تعريف الهجرة غير الشرعية "الحرقة" و جذورها في الجزائر:
إن الهجرة تشكل تعبيرا علي رغبة الفرد في التغلب علي الظروف الصعبة و الهروب من الفقر و بدء حياة جديدة قد توفر له الحق في العيش. و الهجرة السرية وغير الشرعية هي: "التسرب من البلد الأصلي إلي بلد أخر دون تأشيرة و في سرية تامة، إما بهدف العمل أو استعمال هذا الأخير كنقطة عبور نحو وجهة أخرى غير معروفة"، والجزائر من بين البلدان التي تعاني من تفاقم هذه الظاهرة.
وبالنظر إلى تعريف الهجرة نجد انه يمكن القول أنها: "حركة سكانية يتم فيها انتقال الفرد أو الجماعة من الموطن الأصلي إلى وطن جديد يختاره نتيجة أسباب عديدة". حيث تلجأ مجموعات متكونة من 05 إلى 10 أشخاص , إلى سرقة أو شراء قوارب خفيفة بمبالغ تتراوح ما بين 400.000 د ج إلى 800.000 دج، يتزودون بصفائح من البنزين ، بَوْصَلات ، صَدْريات إنقاذ و أجهزة التوجيه gps بعد الاستعلام حول الأحوال الجوية وعند الانتهاء من التحضير ينتقلون إلى نقاط الانطلاق المتفق عليها، تكون معزولة وفي جنح الظلام يبحرون اتجاه السواحل الإسبانية ( ألميريا ) والإيطالية ( جزيرة سردينيا).
حيث يقوم مهربي الأشخاص بتنظيم وبرمجة رحلات بحرية نحو السواحل الإسبانية والإيطالية مقابل مبالغ مــالية ، مجهزين بوسائل اللوجيستيكية الضرورية ( قوارب صيد مع محركات ذات قوة تقدر بـ 35 إلى 50 حصان بَوْصَلة ، جهاز الملاحة البحرية و صدريات الإنقاذ ) ، بالإضافة إلى معدات الأكل والنوم ومبالغ ماليــة بالعملة الصعبة.
و يرى الدكتور "عبد اللاوي" أن الهجرة غير الشرعية كانت موجودة تاريخيا ولكن لم نكن نتحدث عنها لا نحن ولا الغرب – أي الدول المستقبلة-، بدأنا نتحدث عن الهجرة غير الشرعية عندما حدث تحول في تطور الهجرات الدولية، ففي السابق كانت الهجرة منظمة من طرف اقتصاديات البلدان المستقبلة للمهاجرين، وهناك القوانين كانت تحكم حاجيات اقتصاديات هذه الدول ولهذا كانت هذه الهجرة منظمة، وحتى لو قلنا أنها غير منظمة و غير قانونية تصبح قانونية لأن هناك حاجة إليها من طرف هذه البلدان، و تفاقمت هذه الظاهرة لما ظهر ذلك التضارب و التناقض بين حاجيات البلدان الرأسمالية إلى الهجرة العماليّة، فمن جهة هناك رغبة في التحكم بتدفق المهاجرين غير الشرعيين ومن جهة ثانية هناك طلب غير معلن ليد عاملة تأتي بطريقة غير شرعية، هذا ما أدى إلى ظهور ما يسمى ب"سوق اليد العاملة غير الشرعية".
بينما ترى "دردر نصيرة" -مختصة في اقتصاد الجزائر- أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية بدأت مع انفجار الأزمة الاقتصادية في الجزائر 1986-1988 والتي نتج عنها رفع التدعيمات من طرف الدولة و ذلك بأمر من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى الأزمة الأمنية و التي تفاقمت مع نهاية التسعينات، و في ظل كل هذه الظروف بدأت الهجرة غير الشرعية تفرض نفسها بطريقة غير مباشرة.
2- واقع الهجرة غير الشرعية "الحرقة" في الجزائر:
إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تسود بصفة خاصة في السواحل الغربية و الشرقية للبلاد وأصبحت تسجل تزايدا ملحوظا من الفترة الممتدة من سنة 1996التي سجلت خلالها مصالح الدرك الوطني 9 قضايا معاينة و توقيف 24 شخص ، إلى غاية سنة 2007التي سجل فيها معاينة 114 قضية وتوقيف 1071 شخص وحسب تقارير مصالحنا نجد أن غالبية المرشحين للهجرة السرية من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و40 سنـــة بما فيهم القصر فلقد تم توقيف خلال سنة 2007 23 شابا اقل من 18 سنة و 742 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و28سنة وتوقيف 279 شخص تتراوح أعمارهم بين 29 و40 سنة أما فئة أكثر من 40 سنة فتم توقيف 27 شخص من مختلف شرائح المجتمع (طلبة17 شخص موقوف، بطالين843 شخص موقوف وتوقيف 137 عامل و69 شخص يمارسون نشاطات حرة و5 موظفين) وهذا ما يوضحه الجدول التالي :
سنة 2007 سنة 2006 سنة 2005
114 73 21 عدد القضايا المعاينة
1071 714 57 الأشخاص الموقوفين
625 479 6 الإيداع بالحبس
446 235 51 الإفراج المؤقت
23 13 3 أقل من 18 سنة
742 473 27 من18الي 28سنة
279 207 23 من29الي 40سنة
27 21 4 أكثر من40 سنة
17 12 0 طالب
843 575 47 بدون مهنة
69 36 3 نشاطات حرة
137 86 5 مستخدم
5 5 2 موظف
*إحصائيات الهجرة غير الشرعية "الحراقة" للسنوات 2006 ـ2007 :
نسبة الزيادة سنة2007 سنة 2006
%56+ 114 73 القضايا المعاينة
