مجموع ما انتقض على شمس الدين بوروبي الجزائري(زعيم الأحباش في الجزائر)

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

جمال البليدي

:: عضو مُشارك ::
إنضم
23 جانفي 2009
المشاركات
123
نقاط التفاعل
0
النقاط
6
لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ثم بعد:
هنا نجمع كل الردود على شمس الدين وبيان فساد نهجه ونحلته ,ونرجوا من أسود التوحيد والسنة أن لا يبخلوا علينا بما عندهم



القول المبين في الرد على أباطيل شمس الدين [الجزء الأول ]

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مؤيد الحق وناصره ، وداحض الباطل وكاسره ن ومعز الطائعين وجابرهم ، ومذل الباغين و خاذلهم ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له القائل : ﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرمي به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا [النساء : 112] .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل : << .. ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه، ومن رمى مسلما بما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال يوم القيامة ..>> الحديث . وصلى اللهم وسلم على آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين .
أما بعد :
فقد اطلعت على ما نشرته جريدة الشروق اليومي في عددها [2089] الصادرة يوم الثلاثاء 04/سبتمبر/ الموافق لـ شعبان هـ على صفحة الملف تحت عنوان فتاوى متطرفة وكتب دينية شاذة في السوق الجزائرية ، بقلم المدعو شمس الدين ـ وما هو كذلك ـ حيث جمع في مقاله المنشور صنوفا و ألوانا من التهم و البهتان بالباطل ، لابسا قميصا ملطخا بدم كذب ، مزينا بالحقد والحسد لأهل السنة عامة أتباع السلف الصالح ، وعلماء الحديث خاصة ، حيث رمى طائفة منهم بأنواع من القذائف و الشتائم التي هم منها براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، والعجيب في صنيعه هذا أنه يخلط بين أهل الحق ن وأهل الباطل ، وبين أهل السنة أمثال اللالكائي والبربهاري من المتقدمين ، والألباني وعبد العزيز آل الشيخ من المتأخرين ، وبين أهل البدع و الضلالة أمثال أبي قتادة المصري ، وأبي الأعور و غيرهم من التكفيريين و الخوارج ، جمع بينهم وجعلهم جميعا في بوتقة الضلالـ السلفية المزيفةـ فتبين لي بذلك أن الرجل يخبط خبط عشواء ن ويخلط بين الأشباه و النظائر ، وكم ابتلي المسلمون بمثل هذا الطراز الذي لا هم له إلا محاولة هدم شوامخ العلماء وأطواد العلم العظيمة، وذلك
------------------------
1 – رواه أبو داود [ح3598]واللفظ له إلا أنه قال :<< ومن قال في مؤمن >> وأحمد [ح5377] والبيهقي [ح11525]والطبراني بإسناد جيد نحوه ، وزاد في آخره :<< وليس بخارج >> ورواه الحاكم مطولا ومختصرا وقال في كل منها : صحيح الإسناد ، والمنذري في الترغيب والترهيب [ح3397- 4310] والردغة بفتح الراء وسكون الدال المهملة ويحركها أيضا ، وبالغين المعجمة : هي الوحل ، وردغة الخبال بفتح الخاء المعجمة والباء الوحدة هي عصارة أهل النار ، أو عرقهم كما جاء مفسرا في صحيح مسلم .

الصفحة [2]
وذلك عن طريق اصطياد بعض الزلات، والعثرات، التي لم يُعصم منها أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتراهم يتربصون بالعالم الزلة ، ويتصيدون منه الهفوة لينفخوا فيها ويعظموها في أعين الناس فيجعلون ـ كما قيل ـ من الحبة قبة ، ومن النملة فيلا .
وكان الأولى به أن لا يكلف نفسه ويمسك قلمه ببنانه ويخط هذه الأحرف الآثمة ، ولكن الله إذا أراد كشف حال عبد فضحه ، ومن جر أذيال الناس بالباطل جروا ذيله بحق ، ومن يحترف زخرف القول فهو أخو الساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى .
ولعل صاحبنا لم يجد مطية للبروز والشهرة إلا أعراض هذه الطائفة ، وأذكره هنا ـ والذكرى تنفع المؤمنين ـ بأن حب الظهور يكسر الظهور ، وأن لحوم العلماء مسمومة قل من أصاب منها شيئا إلا هتكه الله وفضحه بين خلقه إن عاجلا أو آجلا ، وما مثله إلا كمثل ذلكم الرجل المجهول الذي وقف على بئر زمزم في موسم الحج وبال فيها ، فلما أُخذ إلى الخليفة هارون الرشيد وسأله ما حملك على ذلك قال : أردت أن يعرفني الناس ، وليعلم أن الطاعنين على العلماء يذهبون مع الأيام ويبقى طعنهم وصمة على عليهم ، وأن أهل العلم يبقون على كل شفة ولسان بعد أن جعل الله لهم القبول ، في كل مكان وزمان .
ولعل صاحبي ضاقت به الأرض ذرعا لما يرى من انتشار المنهج السلفي الحق ، المنهج الوحيد الذي يوافق الفطرة ، والعقل السليم ، فأغضبه ذلك، وخاصة وهو يرى أن النظام قد ضيق عليه، فأغلق جمعيته ، وسحب منه الرخصة ، فلم يجد وسيلة يتزلف بها إلى من منعوه ، أو كبش الفداء يقدمه قربانا إلى النظام عساه أن يحظى برضاه عنه فيعيد إليه الرخصة ، ويفتح الجمعية مرة أخرى إلا تتبع العورات، وتصيد زلات إخوانه المسلمين، والطعن في أعراض علماء الأمة، وأساطين الملة، وصدق ابن سيرين رحمه الله تعالى حين قال:<< ظلمك لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما تعلم وتكتم خيره >> .
وقال الحسن البصري رحمه الله : << المؤمن يعذر الزلات ويستر ، والمنافق يفضح وينشر >> .
وقال الصنعاني رحمه الله : << ليس أحد من أفراد العلم إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب >> فالعصمة للأنبياء ودونهم فلا تطلب . وقالت الحكماء : كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه .

الصفحة [3]
فكان الأولى به أن ينصف أهل السنة أتباع السلف الصالح ، ويذكر مآثرهم ومحاسنهم ، وفضلهم على هذه الأمة ، يوم كانت أرضنا تحترق بنار الفتنة ، ووطننا يخرب بأيدي أبنائه ، فلولا الله سبحانه وتعالى ، ثم العلماء المخلصين أمثال الشيخ الألباني والشيخ العثيمين الذين تصدوا لإطفاء نار الفتنة، التي كادت أن تعصف بالعباد والبلاد ، لكان صاحبنا الآن يحترق بنارها ، ولا يستطيع أن يتبجح بما يكتب وينشر ، ورحم الله حافظ الدنيا ابن عبد البر حين قال : << من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه ، ومن لم ينصف لم يفهم ، ولم يتفهم >> .
وقال القرطبي رحمه الله معلقا على قول الإمام مالك بن أنس رحمه الله : << ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف >> . قال القرطبي : هذا في زمان مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عم فيه الفساد ، وكثر فيه الطغام ، وطلب العلم للرياسة والجاه ، لا للدراية والهداية ، بل للظهور في الدنيا ، وغلبة الأقران بالمراء والجدال ، الذي يقس القلوب ، ويورث الضغن ، وذلك مما يحمل على عدم التقوى ، وترك الخوف من الله تعالى .
قلت : هذا في زمانه رحمه الله ، فكيف لو أدرك زماننا الذي ساد فيه الجهل والفساد ، وانقلبت الموازين ، وطلب العلم عند الأصاغر ، وتولى منصب الإفتاء الرويبضات، وصُدق الكاذب ، وأتمن الخائن ، وخوّن الأمين ، وظهر القلم ، وطالعتنا كثير من الكتب ، والمجلات ، والجرائد بالشيء الكثير من الزبد الذي يحمله تيار الضلال الجارف ، والسيل المتدفق بالفتن والإفساد في الأرض .
ثم أقول لصاحبي ألا تنظر من حولك لتدرك مدى الفساد الذي يحيط بك ،ويكاد يغمك، فهلا سخرت قلمك ، ولسانك لنصرة الحق ، مظلوما أو ظالما في نظر الكثيرين من أمثالك . .؟
ثم إن الناظر المتمعن في مقالك الأبتر من البركة بسبب أنك لم تفتحه بالبسملة والحمد والثناء على الله ، اقتداء بالكتاب العزيز ، وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ليدرك من أول وهلة أن السبب الذي دفعك لكتابته هو الحسد والحقد الدفين في نفسك لا غير ، لأن الحاسد لا يفتتح كلامه وعمله بالحمد والثناء على الله ، فعقله منتفخ غيظا ، وقلبه ممتلئ حسدا فلا يذكر الله إلا بما يشفي غيظه وحسده ، وهنا أذكرك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : << دب إليكم داء الأمم قبلكم ، الحسد والبغضاء ، هي الخالقة ، لا أقول تحلق الشعر ، ولكن تحلق الدين .. >> . [1]
------------------------
1-رواه الترمذي[ح2559]وأحمد[ح1424-1442]وأبو يعلى في المسند[ح667]والمنذري[ح4084-4382]وقال رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما.

الصفحة [4]
نعم فالحسد كما قال الغزالي رحمه الله : << يحمل الحاسد عن تمني زوال النعمة عن غيره ، ويسر بالمصيبة تصيب المحسود ، وأن يشمت بما أصابه من البلاء ، وأن يهجره ويقاطعه وإن أقبل عليه وأن يعرض عنه استصغارا واحتقارا ، وأن يتكلم فيه بما لا يحل من كذب وغيبة ، أو يفشي سره ، أو يحاكيه استهزاء وسخرية منه .. >> .
فلو أنك سلكت في مقالك طريق أهل العلم المخلصين ، وأنك لم ترد إلا النصح والتبيين ، وكان غرضك بيان الحقيقة ، ونشر العلم ، وتعريف الناس الصواب من الخطأ لسلكت في مقالك مسلك الناصحين المخلصين في التأصيل والتدليل ، وفي التدقيق والتحقيق ، ولاتبعت طريقهم في التعليم والتبليغ ،ونهج ما كانوا عليه من القول الحسن ، والجدال بالتي هي أحسن ، ولكن هذا لم يكن وعلامات الحقد والحسد واضحة من خلال العناصر التي صدّرت بها المقال ، ونسبتها إلى الأثبات كالجبال، من العلماء الرجال ، واعلم أن عند الله تلتقي الخصوم ، ويؤخذ الحق من الظالم للمظلوم ..
ولما كان مقالك يمس أعراض علماء أعلام ، وكتب قيمة لأهل الإسلام ، وقصدك صد الناس عن الاستفادة والإفادة منهم ، وتأليب النظام على من يقتني كتبهم وأقوالهم ؛ ليخلو لك الجو ، فتفرخ البدع في الأرض والعلو ، أحببت في هذه العجالة أن أذب عن أعراضهم نصرة للمظلومين ، ودحضا للباطل الذي جاء به شيخ المصلحين ، الذي يخاف على الشباب الناشئين ، من علماء السنة وكتب السلفيين ، ولا يخاف عليهم من الانحلال الديني والخلقي ، ولا من المخدرات ، والعولمة والعلمانيين، ولا من السموم التي تبث عبر القنوات الفضائية ، والشبكة العنكبوتية ، والهاتف النقال ، ولا من الغزو الفكري ، والعقائد الباطلة التي يتلقوها في المدارس ، والجامعات ، ودور الشباب والثقافة ، وبيوت الله من الأئمة المضلين الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم أمته ؛ ممن ينتحلون عقائد الفرق الباطنية الضالة ، ويحملون فكر الخوارج والتكفير ، والطرقيين المنحرفين ، وغيرهم ممن يسعون إلى طمس معالم الدين ، وتفريق المسلمين إلى شيع وأحزاب ، كل حزب بما لديهم فرحون ، وكأنه استتب له الأمر من كل هذا ، ولم يبقى له إلا السلفيين الذين جعلهم الخطر المحدق عليه وعلى هذه الأمة ، فنقول له طب نفسا فإن هؤلاء الذين أعلنت عليهم الحرب ، يحملون كل الخير والحب والبر لهذه الأمة عموما ، ولهذا الوطن خصوصا ، ولا يعتقدون الخروج على الأئمة ولا التكفير بالمعصية ، ولا الإرهاب بجميع صوره ، فهم يؤمنون بالتغيير عن طريق التصفية والتربية ، تصفية الإسلام مما علق به مما ليس منه ، وتربية الأمة على ذلك الإسلام المصفى ، بالعلم والعدل والدعوة بالتي هي أحسن للتي هي أقوم ، فإن أخطأ منهم فرد أو أفراد ؛ فهذا لا يعني الطعن في المنهج الحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، لأن هذا دأب البشر من كل الطوائف ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها .

الصفحة [5]
والآن أتناول في ردي هذا بعضا من المسائل المهمة المطروحة ، وأبينها بالأدلة الواضحة الصريحة ، معرضا عن باقي المسائل التي جاء بها والتي لم أذكرها ، لأن بيانها يطول ، والجريدة تشترط الاختصار في القول ، فالله أسأل أن يوفقنا لذلك ويسدد خطانا لما هنالك ، من الأهوال حيث يظهر الناجي من الهالك ، و السني ، ومن للهوى كان سالك .
1ـ لم يجد الكاتب من الكتب الكثيرة التي تحمل السموم والشرور ، والبدع و الباطل بجميع ألوانه وأنواعه، في السوق الجزائرية إلا بعض كتب أهل السنة ، وعلى رأسها [ كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ] والسبب في ذلك أنه وجد فيه زلة كبيرة خطيرة - زعم - جعلها من السخافة بمكان ، يخاف على الشباب أن يتلقفوها ،وأن تنتشر بينهم فيعتقد وها ، ومن أجل ذلك الخطأ ينبغي أن يرمي الكتاب ويحذر منه ، سبحان الله ؟!
ولي على هذا معه عدة وقفات :
أ- يعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب المصنفة في العقيدة عند أهل السنة والجماعة ، وقل أن نجد منصفا بعده إلا وستفيد منه أو يشير إليه ، وقد ارتضاه طائفة من العلماء ، منهم الخطيب البغدادي ، وابن الجوزي ، وابن قيم الجوزي ، وابن تيمية ، والذهبي وابن حجر ، والسيوطي وغيرهم كثير ..
أما صاحب الكتاب فهو سلفي العقيدة وأحد الحفاظ الأعلام من علماء الحديث ، شهد العلماء له بذلك ووصفوه تارة بالحفظ ، والإتقان ، وأخرى بالفهم والإفادة ، أنظر مقدمة المحقق للكتاب المجلد الأول [ ج1/94 ـ 95 ] وشهادات العلماء له بذلك .
ب- أما ما في الكتاب من الآثار فأغلبها منقول بالأسانيد الصحيحة الثابتة ، عن الصحابة والتابعين ، وأتباع التابعين إلى عصر المؤلف ، ولا يوجد إلا القليل من الآثار الضعيفة التي ضعفها أهل العلم ، وهذا دأب كل من صنف ، لا يخلو كتاب من أوهام وأخطاء إلا كتاب الله . وعلى العموم فالكتاب قيم ، وجيد ، والمؤلف برأ ذمته بذكر الآثار مسندة ، فلا لوم عليه بعد ذلك ، لأن الإسناد من الدين ، وهو قد وعاها فأدها كما سمعها..فجزاه الله خيرا أن حفظ لنا تلك الآثار العظيمة.
ج- إن العبارة المنقولة عن أبي حنيفة نقلها غير واحد ممن سبق اللالكائي ، منهم عثمان بن سعيد الدارمي في سننه ، والأشعري في مقالات الإسلاميين ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ، ونقلوا أشياء كثيرة نقلت عن أبي حنيفة ، بعضها ثابت بالأسانيد الصحيحة ، وبعضها ضعيف لا يصح نسبته لهذا الإمام ،وقد ضعفوه من جهة حفظه رحمه الله ، منهم البخاري والنسائي ، وابن عدي ، فهل هذا يعني أن نرمي بكتب كل هؤلاء ؟ هذا لا يقوله عاقل . فلو كان صاحب المقال يريد النصح والبيان لتصدى لكل من روى هذه الأخبار عن أبي حنيفة، وبين أسانيدها بالنقد والبيان، فرد الضعيف، وقبل الصحيح، وهذا هو الإنصاف.

