المعذبون على الأرض
جزائريون لا يعلمون أننا في شهر رمضان
كانت الساعة تفصلنا عن موعد الإفطار بعشر دقائق فقط عندما نزلنا إلى الشارع حيث خلا تماما من الحركة إلا من الذين راحوا يسابقون الزمن لأجل بلوغ منازلهم والتجمع مع الأهل حول مائدة الإفطار..
وبينما كانت مطاعم الرحمة تجمع عابري السبيل والفقراء واليتامى والمغضوب عليهم من أهاليهم , كانت مجموعة أخرى مرمية في الشارع .. بعضها يغط في نوم عميق لا أحد بإمكانه أن يبلغه وآخر يسير هائما لا يعلم المكان الذي يمشي فيه ولا الزمان الذي يعيشه وهو غالبا لا يعلم من يكون فما بالك أن يعلم أننا في شهر رمضان.. غالبية هؤلاء من المنهارين نفسيا إلى درجة إصابتهمبأمراض عصبية من النوع الهادئ الذي لا يضر أحدا وإنما يضر صاحبه فقط.
الإقتراب منهم في متناول الجميع ومعرفة أسرارهم ضرب من المحال لأجل ذلك اقتربنا منهم فكان الهندام العام هو جوابهم على أسئلة كانت تسبقنا .. حيث وجدنا طفلا في سن يقارب الخامسة عشرة.. كان واضحا أنه لم يأخذ حماما منذ عدة أشهر محاط بكومة من الخبز يتعاطاها بين الفينة والأخرى وكأنها أفيون حيث فقد شهية الأكل وفقد الذوق نهائيا, حتى قطعة الزلابية التي اقتربنا بها نحوه لم تكن تعنيه.. ولم يثره لا لونها ولا طعمها ولا رائحتها حيث احتضن بقوة قطعة "الخبز اليابس" التي كانت أمامه, وراح يلتهمها غير مهتم بكل حلويات الدنيا رغم أن قطعة الخبز أيبستها شمس عدة أيام ومرت عليها أمطار الصيف الأخيرة, هذا الصبي الذي يبدو أنه في سن الصيام لا يعلم أن الكثير من أترابه باشروا الصيام هذا العام وسط أهاليهم, ولا يعلم أنهم يتمتعون بفطور شهي مع أهاليهم ويتمتعون بصومهم للشهر الفضيل مع الكبار .. مشكلة الصبي المشرد ليست في كونه فقد الحس والذوق ولا يعلم بأننا في شهر رمضان.. وإنما لا يعلم حتى سنه ومن أين أتى ولا يعلم عن عائلته شيئا حتى صار مثل الآلة التي تتحرك لتغرف الخبز وتحتسي الماء وفقط .. فقد حتى لغة الكلام ولا يمكن أن تفهم اللغة التي يتحدث بها..وكل الذين يشاهدونه لم يسألوا أنفسهم من أين أتى هذا البريء الذي يعيش في الشارع ولا يعلم الناس عنه شيئا ولا يعلم هو شيئا عن نفسه. وفي ركن غير بعيد تنام عائلة كاملة يمتهن بعض أفرادها التسول بينما يغيب الآخرون عن الدنيا ومشاغلها .. يأكلون ما يجود به المحسنون دون أن يسألوا عن موعد الإفطار ماداموا لا يعلمون أننا في شهر الصيام وإذا كانت الأم البائسة تصوم و"تجتهد" في تسول لقمة عيشها فإن الوالد الذي فقد تركيزه العقلي والعصبي ولا يدري أين هو ويأكل ما تحمله زوجته إليه وإلى أبنائه الثلاثة المصابون بذات المرض العقلي الوراثي..الوالدة سألناها .."لماذا لا تتجهين إلى مطاعم الرحمة الكثيرة التي تملأ المدينة؟ " فتنهدت وأكدت أنها بإمكانها هي أن تتجه إلى هاته المطاعم التي تعرف عناوينها.. لكن كيف لها أن تصطحب هذه الكومة من اللحم في كل ترحالها؟
المصدر
جزائريون لا يعلمون أننا في شهر رمضان
كانت الساعة تفصلنا عن موعد الإفطار بعشر دقائق فقط عندما نزلنا إلى الشارع حيث خلا تماما من الحركة إلا من الذين راحوا يسابقون الزمن لأجل بلوغ منازلهم والتجمع مع الأهل حول مائدة الإفطار..