%50+ 1071 714 الأشخاص الموقوفين
%30+ 625 479 الإيداع بالحبس
%90+ 446 235 الإفراج المؤقت
*إحصائيات الموقوفين وعدد قضايا الهجرة غير الشرعية لسنة 2007 حسب الولايات:
الإفراج المؤقت الإيداع بالحبس الأشخاص الموقوفين القضايا المعاينة الولايات
265 27 292 17 عنابة
40 233 273 28 وهران
39 162 201 16 عين تموشنت
19 99 118 24 مستغانم
28 34 62 10 تلمسان
21 32 53 11 الشلف
2 38 40 5 الطارف
16 0 16 1 جيجل
14 0 14 1 سكيكدة
2 0 2 1 الواد
446 625 1071 114 المجموع
و إذا قارنا إحصائيات الهجرة السرية للسنتين 2006و 2007 نجد أن معدلها في تزايد مستمر حيث أن عدد المرشحين للهجرة تزايد بنسبة 50بالمئة في سنة 2007اين بلغ عدد الأشخاص الموقوفين 1071 بالمقارنة مع سنة 2006اين أوقفت مصالح الدرك الوطني 714 شخص وإيداع بالحبس479 شخص سنة 2006 وإيداع625 شخص بالحبس سنة 2007 بنسبة زيادة تقدر ب30 بالمائة أما عدد الأشخاص الذين أطلق صراحهم مؤقتا فقد بلغ سنة 2007 ،446 شخص موقوف بنسبة زيادة تقدر ب 90 بالمائة مقارنة بسنة 2006 و الإفراج المؤقت عن 235 شخص.
كذلك نجد أن من مجموع1071 شخص موقوف خلال سنة2007 نجد 292 منهم تم توقيفهم بولاية عنابة، ولاية وهران 273 شخص موقوف، عين تموشنت 201 شخص موقوف، ولاية مستغانم تم توقيف 118 شخص ،تلمسان 62 حالة توقيف، الشلف 53 حالة، الطارف40 حالة، جيجل 16 حالة، سكيكدة 14 شخص موقوف و تليها ولاية الواد بحالتين. أما خلال الثلاثي الأول من سنة 2008 قامت وحدات الدرك الوطني بمعالجة مايلي :
-معاينة 12 قضية متعلقة بالهجرة السرية"الحراقة".
-توقيف 100 شخص بتهمة الهجرة السرية.
-إيداع 51 شخص بالحبس.
-الإفراج المؤقت عن 49 شخص.
ومن خلال تقارير الدرك الوطني سجل هناك ارتفاع بنسبة 300 بالمائة فيما يخص عدد القضايا المعالجة خلال الثلاثي الأول من سنة 2007 أين تم معاينة 03 قضايا، وسجل هناك ارتفاع ملحوظ بنسبة 669 بالمائة فيما يخص عدد الأشخاص الموقوفين بالمقارنة مع الثلاثي الأول من سنة 2007 أين تم توقيف 13 شخص.
3- أسباب الهجرة غير الشرعيّة " الحرقة" في الجزائر:
يقول أحمد متناني في كتابه"واقع و أحداث": "أن قيمة الفرد في المجتمعات الضعيفة لا تساوي شيئا....... و أن الفرد القوي هو دعامة حقيقية لكل نهضة أو مسيرة تمكنان المجتمع من التطور و النمو".
إنّ الأزمة في الجزائر متعددة المظاهر، فهي : اقتصادية، اجتماعية، سياسية، قانونية، و حتى ثقافية، و لكن وبما أن الاقتصاد والقانون هما المحركان الأساسيان لأية دولة و المؤديان إلى نشوب أية أزمة فلابد من محاولة دراسة و شرح كل منهما على حدا، لعلنا نصل إلى تبرير مقولة الشباب الجزائري عامة و شباب منطقة "باب الواد" خاصة: "ياكلنا الحوت و ما ياكلناش الدود".
*الأسباب الاقتصادية:
الاقتصاد هو العمود الفقري لكل تطور و تنمية، شرط أن يكون منظما أحسن تنظيم........... و إذا كان غير ذلك فإن انعكاساته ستعود على المجتمع سلبا. و ما الهجرة غير الشرعية "الحرقة" إلاّ دليل على سوء التسيير الاقتصادي، فرغم وجود مشاريع و اقتراحات لفئة الشباب إلاّ أنها تفتقر إلى التسيير الحسن و المنظم والجدّي و البعيد عن البيروقراطية و كل المعرقلات التي تجعل الشاب ينفر منها. وقد أعطى أحمد متناني مثالا من الواقع يعتبره دليلا على بطء وتيرة التنمية بسبب البيروقراطية وغيرها من المعرقلات: " إن مصنعا معيننا مثلا، يحتوي على مجموعة آلات و عمال و إمكانيات مادية يُسَلَّم لرجل "إطار معين" بقرار ليسيره، و عندما يشرع في التسيير نلاحظه لا يثق في أحد من العمال أو ممن هم حوله من الإطارات، قد وجدهم يعملون في ذلك المصنع و أول ما يخطر على باله أن يقوم بتغيير جزئي، و أحيانا يكون جذري و شامل لكل ما وجده، وهدفه من وراء ذلك هو بغَضّ النظر عن مصلحة المصنع و العمال، التجديد و أن يأتي بكل زملائه و أصدقائه و أبناء حومته، أو جهته ...الخ، كي يطمئنّ على منصبه الذي حصل عليه عن طريق العلاقات الشخصية مع هذا و ذاك من أصحاب النفوذ، ثم تختلط عليه مفاهيم الإطارات و العمال و تبرز خلافات و مشاكل أقل ما يقال عنها أنها بداية الفوضى قادمة و هكذا يتحول المصنع من استقرار إلى فوضى، ومن تنظيم إلى تخريب و من تعسف إلى فساد، ثم تفد العلاقات بين الأفراد و تتسع الهوة و ينتشر الظلم ويذهب المصنع إلى الهلاك و الإفلاس"، وهذا ما نطلق عليه بالجهوية و المحسوبية و العشائرية و ما شابه ذلك من عدم الانضباط و عدم مراعاة الكفاءة.