الصحفة [6]
د – لقد رد هذه المقالة المنسوبة لأبي حنيفة دون دراسة لأسانيدها دراسة حديثية ، على أن المحقق لكتاب اللالكائي لم يردها بعينها ، وإنما ذكر في الجملة الآثار التي تذكر في أبي حنيفة ، فجاء هو وردها بعينها دفاعا عنه ، وخيرا فعل لو كان قصده بيان الحق . لأننا نحب العلماء والدفاع عنهم ولكن الحق أحب إلينا منهم ، ولا نعتقد العصمة لأحدهم فأبو حنيفة رحمه الله فقيه العراق ، وأحد أئمة الإسلام والسادة الكرام ، وأحد أركان الإسلام كما قال ابن كثير رحمه الله في ترجمته [1].
وصاحبي رد تلك المقالة هكذا بالهوى ، ولو اتّبع طريق أهل الحديث في التحقيق والتدقيق والنقد البناء لكان محقا في اجتهاده حتى لو أخطا الصواب ولكنه لم يفعل ، وهنا أقول له : أرأيت لو ثبتت هذه المقولة عن أبي حنيفة رحمه الله ، فكيف تفعل حينئذ بدفاعك عنه ، وقد انتقص إيمان أبي بكر الصديق ، وجعل إيمانه مساويا لإيمان إبليس ، مع أن إيمانه لو وزن بإيمان الأمة لرجح عليها ؟ فيا سبحان الله !! تدافع عن أبي حنيفة، في أمر أنت غير متثبت منه، ولا تدافع عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أين الإنصاف الذي يقتضي أن نقول بعد النظر في السند. لم تثبت هذه الرواية عن أبي حنيفة ، وعلتها محبوب ابن موسى الأنطاكي أبو صالح الفراء ، قال أبو داود : ثقة ، لا يلتفت إلى حكاياته إلا من كتاب .[2] قلت محبوب بن موسى ، وثقه جمع من العلماء كما قال ابن حجر ،[3] وعلى فرض صحة المقولة : يقال أخطأ أبو حنفية رحمه الله ،والدليل على خطئه حديث رسول الله في فضل إيمان أبي بكر رضي الله عنه .. وكأن صاحبي ما قرأ فضائل أبي بكر من صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وكتاب فضائل الصحابة للإمام أحمد وغيرها كثير .. وفضائله رضي الله عنه أكثر من أن تحصى ، ولو كان فيه إلا أنه صاحب رسول الله في الحل والترحال المفضل عنده والمحبب إليه وقد سئل عن أحب الناس إليه فقال:<< عائشة >> فقيل له من الرجال فقال:<< أبو بكر >>[4] وقال فيه :<< لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ..>>[5].
------------------------
1- البداية والنهاية [ج10/107].
2 - قاله الذي اعتنى بنشر تاريخ بغداد [ج13/ ص473]إلا أنه حذف عبارة ثقة.
3 - أنظر تهذيب التهذيب [ج10/ ص48].
4 – البخاري [ح 3662]ومسلم [ح 6130].
5 – البخاري [ح3654 -3656]ومسلم [6123 ـ إلى 6129 ].

الصفحة [8]
أما كتاب شرح السنة للبربهاري فهو كتاب مهم وقيم ، ويقال فيه ما قيل في سابقه ، فالمفروض أن يثني عليهما ، وينصح الشباب بقراءته ، لا أن يطعن فيه بسبب أنه دافع عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ورد على طائفة ضالة ظهرت قديما ، ومازال المسلمون يعانون من أذيالها إلى يوم الناس هذا ، وهي التي تسمي نفسها بالقرآنيين ، أي لا يؤخذون إلا بالقرآن . فإذا قال البربهاري : إذا رأيت الرجل تستدل عليه بالحديث [أي النبوي ] يقول لك دع عنك هذا ، وأتنا بالقرآن فاعلم أنه زنديق ، بمعنى لا يقبل حديث النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا ، ولست أدري بماذا سيحكم علي مثل هؤلاء الذين يردون السنة ولا يؤمنون بها ، وهذا مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام :<< لألفين أحدكم على أريكته شبعان يأتيه الأمر من أمري ،فيقول : دعونا من هذا وأتونا بكتاب الله ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ..>>[1].
فهذا ما قصده البربهاري رحمه الله ، وليس ما فهمته أنت ، فهل من يدافع عن حديث رسول الله مستنكرا على من لايقبل الاحتجاج بأوامره وسننه مكتفيا بالقرآن يطعن فيه ؛ وفيما كتب ، ياهذا ؟ ويطعن فيمن نشر كتابه ، ويحث المسلمين على قراءته كما فعل العلامة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ الذي انتقصته بذلك . فالله يجازيك على ذلك .
3ـ نسبته إلى الألباني أنه يجيز الزنا على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين رضي الله عنهن .. فهذا والله افتراء على الشيخ ، وستكتب شهادته ويسأل عنها يوم القيامة ، وأنا أقطع أنه كذب ، وعندي قرص مضغوط بعنوان الخلال والحرام للألباني يرد فيه على الروافض الذين كذبوا الله في تبرئته لأم المؤمنين عائشة ، ونالوا من عرضها فقبلوا قول أصحاب الإفك ، وردوا كلام
العلي الخبير ، وما عهدنا الشيخ رحمه الله إلا منافحا مدافعا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمهات المؤمنين ، فهو الذي نذر حياته للدفاع عن سنته صلى الله عليه وسلم ومن سنته الدفاع عن عرضه ، وعدم التعرض إلى أمهات المؤمنين بالسوء بعد تبرئة أمنا عائشة رضي الله عنها.
------------------------
1- الحديث ذكر بعضه أبو داود وذكره بعضه الآخر غيره ، انظر له مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة للسيوطي .


الصفحة [9]
قال ابن كثير رحمه الله [1]: وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سب عائشة أو تعرض لها بالسوء ورماها بما رميت به بعد هذا الذي ذكر في تبرئتها في الآيات فإنه كافر لأنه معاند للقرآن. وصاحب المقال ، لم يأت بالنص الذي تلفظ به الشيخ الألباني ، أو الكتاب الذي كتب فيه ذلك ، وإنما ذكر كتابا لنسيب الرفاعي ، ولم يأت بموضع الشاهد منه ، والشيخ الألباني رحمه الله إنما تكلم عن العصمة وأنها لا تثبت شرعا لأحد بعد الأنبياء ، على الخلاف المعروف بين أهل العلم في عصمتهم قبل النبوة في الكبائر والصغائر، وبعدها في الصغائر، ولا يفهم من هذا أن نساء الأنبياء معصومات لذواتهن ، وإنما معصومات لعصمة الأنبياء ، قال ابن كثير رخمه الله : في تفسير قوله تعالى : ﴿ فخانتاهما ﴾ أي في الإيمان ، وليس في الفاحشة ، بل في الدين فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء . وعلى هذا أجمع المفسرون .
قال الأمين الشنقيطي في أضواء البيان فيما أكمله الشيخ عطية سالم[2] في تفسير قوله تعالى : ﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما .. ﴾ قال : أجمع المفسرون هنا أن الخيانة ليست زوجية ، قال ابن عباس : نساء الأنبياء معصومات ، ولكنها خيانة دينية ، بعد إسلامهن ، وإخبار أقوامهن بمن يؤمن مع أزواجهن . فإذا قال أحد أن زوجات الأنبياء غير معصومات لذواتهن وإنما معصومات لحرمة الأنبياء وعصمتهم وكرمهم على الله ، فهذا لا يعني إطلاقا أنه وقع من بعضهن بغي ، فحاشاهن أن يقع ذلك منهن ، نقل القرطبي عن ابن عباس قوله : ما بغت امرأة نبي قط ، ثم قال وهذا إجماع المفسرين فيما ذكر القشيري .
3 ـ ذكر صاحب المقال مستنكرا : جملة من البدع التي يقول بها السلفيون ، أذكر منها ـ الذكر بعد الصلاة ـ فسبحان الله كيف حرف مقصود خير الدين وانلي الذي نقله عن الشاطبي في الاعتصام ، وأطلق عنه القول ببدعية الذكر عقب الصلاة ، مع أنه لا أحد يقول بأن ذلك بدعة ، ولايعقل أن مسلما يقول بذلك بعد ورود الأحاديث الصحيحة فيه ، وإنما الذي ذكره الشاطبي وابن تيمية ، وغيرهما هو الذكر مجتمعين بصوت واحد ، وقراءة الفاتحة بصوت واحد بعد الصلاة ، فهذا الذي قصده خير الدين .
------------------------
1 – تفسيرا ابن كثير [ ج3/277].
2- أضواء البيان[ ج8/381ـ 382].


الصفحة [11]
ثم نقول له : دع عنك التعصب ، وألقي نظرة منصفة في كتاب الاعتصام للشاطبي لترى كثيرا من البدع التي أنكرتها وغيرها مما لم تذكره قد نص الشاطبي على بدعيتها فيه ، وكذلك ابن تيمية في الفتاوى الكبرى ، وابن الحاج في المدخل ، وعلي محفوظ في الإبداع في مضار الابتداع ، وأبو بكر الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع ، والقشيري في السنن و المبتدعات . فهل ترمي بهذه الكتب وأصحابها وكل من نقل عنها عن قوس واحدة ؟ ثم إن هذه المسائل التي ذكرتها لا تقتضي هذا التهويل في الإنكار، فكان يسعك الخلاف الذي وسع أهل العلم قبلك، ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه فوسعه اجتهاد العلماء الذي وسع غيره، وإنما يضيق صدر المرء من ضيق عطنه..
وأخيرا وقفة مع جريدة الشروق وغيرها من الجرائد :
نصيحتي للقائمين على هذه الجرائد أن يسعوا إلى نشر الخير بين الأمة ، وأن يكونوا مفاتيح خير، مغاليق للشر ، ولا يسمحوا لأنفسهم بأن يكونوا معاول هدم ، وجسور فتنة ، وحقول زرع للحقد والبغضاء بين المسلمين ، فيجب عليهم أن يبتعدوا عن نشر كل ما من شأنه أن يسقي بذور الفتنة ، وأشجار الحقد والحسد ، وأن لا يكونوا عونا في التأليب والتحريض لطائفة على طائفة ، ونصرة لفكرة على أخرى ، وأن يبتعدوا عن مواضيع الهمز والغمز ، وأنا أقول إن الفتنة التي كادت أن تعصف ببلادنا طيلة العشرية السوداء يتحمل جزءا من مسؤولياتها أصحاب هذه الجرائد والأقلام ، وإن الفتن والفساد الذي نعيشه ونحياه فإن لكم النصيب الأوفر في وجوده ، وبقائه ، وكان يجدر بكم أن تغطوا المسائل السياسية ، والاجتماعية ، بأمانة وصدق ، أما كتاباتكم في المسائل الدينية وتقدير الرجال وتقديمهم للأمة ، فكان غيركم أولى به ، لأن قلمكم لم يأخذ بقسط من العلوم الشرعية ، يدرك ذلك من مقالاتكم التي تنشرونها ، من شم رائحة العلم ، وكان الأجدر بكم أن تدعوا الكتابة في مثل هذه المواضيع لأربابها ، وتقتصروا في الكتابة على ما خصكم الله به ، ورحم الله الحافظ ابن حجر حين قال : من تكلم في غيرفنه أتى بالعجائب والغرائب . واعلموا أنني النصح قصدت ، والخير أردت ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب . والسلام عليكم ورحمة الله
وصلى اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كتبه :
أبو بكر يوسف لعويسي
يتبع إن شاء الله ....
 
القول المبين في الرد على أباطيل شمس الدين .[الجزء الثاني] .

الحمد لله مؤيد الحق وناصره ، وداحض الباطل وكاسره ، ومعز الطائعين وجابرهم ، ومذل الباغين وخاذلهم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل : ﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرمي به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا [ النساء : 112 ] .
وأشهد أن محمدا عبد ورسوله القائل: << .. ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه ، ومن رمى مسلما بما ليس فيه أسكنه الله في ردغة الخبال يوم القيامة .. >> الحديث وقد مر تخريجه في الجزء الأول .
وصلى اللهم وسلم على آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : إلى مدير التحرير بجريدة الشروق .. وفقه الله للعدل .
فقد اطلعت على ما نشرته جريدة الشروق اليومي في عددها [ 2112 ] يوم الاثنين 01/أكتوبر 2007 / الموافق لـ /19/ رمضان 1428 هـ على صفحة رمضانيات تحت عنوان أنت تسأل والشيخ شمس الدين يجيب ، حيث فوجئت بنشر مقال للمذكور يرد فيه على مقالي الذي أرسلته إلى جريدتكم قبيل رمضان ، والذي فندت فيه مزاعم شمس الدين في تعرضه لكتب وعلماء المنهج السلفي ـ بحق ـ واتهامهم بشتى التهم ، فإذا بكم لم تنشروه ، وخولتم للمردود عليه أن ينشر رده علي في الخانة المخصصة له ، أنت تسأل وهو يجيب ، وذلك دون إطلاع للقراء على مقالي وكأني ما أرسلت إليكم مقالا ، وإنما أسئلة ليجيب عنها ، وهذا عمل لا يليق بجريدة كالشروق التي تشرق كل يوم بالإنصاف ، وتنشد الوسطية في طرحها لأنها تبتغي العدل بين المواطنين ردا ومردودا عليه ، وهذا تصرف يسيء إلى سمعتها ، فماذا يقول القراء الذين حرموا من الرد ، وأنا لم اتخذ جريدتكم واسطة بيني وبين شمس الدين ، كما لم يكن ردي عليه مساجلة بيني وبينه ، ولو كان كذلك ما كنت أرسلته إليكم ، ولاكتفيت بإرساله له فالطريق إليه أعرفه ، وإنما قمت بإرساله إلى جريدتكم المفضلة بقصد نشره لم علمت من انصافكم ، ورجائي أن تنشروا الرد الأول مع هذا الرد الثاني، ولو مجزأ على فترات ، ليستفيد القراء الأفاضل التي جائتني منهم رسائل وأسئلة كثيرة ، وذلك ليعلموا من هو الذي أنصف أهل الحق ممن رماهم بشتى قذائف الباطل ، فإن لم تفعلوا فأنتم شركاء في الباطل الذي ينشره هذا الرجل ، وقد رجحتم إحدى كفتي الميزان بالتعاون على الإثم والعدوان ، ولتعلموا أني سأتولى نشره في جريدة أخرى ، أو على الشبكة المعلوماتية ، وأخيرا دمتم لسانا لميزان الحق برد الحق إلى نصابه ، ووضع كفتي الميزان في مكانها اللائق بها . والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .
وكتب : محب العلم والإنصاف على طريقة صالح الأسلاف
أبو بكر يوسف لعويسي
جيجل : 02/10/2007 - 20/رمضان 1428 هـ



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مؤيد الحق وناصره ، وداحض الباطل وكاسره ، ومعز الطائعين وجابرهم ، ومذل الباغين وخاذلهم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل : ﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرمي به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا [ النساء : 112 ] .
وأشهد أن محمدا عبد ورسوله القائل: << .. ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه ، ومن رمى مسلما بما ليس فيه أسكنه الله في ردغة الخبال يوم القيامة .. >> الحديث
وصلى اللهم وسلم على آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : إلى الأخ شمس الدين ـ أعاذه الله من شمس الإسلام الحارقة ـ


