشكل رقم (1): البانجا (أو القارة العملاقة) التي تمثل كل الأرض، التي تخيل فاجنر وجودها منذ 200 مليون سنة مضت حيث أطلق على الجزء الشمالي منها اسم " لوراسيا " وعلى الجزء الجنوبي منها اسم " جندوانالاند" .
الشكل رقم (2) التالي يبين إعادة تصوير جندوانا في ضوء توزيع بعض حفريات النباتات القديمة والزواحف، مثل زواحف الميزوسورس في صخور نظام البرمي، وليستوصورس، مثل زواحف الميزوسورس، في صخور نظام البرمي، وليستوصورس وسيانوجناش في صخور نظام البرمي والتراياسي.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لن تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب كما كانت مروجاً خضراء) فمن أدراه منذ ما يزيد على 1400سنة بتلك الحقيقة !! وصدق الله تعالى الذي قال عن نبيه (وما ينطق عن الهوى).
نظرية " الألواح الحركية " بين العلم والقرآن
قال الله تعالىوفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[سورة الرعد].
ذكر المفسرون في تفسير هذه الآية أن هناك أرضاً يجاور بعضها بعضاً، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينفع الناس، وهذه مالحة لا تنبت شيئاً، ويدخل في هذه الآية اختلاف ألوان بقاع الأرض، فهذه تربة حمراء، وهذه بيضاء، وهذه محجرة، وهذه سهلة، وهذه رقيقة، والكل متجاورات، فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار، لا إله إلا الله هو.
وينحصر وجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة في كلمة " قطع " وفي كلمة " متجاورات " إذن بنص الآية تتكون الأرض من عدد من القطع المتجاورة، كما نفهم أيضاً أن عدد القطع المتجاورة، كما نفهم أيضاً أ، عدد القطع غير ثابت، حيث الكلمة غير معرفة، وبالتالي فمن الممكن أن تتغير هذه القطع عبر الزمن. وهذا ما أثبتته أحدث النظريات العلمية في مجال علوم الأرض، وهي نظرية " قطع الأرض " أو " ألواح الغلاف الصخري"، وقد أحدثت النظرية ثورة كبيرة في فروع علوم الأرض المختلفة، فقد مكنت العلماء من تفسير كثير من الظواهر، مثل توزع أحزمة الزلازل، وأحزمة الجبال في العالم، وفتح وغلق المحيطات، ونطق التمعدن، وهلاك الكائنات عبر الزمن الأرضي، وغير ذلك.
تمثل نظرية الألواح الحركية نموذجاً لحركة الغلاف الصخري فوق نطاق المور (Asthenosphere) اللدنة الساخنة. ووفقاً لهذه النظرية فإن الأرض تقسم إلى عدة قطع كبيرة وأخرى صغيرة وهذه القطع تمر مر السحاب فوق الطبقة العليا من وشاح الأرض التي تسمى نطاق المور.
وتقدر سرعة حركة القطع الحالية ما بين 1ـ 18 سم كل عام، ويتراوح معدل الحركة بين 1-18سم كل عام، ويتراوح معدل الحركة بين 1-6سم كل عام. وتتميز أطراف القطع هذه بالنشاط، وتقسم إلى ألواح متقاربة الحواف(Convergent Plate Boundaries)،حيث تتحرك الألواح متقربة بعضها من بعض، وإلى ألواح متباعدة الحواف (Divergent Plate Boundaries)،حيث تتحرك الألواح مبتعدة بعضها عن بعض، وأخيراً هناك الألواح المنزلقة الحواف (Transform Plate Boundaries)،حيث تنساب الألواح أفقياً وجانبياً.