ثمّ إن البطالة و انعدام الدخل يندرجان ضمن خانة الأسباب الاقتصادية الرئيسية للهجرة غير الشرعية ففي مطلع أكتوبر 2005، عقد وزراء داخلية دول 5+5 "الجزائر، ليبيا، تونس، المغرب وموريتانيا" من الجانب المغاربي و "فرنسا، اسبانيا، البرتغال، ايطاليا و مالطا" من الجانب الأوربي، ووضعوا خطة مشتركة لمواجهة الظاهرة و في هذا الإطار ألنت دول المغرب العربي عن حاجتها إلى مزيد من المساعدات الاقتصادية من الاتحاد الأوربي، لوقف الهجرة غير الشرعية إلى أوربا، و قال وزير الداخلية المغربي "المصطفى الساهل" أن الدول الإفريقية الواقعة جنوبي الصحراء –هي الأخرى- تحتاج أيضا لمساعدات تنموية لتوفير فرص عمل حتى يفضل مواطنوها البقاء في بلادهم عن محاولة الهجرة إلى أوربا، و تقول الإحصائيات أنه يوجد في الدول العربية، أعلى معدلات البطالة في العالم، كما أن 60٪ تقريبا من سكانها هم دون الخامسة و العشرين من العمر، وحسب تقرير لمجلس الوحدة الاقتصادية السابع لجامعة الدول العربية، صدر عام 2004، قدرت نسبة البطالة في الدول العربية بما بين 15و20٪ و تتزايد سنويا ب03٪، وتنبّأ التقرير بأن يصل عدد العاطلين في البلاد العربية عام 2010 إلى 05 مليون عاطل، وبلغ معدل البطالة في الجزائر نسبة 29.9٪ و يقول المراقبون أن أزمة البطالة مرشحة للتصاعد بحدة في الجزائر في السنوات القادمة بعد المشكلات الناجمة عن تراجع النمو الاقتصادي بحيث لم يتجاوز حدود 03٪ خارج المحروقات بالإضافة إلى قلة الاستثمار الداخلي و الخارجي، و تراجع مناصب الشغل منذ 1986. مع بدأ الأزمة الاقتصادية التي تلتها رفع التدعيمات من طرف الدولة و ذلك بأمر من صندوق النقد الدولي. و النتيجة كانت انفجار المظاهرات الشعبية الشاملة في 5 أكتوبر 1988، حيث تم إنشاء 40ألف منصب شغل خلال 1994-1998، مقابل 140 ألف منصب خلال 1980-1984، و فقدان أكثر من 360ألف منصب خلال إصلاحات 1994-1998، فترة التعديل الهيكلي، تقلص الوظائف الدائمة التي كانت تمثل49٪ عام 2000 مقابل 38٪ فقط سنة 2005 حيث انخفض عدد العمال الدائمين بنسبة 11٪ و زيادة على ظاهرة التسرب المدرسي التي تقدر ب600ألف تلميذ سنويا و يقول الخبراء أن دول المغرب العربي الثلاث "الجزائر تونس و المغرب" تحتاج إلى خلق حوالي مليون فرصة عمل سنويا من أجل الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ومن إحدى نتائج طاهرة البطالة تزايد الفقر الذي يعتبر أيضا من العوامل المشجعة على الهجرة و على سبيل المثال حسب آخر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن عدد الجزائريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغ 5.2مليون شخص، يمثلون نحو 16.25٪ من إجمالي عدد السكان البالغ 32مليون نسمة، و يتحفظ كثير من الخبراء على هذه النسب و يرون أن الواقع أكبر من ذلك بكثير، و يفيد التقرير أن الجزائر توجد في رتبة متدنية في مؤشر الفقر من حيث تم إحصاء 17٪ من السكان أي ما يعادل 06 مليون جزائري يعيشون في مستوى الفقر من حيث الحصة الغذائية و هناك أكثر من يعيشون بأقل من دولار واحد يوميا، بالمقابل يشير التقرير إلى أن 06٪ من عدد السكان من عدد السكان يعانون م سوء التغذية فيما تشير إحصائيات أخرى إلى انتشار ما يعرف بجيوب الفقر، و يؤكد ذات التقرير أنّ 13٪ من السكان محرومون من الوصول إلى نقاط المياه الصالحة للشرب.