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد اطلعت على ردكم الذي نشرتموه بجريدة الشروق العدد [2112] بتاريخ 01/أكتوبر2007 م الموافق لـ /19/رمضان 1428 هـ ولم يكن غريبا علي أن يأتي ردك عاريا عن حقائق العلم مشحونا بالهذيان ، واتهام النيات والبهتان ، ولكن الغريب في الموضوع هو جهلك بمنهج الاعتدال ، والتحقيق والتدقيق في الأقوال ، فأنت لا تفرق بين جميع الطوائف المنحرفة عن الصراط المستقيم ؛ المخالفة لمنهج الفرقة الناجية ، والهدي النبوي القويم ، فلسان حالك يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم : << وستفترق أنتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة >> فهذه الطوائف التي ذكرتها ودافعت عنها إما أن تكون كلها متحدة مؤتلفة ، فتكون بذلك هي الفرقة الناجية ، وهذا مستحيل ، وإما أن تكون مختلفة فيما بينها مخالفة للسنة ، وحينئذ نوجه إليك سؤالا وهو : من منها الفرقة الناجية حتى ننسبك إليها ؟ ومن هي الفرقة المفارقة والمخالفة لمنهج الناجية وما موقع دفاعك عنها كلها من الحديث المذكور آنفا ؟ .
هذا أولا ، وثانيا فإنني ابتدأ ردي هذا من حيث انتهيت أنت فقولك في آخر مقالك : أشكرك لأنك لم تفند مزاعمي بل أكدتها .. هذا لأنك جعلت نفسك أنت الخصم وأنت الحكم ، وصدق فيك قول القائل : وما أنت بالحكم الذي الترضى حكومته .. البيت ؛ فلو كان عندك مسكة من الانصاف مما ذكرت لك ، وأنصفت خصمك ونشرت مقاله لعلمت ـ كما علم القارئ ـ هل أكدت مزاعمك أم فندتها ، ولكنك جهلت ولم تفعل ..
وقد عجبت لصنيعك ومكرك في نشرك مقالا آخر بعنوان " الفهم الخاطئ للسنة " مقابل الرد علي ، لتوهم القراء أنك تدافع عن السنة ، وأن السلفيين لا يفهمون السنة ، وأنت في الحقيقة تهدمها ولو كنت تفقه شيئا من ذلك؛ وكنت ممن يذوذ عن حياض السنة ، فكيف لم تبين منهج ابن عربي الحلولي ، وكيف تجيز لنفسك الدفاع عمن يقول :{ وما الكلب والخنزير إلا إلاهنا ، وما في الجبة إلا الله } وكيف تجيز لنفسك الدفاع عمن يدعو إلى موادة اليهود والنصارى ، ويعتبرهم أصدقاء ، والله يقول : ﴿ ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين .
وكيف تجيز لنفسك السكوت عمن يدعو إلى وحدة الأديان أو تقاربها وقد علمت أن الله نسخ جميع الشرائع السماوية بشريعة الإسلام قال تعالى : ﴿ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه .. وقال سبحانه :﴿ ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر لما رأى في يديه صحيفة من التوراة وقال له : << أمتهوكون يا ابن الخطاب لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، ولوكان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي >> البخاري ، وفي صحيح مسلم قال : << والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني من هذه الأمة ثم لا يؤمن بي إلا كبه الله على وجهه في النار >> أم أنكم تخافون أن تواجهوا اليهود والنصارى بهذه الآيات والآحاديث ، أم جعلت ذلك من السنة ؟ وكيف تجيز لنفسك الدفاع عمن يرد أحاديث صحيحة في البخاري ومسلم بحجة أنها لاتصلح لهذا الزمان الذي نواجهه الحضارة الغربية ، أو أن العقل لا يقبلها ، أو أنها أحاديث آحاد ..
وكيف تبيح لنفسك أن تدافع عن التكفريين من الحزبيين ، كحزب التحرير السوري وجبهة الإنقاذ الجزائرية ، وكيف تبيح لنفسك الدفاع عمن يعتمد الخرافات والبدع ، ولا يهتم بعلم العقيدة على منهج النبوة كجماعة التبليغ، وغيرهم من تلك الأحزاب، وكيف تبيح لنفسك الدفاع عمن يجعل الاشتغال بالسنة قشور ، أو جزئيات ، ويستهزئ بالسنة ، فلعلك تجهل واقع هذه الجماعات، والأحزاب ، وخاصة جبهة الإنقاذ الذي كانت وبالا على هذه الأمة الجزائرية المسلمة طيلة العشرية السوداء ، وقد أصبح انحرافها عن منهج الحق غير خاف على كل الشعب ، فكيف غاب عنك ذلك .

وليعلم شمس الدين أن أغلبية اتباع هذا التنظيم لا يزالون يعتقدون أنهم كانوا يجاهدون في الجزائر ، وما نزلوا من الجبال إلا لضعف العدد والعدة ، وليس رجوعا عن الانتهاكات التي اقترفوها .. وليعلم شمس الدين الذي أحرقته شمس الحق ، أن أغلب الجماعة التي تنتسب للدعوة والقتال ما نزلت من الجبال إلا بسبب فتاوى شيوخ المنهج السلفي ، وهم يشهدون على ذلك ..
أما دفاعك عن حزب جماعة الإخوان المسلمين الحزب الأم لهذه الجماعات ؛ فلعلك لم تدرس تاريخه ، وأنه هو الذي سن الاغتيالات لمن يحكم عليهم بالكفر ، وهو الذي سن العمليات الانتحارية وقد عانت الأمة الإسلامية من الويلات التي جرها عليها هذا الحزب العتيد في التكفير والتفجير الكثير والكثير ، ومنه انشق جماعة الهجرة والتكفير، الذين فرخ فكرهم وانتشر في العالم الإسلامي .. أما من تبرأ منهم من التكفريين فهاهم اليوم قد ميعوا الدين ونادوا بمحبة اليهود والنصارى و الكافرين .. والبحث معك حول واقع هذه الأحزاب والجماعات يطول وليس هذا محل بسطه ، ولكن الإشارة تغني عن العبارة ، والتلميح يغني عن التصريح ..
فأين أنت من تصحيح الفهم الخاطئ للإسلام عند هؤلاء ، وأين أنت من الفهم الصحيح للسنة الذي تدعيه؛ وأنت تدافع عن أهل الباطل ، وقد جعلتهم هم أهل الحق والعدل ، واتهمت أهل الحق أتباع السلف الصالح ، وجعلتهم أهل باطل ، ولست أدري ما هي الرابطة بينك وبين هؤلاء وأولئك إن لم تكن هي الحق المتمثل في اتباع السلف الصالح ، وكان الأولى بك أن تتحرى الحق عند هؤلاء ، وتأخذ ما صح عندهم مما يوافق الكتاب والسنة ولو كان ممن يعاديك ، وتترك ما خالف ذلك ولو كان ممن تواليه ويواليك ، وهذا هو المنهج الحق والإنصاف .. ولكنك أردت بفعلك ذلك أن تطعن علينا ، وتموه على القارئ ، على حد المثل السائر : رمتني بدائها وانسلت ، والله حسيبك ويتولاك ..
أما قولك : وأذكرك أن هذه العبارة ـ لحوم العلماء مسمومة ـ هي للحافظ ابن عساكر ، فهذا جهل أخر منك ، فهذه العبارة وردت بالسند الصحيح عن الإمام أحمد ، وعن الحسن ابن ذكوان ، وهما متقدمان عن الحافظ ابن عساكر رحمهم الله جميعا ، وإليك ما قاله هذان العالمان .
أما الإمام أحمد فقال : لحوم العلماء مسمومة ، من شمها مرض ، ومن أكلها مات . من كتاب المعيد في أدب المفيد و المستفيد [ص 71] فجهز نفسك لجنازتك ..
أما الحسن بن ذكوان فقال : وقد ذكر عنده رجلا أحد العلماء بشئ فقال لمن ذكر ذلك العالم ؛ مه لا تذكر العلماء بشيء فيميت الله قلبك ، ثم أنشأ يقول :
لحوم أهل العلم مسمومة ** ومن يعاديهم يوما سريع الهلاك
فكم لأهل العلم عونا وإن **عاديتهـم يوما فخـذ ما اتاك .
فهل تبين جهلك .. ؟
فجاء الحافظ ابن عساكر وصاغها في جملة من كتابه تبين كذب المفتري [ص28] ومقالته هذه كلها في المقدمة تعتبر جيدة جدا ، بل عليها نور من مشكاة النبوة ، واعلم أن أتباع المنهج السلفي ـ بحق ـ يأخذون الحكمة ممن جاء بها مهما كان في كل زمان ومكان ، قال أحد علماء السلف : فلا يخفى على أهل الإيمان أن الحق يقبل من أي جهة جاء ومن تكلم به لكونه موافقا للحجة و البرهان ، بغض النظر عن كثرة المعرضين عنه أو قلة المقبلين عليه أو العكس .
فمن عدل سلفنا الصالح : أنهم يقبلون ما عند جميع الطوائف من الحق ولا يتوقفون عن قبوله ويردون ما عند هذه الطائفة من الباطل ، فالموالي منها والمعادي سواء ، إذ لا أثر للمتكلم بالحق في قبوله أو رفضه ، وهذا المنطلق مؤيد بقوله تعالى :﴿ فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء لإلى صراط مستقيم وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه : << .. اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم >> أخرجه مسلم .
قال ابن القيم رحمه الله في : "الصواعق المرسلة [2/516] فمن هداه الله إلى الأخذ بالحق حيث كان ومع من كان ، ولو كان مع من يبغضه ويعاديه ، ورد الباطل مع من كان ولو كان مع من يحبه ويواليه ، فهو ممن هدى الله لما اختلف فيه من الحق .
هذأ وقد أمرنا الله بالعدل ، ومن العدل فيمن تبغض وتعادي : أن تقبل ما عندهم من الحق لقوله تعالى : ﴿ ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى وقد وافق الله تعالى في سياق القصة عن بلقيس ـ حال كفرها ـ فقال سبحانه : ﴿ إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة قال تعالى بعدها مقرا صحة كلامها :﴿ وكذلك يفعلون

ويؤيد ذلك من السنة : قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه لما دله الشيطان إلى آية الكرسي لتكون له حرزا من الشيطان في مقابل فكه من الأسر ، قال صلى الله عليه وسلم : << صدقك وهو كذوب >> أخرجه البخاري . وهذا كله فيما إذا عرف مراد المتكلم وعرض على الكتاب والسنة فوافقهما ، فإن حصول الموافقة لهما يدل على أنه حق فيجب قبوله من أي جهة كان ويحكم له ، ولهذا كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول : << اقبلوا الحق من كل من جاء به ، وإن كان كافرا ـ أو قال : فاجرا ، واحذروا زيغة الحكيم . قالوا : كيف نعلم أن الكافر يقول كلمة الحق ؟ قال : إن على الحق نورا >> صحيح سنن أبي داود [ج3/120] .
ولهذا بين ابن تيمية ـ مجدد عصره رحمه الله ـ منهجه في التعامل مع المخالفين له من أهل الكلام وغيرهم بقوله : وليس كل من ذكرنا شيئا من قوله من المتكلمين وغيرهم يقول بجميع ما نقوله في هذا الباب وغيره ، ولكن الحق يقبل من كل من تكلم به . مجموع الفتاوى [ج5/1001] .
ومن هنا أردت أن تعلم أن منهج أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح وسط في كل باب من أبواب العلم حتى في باب الجرح والتعديل ، والكلام في الطوائف ، ومن تلك الطوائف القريبة من منهج أهل السنة والجماعة ، الأشاعرة ، وما أدق وأنصف عبارتهم فيهم . وقد علمت أن من عدل السلف السلف الصالح أنهم يقبلون ما عند جميع الطوائف من الحق ، ولا يتوقفون عن قبوله فالحكمة عندهم ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ، فكيف لا يقبلون من علماء اجتهدوا في تنزيه الله فأخطئوا ، وهم أقرب الطوائف إلى أهل السنة والحديث ، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون فيها أهل البدع هم الروافض والمعتزلة ، والقدرية ، والخوارج .
وقد أنصفهم شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- وهو من رموز المنهج السلفي ؛ بل من المجددين له في عصره بقوله : وأما الأشاعرة فلا يرون السيف ـ أي الخروج على الولاة ـ موافقة لأهل الحديث ، وهم بالجملة أقرب المتكلمين إلى مذهب أهل السنة و الحديث .. مجموع الفتاوى [6/55] .
وقال أيضا رحمه الله : وإن كان في كلامهم من الأدلة الصحيحة وموافقة السنة ما لايوجد في كلام عامة الطوائف ، فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة والحديث ، وهم يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم ، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم . نقض التأسيس [ج2/82] .
وقال أيضا- رحمه الله- في معرض الكلام عن الأشاعرة : ثم إنه من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساعٍ مشكورة ، وحسنات مبرورة ، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع ، والإنتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم ، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف ، لكن لما إلتبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداء من المعتزلة ، وهم فضلاء عقلاء احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه ، فلزمهم بسب ذلك من الأقوال ما أنكره من أهل العلم والدين ، وصار الناس بسبب ذلك منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل ، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل ، وخير الأمور أوسطها ، وهذا ليس مخصوصا بهؤلاء ، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين ، والله يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات ، ويتجاوز عن السيئات ،. من كتاب درء تعارض العقل والنقل [ج2/102/103].
وقال أيضافي حقهم : ولهم حسنات وفضائل وسعي مشكور ، وخطؤهم بعد الاجتهاد مغفور . من كتاب النبوات {ص220}.
وهذا الشيخ الألباني رحمه –رحمه الله – برأه الله مما رميته به ، ورده عليك –إن شاء الله- جعل الأشاعرة من أهل السنة والجماعة بالمفهوم العام ، وقد سمعت ذلك منه مرارا ، وذلك مسجل في أشرطته واضح للعيان ، وهو رحمه الله يأخذ من كتبهم ويستفيد منها ، فمن تتبع كتبه وجد نقولا كثيرة ككتب الشاطبي ، وابن حجر ، والبيهقي ، والنووي ، وغيرهم من علماء الأشارة رحمهم الله ، وهذا الموقف منه موافق لموقف شيخ الإسلام وغيره من علماء السلف في التعامل مع الطوائف الأخرى القريبة من منهج أهل السنة ، وقد دافع رحمه الله غير مرة عن الإمام النووي وابن حجر وغيرهم ممن تكلم فيهم ، ورد على من غمزهم وطعن فيهم كالحدادية وغيرهم ،وهذا شيخ مشايخنا الأمين الشنقيطي رحمه الله قد سؤل عن الأساعرة في تأويل الصفات فقال: لاشك أن قصدهم تنزيه الله تعالى ، اجتهدوا فأخطئوا الصواب فالله يجازيهم على نياتهم ، ويغفر لهم خطأهم ، ويجمعنا وإياهم في دار كرامته .
فهل هناك إنصاف أفضل من هذا ، وهل مر بك قط عدل مثل هذا ؛ وأنت تقرأ للطوائف المختلفة المخالفة لأهل السنة والجماعة ، وهم يطعنون على علماء المنهج السلفي بشتى أنواع اللقاب المشعرة للذم واللمز ، والنبز ، ولكن السلفيون مؤدبون ، والله يجمع بين الخصوم ، ويأخذ الحق من الطالم للمظلوم .
واعلم الجناية على العلماء – وخاصة الذين أفضوا إلى ربهم – تعتبر خرقة في الدين ، فمن ثم قال الإمام الطحاوي - رحمه الله – في عقيدته : وعلماء السلف من السابقين ، ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم من أهل الخير والأثر ، وأهل الفقه والنظر ـ لا يذكرون إلا بالخير ، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل ـ شرح الطحاوية بتحقيق الأرناؤووط [ ج2/140] .
وقال ابن المبارك : من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه ، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته ـ سير أعلام النبلاء [ ج8/408] .
وأخيرا اسمح لي أن أهمس في أذنك حتى لا يسمعني أحد فأقول : لقد تبين لي أنك حاطب ليل ، لا تدري من أين تأخذ ، وماذا تأخذ لذلك إلتبس عليك الحق بغيره ، ودفاعك المستميت عن أهل الباطل ، وحسدك لأهل الحق دخل عليك من هذا الباب الذي أوتيت منه ، واعلم أن الغيرة على الحق لا تسوغ لأحد العدوان على الفضلاء والعلماء ، واعلم إنما نحترمك ما احترمت الأئمة ، والله الموعد ، والسلام .

