إبن الزيبان
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 24 جوان 2009
- المشاركات
- 267
- نقاط التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
كيف يمكن لنا أن نجعل من شهر رمضان- الذي سيظلنا ببركاته - نقطةَ انطلاقة للتغيير وإلى الأبد؟!
يرى علماء النفس المحدثون أن أي تغيير يكرَّر من 6 إلى 21 مرةً يعني حدوث تغيُّر حقيقي في حياة الإنسان، وشهر رمضان يكون ما بين 29 إلى 30 يومًا، وهذا يعني الاستمرار في النجاح، فاستمرار الصيام هذا العبادة العظيمة 30 يومًا يمسك فيها المسلم من الصباح وإلى المغرب لا يشرب ولا يأكل ولا يسبّ ولا يفسق هذه برمجةٌ أكيدة.
ولهذا نجد مسلمًا صام رمضانَ واحدًا بأكمله أفضل نفسيًّا وبرمجيًّا من صيام متقطع غير مؤقت 60 يومًا أو حتى 600 يوم، هذا لا يقلل من شأن الصيام المتقطع، فصيام أي يوم له فوائد كثيرة، لكن نحن نتحدث عن فضائله في البرمجة النفسية الاستمرارية التي لها بالغ الأثر في البرمجة؛ ولهذا السبب نجد أن الإسلام نهى عن الإفطار طيلة أيام رمضان لمن ليس له عذر، وأن الشخص الذي أفطر لا يعوِّض ذلك اليوم ولو صام الدهر كله.
من ميزات هذا الشهر الفضيل تعليمه للمسلم اتخاذ القرار، فمشكلة المشكلات عند الناس عدم اتخاذ القرارات، فالإنسان القوي صاحب قرار، أما الإنسان الضعيف متردد، والتردد لا ينشئ نفوسًا ضعيفةً فحسب بل يأتي بأمراض نفسية وجسدية، فأغلب أمور حياتنا تعتمد على قرارات بسيطة، فكل ثانية تمر في حياتنا فيها مجموعة قرارات.. كحركات يدك ورجلك ونبض القلب إلى غير ذلك، كل ذلك قرارات يتخذها العقل بوعي أو من غير وعي في الدقيقة والثانية بل وجزء من الثانية، فالتردد في مثل هذه القرارات يعني مشاكل كثيرة نفسية وجسمية، فمن المشاكل الصحية عدم انتظام دقات القلب وبالتالي أمراض قلبية وهضمية ودموية.. ذلك أن القلب يعين في ضخِّ الدم إلى الجسم كله، وقد يتسبب التردد في تأخر الخلايا الدفاعية عن القيام بمهمتها على وجه صحيح، فتتردد في مواجهة الالتهابات والسرطانات والفيروسات، وفي ذلك خطر عظيم.
على أية حال نريد أن نقتصر في هذه العجالة على الأثر النفسي فقط؛ للحصول على دفعة في التغيير وإلا فيمكن القراءة في فضائل رمضان الصحية.
إذن فرمضان بسبب أنه يعوِّد الإنسان على المحافظة على نيته في الصيام فإنه يعوِّده اتخاذ القرار واتخاذ القرار قوةً وإرادةً، فالإنسان كلما جدد نيته في الصيام وأسرع في اتخاذ القرار بذلك ثم بالإمساك وقت الإمساك وبالإفطار وقت الإفطار بسرعة وباستمرارية يتمكن من برمجة نفسه على اتخاذ القرارات.
هذا الشهر الكريم يعوِّد الإنسان على الإنجاز، فأغلب الناس يريد أن يغمض عينيه ويفتحهما فإذا هو في نعيم التغيير، فالكثير من الناس يريد أن تحل مشكلته خلال ساعات، فلذلك تجده يذهب للطبيب أو غيره لكي يصف له وصفةَ سحريةَ تُخرجه من هذا الجحيم إلى يعيش فيه إلى النعيم.
أعلم أن التغيير قبل كل شيء من الله تعالى وضعه داخل الإنسان، قال تعالى: "إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمْ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم"، فالإنجاز تكون بدايته الحقيقة في النفس، فهناك أناسٌ حصدوا الملايين وبنَوا القصور وأثاروا الأرض، لكنهم في أنفسهم ضعفاء تعساء، ماتوا فماتت دعواهم، إن رمضان يعلم الإنسان الإنجاز، ففي فترة 30 يومًا مكثفة تصوم نهاره وتقوم ليله فتشعر في نهاية شهرك أنك حققت ربحًا كثيرًا وأنجزت عملاً عظيمًا، والناس بطبيعتها تبدأ متحمسةً وتخفُّ الحماسة مع الأيام، أما رمضان فيعلم الإنسان كيف ينجز فيبدأ الإنسان بداية قويةً وبالإرادة تصبح أقوى.
فنجد المسلم في العشر الأواخر قد اجتهد في العبادات وأطال ليله في القيام ونهاره في التلاوة والذكر، خاصةً إذا كان معتكفًا، فإن لم يكن ففي العمل والذكر والتلاوة، فإذا قربت النهاية زاد في العمل فدخلت الليلة الأكثر بركةً- ليلة القدر- حتى آخر يوم من الشهر، ولا عجلةَ ولا ندمَ حتى تتم الأعمال كاملةً.. وفي البخاري "ويغفر الله لهم في آخر ليلة قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال لا لكن العامل يوفَّى أجره إذا قضى عمله"، وهكذا الإنجاز الصحيح، ابدأ عملاً ثم كثِّف أكثر، ثم إذا قربت من الإنجاز فشد أكثر حتى تتم العمل كله بإتقان وتمام.