* الأسباب الاجتماعية:
يتفق معظم المختصين في علم الاجتماع على أن الأسباب التي تقف وراء ارتفاع عدد الجزائريين المهاجرين أو الراغبين في الهجرة إلى الشمال، تتمثل في تدني مستوى المعيشة و ارتفاع تكاليف الحياة و نقص فرص العمل* و يرى سليمان رحال أستاذ علم الاجتماع بجامعة عنّابة أنّ:"من الطبيعي جدا أن يحلم أي شاب جزائر بالاستقرار في إحدى دول الشمال، لاسيما بعد الانفتاح الإعلامي الذي شهدته البلاد بفضل انتشار الهوائيات، ما سمح للشباب باكتشاف حياة أخرى في الضفة الشمالية من البحر المتوسط، و أوضح أن تدني مستوى عيش الفرد وارتفاع مستوى البطالة و الفقر في المجتمع الجزائري، دفعا الشباب إلى الوقوع في فخ اليأس، و أوجدا الرغبة في التغيير نحو الأفضل مهما كانت الطرق.
و يرى الدكتور "عبد اللاوي" مختص في علم الاجتماع أن الشاب الذي يخرج من بلده نحو ايطاليا أو اسبانيا يدرك تماما أنه سيخوض مغامرة قد تودي بحياته لكن أمله في الوصول إلى الضفة الأخرى و الحصول على عمل و بالتالي الحصول على نقود سيشجعه على ركوب المخاطر، وهذا ما جعل نسبة الهجرة بين الشباب تزداد بالإضافة إلى انعدام البديل لهؤلاء الشباب في بلدهم، ومن هنا ما يبدوا لنا نحن مغامرة فهو بالنسبة لهم استثمار، و بالتالي نجد اتجاها جديدا ظهر لدى المجتمع الجزائري و هذا الاتجاه يتناقض مع ما هو موجود، و منه وصلنا إلى مرحلة فيها مجتمعين، المجتمع الجزائري الذي ظهر منذ سنة 1962، و مجتمع جديد ظهر و لم يهتم به أحد، أو لم يجد الاهتمام الكافي، تكون و أصبح موجودا و دخل في صراع مع المجتمع القديم، و بالتالي كانت منافذه إنحرافية وما "الحرقة" إلاّ نتاج لتطور المجتمع.
كما يرى "علي بوطاف" دكتور في علم النفس أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية هي كباقي الظواهر الاجتماعية الأخرى و التي تعود أساسا إلى الأوضاع الاجتماعية المزرية، فالشاب حسبه يتلقى صورة حالمة عن البلدان الأخرى عن طريق ما يسمعه و ما يراه عبر وسائل الإعلام و الاتصال المختلفة، ولكن في آخر المطاف يصطدم هذا الشاب بالواقع المرير في تلك البلاد و الذي يجره إلى حتى إلى التسول أو أكثر من ذلك، و يرى "بوطاف" أنه في ظلّ انعدام دراسات جادة حول الموضوع فإنّه لا يمكن إطلاق أحكام اعتباطية تفتقر إلى الصحة و الطابع العلمي الدّقيق إن صحّ التعبير.
* الأسباب القانونية:
القانون هو مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقة الأفراد في الجماعة .....و هو ضروري لحفظ كيان الجماعة البشرية و استقرارها و أمنها، وطالما أن الجماعة ضرورة و لا حياة للإنسان إلا في الجماعة، فالقانون كذلك ضرورة و لا غنى عنه و لولاه لعمّت الفوضى.
و تشهد الجزائر فراغا قانونيّا فيما يخص ظاهرة الهجرة غير الشّرعيّة، ففي محاكمة افتراضية نظّمها الاتّحاد العام للطّلبة الجزائريين، بكليّة الحقوق و التي كان القاضي فيها أو رئيس المحكمة الدّكتور "محمد ريش" و كان في الدّفاع الدّكتورة "بن براهم فطيمة"، و في النّيابة العامة الدّكتور "الغايب علاوة" أما المتّهم فكان "هواري" من وهران الذي حاول الهجرة بطريقة غير شرعيّة، و قد حكم القاضي ببراءة المتّهم بحجة أنّ:
القاعدة الأساسية في القانون الجنائي هي أنّه لا عقوبة و لا جريمة بغير نص، و بهذا قضت المادّة الأولى من قانون العقوبات الجزائري، التي تنصّ على أنّه لا جريمة و لا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون.
ففي المواد الجنائية إذا لم يكن ثمّة نص يقضي بالعقوبة فإنّ القاضي يحكم بالبراءة، لأنّه لا عقوبة و لا جريمة إلاّ بنصّ في القانون، و بهذا تقضي المادّة 45 من الدّستور الجزائري.
و في ظل هذا الغياب القانوني يجد الشباب الفرصة الأكثر ملائمة لخوض المغامرة، لأن الرادع الأكبر غائب.
في حين يرى الدّكتور "محمّد محي الدين" أنّ "الحراقة" يخضعون للقانون الدّولي للبحار، وهو ذلك القانون الذي ينظم الطبقات البحريّة إلى: المياه الداخلية، المياه الإقليمية، و المنطقة المتاخمة، و الإشكالية تقع في المنطقة المتاخمة و يقصد بها تلك المنطقة التي لا تملك الدولة الجزائرية السّيادة عليها و مداها 24 ميل أي ما يعادل 38,62 كيلومتر و المقسّمة كالتالي: 12 ميل أي ما يعادل 19,31 كيلومتر للمياه الدّاخلية+ 12 ميل للمياه الإقليمية و كلاهما تدخلان ضمن السّيادة الكاملة و الشاملة للدولة الجزائرية و بالتالي ابتداءا من 24 ميل نجد المنطقة المتاخمة و نظامها القانوني المادّة 33 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982 و الذي صادقت عليه الجزائر، و في اعتقاد الأستاذ "محي الدين" فإنّ "الحراقة" يقومون بانتهاك النّظام العام للمحيطات و بالتالي الدّولة يمكن أن تعاقبهم على أس
إن الهجرة تشكل تعبيرا علي رغبة الفرد في التغلب علي الظروف الصعبة و الهروب من الفقر و بدء حياة جديدة قد توفر له الحق في العيش. و الهجرة السرية وغير الشرعية هي: "التسرب من البلد الأصلي إلي بلد أخر دون تأشيرة و في سرية تامة، إما بهدف العمل أو استعمال هذا الأخير كنقطة عبور نحو وجهة أخرى غير معروفة"، والجزائر من بين البلدان التي تعاني من تفاقم هذه الظاهرة.