وكتب
محب العلم والإنصاف ***على طريق صالح الأسلاف
أبو بكر يوسف لعويسي
جيجل: عروس البحر حرسها الله من كل شر
25 رمضان 1428 هـ
يتبع - إن شاء الله - في حلقات متسلسلة تصل إلى عشر حلقات ...
 
القول المبين في الرد على أباطيل شمس الدين[ الجزء الثالث ]

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
أما بعد : فإن الله جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبدا بمعرفته ويجمع قلبه على محبته شرح صدره لقبول صفاته العلى ، وتلقيها من مشكاة الوحي ، فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول وتلقاه بالرضا والتسليم واذعن له بالانقياد فاستنار به قلبه ، واتسع له صدره وامتلأ به سرورا ومحبة ، فعلم أنه تعريف من تعريفات الله تعالى تعرف به على لسان رسوله ، فأنزل تلك الصفة من قلبه ، فجال من المعرفة في ميادينها ، واسام عين بصيرته في رياضها وبساتينها لتيقنه بأن شرف العلم تابع لشرف معلومه ، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته ، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وأن شرفه أيضا بحسب الحاجة إليه ، وليس قدر حاجة الأرواح إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج إليه والزلفى عنده ، ولاسبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه ، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب ، ومنه أخوف ، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل وإليه أكره ومنه أبعد ، والله تعالى ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه ، فمن كان لذكر أسمائه وصفاته مبغضا ، وعنها نافرا معرضا منفرا ، فالله له أشد بغضا ، وعنه أعظم إعراضا ، وله أكبر مقتا ، حتى تعود القلوب إلى قلبين : قلب ذكر الأسماء والصفات قوته وحياته ونعيمه وقرة عينه ، ولو فارقه ذكرها ومحبتها لحظة لاستغاث ، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
ومن المحال أن يذكر القلب من هو محارب لصفاته نافر عن سماعها معرض بكليته عنها ، زاعم أن العلم ، والحكمة والسلامة في تأويلها والاعراض عنها .كلا والله إن هو إلا الجهالة والخذلان ، والإعراض عن العزيز الرحيم الرحمن ، فليس للقلب الصحيح قدر إلى شيء أشوق منه إلى معرفة ربه تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه ، ولا أفرح بشيء قدر فرحه بذلك ، وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يضرب الله على قلبه سرادق الإعراض عنها والنفرة والتنفير والاشتغال بما لو كان حقا لم ينفع إلا بعد معرفة الله والايمان به وبصفاته وأسمائه .
والقلب الثاني : قلب تغذى بلبن البدعة ، كالمردود عليه الذي تعدى وأبعد النجعة ، فعقله مضروب بسياط الجهالة ، فهو عن معرفة ربه ومحبته مصدود ، وطريق معرفة أسمائه وصفاته كما أنزلت عليه مسدود .
فقد قمش المسمى شمس الدين – وما هو -كذلك – بل هو شمس البدعة والضلالة ، شبها من الكلام الباطل ، والرأي العاطل وارتوى من ماء آجن غير طائل تعج منه آيات الصفات وأحاديثها إلى الله عجيجا ، وتضج منه إلى منزلها ضجيجا ، بما يسموها تحريفا وتعطيلا، ويؤول معانيها تغييرا وتبديلا ، وقد أعد لدفعها فيما كتب أنواعا من العدد ، وهيأ لردها ضروبا من القوانين والقواعد ، وإذا دعي إلى تحكيمها أبى واستكبر وقال: بما جاء به أسلافه : تلك أدلة لفظية وأحاديث آحادية لاتفيد شيئا من اليقين ، قد أعد التأويل جُنة يتترس بها من مواقع سهام السنة والقرآن ، وجعل أثبات صفات ذي الجلال تجسيما وتشبيها يصد به القلوب عن طريق العلم والإيمان ، فهو مزجي البضاعة من العلم النافع الموروث عن خاتم الرسل والأنبياء،ولكنه مليء بالشكوك والشبه ، والجدال والمراء ، خلع عليه كلام الباطل خلعه الجهل والتجهيل ، فهو يتعثر بأذيال التكفير لأهل الحديث ، وللعلماء بالتبديع والتضليل ، قد طاف على أبواب الآراء والكلام يتكفف أربابها ،فانثنى بأخسر المواهب والمطالب ، وعدل عن الأبواب العالية الكفيلة بنهاية المراد وغاية الإحسان ، فابتلى بالوقوف على الأبواب السافلة المليئة بالخيبة والحرمان ، وقد لبس حلة منسوجة من الجهل والتقليد ،والتعصب والشبه والعناد، وقد بذلنا له النصيحة ودعي إلى الحق فأخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد .
فما أعظم المصيبة به وبأمثاله على أهل الإيمان ، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن ، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن ، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان ، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ، ولهذا أمر الله به في السور المكية حيث لاجهاد باليد انذارا وتعذيرا ، فقال : ﴿ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا [ الفرقان :52].
فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله ، وخاصته من عباده الموصوفين بالهداية والتوفيق ، ومن مات ولم يغز ، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق .[1]
لهذا لبست للحرب لأمته ووقفت على ثغرة من ثغور أهل السنة والإيمان ، أجاهد بالحجة والبرهان كل من رماهم بالسوء والبهتان ، موجها سهام الحق إلى شمس الضلالة الفتان ،الواقف منهم موقف الخذلان ، كاشفا عن مقالاته وما فيها من الباطل والعدوان ، سائلا المولى النصرة والتأييد بالسنة والقرآن ، وأن يحشرني يوم القيامة مع سيد الثقلين الإنس والجان .آمين .
--------------------
1 – مقتبس من مقدمة النونية لابن القيم بتصرف .

الصفحة [2]
عملي في هذا الرد :
لقد كنت ناصحته ، وكتبت إليه الرد الأول والثاني ، عساه يرجع وينثني ، إلا أنه تمادى بالظلم والعدوان ؛ فكان لابد من التصدي له والبيان لما جاء به من الإفتراء والبهتان، فبدأت بهذه المقدمة بينت فيها أهمية التوحيد ومعرفة الله تعالى ، وأنواع القلوب تجاه الأسماء والصفات ، وذكرت السبب الذي دفعني لأكتب هذا الرد ، وأن رد الحق إلى نصابه ، والدفاع عنه بالحجة والبرهان يعتبر من أعظم الجهاد ، ثم عقبته بمدخل إلى الموضوع بينت فيه أهمية التوحيد بأنواعه، واختلاف أهل القبلة في توحيد الأسماء والصفات وأنهم على ستة أقسام في إجراء النصوص ، القسم الأول منهم هم السلف الصالح ، والثاني هم الممثلة ،والثالث هم المؤولة ، والرابع هم المفوضة ، والخامس هم الواقفة ، والسادس هم المعرضون عن هذه العقيدة ،على ما ذكره الشيخ محمد صالح بن عثيمين رحمه الله ، ثم بينت أن مذهب السلف هو المذهب المنصور ، وأن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لم يختلفوا في مسألة واحدة من مسائل الصفات مع اختلافهم في مسائل الأحكام ، بل أنهم تلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالإيمان والتعظيم .كما ذكره المقريزي في كتابه الخطط ، وابن عبد البر في التمهيد .
وبعدها ذكرت عشرة قواعد لأهل السنة والجماعة تميّز منهج السلف عن غيره من المناهج الكثيرة المنتسبة للسنة ، وبها يعرف السلفي من الخلفي ، والسني من المبتدع ، وهذه القواعد هي : التقيد بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، وعدم التفريق بينهما ، وتقديمهما على العقل ورفض التأويل الفاسد ، وأن لايوصف الله سبحانه وتعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ، وأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، والقول في بعضها كالقول في البعض الآخر ، والاعتصام بالألفاظ الشرعية التي وردت بها النصوص ، والقطع بأنه ليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تمثيل أو تشبيه لصفاته بصفات المخلوقين ، وقطع الطمع عن إدراك كيفية صفات الله سبحانه وتعالى ، وأن عقيدة أهل السنة والجماعة مطابقة للفطرة سهلة وبسيطة ، والأخيرة وسطية أهل السنة والجماعة بين فرق الضلال ، ثم عدت إلى القسم الرابع منها وهم المفوضة الذين ينسبون ذلك إلى السلف الصالح كما نسبه صاحب المقال إليهم ، فبينت خطأهم كما بينت معنى التفويض الذي ينسب إلى السلف ، وأنه تفويض الكيفية ، وليس التفويض المطلق الذي يشمل المعنى والكيفية.




الصفحة [3]
ثم جئت إلى الأسئلة المصنوعة والمقصودة التي وجهت إلى شمس الدين ، فذكرتها كما هي؛ مع أجوبتها التي أجاب بها ، مبتدئا في ذلك بالألهم فالأهم ،وكان أهم هذه المسائل مسألة الأسماء والصفات، ومنها صفة الاستواء ،ومسألة مجيء الله تعالى يوم القيامة لفصل القضاء ، لأنهما من مسائل العقيدة ، فوقفت عند كل فقرة من فقرات جوابه ، وبينت تلبساته على القراء، وضلالاته ، ثم أوضحت منهج السلف الصالح في هذه القضية ، وبينت خطأ ما نسب لإمام المفسرين ابن جرير الطبري ،والإمام أحمد من التأويل .
وبعدها ذكرت وقفة وقفتها مع قوله بتوحيد الحاكمية فبينت معناه عند من أطلقه ،وأنه مصطلح للخوارج في القديم والحديث ، فهم الذين جعلوا الحاكمية من شرط الإيمان ، وكذلك الشيعة الإمامية الذين جعلوه أخص وأهم أصول الدين في أئمتهم ، وبعد هذا بينت أن دفاعه عن سيد قطب هو دفاع عن رأس الخوارج والهجرة والتكفير في هذا العصر ، وأن العلماء الذين انتقدوه ، على حق ، ولم يقولوا ذلك من عند أنفسهم بل مما خطه سيد رحمه الله بيده ، ثم وقفت معه وقفة طويلة مع مصطلح الحشوية الذي يردده كثيرا، فبينت معناه عند من أطلقه ثم بينت أن أول من أطلقه هم المعتزلة ثم أخذته عنهم الفرق الأخرى فنبزت به أهل السنة ، فبينت تلك الفرق ورددت عليهم وبينت أنه أحق بأن ينبز بذلك اللقب الشنيع من أهل العلم على منهج السلف ، ثم تطرقت إلى مصطلح جديد طالعنا به هذا المجتهد في الضلالة ، وهوقوله : احذروا النهاشون .. يقصد بهم علماء الجرح والتعديل ،قاتله الله من جويهل ..يريد بذلك أن نطمس هذا العلم، وأن يسكت العلماء عن كل مبتدع ضال ، أو عن كل ما ينسب إلى الدين مما ليس منه ، معتبرا ذلك من الغيبة المحرمة ، فرددت عليه؛ وبينت أن التعرض لحال الرواة جرحا وتعديلا ، أو لبيان حال المبتدعة ليس من باب الغيبة في شيء ، وذكرت الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة ، ثم جئت على أخطائه في فقه السنة ، فبينت مسألة دعاء الاستفتاح ، وكذلك مسألة الوقوف في الصف ، وتسوية الصفوف وسد الخلل ، والفرج فيها ، مع بيان الأخطار المترتبة على تركها ، وكذلك تفويت االفضل والأجر العظيم في إغفالها وإهمالها ، كما بينت مسألة إخراج زكاة الفطر نقودا ، وأن في جوابه على ذلك اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم ،ولم يفتني أن أبين مذهب مالك في المسألة ، وفي الخاتمة ذكرت فيها معنى السنة عند علماء السلف ، ليكون القارئ على بينة من أمر هذا الرجل ، وأنه هو الذي يفهم السنة فهما خاطئا بعيدا عن منهج السلف الصالح.

الصفحة [4]
تنبيه : لقد قمت بتصوير مقالاته التي نشرها على صفحات الجرائد وألحقتها بآخر هذا البحث لمن يريد أن يتأكد ، ويعلم أننا لم نقوله ما لم يقل ، بل كل ما نسبناه إليه من أقواله التي خطتها يمينه الآثمة ، وأنني رددت عليه بما يقتضي المقام مع ذكر الأدلة من الكتاب والسنة ،وفهوم علماء السلف الصالح ، وما تقتضيه اللغة العربية ،وقد كنت نصحته فيما سبق ورددت عليه بردين أرسلتهما إلى جريدة الشروق لينشرا حتى يعرف القراء الكرام المحق من المبطل ، ولكن القائمين عليها لم يفعلوا واكتفو بإعطاء المقالين إلى المردود عليه ، مما زاده غيضا وحنقا وتعنتا ،فكتب ردا آخر مشحونا بالطعن والشتم مرة ، وإشاعة الفاحشة والافتراء مرة أخرى ،فدفعني ذلك لأكتب هذا الرد في هذه المسأئل ليستدل بها على غيرها من المسائل الكثيرة التي خالف فيها منهج السلف ، وليظهر للقاريء جليا أنه جاهل ، وأنه جمع من كل الفرق نصيبا من الشر مما ليس تحته طائل، إلا الخير المتمثل في منهج أهل السنة والجماعة الأفاضل ، والله حسيبه ويتولاه بعدله .
وأخيرا :ذكرت فهرسا للمراجع التي استقيت منها البحث ، حتى التي أخذت منها ولم أعز إليها لبعدها عني أو لعدم تمكني من مراجعتها لضيق وقتي واشغتالي بأمور أخرى ،كما ذكرت فهرسا للموضوعات التي وردت في البحث ، هذا -والله أسأل- أن يتقبله مني خالصا لوجهه الكريم ، فإن أصبت فمن الله وحده ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وحسبي أني اجتهدت في إصابة الحق ، والدفاع عن المظلومين بالصدق ، وعند الله يلتقي الخلق ، ويقضي الله بينهم في كل ما عظم ودق .
وصلى اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه :
أبو بكر يوسف لعويسي
حي الرمضانية بلدية الدويرة الجزائر العاصمة .
يوم :26/ربيع الأول 1429 هـ - الموافق 03/04/2008م



الصفحة [5]

مدخل:
أمابعد : إن أهم ما ينبغي أن تصرف فيه الأوقات وتفنى فيه الأعمار هو تحقيق التوحيد بأنواعه الثلاثة ، توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ،وتوحيد الأسماء والصفات ، لأن الفوز والنجاة يوم القيامة متوقف على تحقيقه على مراد الله ومراد رسوله والإخلاص فيه لله وحده ، وعدم صرف شيء من ذلك لغير الله أو الإلحاد فيه .
واعلم رحمك الله ، أن المسلمين مجمعون على توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، أي أنه يجب إفراد الله عز وجل بالربوبية كما يجب إفراده بالعبادة [1].
أما توحيد الأسماء والصفات فهو الذي اختلف فيه أهل القبلة اختلافا يمكن أن نقول : إنه على ستة أوجه في إجراء النصوص [2].
1 – القسم الأول: منهم من أجرى النصوص على ظاهرها اللائق بالله عز وجل : وهؤلاء هم السلف الصالح واتباعهم – أجروا النصوص على ظاهرها اللائق بالله وتركوا ما وراء ذلك .
ف﴿ الرحمن على العرش استوى [طه :5 ] . قالوا: إن ظاهره أن الله استوى على العرش أي علا عليه ، فنؤمن بأن الله سبحانه وتعالى نفسه علا على العرش كما يليق بجلاله ، ولانلتفت لما رواء ذلك . فلا نقول : أين الله قبل أن يخلق العرش ؟ وهل استواؤه على العرش بمماسة أو بانفصال ، أو كيف استوى ، أو إن استواؤه على العرش للحاجة إليه ، أو أن ذلك يستلزم أنه مفتقر إلى العرش وإذا كان كذلك فهو حادث ، أو أن ذلك يقتضي أن يكون جسما أو ليس بجسم ، لأن هذه المسائل لم ترد لا في القرآن ولا في السنة إثباتا ولانفيا ، وهؤلاء هم السلف ، وأن طريقتهم على هذا الوجه أسلم وأعلم وأحكم ، أسلم لأنهم ما تعرضوا لشيء وراء النصوص ، وأعلم لأنهم أخذوا عقيدتهم عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأحكم لأنهم سلكوا الطريق الواجب سلوكها : وهو إجراء النصوص على ظاهرها اللائق بالله عز وجل .
--------------------
1 - مقتبس من إقتضاء الصراط المستقيم [ج1/854].
2- أنظر أصناف الناس في [الأسماء والصفات عند شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية [ ج1/46].



