إن أكرمكم عند الله أتقاكم
معيار المفاضلة بين الناس هو عمل الإنسان وخلقه لا جاهه ونفوذه وثروته وغناه، ولقد عمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تربية أصحابه على الرفق مبيناً لهم أن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، وأن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه، وحري بمن كان مسؤولاً في أي مرفق من مرافق المجتمع أن يتخذ من هذه التعاليم منطلقاً له وهدفاً وشعاراً.
تيسير الأمور غاية يرجوها كل إنسان وإنها لنعمة أن يجعل الله الأمور ميسرة تفيد عبـــاده فلا عنت ولا مشقة ولا عسر، فالسهولة واليسر يذكرنا بقول الله جلت عظمته: ومن يتق الله يجعل له مخرجا (2) ويرزقه من حيث لا يحتسب (الطلاق).
عن سهل الساعدي أنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: "ما رأيك في هذا؟"، فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم مر رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما رأيك في هذا؟"، فقال: يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين هذا حري إن خطب ألا يُنكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يُسمع قوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هذا خيرٌ من ملء الأرض من هذا".
فالفضل للرجل إذا كان صالحاً وقد يكون فقيراً، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء".
فأعمال هؤلاء وجهادهم وبذلهم بالقليل لأن أحب الأعمال إلى الله جهد المثل، فالعبد إن كان صابراً راضياً له درجة صبره ورضاه، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حســــاب10 (الزمر).
والتفاضل بين الرجال يتحقق في قول الله الخالد: إن أكرمكم عند الله أتقاكم (الحجرات: 13).
وفي رواية أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا أبا ذر، أترى كثرة المال هو الغنى؟"، قال: نعم يا رسول الله، قال: "فترى قلة المال هو الفقر؟"، قلت: نعم يا رسول الله، قال: "إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب".
فغنى القلب وفقر القلب وما يتبعهما من سلوك هو أساس الفضل.
فالغني الشاكر يستطيع أن يفعل بالمال الصالح ما لا يستطيعه الفقير، فالمال له قيمة عندما يكون في أيدٍ صالحة، فالغنى والفقر ليسا مادة تفضل، بل ما يصحبهما من قرائن، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله في دعائه من الكفر والفقر، ومن عذاب القبر، وفي دعائه كان يستعيذ بالله من شر فتنة الغنى.
فالاستعاذة من فتنة الغنى ومن فتنة الفقر، وكان يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، فالمال كنبات الربيع يستحسن تطلبه النفوس، وتميل إليه، فمن الناس من يستكثر فيه ويستغرق فيه غير صارف له في وجوه الخير، فهذا يهلكـه، ومن يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تعس عبدُ الدينار، والدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ لم يرض".
وطبيعة الإنسان الذي يعرف القيم والمثل مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "لو كان لابن آدم واديان من مال لتمنى ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، والغني بنفسه لا بماله، ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس، وغنى النفس من أبواب الرضا بقضاء الله تعالى".
ومن الرضــا بقضــاء اللـــه تعالى ما ذكره أبو ذر رضي الله عنه بقوله: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنظر إلى من هو فوقي، وأنظر إلى مَنْ هو دوني، وأوصاني بحب المساكين، إنما تنصر الأمة بضعفائها بدعوتهم وإخلاصهم.
فعندما يكون الصبر على الفقر وعدم الطغيان بالغنى والحب والاحترام بين الأغنياء والفقراء تتحقق أساليب التكافل في الأمة.
دمتم برعاية الله