وبالنظر إلى تعريف الهجرة نجد انه يمكن القول أنها: "حركة سكانية يتم فيها انتقال الفرد أو الجماعة من الموطن الأصلي إلى وطن جديد يختاره نتيجة أسباب عديدة". حيث تلجأ مجموعات متكونة من 05 إلى 10 أشخاص , إلى سرقة أو شراء قوارب خفيفة بمبالغ تتراوح ما بين 400.000 د ج إلى 800.000 دج، يتزودون بصفائح من البنزين ، بَوْصَلات ، صَدْريات إنقاذ و أجهزة التوجيه gps بعد الاستعلام حول الأحوال الجوية وعند الانتهاء من التحضير ينتقلون إلى نقاط الانطلاق المتفق عليها، تكون معزولة وفي جنح الظلام يبحرون اتجاه السواحل الإسبانية ( ألميريا ) والإيطالية ( جزيرة سردينيا).
حيث يقوم مهربي الأشخاص بتنظيم وبرمجة رحلات بحرية نحو السواحل الإسبانية والإيطالية مقابل مبالغ مــالية ، مجهزين بوسائل اللوجيستيكية الضرورية ( قوارب صيد مع محركات ذات قوة تقدر بـ 35 إلى 50 حصان بَوْصَلة ، جهاز الملاحة البحرية و صدريات الإنقاذ ) ، بالإضافة إلى معدات الأكل والنوم ومبالغ ماليــة بالعملة الصعبة.
و يرى الدكتور "عبد اللاوي" أن الهجرة غير الشرعية كانت موجودة تاريخيا ولكن لم نكن نتحدث عنها لا نحن ولا الغرب – أي الدول المستقبلة-، بدأنا نتحدث عن الهجرة غير الشرعية عندما حدث تحول في تطور الهجرات الدولية، ففي السابق كانت الهجرة منظمة من طرف اقتصاديات البلدان المستقبلة للمهاجرين، وهناك القوانين كانت تحكم حاجيات اقتصاديات هذه الدول ولهذا كانت هذه الهجرة منظمة، وحتى لو قلنا أنها غير منظمة و غير قانونية تصبح قانونية لأن هناك حاجة إليها من طرف هذه البلدان، و تفاقمت هذه الظاهرة لما ظهر ذلك التضارب و التناقض بين حاجيات البلدان الرأسمالية إلى الهجرة العماليّة، فمن جهة هناك رغبة في التحكم بتدفق المهاجرين غير الشرعيين ومن جهة ثانية هناك طلب غير معلن ليد عاملة تأتي بطريقة غير شرعية، هذا ما أدى إلى ظهور ما يسمى ب"سوق اليد العاملة غير الشرعية".
بينما ترى "دردر نصيرة" -مختصة في اقتصاد الجزائر- أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية بدأت مع انفجار الأزمة الاقتصادية في الجزائر 1986-1988 والتي نتج عنها رفع التدعيمات من طرف الدولة و ذلك بأمر من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى الأزمة الأمنية و التي تفاقمت مع نهاية التسعينات، و في ظل كل هذه الظروف بدأت الهجرة غير الشرعية تفرض نفسها بطريقة غير مباشرة.
2- واقع الهجرة غير الشرعية "الحرقة" في الجزائر:
إن ظاهرة الهجرة غير الشرعية تسود بصفة خاصة في السواحل الغربية و الشرقية للبلاد وأصبحت تسجل تزايدا ملحوظا من الفترة الممتدة من سنة 1996التي سجلت خلالها مصالح الدرك الوطني 9 قضايا معاينة و توقيف 24 شخص ، إلى غاية سنة 2007التي سجل فيها معاينة 114 قضية وتوقيف 1071 شخص وحسب تقارير مصالحنا نجد أن غالبية المرشحين للهجرة السرية من فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و40 سنـــة بما فيهم القصر فلقد تم توقيف خلال سنة 2007 23 شابا اقل من 18 سنة و 742 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و28سنة وتوقيف 279 شخص تتراوح أعمارهم بين 29 و40 سنة أما فئة أكثر من 40 سنة فتم توقيف 27 شخص من مختلف شرائح المجتمع (طلبة17 شخص موقوف، بطالين843 شخص موقوف وتوقيف 137 عامل و69 شخص يمارسون نشاطات حرة و5 موظفين) وهذا ما يوضحه الجدول التالي :
سنة 2007 سنة 2006 سنة 2005
114 73 21 عدد القضايا المعاينة
1071 714 57 الأشخاص الموقوفين
625 479 6 الإيداع بالحبس
446 235 51 الإفراج المؤقت
23 13 3 أقل من 18 سنة
742 473 27 من18الي 28سنة
279 207 23 من29الي 40سنة
27 21 4 أكثر من40 سنة
17 12 0 طالب
843 575 47 بدون مهنة
69 36 3 نشاطات حرة
137 86 5 مستخدم
5 5 2 موظف
*إحصائيات الهجرة غير الشرعية "الحراقة" للسنوات 2006 ـ2007 :
نسبة الزيادة سنة2007 سنة 2006
%56+ 114 73 القضايا المعاينة
%50+ 1071 714 الأشخاص الموقوفين
%30+ 625 479 الإيداع بالحبس
%90+ 446 235 الإفراج المؤقت
*إحصائيات الموقوفين وعدد قضايا الهجرة غير الشرعية لسنة 2007 حسب الولايات:
الإفراج المؤقت الإيداع بالحبس الأشخاص الموقوفين القضايا المعاينة الولايات
