الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ سنتكلم اليوم عن موضوع مهم لحياتنا ... كيف يكون صومك في رمضان؟
فاعلم وفقني الله وإياك للخيرات: أن فضل الصوم عظيم، ويكفيه فضلاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) (متفق عليه)، وفي رواية لأحمد: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلاَّ الصَّوْمَ وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ).
أفاد هذا الحديث: أن العمل الصالح يضاعفه الله -تعالى- للعبد إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فيضاعفه الله -تعالى- بغير حصر؛ لأنه من الصبر، وقد قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10).
وأفاد أيضًا: أن الصوم مدرسة؛ فيها يتربى العبد إيمانيًا وسلوكيًا.
- يربيه أولاً: على الإخلاص لله -تعالى- في العبادة: (يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي)، أي: إخلاصًا لي؛ لأن الصوم لا رياء فيه كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-.
ولكي يتحقق ذلك، ويستمر معك ممتدًا إلى سائر العبادات، فعليك في نهار صومك أن تستشعر أنك تركت شهوتي البطن والفرج من أجل الله -تعالى-؛ طاعة وتقربًا إليه.
- ويربيه ثانيًا: على المراقبة لله -تعالى-، يعلم أن الله -تعالى- مطلع عليه، يرى قلبه، ويسمع قوله، يعلم السر وأخفى؛ فيتحفظ لصومه، وبتكرار هذا المعنى على قلبه يصل إلى الإحسان في عبادة الله -تعالى-؛ في الصوم وغيره.
- ويربيه ثالثـًا: على الأخلاق الفاضلة وترك الأخلاق السيئة؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) (رواه البخاري).
(وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ) أي: وقاية وستر من الآثام، ومن النار، أو من جميع ذلك.
و"الرفث": الكلام الفاحش أو الكلام عن الجماع ومقدماته، والجهل: أي لا يفعل شيئًا من أفعال أهل الجهل: كالصياح، والسفه، ونحو ذلك.
قول الزور: الكذب، والعمل به: أي العمل بمقتضاه.
- ويربيه على الإحسان إلى نفسه وإلى الخلق، فإلى نفسه: بالسعي إلى تزكيتها، ونجاتها بالعمل الصالح، والإحسان إلى الخلق: بحسن معاملتهم بالمقال والفعال؛ خاصة الضعفاء والمساكين.
- ويربيه على أنواع الصبر الثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقداره المؤلمة، من ألم الجوع والعطش، وهو مأجور على ذلك كله؛ لأنه في سبيل الله، قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة:120).
- ويربيه على المحبة لله -تعالى- ولأمره، والبغض لأعدائه ومعاصيه: (يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي)؛ لعلمه أن ذلك محبوب لله -تعالى-.
قال أحدهم: "فما لجرحٍ إذا أرضاكم ألم".
- وينبغي أن نعلم أن غاية الصوم تحقيق التقوى؛ كما قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183).
قال العلامة السعدي -رحمه الله-:
"يخبر -تعالى- بما منَّ به على عباده، بأنه فرض عليهم الصيام، كما فرضه على الأمم السابقة، لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان.
وفيه تنشيط لهذه الأمة، بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال، والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة، التي اختصيتم بها.
ثم ذكر -تعالى- حكمته في مشروعية الصيام فقال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله، واجتناب نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب، والجماع، ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها، ثوابه، فهذا من التقوى.
ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله -تعالى-، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه؛ لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي.
ومنها: أن الصائم في الغالب، تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى.
ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك، مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى" انتهى من التفسير ص86.
- وتحفظ لصومك؛ فاحفظه من الآثام، من الاتساع في النظر إلى كل ما يُذم ويكره، وإلى كل ما يشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله -عز وجل-، قال الله -تعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... ) (النور:30-31).
واحفظ لسانك: عن الكذب، والغيبة، والنميمة، والفحش، والخصومة، والجفاء، والمراء، واشغله بذكر الله -تعالى-، وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحفظ سمعك عن الإصغاء لكل ما يكره؛ لأن ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه، ولذلك سوَّى الله -عز وجل- بين المستمع وآكل السحت، فقال -تعالى-: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) (المائدة:42).
وقال الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان:6)، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "هو والله الغناء"، وكذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما-، وجابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، والحسن البصري، واختار ابن جرير: أنه كل كلام يصد عن آيات الله، واتباع سبيله" انتهى من تفسير ابن كثير 3/457.
وقال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان:72).
قيل: الكذب والفسق، والكفر، واللغو والباطل، وقال محمد بن الحنفية: اللغو والغناء، وقال أبو العالية، وطاوس، وابن سيرين، والضحاك، والربيع بن أنس، وغيرهم: هو أعياد المشركين.
وقيل: الكذب متعمدًا على غيره.
قال ابن كثير -رحمه الله-: "والأظهر من السياق أن المراد: لا يشهدون الزور، أي: لا يحضرونه؛ ولهذا قال: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) أي: لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مرُّوا، ولم يتدنسوا منه بشيء؛ ولهذا قال: (مَرُّوا كِرَامًا)" انتهى من تفسير ابن كثير بتصرف.
- واحفظ يدك، ورجلك عن البطش بالحرام، أو مدها للحرام، أو السعي برجليك إلى الحرام.
- واحفظ بطنك عن الحرام؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، قيل: هو الذي يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحرام، ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
- ولقد كان سلفنا -رضي الله عنهم- يتحفظون لصومهم؛ كانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد ويقولون: "نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحدًا".
- قال عمر -رضي الله عنه-: "ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو".
- وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: "إذا صمت فتحفظ ما استطعت".
- وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: "نطهر صومنا".
- وكان طلق بن حبيب -رحمه الله- في يوم صومه يدخل بيته، فلا يخرج إلا لصلاة.