الصفحة [6]
ومن هؤلاء السلف ؟ والحقيقة المتفق عليها بين جميع العلماء والعقلاء هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة المسلمين مالك وأحمد والشافعي وأبي حنيفة وسفيان الثوري ، وابن عيينة ، والأوزاعي، والزهري، وحماد بن نعيم، والبخاري ومسلم وغيرهم ،وأصحاب السنن من أئمة المسلمين الذي لا يحصون كثرة، ويطلق عليهم أهل السنة والجماعة ، وأهل الحديث ، وأهل الأثر..
2 - القسم الثاني : أجروا النصوص على ظاهرها ، وقالوا : النصوص على ظاهرها لكنها من جنس صفات المخلوقين ، قالوا : إن لله يد كأيدنا ، ووجها كوجوهنا ، وهؤلاء هم الممثلة ، وهؤلاء بلا شك ضالون لم يقدروا الله حق قدره ، ولو قدروا الله حق قدره ما جعلوا صفاته كصفات خلقه .
وهم أيضا متناقضون لأنهم لم يجعلوا الذات الإلهية كالذات المخلوقة ، ومعلوم أن الصفات فرع عن الذات ، فإذا كانت الذات لا تماثل ذوات المخلوقين ، فالصفات أيضا لا تماثل صفات المخلوقين لأن صفة كل ذات تناسبها .
فإن قال قائل : عندي قَدَمَ جمل ، وقال الآخر عندي قدم نملة ، هل يفهم أحد من الناس عاقل أن الذي عند الثاني كالذي عند الأول ؟ أبدا ، لأن ذات الجمل غير ذات النملة ، إذن صفاتهما مختلفة لا محالة ، فقوة الجمل وقوة النملة كلاهما قوة ، وهل هما متماثلان ؟ غير متماثلين ، لأن قوة النملة بسيطة ، تعجز عن شيء يسير ، أما الفيل فقوته عظيمة يحمل الشيء الكثير والكبير .
فإذا قال الله عن نفسه عز وجل : ﴿ بل يداه مبسوطتان [ المائدة :64] أو ﴿ لما خلقت بيدي هل يمكن لعاقل أن يتصور أن يد الله عز وجل كيد المخلوق ؟ لايمكن أبدا .
وكيف يمكن ذلك والله عز وجل يقول: ﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه فمن من المخلوقات يستطيع أن يطوي السموات بيمينه ؟ [الزمر :67] ويقول : ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
إذن هؤلاء ضالون لم يقدروا الله حق قدره ، فالله يقول : ﴿ليس كمله شيء وهم يقولون بل مثله شيء ، وهذا تكذيب لخبر الله تعالى ، ولهذا قال : نعيم بن حماد الخزاعي رحمه الله شيخ البخاري : من شبه الله بخلقه فقد كفر؛ ومن جحد ما وصف به نفسه فقد كفر؛ وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها[1 ].
--------------------
1- سير أعلام النبلاء للذهبي [ج10/610][13/ 299] وشرح العقيدة الطحاوية [ص117].

الصفحة 7
3 - القسم الثالث : من أجروا النصوص على خلاف ظاهرها إلى معان إبتكروها بعقولهم ، وهؤلاء الذين يدعون أنهم العلماء والحكماء .
ويقولون طريقة السلف طريقة الذين يقرؤون الكتاب أماني ولا يعرفون معانيها ، أما نحن فأهل العلم والحكمة ، ولهذا قالوا : طريقة الخلف [ أي طريقتهم ] أعلم وأحكم . لذلك هم يجرون النصوص على خلاف ظاهرها إلى معان عينوها بعقولهم ، فقالوا : ﴿ استوى على العرش أي : استولى على العرش ، يد الله : أي قوته أو نعمته ، وجه الله : ثوابه ، مجيء الله : ثوابه ، نزول الله ، نزول أمر ، ورحمته ، غضب الله انتقامه وهكذا ..
لماذا قالوا ذلك ؟ لأن المعنى الظاهر من هذه النصوص ممتنع على الله عز وجل ، وإذا كان ممتنعا فلنا عقول نتصرف فيها.
فيقال لهم بكل بساطة : إذا كان الأمر كما قلتم فلماذا يتكلم الله عن نفسه بعبارات غير مقصودة ؟ ويجعل الأمر موكولا إلى عقولنا .مما يجعل بعض العقول واقفة حائرة ، وبعضها تجرأ على القول على الله بلا علم بل بالهوى المختلف ، الذي يقول فيه فلان : هذا واجب ، ويقول الآخر هذا ممتنع على الله ، ويقول الثالث : هذا جائز ...
ويقال أيضا لماذا جعل الله الحديث عن صفاته بكلمات لا يراد بها ظاهرها؟وهل هذا إلا تعمية؟ خلاف البيان الذي قال الله : ﴿ يريد الله ليبين لكم [النساء :26]وقوله تعالى : ﴿ يبين الله لكم أن تضلوا [ النساء :176] .
فالحاصل أن هؤلاء ضالون مخطئون مرتكبون لضلالات تتضمن كل ضلالة منها القول على الله بغير علم .فقولهم : إن الله لم يرد كذا .. ولكن أراد كذا .. فهذا قول على الله بلا علم ، كيف لايريد ذلك وهو ظاهر لفظه ؟فمن أين لكم أنه ما أراده ؟؟.
وقولهم : أنه أراد كذا .. فأولوا الصفة إلى تلك التي أرادوها لا ما أرادها ، فهذا أيضا قول على الله بلا علم ، لأنه إذا انتفت إرادة الظاهر بقي ما يخالف الظاهر قابلا لاحتمالات كثيرة ، فما الذي يجعل هذا الاحتمال الذي عينتموه وقلتم به هو المراد دون غيره من المحتملات ؟؟.
والضلالة الثالثة، أن يقال لهم لقد جعلتم كلام الله الغازا وأنه أوكل إلى عقولكم أن تحملوها على معان معينة ، ولو صح تأويلكم لما عينتموه لكان خطابا من عاجز عن الكلام على الحقيقة بما يفهم الخطاب، فلذلك لجأ الى الألغاز التي لا تفهم إلا بتأويلكم ، وكأن طرق الكلام ضاقت عليه سبحانه حتى تضيفوا إليه تلك التأويلات التي نسبتموها إليه بلا علم .

الصفحة [8]
4 - القسم الرابع : قسم قالوا : نفوض ولا نقول معناها كذا ولا كذا ، نقرأ القرآن والحديث وكأنما نقرأ لغة لانعرفها ولا نفهمها أو كأننا عامة لا يعلمون الكتاب إلا أماني . هؤلاء يقولون كل نصوص الصفات غير معلومة المعنى .
فيقال لهم : ما تقولون في قوله تعالى : ﴿ الرحمن على العرش استوى قالوا أجروها كما جاءت الله أعلم بمعناها . وكذلك قالوا في باقي الصفات .
فيقال لهم ، نعم كل شيء الله أعلم ، لكنه عز وجل أنزل علينا كتابا مبينا :﴿ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب وقوله تعالى : ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبينا لكل شيء [ النحل : 89]أي فائدة لنا في قرآن لا نعرف معناه ؟ وهل يمكن أن نتمثل أمر الله الله عز وجل ونحن لا نفهم الخطاب ، وهل يمكن أن نعرف الله ونحن لا نفهم عنه ما خاطبنا به ليتعرف به إلينا ، وهل يمكن أن نعظم الله ونحن لا نعرف مراده ، وهل يمكن أن ننفي عنه النقائص والعيوب ونحن لا نعلم ما أراد بكلامه ؟ ما الجواب ؟ الجواب : لايمكن ذلك البتة ، ولا يقوله عاقل ، وإذا كنتم معنا تقولون : أن آيات الأحكام وأحاديث الأحكام معلومة المعنى ، فالناس يعرفون الصلاة والصيام والحج ، فلماذا لا تجعلون آيات الصفات – وهي أعظم – معلومة المعنى؟ لأنها تتعلق بذات الخالق عز وجل ، وآيات الأحكام تتعلق بعمل المخلوق ، فلذا لاتجعلون هذه أولى بالعلم ؟ وهؤلاء يسمون عند أهل السنة والجماعة : المفوضة.وهؤلاء يقولون إن التفويض هو مذهب السلف[1].
ويقولون : أهل السنة قسمان : قسم مؤولة ، وقسم مفوضة ، هذا واقع ، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : - وصدق فيما قال – قول أهل التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد [2] .
ويعني قولهم ذلك أن الله أنزل إلينا كتابا ورسوله صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأخبار فيما يتعلق بذات الرب عز وجل وصفاته ، كله ليس له معنى ولا يجوز أن نتكلم بمعناه ، هذا من أعظم ما يكون من إلالحاد والكفر ، وفيه من الاستهانة بالقرآن الكريم والذم له ما لايعلمه إلا من تأمل هذا القول الفاسد الباطل .
--------------------
1 - أنظر العقيدة النظامية لأبي المعالي الجويني [ص32 – 33] .
2 - درء تعارض العقل والنقل [ج1/205].

الصفحة [9]
يقول الشيخ عبد المحسن العباد في شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني [ص27]: فالسلف لايفوضون المعنى ، وإنما يفوضون الكيفية ، ومن زعم أن طريقة السلف من الصحابة ومن تبعهم تفويض في معاني الصفات ، فقد وقع في محاذير ثلاثة هي : جهله بمذهب السلف ، وتجهيله لهم ، والكذب عليهم .
أما جهله بمذهب السلف ، فلكونه لا يعلم ما هم عليه ، وهو الذي بينه الإمام مالك في كلامه المشهور في الاستواء . قلت : وسيأتي – إن شاء الله – .
وأما تجهيله لهم ، فذلك بنسبتهم إلى الجهل ، وأنهم لا يفهمون معاني ما خوطبوا به ، إذ طريقتهم - على زعمه- في الصفات أنهم يقولون : الله أعلم بمراده بها .
وأما الكذب عليهم ، فإنما هو بنسبة هذا المذهب الباطل إليهم ، وهم براء منه .
5 - القسم الخامس : قالوا : والله نحن ما نتكلم ، نقول : يجوز أن يكون المراد بها الظاهر اللائق بالله ، ويجوز أن يكون المراد بها الظاهر المماثل للمخلوقين ، ويجوز أن يكون المراد خلاف الظاهر ، ويجوز أن لايكون المراد بها شيء . كل هذا ممكن وجائز ، وما دامت الاحتمالات قائمة فالواجب الإمساك .والفرق بين المفوضة وبينهم أن المفوضة يقولون : لانقول شيء أبدا يعني لا يمكن أن تعلم المعنى ، وهؤلاء يقولون : يحتمل كذا ، ويحتمل كذا ولكن نكف عن القول ما دام هذه الاحتمالات واردة ، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال .ويسميهم البعض الواقفة .
6 - القسم السادس : قوم أعرضوا عن هذا كله وقالوا : أتركونا من الكلام في هذه الأمور ، لا تقولوا شيء في صفات الله تعالى ، فإن ذلك قد عفا عنه الزمان ، وذلك نبش للقبور ، وأن الكلام في ذلك لايخدم الدعوة ، ويأخرها ، فنحن نقرأ القرآن ونتعبد الله تعالى بقراءته ولا نتعرض لمعناه فيما يتعلق بالصفات إطلاقا ؟ لأن هذا سيفرق الأمة ، ولا يمكننا من الحكم .


الصفحة [10]
اعتقد ما شئت ، قل أن ظاهرها اللائق بالله مراد ، أو غير مراد ،أو أن المعنى يحتمل خلاف الظاهر؛ أو يحتمل كذا وكذا من التأويلات ، المهم أن تعتقد في نفسك أي شيء وتسكت ، لأن ذلك لا يناسب الوقت ، ولايصلح للدعوة في هذا العصر ، أو أنه غير مهم ، وهؤلاء الساكتون في الظاهر المميعون بقلوبهم ، ما عرفوا خطاب الله ، ولا عرفوا ما جاءت به الرسل .
فيقال لهم : ما فائدة خطاب الله تعالى لنا بهذه الآيات الكثيرة التي تعرف إلينا بها ، ووصف لنا بها نفسه ، أم أنزلها عبثا ؟ لنمر عليها مرور الكرم ، أو لنعتقد فيها ما نشاء بأهوائنا المختلفة وعقولنا القاصرة ، ونترك مأاراد الله منا ، أم نرجيها ولا نعتقد فيها شيئا إلى أن تتحق النتيجة المزعومة في الحكم المزعوم ، وأين أنتم من دعوة الرسل ، فما جاء رسول إلا كان أول ما يدعو إليه التوحيد بأنواعه ، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم بقي أكثر من ثلاثة عشر سنة يدعو إلى ذلك ، بل إنه لم يغفل الدعوة إلى التوحيد؛ ووصف الله تعالى بالصفات التي تليق به إلى آخر حياته صلى الله عليه وسلم فهذا القول من أبطل الباطل .. ومع ذلك هم يتكلمون في أشياء ليس من روائها طائل .
منهج السلف هو الحق وطريقتهم أعلم وأحكم وأسلم:
ولما إنقسم أهل القبلة المنتسبون للإسلام إلى هذه الانقسامات ، كان مذهب السلف هو المذهب المنصور ، والحق الثابت المأثور ، وأهله هم الفرقة الناجية والطائفة المرحومة المرضية ، التي هي بكل خير فائزة ، ولكل مكرمة راجية ، من الشفاعة والورود على الحوض ، ورؤية رب البرية ، وغير ذلك من سلامة الصدر لمن وصفوا بالخيرية ، والإيمان بالقدر والأفضلية، والتسليم لما جاءت به النصوص من كتاب الله وسنة خير البرية ..
يقول الشيخ العتيمين رحمه الله في كتابه شرح السفارينية : فمن المحال أن يكون المخالفون أعلم من السالفين ، كما يقوله بعض من لاتحقيق له بذلك ؛ ممن لا يقدر قدر السلف الموصوفين بالعدالة والتزكية، ولاعرف الله تعالى ؛ ولا رسوله ، ولا المؤمنين به ؛ حق المعرفة المأمور بها ؛ وهي أن طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم .
وهؤلاء إنما أوتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث؛ من غير فقه لذلك، وأنها بمنزلة الأميين، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات؛وغرائب اللغات ،والتحريفات والتأويلات،فكانت بذلك أعلم وأحكم ..
وهذا الظن الفاسد ؛ أوجب تلك المقالة التي مضمونها ؛ نبذ منهج السلف وراء ظهورهم ، وقد كذبوا وأَفِكُوا على طريقة السلف الصالح ، وضلوا في تصويب طريقة الخلف ،فجمعوا بين باطلين ، الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم ، والجهل والضلال بتصويب طريقة غيرهم من الخلف .
قال ابن رجب في كتابه [ بيان فضل علم السلف على علم الخلف ] وفي زماننا يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ..

يتبع إن شاء الله ...
 