265 27 292 17 عنابة
40 233 273 28 وهران
39 162 201 16 عين تموشنت
19 99 118 24 مستغانم
28 34 62 10 تلمسان
21 32 53 11 الشلف
2 38 40 5 الطارف
16 0 16 1 جيجل
14 0 14 1 سكيكدة
2 0 2 1 الواد
446 625 1071 114 المجموع
و إذا قارنا إحصائيات الهجرة السرية للسنتين 2006و 2007 نجد أن معدلها في تزايد مستمر حيث أن عدد المرشحين للهجرة تزايد بنسبة 50بالمئة في سنة 2007اين بلغ عدد الأشخاص الموقوفين 1071 بالمقارنة مع سنة 2006اين أوقفت مصالح الدرك الوطني 714 شخص وإيداع بالحبس479 شخص سنة 2006 وإيداع625 شخص بالحبس سنة 2007 بنسبة زيادة تقدر ب30 بالمائة أما عدد الأشخاص الذين أطلق صراحهم مؤقتا فقد بلغ سنة 2007 ،446 شخص موقوف بنسبة زيادة تقدر ب 90 بالمائة مقارنة بسنة 2006 و الإفراج المؤقت عن 235 شخص.
كذلك نجد أن من مجموع1071 شخص موقوف خلال سنة2007 نجد 292 منهم تم توقيفهم بولاية عنابة، ولاية وهران 273 شخص موقوف، عين تموشنت 201 شخص موقوف، ولاية مستغانم تم توقيف 118 شخص ،تلمسان 62 حالة توقيف، الشلف 53 حالة، الطارف40 حالة، جيجل 16 حالة، سكيكدة 14 شخص موقوف و تليها ولاية الواد بحالتين. أما خلال الثلاثي الأول من سنة 2008 قامت وحدات الدرك الوطني بمعالجة مايلي :
-معاينة 12 قضية متعلقة بالهجرة السرية"الحراقة".
-توقيف 100 شخص بتهمة الهجرة السرية.
-إيداع 51 شخص بالحبس.
-الإفراج المؤقت عن 49 شخص.
ومن خلال تقارير الدرك الوطني سجل هناك ارتفاع بنسبة 300 بالمائة فيما يخص عدد القضايا المعالجة خلال الثلاثي الأول من سنة 2007 أين تم معاينة 03 قضايا، وسجل هناك ارتفاع ملحوظ بنسبة 669 بالمائة فيما يخص عدد الأشخاص الموقوفين بالمقارنة مع الثلاثي الأول من سنة 2007 أين تم توقيف 13 شخص.
3- أسباب الهجرة غير الشرعيّة " الحرقة" في الجزائر:
يقول أحمد متناني في كتابه"واقع و أحداث": "أن قيمة الفرد في المجتمعات الضعيفة لا تساوي شيئا....... و أن الفرد القوي هو دعامة حقيقية لكل نهضة أو مسيرة تمكنان المجتمع من التطور و النمو".
إنّ الأزمة في الجزائر متعددة المظاهر، فهي : اقتصادية، اجتماعية، سياسية، قانونية، و حتى ثقافية، و لكن وبما أن الاقتصاد والقانون هما المحركان الأساسيان لأية دولة و المؤديان إلى نشوب أية أزمة فلابد من محاولة دراسة و شرح كل منهما على حدا، لعلنا نصل إلى تبرير مقولة الشباب الجزائري عامة و شباب منطقة "باب الواد" خاصة: "ياكلنا الحوت و ما ياكلناش الدود".
*الأسباب الاقتصادية:
الاقتصاد هو العمود الفقري لكل تطور و تنمية، شرط أن يكون منظما أحسن تنظيم........... و إذا كان غير ذلك فإن انعكاساته ستعود على المجتمع سلبا. و ما الهجرة غير الشرعية "الحرقة" إلاّ دليل على سوء التسيير الاقتصادي، فرغم وجود مشاريع و اقتراحات لفئة الشباب إلاّ أنها تفتقر إلى التسيير الحسن و المنظم والجدّي و البعيد عن البيروقراطية و كل المعرقلات التي تجعل الشاب ينفر منها. وقد أعطى أحمد متناني مثالا من الواقع يعتبره دليلا على بطء وتيرة التنمية بسبب البيروقراطية وغيرها من المعرقلات: " إن مصنعا معيننا مثلا، يحتوي على مجموعة آلات و عمال و إمكانيات مادية يُسَلَّم لرجل "إطار معين" بقرار ليسيره، و عندما يشرع في التسيير نلاحظه لا يثق في أحد من العمال أو ممن هم حوله من الإطارات، قد وجدهم يعملون في ذلك المصنع و أول ما يخطر على باله أن يقوم بتغيير جزئي، و أحيانا يكون جذري و شامل لكل ما وجده، وهدفه من وراء ذلك هو بغَضّ النظر عن مصلحة المصنع و العمال، التجديد و أن يأتي بكل زملائه و أصدقائه و أبناء حومته، أو جهته ...الخ، كي يطمئنّ على منصبه الذي حصل عليه عن طريق العلاقات الشخصية مع هذا و ذاك من أصحاب النفوذ، ثم تختلط عليه مفاهيم الإطارات و العمال و تبرز خلافات و مشاكل أقل ما يقال عنها أنها بداية الفوضى قادمة و هكذا يتحول المصنع من استقرار إلى فوضى، ومن تنظيم إلى تخريب و من تعسف إلى فساد، ثم تفد العلاقات بين الأفراد و تتسع الهوة و ينتشر الظلم ويذهب المصنع إلى الهلاك و الإفلاس"، وهذا ما نطلق عليه بالجهوية و المحسوبية و العشائرية و ما شابه ذلك من عدم الانضباط و عدم مراعاة الكفاءة.