فاعلم وفقني الله وإياك للخيرات: أن فضل الصوم عظيم، ويكفيه فضلاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِى بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) (متفق عليه)، وفي رواية لأحمد: (قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كُلُّ الْعَمَلِ كَفَّارَةٌ إِلاَّ الصَّوْمَ وَالصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ).
أفاد هذا الحديث: أن العمل الصالح يضاعفه الله -تعالى- للعبد إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فيضاعفه الله -تعالى- بغير حصر؛ لأنه من الصبر، وقد قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10).
وأفاد أيضًا: أن الصوم مدرسة؛ فيها يتربى العبد إيمانيًا وسلوكيًا.
- يربيه أولاً: على الإخلاص لله -تعالى- في العبادة: (يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي)، أي: إخلاصًا لي؛ لأن الصوم لا رياء فيه كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-.
ولكي يتحقق ذلك، ويستمر معك ممتدًا إلى سائر العبادات، فعليك في نهار صومك أن تستشعر أنك تركت شهوتي البطن والفرج من أجل الله -تعالى-؛ طاعة وتقربًا إليه.
- ويربيه ثانيًا: على المراقبة لله -تعالى-، يعلم أن الله -تعالى- مطلع عليه، يرى قلبه، ويسمع قوله، يعلم السر وأخفى؛ فيتحفظ لصومه، وبتكرار هذا المعنى على قلبه يصل إلى الإحسان في عبادة الله -تعالى-؛ في الصوم وغيره.
- ويربيه ثالثـًا: على الأخلاق الفاضلة وترك الأخلاق السيئة؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) (رواه البخاري).
(وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ) أي: وقاية وستر من الآثام، ومن النار، أو من جميع ذلك.
و"الرفث": الكلام الفاحش أو الكلام عن الجماع ومقدماته، والجهل: أي لا يفعل شيئًا من أفعال أهل الجهل: كالصياح، والسفه، ونحو ذلك.
قول الزور: الكذب، والعمل به: أي العمل بمقتضاه.
- ويربيه على الإحسان إلى نفسه وإلى الخلق، فإلى نفسه: بالسعي إلى تزكيتها، ونجاتها بالعمل الصالح، والإحسان إلى الخلق: بحسن معاملتهم بالمقال والفعال؛ خاصة الضعفاء والمساكين.
- ويربيه على أنواع الصبر الثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقداره المؤلمة، من ألم الجوع والعطش، وهو مأجور على ذلك كله؛ لأنه في سبيل الله، قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة:120).
- ويربيه على المحبة لله -تعالى- ولأمره، والبغض لأعدائه ومعاصيه: (يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي)؛ لعلمه أن ذلك محبوب لله -تعالى-.
قال أحدهم: "فما لجرحٍ إذا أرضاكم ألم".
- وينبغي أن نعلم أن غاية الصوم تحقيق التقوى؛ كما قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183).
قال العلامة السعدي -رحمه الله-:
"يخبر -تعالى- بما منَّ به على عباده، بأنه فرض عليهم الصيام، كما فرضه على الأمم السابقة، لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان.
وفيه تنشيط لهذه الأمة، بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال، والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة، التي اختصيتم بها.
ثم ذكر -تعالى- حكمته في مشروعية الصيام فقال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله، واجتناب نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب، والجماع، ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها، ثوابه، فهذا من التقوى.
ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله -تعالى-، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه؛ لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي.
ومنها: أن الصائم في الغالب، تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى.
ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك، مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى" انتهى من التفسير ص86.
- وتحفظ لصومك؛ فاحفظه من الآثام، من الاتساع في النظر إلى كل ما يُذم ويكره، وإلى كل ما يشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله -عز وجل-، قال الله -تعالى-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... ) (النور:30-31).
واحفظ لسانك: عن الكذب، والغيبة، والنميمة، والفحش، والخصومة، والجفاء، والمراء، واشغله بذكر الله -تعالى-، وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحفظ سمعك عن الإصغاء لكل ما يكره؛ لأن ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه، ولذلك سوَّى الله -عز وجل- بين المستمع وآكل السحت، فقال -تعالى-: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) (المائدة:42).
وقال الله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان:6)، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "هو والله الغناء"، وكذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما-، وجابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، والحسن البصري، واختار ابن جرير: أنه كل كلام يصد عن آيات الله، واتباع سبيله" انتهى من تفسير ابن كثير 3/457.
وقال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان:72).
قيل: الكذب والفسق، والكفر، واللغو والباطل، وقال محمد بن الحنفية: اللغو والغناء، وقال أبو العالية، وطاوس، وابن سيرين، والضحاك، والربيع بن أنس، وغيرهم: هو أعياد المشركين.
وقيل: الكذب متعمدًا على غيره.
قال ابن كثير -رحمه الله-: "والأظهر من السياق أن المراد: لا يشهدون الزور، أي: لا يحضرونه؛ ولهذا قال: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) أي: لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مرُّوا، ولم يتدنسوا منه بشيء؛ ولهذا قال: (مَرُّوا كِرَامًا)" انتهى من تفسير ابن كثير بتصرف.
- واحفظ يدك، ورجلك عن البطش بالحرام، أو مدها للحرام، أو السعي برجليك إلى الحرام.
- واحفظ بطنك عن الحرام؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، قيل: هو الذي يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحرام، ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام.
- ولقد كان سلفنا -رضي الله عنهم- يتحفظون لصومهم؛ كانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد ويقولون: "نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحدًا".
- قال عمر -رضي الله عنه-: "ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو".
- وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: "إذا صمت فتحفظ ما استطعت".
- وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: "نطهر صومنا".
- وكان طلق بن حبيب -رحمه الله- في يوم صومه يدخل بيته، فلا يخرج إلا لصلاة.