القول المبين في الرد على أباطيل شمس الدين[ الجزء الثالث ]

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
أما بعد : فإن الله جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه إذا أراد أن يكرم عبدا بمعرفته ويجمع قلبه على محبته شرح صدره لقبول صفاته العلى ، وتلقيها من مشكاة الوحي ، فإذا ورد عليه شيء منها قابله بالقبول وتلقاه بالرضا والتسليم واذعن له بالانقياد فاستنار به قلبه ، واتسع له صدره وامتلأ به سرورا ومحبة ، فعلم أنه تعريف من تعريفات الله تعالى تعرف به على لسان رسوله ، فأنزل تلك الصفة من قلبه ، فجال من المعرفة في ميادينها ، واسام عين بصيرته في رياضها وبساتينها لتيقنه بأن شرف العلم تابع لشرف معلومه ، ولا معلوم أعظم وأجل ممن هذه صفته ، وهو ذو الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وأن شرفه أيضا بحسب الحاجة إليه ، وليس قدر حاجة الأرواح إلى شيء أعظم منها إلى معرفة باريها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج إليه والزلفى عنده ، ولاسبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه ، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب ، ومنه أخوف ، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل وإليه أكره ومنه أبعد ، والله تعالى ينزل العبد من نفسه حيث ينزله العبد من نفسه ، فمن كان لذكر أسمائه وصفاته مبغضا ، وعنها نافرا معرضا منفرا ، فالله له أشد بغضا ، وعنه أعظم إعراضا ، وله أكبر مقتا ، حتى تعود القلوب إلى قلبين : قلب ذكر الأسماء والصفات قوته وحياته ونعيمه وقرة عينه ، ولو فارقه ذكرها ومحبتها لحظة لاستغاث ، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
ومن المحال أن يذكر القلب من هو محارب لصفاته نافر عن سماعها معرض بكليته عنها ، زاعم أن العلم ، والحكمة والسلامة في تأويلها والاعراض عنها .كلا والله إن هو إلا الجهالة والخذلان ، والإعراض عن العزيز الرحيم الرحمن ، فليس للقلب الصحيح قدر إلى شيء أشوق منه إلى معرفة ربه تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه ، ولا أفرح بشيء قدر فرحه بذلك ، وكفى بالعبد عمى وخذلانا أن يضرب الله على قلبه سرادق الإعراض عنها والنفرة والتنفير والاشتغال بما لو كان حقا لم ينفع إلا بعد معرفة الله والايمان به وبصفاته وأسمائه .
والقلب الثاني : قلب تغذى بلبن البدعة ، كالمردود عليه الذي تعدى وأبعد النجعة ، فعقله مضروب بسياط الجهالة ، فهو عن معرفة ربه ومحبته مصدود ، وطريق معرفة أسمائه وصفاته كما أنزلت عليه مسدود .
فقد قمش المسمى شمس الدين – وما هو -كذلك – بل هو شمس البدعة والضلالة ، شبها من الكلام الباطل ، والرأي العاطل وارتوى من ماء آجن غير طائل تعج منه آيات الصفات وأحاديثها إلى الله عجيجا ، وتضج منه إلى منزلها ضجيجا ، بما يسموها تحريفا وتعطيلا، ويؤول معانيها تغييرا وتبديلا ، وقد أعد لدفعها فيما كتب أنواعا من العدد ، وهيأ لردها ضروبا من القوانين والقواعد ، وإذا دعي إلى تحكيمها أبى واستكبر وقال: بما جاء به أسلافه : تلك أدلة لفظية وأحاديث آحادية لاتفيد شيئا من اليقين ، قد أعد التأويل جُنة يتترس بها من مواقع سهام السنة والقرآن ، وجعل أثبات صفات ذي الجلال تجسيما وتشبيها يصد به القلوب عن طريق العلم والإيمان ، فهو مزجي البضاعة من العلم النافع الموروث عن خاتم الرسل والأنبياء،ولكنه مليء بالشكوك والشبه ، والجدال والمراء ، خلع عليه كلام الباطل خلعه الجهل والتجهيل ، فهو يتعثر بأذيال التكفير لأهل الحديث ، وللعلماء بالتبديع والتضليل ، قد طاف على أبواب الآراء والكلام يتكفف أربابها ،فانثنى بأخسر المواهب والمطالب ، وعدل عن الأبواب العالية الكفيلة بنهاية المراد وغاية الإحسان ، فابتلى بالوقوف على الأبواب السافلة المليئة بالخيبة والحرمان ، وقد لبس حلة منسوجة من الجهل والتقليد ،والتعصب والشبه والعناد، وقد بذلنا له النصيحة ودعي إلى الحق فأخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد .
فما أعظم المصيبة به وبأمثاله على أهل الإيمان ، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن ، وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن ، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان ، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ، ولهذا أمر الله به في السور المكية حيث لاجهاد باليد انذارا وتعذيرا ، فقال : ﴿ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا [ الفرقان :52].
فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله ، وخاصته من عباده الموصوفين بالهداية والتوفيق ، ومن مات ولم يغز ، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق .[1]
لهذا لبست للحرب لأمته ووقفت على ثغرة من ثغور أهل السنة والإيمان ، أجاهد بالحجة والبرهان كل من رماهم بالسوء والبهتان ، موجها سهام الحق إلى شمس الضلالة الفتان ،الواقف منهم موقف الخذلان ، كاشفا عن مقالاته وما فيها من الباطل والعدوان ، سائلا المولى النصرة والتأييد بالسنة والقرآن ، وأن يحشرني يوم القيامة مع سيد الثقلين الإنس والجان .آمين .
--------------------
1 – مقتبس من مقدمة النونية لابن القيم بتصرف .

الصفحة [2]
عملي في هذا الرد :
لقد كنت ناصحته ، وكتبت إليه الرد الأول والثاني ، عساه يرجع وينثني ، إلا أنه تمادى بالظلم والعدوان ؛ فكان لابد من التصدي له والبيان لما جاء به من الإفتراء والبهتان، فبدأت بهذه المقدمة بينت فيها أهمية التوحيد ومعرفة الله تعالى ، وأنواع القلوب تجاه الأسماء والصفات ، وذكرت السبب الذي دفعني لأكتب هذا الرد ، وأن رد الحق إلى نصابه ، والدفاع عنه بالحجة والبرهان يعتبر من أعظم الجهاد ، ثم عقبته بمدخل إلى الموضوع بينت فيه أهمية التوحيد بأنواعه، واختلاف أهل القبلة في توحيد الأسماء والصفات وأنهم على ستة أقسام في إجراء النصوص ، القسم الأول منهم هم السلف الصالح ، والثاني هم الممثلة ،والثالث هم المؤولة ، والرابع هم المفوضة ، والخامس هم الواقفة ، والسادس هم المعرضون عن هذه العقيدة ،على ما ذكره الشيخ محمد صالح بن عثيمين رحمه الله ، ثم بينت أن مذهب السلف هو المذهب المنصور ، وأن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لم يختلفوا في مسألة واحدة من مسائل الصفات مع اختلافهم في مسائل الأحكام ، بل أنهم تلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالإيمان والتعظيم .كما ذكره المقريزي في كتابه الخطط ، وابن عبد البر في التمهيد .
وبعدها ذكرت عشرة قواعد لأهل السنة والجماعة تميّز منهج السلف عن غيره من المناهج الكثيرة المنتسبة للسنة ، وبها يعرف السلفي من الخلفي ، والسني من المبتدع ، وهذه القواعد هي : التقيد بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، وعدم التفريق بينهما ، وتقديمهما على العقل ورفض التأويل الفاسد ، وأن لايوصف الله سبحانه وتعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ، وأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، والقول في بعضها كالقول في البعض الآخر ، والاعتصام بالألفاظ الشرعية التي وردت بها النصوص ، والقطع بأنه ليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تمثيل أو تشبيه لصفاته بصفات المخلوقين ، وقطع الطمع عن إدراك كيفية صفات الله سبحانه وتعالى ، وأن عقيدة أهل السنة والجماعة مطابقة للفطرة سهلة وبسيطة ، والأخيرة وسطية أهل السنة والجماعة بين فرق الضلال ، ثم عدت إلى القسم الرابع منها وهم المفوضة الذين ينسبون ذلك إلى السلف الصالح كما نسبه صاحب المقال إليهم ، فبينت خطأهم كما بينت معنى التفويض الذي ينسب إلى السلف ، وأنه تفويض الكيفية ، وليس التفويض المطلق الذي يشمل المعنى والكيفية.




الصفحة [3]
ثم جئت إلى الأسئلة المصنوعة والمقصودة التي وجهت إلى شمس الدين ، فذكرتها كما هي؛ مع أجوبتها التي أجاب بها ، مبتدئا في ذلك بالألهم فالأهم ،وكان أهم هذه المسائل مسألة الأسماء والصفات، ومنها صفة الاستواء ،ومسألة مجيء الله تعالى يوم القيامة لفصل القضاء ، لأنهما من مسائل العقيدة ، فوقفت عند كل فقرة من فقرات جوابه ، وبينت تلبساته على القراء، وضلالاته ، ثم أوضحت منهج السلف الصالح في هذه القضية ، وبينت خطأ ما نسب لإمام المفسرين ابن جرير الطبري ،والإمام أحمد من التأويل .
وبعدها ذكرت وقفة وقفتها مع قوله بتوحيد الحاكمية فبينت معناه عند من أطلقه ،وأنه مصطلح للخوارج في القديم والحديث ، فهم الذين جعلوا الحاكمية من شرط الإيمان ، وكذلك الشيعة الإمامية الذين جعلوه أخص وأهم أصول الدين في أئمتهم ، وبعد هذا بينت أن دفاعه عن سيد قطب هو دفاع عن رأس الخوارج والهجرة والتكفير في هذا العصر ، وأن العلماء الذين انتقدوه ، على حق ، ولم يقولوا ذلك من عند أنفسهم بل مما خطه سيد رحمه الله بيده ، ثم وقفت معه وقفة طويلة مع مصطلح الحشوية الذي يردده كثيرا، فبينت معناه عند من أطلقه ثم بينت أن أول من أطلقه هم المعتزلة ثم أخذته عنهم الفرق الأخرى فنبزت به أهل السنة ، فبينت تلك الفرق ورددت عليهم وبينت أنه أحق بأن ينبز بذلك اللقب الشنيع من أهل العلم على منهج السلف ، ثم تطرقت إلى مصطلح جديد طالعنا به هذا المجتهد في الضلالة ، وهوقوله : احذروا النهاشون .. يقصد بهم علماء الجرح والتعديل ،قاتله الله من جويهل ..يريد بذلك أن نطمس هذا العلم، وأن يسكت العلماء عن كل مبتدع ضال ، أو عن كل ما ينسب إلى الدين مما ليس منه ، معتبرا ذلك من الغيبة المحرمة ، فرددت عليه؛ وبينت أن التعرض لحال الرواة جرحا وتعديلا ، أو لبيان حال المبتدعة ليس من باب الغيبة في شيء ، وذكرت الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة ، ثم جئت على أخطائه في فقه السنة ، فبينت مسألة دعاء الاستفتاح ، وكذلك مسألة الوقوف في الصف ، وتسوية الصفوف وسد الخلل ، والفرج فيها ، مع بيان الأخطار المترتبة على تركها ، وكذلك تفويت االفضل والأجر العظيم في إغفالها وإهمالها ، كما بينت مسألة إخراج زكاة الفطر نقودا ، وأن في جوابه على ذلك اتهام للنبي صلى الله عليه وسلم ،ولم يفتني أن أبين مذهب مالك في المسألة ، وفي الخاتمة ذكرت فيها معنى السنة عند علماء السلف ، ليكون القارئ على بينة من أمر هذا الرجل ، وأنه هو الذي يفهم السنة فهما خاطئا بعيدا عن منهج السلف الصالح.

الصفحة [4]
تنبيه : لقد قمت بتصوير مقالاته التي نشرها على صفحات الجرائد وألحقتها بآخر هذا البحث لمن يريد أن يتأكد ، ويعلم أننا لم نقوله ما لم يقل ، بل كل ما نسبناه إليه من أقواله التي خطتها يمينه الآثمة ، وأنني رددت عليه بما يقتضي المقام مع ذكر الأدلة من الكتاب والسنة ،وفهوم علماء السلف الصالح ، وما تقتضيه اللغة العربية ،وقد كنت نصحته فيما سبق ورددت عليه بردين أرسلتهما إلى جريدة الشروق لينشرا حتى يعرف القراء الكرام المحق من المبطل ، ولكن القائمين عليها لم يفعلوا واكتفو بإعطاء المقالين إلى المردود عليه ، مما زاده غيضا وحنقا وتعنتا ،فكتب ردا آخر مشحونا بالطعن والشتم مرة ، وإشاعة الفاحشة والافتراء مرة أخرى ،فدفعني ذلك لأكتب هذا الرد في هذه المسأئل ليستدل بها على غيرها من المسائل الكثيرة التي خالف فيها منهج السلف ، وليظهر للقاريء جليا أنه جاهل ، وأنه جمع من كل الفرق نصيبا من الشر مما ليس تحته طائل، إلا الخير المتمثل في منهج أهل السنة والجماعة الأفاضل ، والله حسيبه ويتولاه بعدله .
وأخيرا :ذكرت فهرسا للمراجع التي استقيت منها البحث ، حتى التي أخذت منها ولم أعز إليها لبعدها عني أو لعدم تمكني من مراجعتها لضيق وقتي واشغتالي بأمور أخرى ،كما ذكرت فهرسا للموضوعات التي وردت في البحث ، هذا -والله أسأل- أن يتقبله مني خالصا لوجهه الكريم ، فإن أصبت فمن الله وحده ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وحسبي أني اجتهدت في إصابة الحق ، والدفاع عن المظلومين بالصدق ، وعند الله يلتقي الخلق ، ويقضي الله بينهم في كل ما عظم ودق .
وصلى اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه :
أبو بكر يوسف لعويسي
حي الرمضانية بلدية الدويرة الجزائر العاصمة .
يوم :26/ربيع الأول 1429 هـ - الموافق 03/04/2008م



الصفحة [5]

مدخل:
أمابعد : إن أهم ما ينبغي أن تصرف فيه الأوقات وتفنى فيه الأعمار هو تحقيق التوحيد بأنواعه الثلاثة ، توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ،وتوحيد الأسماء والصفات ، لأن الفوز والنجاة يوم القيامة متوقف على تحقيقه على مراد الله ومراد رسوله والإخلاص فيه لله وحده ، وعدم صرف شيء من ذلك لغير الله أو الإلحاد فيه .
واعلم رحمك الله ، أن المسلمين مجمعون على توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، أي أنه يجب إفراد الله عز وجل بالربوبية كما يجب إفراده بالعبادة [1].
أما توحيد الأسماء والصفات فهو الذي اختلف فيه أهل القبلة اختلافا يمكن أن نقول : إنه على ستة أوجه في إجراء النصوص [2].
1 – القسم الأول: منهم من أجرى النصوص على ظاهرها اللائق بالله عز وجل : وهؤلاء هم السلف الصالح واتباعهم – أجروا النصوص على ظاهرها اللائق بالله وتركوا ما وراء ذلك .
ف﴿ الرحمن على العرش استوى [طه :5 ] . قالوا: إن ظاهره أن الله استوى على العرش أي علا عليه ، فنؤمن بأن الله سبحانه وتعالى نفسه علا على العرش كما يليق بجلاله ، ولانلتفت لما رواء ذلك . فلا نقول : أين الله قبل أن يخلق العرش ؟ وهل استواؤه على العرش بمماسة أو بانفصال ، أو كيف استوى ، أو إن استواؤه على العرش للحاجة إليه ، أو أن ذلك يستلزم أنه مفتقر إلى العرش وإذا كان كذلك فهو حادث ، أو أن ذلك يقتضي أن يكون جسما أو ليس بجسم ، لأن هذه المسائل لم ترد لا في القرآن ولا في السنة إثباتا ولانفيا ، وهؤلاء هم السلف ، وأن طريقتهم على هذا الوجه أسلم وأعلم وأحكم ، أسلم لأنهم ما تعرضوا لشيء وراء النصوص ، وأعلم لأنهم أخذوا عقيدتهم عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأحكم لأنهم سلكوا الطريق الواجب سلوكها : وهو إجراء النصوص على ظاهرها اللائق بالله عز وجل .
--------------------
1 - مقتبس من إقتضاء الصراط المستقيم [ج1/854].
2- أنظر أصناف الناس في [الأسماء والصفات عند شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية [ ج1/46].