ثمّ إن البطالة و انعدام الدخل يندرجان ضمن خانة الأسباب الاقتصادية الرئيسية للهجرة غير الشرعية ففي مطلع أكتوبر 2005، عقد وزراء داخلية دول 5+5 "الجزائر، ليبيا، تونس، المغرب وموريتانيا" من الجانب المغاربي و "فرنسا، اسبانيا، البرتغال، ايطاليا و مالطا" من الجانب الأوربي، ووضعوا خطة مشتركة لمواجهة الظاهرة و في هذا الإطار ألنت دول المغرب العربي عن حاجتها إلى مزيد من المساعدات الاقتصادية من الاتحاد الأوربي، لوقف الهجرة غير الشرعية إلى أوربا، و قال وزير الداخلية المغربي "المصطفى الساهل" أن الدول الإفريقية الواقعة جنوبي الصحراء –هي الأخرى- تحتاج أيضا لمساعدات تنموية لتوفير فرص عمل حتى يفضل مواطنوها البقاء في بلادهم عن محاولة الهجرة إلى أوربا، و تقول الإحصائيات أنه يوجد في الدول العربية، أعلى معدلات البطالة في العالم، كما أن 60٪ تقريبا من سكانها هم دون الخامسة و العشرين من العمر، وحسب تقرير لمجلس الوحدة الاقتصادية السابع لجامعة الدول العربية، صدر عام 2004، قدرت نسبة البطالة في الدول العربية بما بين 15و20٪ و تتزايد سنويا ب03٪، وتنبّأ التقرير بأن يصل عدد العاطلين في البلاد العربية عام 2010 إلى 05 مليون عاطل، وبلغ معدل البطالة في الجزائر نسبة 29.9٪ و يقول المراقبون أن أزمة البطالة مرشحة للتصاعد بحدة في الجزائر في السنوات القادمة بعد المشكلات الناجمة عن تراجع النمو الاقتصادي بحيث لم يتجاوز حدود 03٪ خارج المحروقات بالإضافة إلى قلة الاستثمار الداخلي و الخارجي، و تراجع مناصب الشغل منذ 1986. مع بدأ الأزمة الاقتصادية التي تلتها رفع التدعيمات من طرف الدولة و ذلك بأمر من صندوق النقد الدولي. و النتيجة كانت انفجار المظاهرات الشعبية الشاملة في 5 أكتوبر 1988، حيث تم إنشاء 40ألف منصب شغل خلال 1994-1998، مقابل 140 ألف منصب خلال 1980-1984، و فقدان أكثر من 360ألف منصب خلال إصلاحات 1994-1998، فترة التعديل الهيكلي، تقلص الوظائف الدائمة التي كانت تمثل49٪ عام 2000 مقابل 38٪ فقط سنة 2005 حيث انخفض عدد العمال الدائمين بنسبة 11٪ و زيادة على ظاهرة التسرب المدرسي التي تقدر ب600ألف تلميذ سنويا و يقول الخبراء أن دول المغرب العربي الثلاث "الجزائر تونس و المغرب" تحتاج إلى خلق حوالي مليون فرصة عمل سنويا من أجل الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ومن إحدى نتائج طاهرة البطالة تزايد الفقر الذي يعتبر أيضا من العوامل المشجعة على الهجرة و على سبيل المثال حسب آخر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن عدد الجزائريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغ 5.2مليون شخص، يمثلون نحو 16.25٪ من إجمالي عدد السكان البالغ 32مليون نسمة، و يتحفظ كثير من الخبراء على هذه النسب و يرون أن الواقع أكبر من ذلك بكثير، و يفيد التقرير أن الجزائر توجد في رتبة متدنية في مؤشر الفقر من حيث تم إحصاء 17٪ من السكان أي ما يعادل 06 مليون جزائري يعيشون في مستوى الفقر من حيث الحصة الغذائية و هناك أكثر من يعيشون بأقل من دولار واحد يوميا، بالمقابل يشير التقرير إلى أن 06٪ من عدد السكان من عدد السكان يعانون م سوء التغذية فيما تشير إحصائيات أخرى إلى انتشار ما يعرف بجيوب الفقر، و يؤكد ذات التقرير أنّ 13٪ من السكان محرومون من الوصول إلى نقاط المياه الصالحة للشرب.
* الأسباب الاجتماعية:
يتفق معظم المختصين في علم الاجتماع على أن الأسباب التي تقف وراء ارتفاع عدد الجزائريين المهاجرين أو الراغبين في الهجرة إلى الشمال، تتمثل في تدني مستوى المعيشة و ارتفاع تكاليف الحياة و نقص فرص العمل* و يرى سليمان رحال أستاذ علم الاجتماع بجامعة عنّابة أنّ:"من الطبيعي جدا أن يحلم أي شاب جزائر بالاستقرار في إحدى دول الشمال، لاسيما بعد الانفتاح الإعلامي الذي شهدته البلاد بفضل انتشار الهوائيات، ما سمح للشباب باكتشاف حياة أخرى في الضفة الشمالية من البحر المتوسط، و أوضح أن تدني مستوى عيش الفرد وارتفاع مستوى البطالة و الفقر في المجتمع الجزائري، دفعا الشباب إلى الوقوع في فخ اليأس، و أوجدا الرغبة في التغيير نحو الأفضل مهما كانت الطرق.