وتلعب حركة وطبيعة الألواح التكتونية دوراً هاماً في فهم الجغرافية القديمة والحركات التجبلية وغيرها من الأحداث الجيوليوجية عبر الزمن الجيولوجي يلخص طبيعة الألواح البنائية وأمثلة من الظواهر الناتجة عنها
[]
بقلم الدكتور حسني حمدان الدسوقي حمامة
أستاذ مساعد الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة المنصورة
أ- الزحف القاري:
وقبل أن نذكر أساسيات نظرية " ألواح الغلاف الصخري " أو ما نسميها " قطع الأرض " بلغة القرآن الكريم، يحسن أن نشير إلى نظرية الزحف القاري باعتبارها الأساس الذي تولدت منه النظرية الحديثة.
الزحف القاري(Continental Drift)
يعني حيود القارات وزحزحتها في المكان على سطح الأرض، بمعنى أن قطع الأرض المتمثلة في جبالها وقاراتها ليست جامدة في مكان واحد، ولكنها تنزاح في الفراغ. وقد لاحظ الأقدمون ذلك التشابه العجيب بين حواف القارات على جانبي المحيط الأطلسي(Atlantic Ocean). فلو حاولنا أن نقرب خريطتي قارتي أفريقيا وأمريكا الشمالية لوجدنا تطابق حوافهما تطابقاً عجيباً، وكأنهما كانتا قطعة واحدة، وكذلك الحال بالنسبة لأفريقيا وشبه الجزيرة العربية، حيث لم يكن للبحر الأحمر وقت التحامهما وجود.
وفي نهاية القرن الثامن عشر لاحظ الجيولوجي الأسترالي إدوارد سوس Edward Suseأن السجل الجيولوجي يكاد يكون متماثلاً في القارات الجنوبية في كل من أمريكا الجنوبية وأفريقيا، والهند، وأستراليا. ومن هنا فكر في أنهن كن متحدات في وقت ما من الزمن الماضي مكونات قارة عملاقة، أسماها جندوانالاند (Gondanaland).
ولقد أشار ألفريد فاجنر (Alfred Wegner)(1880م ـ 1930م) إلى وجود كتلة كبيرة جداً من اليابسة كونت قارة عملاقة اسمها بانجيا Pangeaتكونت من التحام القارات القديمة، وذلك منذ قرابة 250مليون سنة. وكانت تتكون من أسلاف قارات العالم الحالية، ثم أخذت هذه القطعة تتقطع إلى عدة قطع، ثم أخذت أجزاؤها تتباعد تدريجيا حتى أخذت أشكالها ومواضعها الحالية. وهكذا يتضح الإعجاز في كلمة (قطع) التي وردت في القرآن الكريم نكرة إشارة إلى تقطيع الأرض عبر الزمن.
ولربما قال البعض إن ذلك محض خيال وظن، حيث لم يكن أحد قد شهد خلق تلك القطع أو رآها وهي تنزاح، ولكن أليس من الظن ما يقرب إلى الحقيقة؟ فشواهد وحدة اليابسة عبر الزمن الأرضي كثيرة. منها شواهد جغرافية، مثل تشابه حافات القارات التي أشرنا إليها من قبل وشواهد في توزع بقايا الكائنات القديمة المعروفة بالأحافير، مثل تواجد أحافير نبات الجلوسوبتيرز في صخور عمرها واحد في قارات متباعدة اليوم، حيث يدل ذلك على أن تلك القارات كن يشغلن إقليماً مناخياً واحداً. يا سبحان الله !!!
فقد كانت الصحراء الليبية والصحراء العربية في يوم ما جنوب خط الاستواء في منطقة جليدية ضمن قطعة هائلة من اليابسة كونت قارة عملاقة سميت " بانجي " أو كل الأرض (Pangea). وقد لوحظ أن رواسب الحريث الجليدية لم تكن موجودة فقط في أماكن بعيدة عن الأقطاب الحالية مثل الهند وأفريقيا، ولكن اتجاهات الزحف الجليدي تتجه بعيداً عن خط الإستواء ونحو الأقطاب، وهذا يشير إلى التحام القارات في أزمنة ماضية، وكانت الثلاجات تزحف عبر مساحة واحدة من الأرض
الشكل رقم (1): البانجا (أو القارة العملاقة) التي تمثل كل الأرض، التي تخيل فاجنر وجودها منذ 200 مليون سنة مضت حيث أطلق على الجزء الشمالي منها اسم " لوراسيا " وعلى الجزء الجنوبي منها اسم " جندوانالاند" .