الإنسان يعتاد أن ينام في وقت ويستيقظ في وقت، ويذهب للعمل في وقت ويعود وهكذا، ويأكل ويتسوق إلى غير ذلك من أمور دنياه في وقت محدود، وفي الغالب عندما يأتي شهر رمضان المبارك تتغير الأمور وتخرج عن الروتين والمألوف المستمر، وتتجدد حياته، ويكاد يجمع الباحثون في موضوع الإبداع على أن الإبداع هو الخروج عن المألوف، وما أحوج الإنسان في كل زمان- وخاصة في هذا الزمان- إلى الإبداع والتجديد!! كما أن كسر الروتين والخروج عن المألوف أحد الأعمال الضرورية للتغلب على القلق وضغوط الحياة، فالتجديد لا بد أن يكون في جدولك اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي.
والتغيير والتجديد سمة من سمات هذا الشهر الكريم، بل من سمات هذا الدين العظيم، ورمضان ما أن ينتهي حتى يأتي العيد، فما يلبث حتى يأتي الحج بشهوره الحرم وبعده العيد، وهكذا كل عام حتى لا تملَّ النفوس وحتى تتجدد وتنطلق.
** وقت رمضان غالٍ فاستثمره:
ففي وقت محدود ومعين يكون الإمساك، وفي وقت محدود ومعين يكون الإفطار، دقة والتزام وتنظيم، فأغلب الناس لا يولي أهميةً للوقت وتنظيمه، وبالتالي لا يولي أهميةً لحياته؛ لأن الوقت هو الحياة، فالحياة عبارةٌ عن وقت يمضي فيمضي الإنسان، وقد يحاول أناس- وهم من أهل التكاسل- لقلة الدقة والإنجاز أن يخلوا بالوقت فيمسكوا قبل وقت الإمساك بعشر دقائق، وهذا خلل في هذه الميزة الدقيقة، بل النبي- عليه الصلاة والسلام- قال كما في صحيح مسلم: "لا يغرنكم سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل يؤذن قبل آذان ابن أم مكتوم".
كذلك من الدقة والتنظيم الإفطار ساعة الإفطار لا تأخير دقيقة واحدة، وقد نبه- صلى الله علية وسلم- على ذلك فقال: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر".
ففي شهر رمضان دقة والتزام وتنظيم للأوقات، فهي فترة عجيبة، تجلس الأمة بأكملها على مائدة الإفطار تنتظر الإعلان بالفطور، والأمة بكاملها تمتنع عن الطعام والشراب والجماع ساعة الإمساك، وتراها صفوفًا متراصةً في صلاة القيام، فهذا الشهر يربي الأمة على النظام والدقة والترتيب، وتنبه إلى هناك من الناس من يخل في هذه الميزات فيكون هو السبب لا الشهر نفسه.
فالتغير موضوع حيوي، فمَن منا لا يريد أن يغيِّر مستواه المادي والعلمي أو الاجتماعي أو النفسي أو الأسرى إلى الأفضل ولكنْ هناك شروط للتغير وهي:
** شروط التغير:
1- الرغبة :
هي الرغبة الحقيقة في التغير، فهناك كثيرون يقولون إنهم يريدون أن يغيروا لكن في قرارة أو أعماق أنفسهم هم لا يريدون ذلك، وهذا المعنى عميق.
2- معرفة كيفية التغير :
فالتغيير يجب أن يكون مبنيًا على معلومات صحيحة.
3- التطبيق :
فهناك أناس يريدون أن يغيروا من أنفسهم وهم يعرفون كيف يتغيرون، لكنهم لا يطبقون، لذلك هم لا يتغيرون، فالتطبيق فقط هو الذي يأتي بنتائج، وهناك أناس آخرون يحسنون التطبيق، فالتطبيق بإصرار وعزيمة بعد معرفة الطريق الصحيح هو الذي يأتي بالنتائج المرجوَّة.
4- مصدر التغيير :
فالتغيير يأتي من الداخل، من يرجو التغيير اعتمادًا على ظرف أو شخص فقد تعلق بالهواء.. فالله تعالى بقول: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، هذه قاعدتنا الرئيسية أن تغير أي أمر لا بد أن يكون من داخل نفسك، فأولاً يجب أن تغيِّر داخلك، فالذين يترددون على الأطباء أو المشايخ- أو حتى الدجالين- دون أي تغير في حياتهم فيعني ذلك أنهم بحاجة إلى التغير من الداخل أولاً.
5 - العزيمة:
أغلب الناس يريدون عصا موسى أو خاتم سليمان، وأود أن أخبر هؤلاء أن العصا والخاتم مفقودان منذ زمن وليس عندنا طريق إليهما.. المقصود أن أغلب الناس يريدون أن يتغيروا في لحظة، فالسبب الحقيقي في عدم لجو أكثر الناس للاستشارات النفسية والأسرية أنهم لا يريدون كل هذه المشقة في التغير، إذا أردت أن تتغير فعليًا فتغير بالطريقة الصحيحة، فكل ما تحتاجه هو العزيمة.
ليس المهم أن تضع ردا المهم أن تستفيد ..
رمضان كريم ..
كل عام وانتم بالف خير ...