الصفحة [6]
ومن هؤلاء السلف ؟ والحقيقة المتفق عليها بين جميع العلماء والعقلاء هم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وأئمة المسلمين مالك وأحمد والشافعي وأبي حنيفة وسفيان الثوري ، وابن عيينة ، والأوزاعي، والزهري، وحماد بن نعيم، والبخاري ومسلم وغيرهم ،وأصحاب السنن من أئمة المسلمين الذي لا يحصون كثرة، ويطلق عليهم أهل السنة والجماعة ، وأهل الحديث ، وأهل الأثر..
2 - القسم الثاني : أجروا النصوص على ظاهرها ، وقالوا : النصوص على ظاهرها لكنها من جنس صفات المخلوقين ، قالوا : إن لله يد كأيدنا ، ووجها كوجوهنا ، وهؤلاء هم الممثلة ، وهؤلاء بلا شك ضالون لم يقدروا الله حق قدره ، ولو قدروا الله حق قدره ما جعلوا صفاته كصفات خلقه .
وهم أيضا متناقضون لأنهم لم يجعلوا الذات الإلهية كالذات المخلوقة ، ومعلوم أن الصفات فرع عن الذات ، فإذا كانت الذات لا تماثل ذوات المخلوقين ، فالصفات أيضا لا تماثل صفات المخلوقين لأن صفة كل ذات تناسبها .
فإن قال قائل : عندي قَدَمَ جمل ، وقال الآخر عندي قدم نملة ، هل يفهم أحد من الناس عاقل أن الذي عند الثاني كالذي عند الأول ؟ أبدا ، لأن ذات الجمل غير ذات النملة ، إذن صفاتهما مختلفة لا محالة ، فقوة الجمل وقوة النملة كلاهما قوة ، وهل هما متماثلان ؟ غير متماثلين ، لأن قوة النملة بسيطة ، تعجز عن شيء يسير ، أما الفيل فقوته عظيمة يحمل الشيء الكثير والكبير .
فإذا قال الله عن نفسه عز وجل : ﴿ بل يداه مبسوطتان [ المائدة :64] أو ﴿ لما خلقت بيدي هل يمكن لعاقل أن يتصور أن يد الله عز وجل كيد المخلوق ؟ لايمكن أبدا .
وكيف يمكن ذلك والله عز وجل يقول: ﴿ وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه فمن من المخلوقات يستطيع أن يطوي السموات بيمينه ؟ [الزمر :67] ويقول : ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
إذن هؤلاء ضالون لم يقدروا الله حق قدره ، فالله يقول : ﴿ليس كمله شيء وهم يقولون بل مثله شيء ، وهذا تكذيب لخبر الله تعالى ، ولهذا قال : نعيم بن حماد الخزاعي رحمه الله شيخ البخاري : من شبه الله بخلقه فقد كفر؛ ومن جحد ما وصف به نفسه فقد كفر؛ وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها[1 ].
--------------------
1- سير أعلام النبلاء للذهبي [ج10/610][13/ 299] وشرح العقيدة الطحاوية [ص117].

الصفحة 7
3 - القسم الثالث : من أجروا النصوص على خلاف ظاهرها إلى معان إبتكروها بعقولهم ، وهؤلاء الذين يدعون أنهم العلماء والحكماء .
ويقولون طريقة السلف طريقة الذين يقرؤون الكتاب أماني ولا يعرفون معانيها ، أما نحن فأهل العلم والحكمة ، ولهذا قالوا : طريقة الخلف [ أي طريقتهم ] أعلم وأحكم . لذلك هم يجرون النصوص على خلاف ظاهرها إلى معان عينوها بعقولهم ، فقالوا : ﴿ استوى على العرش أي : استولى على العرش ، يد الله : أي قوته أو نعمته ، وجه الله : ثوابه ، مجيء الله : ثوابه ، نزول الله ، نزول أمر ، ورحمته ، غضب الله انتقامه وهكذا ..
لماذا قالوا ذلك ؟ لأن المعنى الظاهر من هذه النصوص ممتنع على الله عز وجل ، وإذا كان ممتنعا فلنا عقول نتصرف فيها.
فيقال لهم بكل بساطة : إذا كان الأمر كما قلتم فلماذا يتكلم الله عن نفسه بعبارات غير مقصودة ؟ ويجعل الأمر موكولا إلى عقولنا .مما يجعل بعض العقول واقفة حائرة ، وبعضها تجرأ على القول على الله بلا علم بل بالهوى المختلف ، الذي يقول فيه فلان : هذا واجب ، ويقول الآخر هذا ممتنع على الله ، ويقول الثالث : هذا جائز ...
ويقال أيضا لماذا جعل الله الحديث عن صفاته بكلمات لا يراد بها ظاهرها؟وهل هذا إلا تعمية؟ خلاف البيان الذي قال الله : ﴿ يريد الله ليبين لكم [النساء :26]وقوله تعالى : ﴿ يبين الله لكم أن تضلوا [ النساء :176] .
فالحاصل أن هؤلاء ضالون مخطئون مرتكبون لضلالات تتضمن كل ضلالة منها القول على الله بغير علم .فقولهم : إن الله لم يرد كذا .. ولكن أراد كذا .. فهذا قول على الله بلا علم ، كيف لايريد ذلك وهو ظاهر لفظه ؟فمن أين لكم أنه ما أراده ؟؟.
وقولهم : أنه أراد كذا .. فأولوا الصفة إلى تلك التي أرادوها لا ما أرادها ، فهذا أيضا قول على الله بلا علم ، لأنه إذا انتفت إرادة الظاهر بقي ما يخالف الظاهر قابلا لاحتمالات كثيرة ، فما الذي يجعل هذا الاحتمال الذي عينتموه وقلتم به هو المراد دون غيره من المحتملات ؟؟.
والضلالة الثالثة، أن يقال لهم لقد جعلتم كلام الله الغازا وأنه أوكل إلى عقولكم أن تحملوها على معان معينة ، ولو صح تأويلكم لما عينتموه لكان خطابا من عاجز عن الكلام على الحقيقة بما يفهم الخطاب، فلذلك لجأ الى الألغاز التي لا تفهم إلا بتأويلكم ، وكأن طرق الكلام ضاقت عليه سبحانه حتى تضيفوا إليه تلك التأويلات التي نسبتموها إليه بلا علم .

الصفحة [8]
4 - القسم الرابع : قسم قالوا : نفوض ولا نقول معناها كذا ولا كذا ، نقرأ القرآن والحديث وكأنما نقرأ لغة لانعرفها ولا نفهمها أو كأننا عامة لا يعلمون الكتاب إلا أماني . هؤلاء يقولون كل نصوص الصفات غير معلومة المعنى .
فيقال لهم : ما تقولون في قوله تعالى : ﴿ الرحمن على العرش استوى قالوا أجروها كما جاءت الله أعلم بمعناها . وكذلك قالوا في باقي الصفات .
فيقال لهم ، نعم كل شيء الله أعلم ، لكنه عز وجل أنزل علينا كتابا مبينا :﴿ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب وقوله تعالى : ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبينا لكل شيء [ النحل : 89]أي فائدة لنا في قرآن لا نعرف معناه ؟ وهل يمكن أن نتمثل أمر الله الله عز وجل ونحن لا نفهم الخطاب ، وهل يمكن أن نعرف الله ونحن لا نفهم عنه ما خاطبنا به ليتعرف به إلينا ، وهل يمكن أن نعظم الله ونحن لا نعرف مراده ، وهل يمكن أن ننفي عنه النقائص والعيوب ونحن لا نعلم ما أراد بكلامه ؟ ما الجواب ؟ الجواب : لايمكن ذلك البتة ، ولا يقوله عاقل ، وإذا كنتم معنا تقولون : أن آيات الأحكام وأحاديث الأحكام معلومة المعنى ، فالناس يعرفون الصلاة والصيام والحج ، فلماذا لا تجعلون آيات الصفات – وهي أعظم – معلومة المعنى؟ لأنها تتعلق بذات الخالق عز وجل ، وآيات الأحكام تتعلق بعمل المخلوق ، فلذا لاتجعلون هذه أولى بالعلم ؟ وهؤلاء يسمون عند أهل السنة والجماعة : المفوضة.وهؤلاء يقولون إن التفويض هو مذهب السلف[1].
ويقولون : أهل السنة قسمان : قسم مؤولة ، وقسم مفوضة ، هذا واقع ، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : - وصدق فيما قال – قول أهل التفويض من شر أقوال أهل البدع والإلحاد [2] .
ويعني قولهم ذلك أن الله أنزل إلينا كتابا ورسوله صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأخبار فيما يتعلق بذات الرب عز وجل وصفاته ، كله ليس له معنى ولا يجوز أن نتكلم بمعناه ، هذا من أعظم ما يكون من إلالحاد والكفر ، وفيه من الاستهانة بالقرآن الكريم والذم له ما لايعلمه إلا من تأمل هذا القول الفاسد الباطل .
--------------------
1 - أنظر العقيدة النظامية لأبي المعالي الجويني [ص32 – 33] .
2 - درء تعارض العقل والنقل [ج1/205].

الصفحة [9]
يقول الشيخ عبد المحسن العباد في شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني [ص27]: فالسلف لايفوضون المعنى ، وإنما يفوضون الكيفية ، ومن زعم أن طريقة السلف من الصحابة ومن تبعهم تفويض في معاني الصفات ، فقد وقع في محاذير ثلاثة هي : جهله بمذهب السلف ، وتجهيله لهم ، والكذب عليهم .
أما جهله بمذهب السلف ، فلكونه لا يعلم ما هم عليه ، وهو الذي بينه الإمام مالك في كلامه المشهور في الاستواء . قلت : وسيأتي – إن شاء الله – .
وأما تجهيله لهم ، فذلك بنسبتهم إلى الجهل ، وأنهم لا يفهمون معاني ما خوطبوا به ، إذ طريقتهم - على زعمه- في الصفات أنهم يقولون : الله أعلم بمراده بها .
وأما الكذب عليهم ، فإنما هو بنسبة هذا المذهب الباطل إليهم ، وهم براء منه .
5 - القسم الخامس : قالوا : والله نحن ما نتكلم ، نقول : يجوز أن يكون المراد بها الظاهر اللائق بالله ، ويجوز أن يكون المراد بها الظاهر المماثل للمخلوقين ، ويجوز أن يكون المراد خلاف الظاهر ، ويجوز أن لايكون المراد بها شيء . كل هذا ممكن وجائز ، وما دامت الاحتمالات قائمة فالواجب الإمساك .والفرق بين المفوضة وبينهم أن المفوضة يقولون : لانقول شيء أبدا يعني لا يمكن أن تعلم المعنى ، وهؤلاء يقولون : يحتمل كذا ، ويحتمل كذا ولكن نكف عن القول ما دام هذه الاحتمالات واردة ، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال .ويسميهم البعض الواقفة .
6 - القسم السادس : قوم أعرضوا عن هذا كله وقالوا : أتركونا من الكلام في هذه الأمور ، لا تقولوا شيء في صفات الله تعالى ، فإن ذلك قد عفا عنه الزمان ، وذلك نبش للقبور ، وأن الكلام في ذلك لايخدم الدعوة ، ويأخرها ، فنحن نقرأ القرآن ونتعبد الله تعالى بقراءته ولا نتعرض لمعناه فيما يتعلق بالصفات إطلاقا ؟ لأن هذا سيفرق الأمة ، ولا يمكننا من الحكم .


الصفحة [10]
اعتقد ما شئت ، قل أن ظاهرها اللائق بالله مراد ، أو غير مراد ،أو أن المعنى يحتمل خلاف الظاهر؛ أو يحتمل كذا وكذا من التأويلات ، المهم أن تعتقد في نفسك أي شيء وتسكت ، لأن ذلك لا يناسب الوقت ، ولايصلح للدعوة في هذا العصر ، أو أنه غير مهم ، وهؤلاء الساكتون في الظاهر المميعون بقلوبهم ، ما عرفوا خطاب الله ، ولا عرفوا ما جاءت به الرسل .
فيقال لهم : ما فائدة خطاب الله تعالى لنا بهذه الآيات الكثيرة التي تعرف إلينا بها ، ووصف لنا بها نفسه ، أم أنزلها عبثا ؟ لنمر عليها مرور الكرم ، أو لنعتقد فيها ما نشاء بأهوائنا المختلفة وعقولنا القاصرة ، ونترك مأاراد الله منا ، أم نرجيها ولا نعتقد فيها شيئا إلى أن تتحق النتيجة المزعومة في الحكم المزعوم ، وأين أنتم من دعوة الرسل ، فما جاء رسول إلا كان أول ما يدعو إليه التوحيد بأنواعه ، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم بقي أكثر من ثلاثة عشر سنة يدعو إلى ذلك ، بل إنه لم يغفل الدعوة إلى التوحيد؛ ووصف الله تعالى بالصفات التي تليق به إلى آخر حياته صلى الله عليه وسلم فهذا القول من أبطل الباطل .. ومع ذلك هم يتكلمون في أشياء ليس من روائها طائل .
منهج السلف هو الحق وطريقتهم أعلم وأحكم وأسلم:
ولما إنقسم أهل القبلة المنتسبون للإسلام إلى هذه الانقسامات ، كان مذهب السلف هو المذهب المنصور ، والحق الثابت المأثور ، وأهله هم الفرقة الناجية والطائفة المرحومة المرضية ، التي هي بكل خير فائزة ، ولكل مكرمة راجية ، من الشفاعة والورود على الحوض ، ورؤية رب البرية ، وغير ذلك من سلامة الصدر لمن وصفوا بالخيرية ، والإيمان بالقدر والأفضلية، والتسليم لما جاءت به النصوص من كتاب الله وسنة خير البرية ..
يقول الشيخ العتيمين رحمه الله في كتابه شرح السفارينية : فمن المحال أن يكون المخالفون أعلم من السالفين ، كما يقوله بعض من لاتحقيق له بذلك ؛ ممن لا يقدر قدر السلف الموصوفين بالعدالة والتزكية، ولاعرف الله تعالى ؛ ولا رسوله ، ولا المؤمنين به ؛ حق المعرفة المأمور بها ؛ وهي أن طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم .
وهؤلاء إنما أوتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث؛ من غير فقه لذلك، وأنها بمنزلة الأميين، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات؛وغرائب اللغات ،والتحريفات والتأويلات،فكانت بذلك أعلم وأحكم ..
وهذا الظن الفاسد ؛ أوجب تلك المقالة التي مضمونها ؛ نبذ منهج السلف وراء ظهورهم ، وقد كذبوا وأَفِكُوا على طريقة السلف الصالح ، وضلوا في تصويب طريقة الخلف ،فجمعوا بين باطلين ، الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم ، والجهل والضلال بتصويب طريقة غيرهم من الخلف .
قال ابن رجب في كتابه [ بيان فضل علم السلف على علم الخلف ] وفي زماننا يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ..

يتبع إن شاء الله ...
 