الشكل رقم (2) التالي يبين إعادة تصوير جندوانا في ضوء توزيع بعض حفريات النباتات القديمة والزواحف، مثل زواحف الميزوسورس في صخور نظام البرمي، وليستوصورس، مثل زواحف الميزوسورس، في صخور نظام البرمي، وليستوصورس وسيانوجناش في صخور نظام البرمي والتراياسي.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لن تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب كما كانت مروجاً خضراء) فمن أدراه منذ ما يزيد على 1400سنة بتلك الحقيقة !! وصدق الله تعالى الذي قال عن نبيه (وما ينطق عن الهوى).
نظرية " الألواح الحركية " بين العلم والقرآن
قال الله تعالىوفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[سورة الرعد].
ذكر المفسرون في تفسير هذه الآية أن هناك أرضاً يجاور بعضها بعضاً، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينفع الناس، وهذه مالحة لا تنبت شيئاً، ويدخل في هذه الآية اختلاف ألوان بقاع الأرض، فهذه تربة حمراء، وهذه بيضاء، وهذه محجرة، وهذه سهلة، وهذه رقيقة، والكل متجاورات، فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار، لا إله إلا الله هو.
وينحصر وجه الإعجاز العلمي في الآية الكريمة في كلمة " قطع " وفي كلمة " متجاورات " إذن بنص الآية تتكون الأرض من عدد من القطع المتجاورة، كما نفهم أيضاً أن عدد القطع المتجاورة، كما نفهم أيضاً أ، عدد القطع غير ثابت، حيث الكلمة غير معرفة، وبالتالي فمن الممكن أن تتغير هذه القطع عبر الزمن. وهذا ما أثبتته أحدث النظريات العلمية في مجال علوم الأرض، وهي نظرية " قطع الأرض " أو " ألواح الغلاف الصخري"، وقد أحدثت النظرية ثورة كبيرة في فروع علوم الأرض المختلفة، فقد مكنت العلماء من تفسير كثير من الظواهر، مثل توزع أحزمة الزلازل، وأحزمة الجبال في العالم، وفتح وغلق المحيطات، ونطق التمعدن، وهلاك الكائنات عبر الزمن الأرضي، وغير ذلك.
تمثل نظرية الألواح الحركية نموذجاً لحركة الغلاف الصخري فوق نطاق المور (Asthenosphere) اللدنة الساخنة. ووفقاً لهذه النظرية فإن الأرض تقسم إلى عدة قطع كبيرة وأخرى صغيرة وهذه القطع تمر مر السحاب فوق الطبقة العليا من وشاح الأرض التي تسمى نطاق المور.
وتقدر سرعة حركة القطع الحالية ما بين 1ـ 18 سم كل عام، ويتراوح معدل الحركة بين 1-18سم كل عام، ويتراوح معدل الحركة بين 1-6سم كل عام. وتتميز أطراف القطع هذه بالنشاط، وتقسم إلى ألواح متقاربة الحواف(Convergent Plate Boundaries)،حيث تتحرك الألواح متقربة بعضها من بعض، وإلى ألواح متباعدة الحواف (Divergent Plate Boundaries)،حيث تتحرك الألواح مبتعدة بعضها عن بعض، وأخيراً هناك الألواح المنزلقة الحواف (Transform Plate Boundaries)،حيث تنساب الألواح أفقياً وجانبياً.
وتلعب حركة وطبيعة الألواح التكتونية دوراً هاماً في فهم الجغرافية القديمة والحركات التجبلية وغيرها من الأحداث الجيوليوجية عبر الزمن الجيولوجي يلخص طبيعة الألواح البنائية وأمثلة من الظواهر الناتجة عنها
[]