و يرى الدكتور "عبد اللاوي" مختص في علم الاجتماع أن الشاب الذي يخرج من بلده نحو ايطاليا أو اسبانيا يدرك تماما أنه سيخوض مغامرة قد تودي بحياته لكن أمله في الوصول إلى الضفة الأخرى و الحصول على عمل و بالتالي الحصول على نقود سيشجعه على ركوب المخاطر، وهذا ما جعل نسبة الهجرة بين الشباب تزداد بالإضافة إلى انعدام البديل لهؤلاء الشباب في بلدهم، ومن هنا ما يبدوا لنا نحن مغامرة فهو بالنسبة لهم استثمار، و بالتالي نجد اتجاها جديدا ظهر لدى المجتمع الجزائري و هذا الاتجاه يتناقض مع ما هو موجود، و منه وصلنا إلى مرحلة فيها مجتمعين، المجتمع الجزائري الذي ظهر منذ سنة 1962، و مجتمع جديد ظهر و لم يهتم به أحد، أو لم يجد الاهتمام الكافي، تكون و أصبح موجودا و دخل في صراع مع المجتمع القديم، و بالتالي كانت منافذه إنحرافية وما "الحرقة" إلاّ نتاج لتطور المجتمع.
كما يرى "علي بوطاف" دكتور في علم النفس أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية هي كباقي الظواهر الاجتماعية الأخرى و التي تعود أساسا إلى الأوضاع الاجتماعية المزرية، فالشاب حسبه يتلقى صورة حالمة عن البلدان الأخرى عن طريق ما يسمعه و ما يراه عبر وسائل الإعلام و الاتصال المختلفة، ولكن في آخر المطاف يصطدم هذا الشاب بالواقع المرير في تلك البلاد و الذي يجره إلى حتى إلى التسول أو أكثر من ذلك، و يرى "بوطاف" أنه في ظلّ انعدام دراسات جادة حول الموضوع فإنّه لا يمكن إطلاق أحكام اعتباطية تفتقر إلى الصحة و الطابع العلمي الدّقيق إن صحّ التعبير.
* الأسباب القانونية:
القانون هو مجموعة القواعد الملزمة التي تنظم علاقة الأفراد في الجماعة .....و هو ضروري لحفظ كيان الجماعة البشرية و استقرارها و أمنها، وطالما أن الجماعة ضرورة و لا حياة للإنسان إلا في الجماعة، فالقانون كذلك ضرورة و لا غنى عنه و لولاه لعمّت الفوضى.
و تشهد الجزائر فراغا قانونيّا فيما يخص ظاهرة الهجرة غير الشّرعيّة، ففي محاكمة افتراضية نظّمها الاتّحاد العام للطّلبة الجزائريين، بكليّة الحقوق و التي كان القاضي فيها أو رئيس المحكمة الدّكتور "محمد ريش" و كان في الدّفاع الدّكتورة "بن براهم فطيمة"، و في النّيابة العامة الدّكتور "الغايب علاوة" أما المتّهم فكان "هواري" من وهران الذي حاول الهجرة بطريقة غير شرعيّة، و قد حكم القاضي ببراءة المتّهم بحجة أنّ:
القاعدة الأساسية في القانون الجنائي هي أنّه لا عقوبة و لا جريمة بغير نص، و بهذا قضت المادّة الأولى من قانون العقوبات الجزائري، التي تنصّ على أنّه لا جريمة و لا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون.
ففي المواد الجنائية إذا لم يكن ثمّة نص يقضي بالعقوبة فإنّ القاضي يحكم بالبراءة، لأنّه لا عقوبة و لا جريمة إلاّ بنصّ في القانون، و بهذا تقضي المادّة 45 من الدّستور الجزائري.
و في ظل هذا الغياب القانوني يجد الشباب الفرصة الأكثر ملائمة لخوض المغامرة، لأن الرادع الأكبر غائب.
في حين يرى الدّكتور "محمّد محي الدين" أنّ "الحراقة" يخضعون للقانون الدّولي للبحار، وهو ذلك القانون الذي ينظم الطبقات البحريّة إلى: المياه الداخلية، المياه الإقليمية، و المنطقة المتاخمة، و الإشكالية تقع في المنطقة المتاخمة و يقصد بها تلك المنطقة التي لا تملك الدولة الجزائرية السّيادة عليها و مداها 24 ميل أي ما يعادل 38,62 كيلومتر و المقسّمة كالتالي: 12 ميل أي ما يعادل 19,31 كيلومتر للمياه الدّاخلية+ 12 ميل للمياه الإقليمية و كلاهما تدخلان ضمن السّيادة الكاملة و الشاملة للدولة الجزائرية و بالتالي ابتداءا من 24 ميل نجد المنطقة المتاخمة و نظامها القانوني المادّة 33 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982 و الذي صادقت عليه الجزائر، و في اعتقاد الأستاذ "محي الدين" فإنّ "الحراقة" يقومون بانتهاك النّظام العام للمحيطات و بالتالي الدّولة يمكن أن تعاقبهم على أس