وبينما كانت مطاعم الرحمة تجمع عابري السبيل والفقراء واليتامى والمغضوب عليهم من أهاليهم , كانت مجموعة أخرى مرمية في الشارع .. بعضها يغط في نوم عميق لا أحد بإمكانه أن يبلغه وآخر يسير هائما لا يعلم المكان الذي يمشي فيه ولا الزمان الذي يعيشه وهو غالبا لا يعلم من يكون فما بالك أن يعلم أننا في شهر رمضان.. غالبية هؤلاء من المنهارين نفسيا إلى درجة إصابتهمبأمراض عصبية من النوع الهادئ الذي لا يضر أحدا وإنما يضر صاحبه فقط.
الإقتراب منهم في متناول الجميع ومعرفة أسرارهم ضرب من المحال لأجل ذلك اقتربنا منهم فكان الهندام العام هو جوابهم على أسئلة كانت تسبقنا .. حيث وجدنا طفلا في سن يقارب الخامسة عشرة.. كان واضحا أنه لم يأخذ حماما منذ عدة أشهر محاط بكومة من الخبز يتعاطاها بين الفينة والأخرى وكأنها أفيون حيث فقد شهية الأكل وفقد الذوق نهائيا, حتى قطعة الزلابية التي اقتربنا بها نحوه لم تكن تعنيه.. ولم يثره لا لونها ولا طعمها ولا رائحتها حيث احتضن بقوة قطعة "الخبز اليابس" التي كانت أمامه, وراح يلتهمها غير مهتم بكل حلويات الدنيا رغم أن قطعة الخبز أيبستها شمس عدة أيام ومرت عليها أمطار الصيف الأخيرة, هذا الصبي الذي يبدو أنه في سن الصيام لا يعلم أن الكثير من أترابه باشروا الصيام هذا العام وسط أهاليهم, ولا يعلم أنهم يتمتعون بفطور شهي مع أهاليهم ويتمتعون بصومهم للشهر الفضيل مع الكبار .. مشكلة الصبي المشرد ليست في كونه فقد الحس والذوق ولا يعلم بأننا في شهر رمضان.. وإنما لا يعلم حتى سنه ومن أين أتى ولا يعلم عن عائلته شيئا حتى صار مثل الآلة التي تتحرك لتغرف الخبز وتحتسي الماء وفقط .. فقد حتى لغة الكلام ولا يمكن أن تفهم اللغة التي يتحدث بها..وكل الذين يشاهدونه لم يسألوا أنفسهم من أين أتى هذا البريء الذي يعيش في الشارع ولا يعلم الناس عنه شيئا ولا يعلم هو شيئا عن نفسه. وفي ركن غير بعيد تنام عائلة كاملة يمتهن بعض أفرادها التسول بينما يغيب الآخرون عن الدنيا ومشاغلها .. يأكلون ما يجود به المحسنون دون أن يسألوا عن موعد الإفطار ماداموا لا يعلمون أننا في شهر الصيام وإذا كانت الأم البائسة تصوم و"تجتهد" في تسول لقمة عيشها فإن الوالد الذي فقد تركيزه العقلي والعصبي ولا يدري أين هو ويأكل ما تحمله زوجته إليه وإلى أبنائه الثلاثة المصابون بذات المرض العقلي الوراثي..الوالدة سألناها .."لماذا لا تتجهين إلى مطاعم الرحمة الكثيرة التي تملأ المدينة؟ " فتنهدت وأكدت أنها بإمكانها هي أن تتجه إلى هاته المطاعم التي تعرف عناوينها.. لكن كيف لها أن تصطحب هذه الكومة من اللحم في كل ترحالها؟
المصدر