هنا نجمع كل الردود على شمس الدين وبيان فساد نهجه ونحلته ,ونرجوا من أسود التوحيد والسنة أن لا يبخلوا علينا بما عندهم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

 
القول المبين في الرد على أباطيل شمس الدين [الجزء الرابع ]


يقول الشيخ عبد المحسن العباد في شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني [ص27]: فالسلف لايفوضون المعنى ، وإنما يفوضون الكيفية ، ومن زعم أن طريقة السلف من الصحابة ومن تبعهم تفويض في معاني الصفات ، فقد وقع في محاذير ثلاثة هي : جهله بمذهب السلف ، وتجهيله لهم ، والكذب عليهم .
أما جهله بمذهب السلف ، فلكونه لا يعلم ما هم عليه ، وهو الذي بينه الإمام مالك في كلامه المشهور في الاستواء . قلت : وسيأتي – إن شاء الله – .
وأما تجهيله لهم ، فذلك بنسبتهم إلى الجهل ، وأنهم لا يفهمون معاني ما خوطبوا به ، إذ طريقتهم - على زعمه- في الصفات أنهم يقولون : الله أعلم بمراده بها .
وأما الكذب عليهم ، فإنما هو بنسبة هذا المذهب الباطل إليهم ، وهم براء منه .
5 - القسم الخامس : قالوا : والله نحن ما نتكلم ، نقول : يجوز أن يكون المراد بها الظاهر اللائق بالله ، ويجوز أن يكون المراد بها الظاهر المماثل للمخلوقين ، ويجوز أن يكون المراد خلاف الظاهر ، ويجوز أن لايكون المراد بها شيء . كل هذا ممكن وجائز ، وما دامت الاحتمالات قائمة فالواجب الإمساك .والفرق بين المفوضة وبينهم أن المفوضة يقولون : لانقول شيء أبدا يعني لا يمكن أن تعلم المعنى ، وهؤلاء يقولون : يحتمل كذا ، ويحتمل كذا ولكن نكف عن القول ما دام هذه الاحتمالات واردة ، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال .ويسميهم البعض الواقفة .
6 - القسم السادس : قوم أعرضوا عن هذا كله وقالوا : أتركونا من الكلام في هذه الأمور ، لا تقولوا شيء في صفات الله تعالى ، فإن ذلك قد عفا عنه الزمان ، وذلك نبش للقبور ، وأن الكلام في ذلك لايخدم الدعوة ، ويأخرها ، فنحن نقرأ القرآن ونتعبد الله تعالى بقراءته ولا نتعرض لمعناه فيما يتعلق بالصفات إطلاقا ؟ لأن هذا سيفرق الأمة ، ولا يمكننا من الحكم .
اعتقد ما شئت ، قل أن ظاهرها اللائق بالله مراد ، أو غير مراد ،أو أن المعنى يحتمل خلاف الظاهر؛ أو يحتمل كذا وكذا من التأويلات ، المهم أن تعتقد في نفسك أي شيء وتسكت ، لأن ذلك لا يناسب الوقت ، ولايصلح للدعوة في هذا العصر ، أو أنه غير مهم ، وهؤلاء الساكتون في الظاهر المميعون بقلوبهم ، ما عرفوا خطاب الله ، ولا عرفوا ما جاءت به الرسل .
فيقال لهم : ما فائدة خطاب الله تعالى لنا بهذه الآيات الكثيرة التي تعرف إلينا بها ، ووصف لنا بها نفسه ، أم أنزلها عبثا ؟ لنمر عليها مرور الكرم ، أو لنعتقد فيها ما نشاء بأهوائنا المختلفة وعقولنا القاصرة ، ونترك مأاراد الله منا ، أم نرجيها ولا نعتقد فيها شيئا إلى أن تتحق النتيجة المزعومة في الحكم المزعوم ، وأين أنتم من دعوة الرسل ، فما جاء رسول إلا كان أول ما يدعو إليه التوحيد بأنواعه ، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم بقي أكثر من ثلاثة عشر سنة يدعو إلى ذلك ، بل إنه لم يغفل الدعوة إلى التوحيد؛ ووصف الله تعالى بالصفات التي تليق به إلى آخر حياته صلى الله عليه وسلم فهذا القول من أبطل الباطل .. ومع ذلك هم يتكلمون في أشياء ليس من روائها طائل .


الصفحة [2]


منهج السلف هو الحق وطريقتهم أعلم وأحكم وأسلم:
ولما إنقسم أهل القبلة المنتسبون للإسلام إلى هذه الانقسامات ، كان مذهب السلف هو المذهب المنصور ، والحق الثابت المأثور ، وأهله هم الفرقة الناجية والطائفة المرحومة المرضية ، التي هي بكل خير فائزة ، ولكل مكرمة راجية ، من الشفاعة والورود على الحوض ، ورؤية رب البرية ، وغير ذلك من سلامة الصدر لمن وصفوا بالخيرية ، والإيمان بالقدر والأفضلية، والتسليم لما جاءت به النصوص من كتاب الله وسنة خير البرية ..
يقول الشيخ العتيمين رحمه الله في كتابه شرح السفارينية : فمن المحال أن يكون المخالفون أعلم من السالفين ، كما يقوله بعض من لاتحقيق له بذلك ؛ ممن لا يقدر قدر السلف الموصوفين بالعدالة والتزكية، ولاعرف الله تعالى ؛ ولا رسوله ، ولا المؤمنين به ؛ حق المعرفة المأمور بها ؛ وهي أن طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم .
وهؤلاء إنما أوتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث؛ من غير فقه لذلك، وأنها بمنزلة الأميين، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات؛وغرائب اللغات ،والتحريفات والتأويلات،فكانت بذلك أعلم وأحكم ..
وهذا الظن الفاسد ؛ أوجب تلك المقالة التي مضمونها ؛ نبذ منهج السلف وراء ظهورهم ، وقد كذبوا وأَفِكُوا على طريقة السلف الصالح ، وضلوا في تصويب طريقة الخلف ،فجمعوا بين باطلين ، الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم ، والجهل والضلال بتصويب طريقة غيرهم من الخلف .
قال ابن رجب في كتابه [ بيان فضل علم السلف على علم الخلف ] وفي زماننا يتعين كتابة كلام أئمة السلف المقتدى بهم إلى زمن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ..
وليكن الإنسان على حذر مما حدث بعدهم ، فإنه حدث حوادث كثيرة ، وبدع عظيمة ، مثل كلام المتكلمين والفلاسفة فهو شر محض ، وقل من دخل في شيء من ذلك إلا وتلطخ ببعض أوضارهم ، كما قال الإمام أحمد رحمه الله : لا يخلو من نظر في الكلام إلا تجهم .
فإذا تأمل العاقل الفهيم نهاية ما يكره من أهل النظر والفلسفة والكلام من جميع طوائف المبتدعة يجد الذي في القرآن أكمل منه وأوضح بيانا مع سلامته من المراء والجدال ، وزبالات أفهام الرجال ، ومن لم يكن علمه متلقى من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة فهو غير نافع في نفسه ولا منتفع به ، بل ضرره أكثر من نفعه ، وعلامة هذا – كما قال الحافظ ابن حجر – أن يكتسب صاحبه الزهو والفخر ، والعجب والخيلاء ، وطلب مباهاة العلماء ، ومماراة السفهاء ، وصرف وجوه الناس إليه .


الصفحة [3]


واعلم أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم تنازعوا في كثير من المسائل الأحكام ، وهم سادات المؤمنين وأكمل الأئمة إيمانا بلا انفصام ، ولكن - بحمد الله تعالى – لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال .
بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة الصحيحة ، وعلى كل حال فكلمتهم واحدة ، من أولهم إلى آخرهم ، لم يسموها تأويلا ، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلا ، ولم يبدوا لشيء منها إبطالا ، ولا ضربوا لها مثالا ، ولم يدفعوا في صدورها ، وأعجازها ، ولم يقل أحد منهم : يجب صرفها عن حقائقها ، وحملها على مجازها .
بل تلقوها بالقبول والتسليم ، وقابلوها بالإيمان والتعظيم ، ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع ، حيث جعلوا القرآن عضين ، فأقروا ببعض آيات الصفات ، وأنكروا بعضها من غير فرقان بيّن ، ومع أن اللازم لهم فيما أنكروه ، كاللازم لهم فيما أقروا به وأثبتوه .
فأهل الإيمان إذا تنازعوا في شيء من القرآن ، ردوه إلى الله ورسوله ، فكل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين ودقه وجله جليه وخفيه ، ردوه إليهما .
فلو لم يكن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيان ما تنازعوا فيه ، لم يأمر الله بالرد إليه .إذ من الممتنع أن يأمر الله تعالى بالرد عند التنازع إلى من لايوجد عنده فصل النزاع .
وقد أجمع الناس على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه في حايته ، وإلى سنته بعد وفاته [1].
---------
1- مختصر لوامع الأنوار البهية [ ص08 ]. لمحمد بن علي بن سلوم ، حققه وضبطه محمد زهري النجار .


الصفحة [4]


وقد قعد علماء السلف قواعد في فوائد هامة تبين منهج أهل السنة والجماعة في إثبات العقيدة الصحيحة التي يجب أن يعتقدها كل مسلم ويتعبد الله بها حتى يسلم ولا يزيغ فيضيع بين تلك الفرق الهالكة التي خالفت منهج السلف أو ادعت الانتساب إليه جهلا وكذبا وزورا ،كالمردود عليه الذي جمع بين شر كل الفرق ، وإليك هذه القواعد ..
1- اتباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح :
اعلم أن عقيدة السلف الصالح مبنية على الدليل من كتاب الله عز وجل ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، قال الله عز وجل :﴿ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [الأعراف:3] وقال : ﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا[الأحزاب :36] وقال :﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب [الحشر :7].
وقال﴿ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصبيهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [النور :63]وقال: ﴿ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصييرا[النساء :115] فقوله : سبحانه: ﴿ ويتبع غير سبيل المؤمنين أي الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ،يبين هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية :<< ... فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسسكوا بها وعضوا عليها بالواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ؛ فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلاله >>[1]. وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: << إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين مله ، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة >>[2].
---------
1 - رواه أبو داود [4607] وهذا اللفظ له، والترمذي [2676] وقال: حديث حسن صحيح .
2 - رواه أحمد [ح16937]وأبو داود [4597] وفي رواية : << ما أنا عليه اليوم وأصحابي >> .


الصفحة [5]


وهذا موضع الشاهد منه لأن كل هذه الفرق التي اختلفت وخالفت لايمكن أن تنكر الانتساب للكتاب والسنة ،بل كل منهم تدعي أنها على السنة، وأنها على الحق وغيرها على الباطل ، ولكنهم ينكرون فهم السلف الصالح؛ ويقولون هم رجال ونحن رجال ، أو أن ذلك عصر ونحن لنا عصرنا ، أو ينسبون إليهم أنهم لايفهمون ما خطبوا به من نصوص الكتاب والسنة فيقولون طريقة السلف أسلم ، وطريقتهم أعلم وأحكم ،وهذا بيّن البطلان لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى التمسك بطريقة أصحابه مبتدئا بما كان عليه خلفاؤه الراشدون ثم صحابته الكرام وهذا ما امتاز به أتباع منهج السلف الصالح أهل السنة والجماعة ،{{ التقيد بالكتاب والسنة على فهم الصحابة }} فهو المنهج الأعلم والأحكم والأسلم .والأدلة على ما نقول أكثر من تحصى وقد جمعت في ذلك مؤلفات، ولكن تغني الإشارة عن العبارة ، والتلميح عن التصريح ،بما ذكرنا من التوضيح .
وقد أوضح ما كان عليه الصحابة والتابعون في صفات الله عز وجل الشيخ أبو العباس أحمد بن علي المقريزي في كتابه الفذ{ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار }[1 ]وعنه عبد المحسن العباد في شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني [ص13].فليراجع، وكذلك نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابه العظيم الفتح عند شرحه باب قول الله تعالى:﴿ ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك [المائدة : 67] كلاما نفيسا لأبي المظفر السمعاني ، استدل به هذا الأخير على فساد طريقة المتكلمين وصحة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته[2].
2 - عدم التفريق بين الكتاب والسنة بفهم الصحابة رضوان الله عليهم :
يقول محمد آمان الجامي رحمه الله : في كتابه :{ الصفات الإلهية في الكتاب والسنة }:يرى السلف أن السنة تبين الكتاب وتوضحه ، بل السنة خير تفسير يفسر به القرآن بعد القرآن ، بل قد يتوقف فهم بعض ما أجمل في القرآن إلا بواسطة السنة ، وقد ترد بعض صفات الله تعالى في السنة غير مذكورة في الكتاب ، فيجب الأخذ بها مع القرآن دون محاولة تفريق بينهما ، لأنها وحي من عند الله قال عز وجل :﴿ وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [النجم :2-3] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< .. لاألفين أحدكم جالسا على أريكته شبعان يأتيه الأمر من أمري فيقول : دعونا من هذا وهاتوا كتاب الله ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليا الحوض >>.[3]
--------------------
1 - [ ج 2/ 356].
2 – الفتح [ج13/507]. 3- رواه أبو داود وغيره .


الصفحة [6]


قلت: وقوله : << لن يفترقا حتى يردا علي الحوض >> أي إلى يوم القيامة ، وهذا فيه استمرارية تلازمهما وحجيتهما ؛وأنهما صالحان لكل زمان ومكان، وعليهما صَلُحَ حال الرعيل الأول من هذه الأمة ولن يصلح آخرها إلا عليهما بذلك الفهم الصالح لخير القرون على الإطلاق بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ،فما كان السلف رضي الله عنهم يفرقون بين الأحاديث ويقولون هذه أحاديث متواترة قطعية الثبوت ؛ قطعية الحجية، وهذه أحاديث آحاد ظنية الثبوت ، ظنية الحجية ، وعليه لانثبت بها عقيدة من العقائد إلاإذا كانت ثابتة بالتواتر؛ بل كانوا يأخذون بكل ثابت عنه صلى الله عليه وسلم ويقولون نؤمن به كل من عند ربنا .
3 – تقديم النقل على العقل ورفض التأويل الفاسد :
ونقدم النقل -ونقصد به الوحي من الكتاب والسنة الثابتة - لأن مايجب أن يعتقد هو من علم الغيب ، ولايمكن معرفة ذلك إلا بالوحي كتابا وسنة ، وأن ماجاء فيهما فإن العقل السليم يوافقه ولا يعارضه ، ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتاب واسع جيد ،أثبت فيه صحة القاعدة التي تقول أن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح واسمه{درء تعارض العقل والنقل}وقد طبع .
يقول محمد أمان الجامي في كتابه المذكور آنفا : وتقريرنا بأن النقل مقدم على العقل لاينبغي أن يفهم منه أن السلف ينكرون العقل ، والتوصل به إلى المعارف ، والتفكير به في خلق السموات والأرض، وفي الآيات الكونية الكثيرة ، فهم لايعطلون العقل ، ولكنهم لا يسلكون في استعماله الطريقة التي سلكها علماء الكلام في الاستدلال بالعقل وحده في المطالب الإلهية من محاولة الاكتفاء به أحيانا ، وتقديسه بحيث يقدمونه على كلام الله خالق العقل والعقلاء وعلى سنة رسوله التي هي وحي أوتيه مع القرآن ...
وباختصار : إن السلف إنما يقدمون الأدلة النقلية على الأدلة العقلية إيمانا منهم بأن الله أرسل الرسل ، وأنزل عليهم الكتب من عنده ، وكلفهم ببيان ما يحتاج إلى بيان "لأمر له شأنه " وهو أنه ما جاء في هذه الكتب وبلغته الرسل يغني عن كل شيء . وأما غيره فلا يغني عنه . هذه النقطة هي "سر المسألة " فلا يسع الخلف إلا اتباع السلف على أساس أنهم أعلم؛ وطريقتهم أحكم وأسلم .
ولذلك رفضوا التأويل الفاسد الذي قصده أهل الكلام ،فلفظ التأويل قد صار مستعملا في ثلاثة معان على ماذكره شيخ الإسلام ابن تيمية بتعدد الاصطلاحات :


الصفحة [7]


أحدها : وهو اصطلاح كثير من المتأخرين – من المتكلمين – أن التأويل هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن به ، وهذا هو الذي عناه أكثر من تكلم من المتأخرين في تأويل النصوص ، وهو الذي يرفضه أتباع السلف الصالح قديما وحديثا ، لأنه يؤدي إلى القول على الله بغير علم .
النوع الثاني : التأويل الذي هو بمعنى التفسير والبيان ، وهو الغالب على اصطلاح المفسرين للقرآن الكريم كابن جرير الطبري رحمه الله في كتابه تأويل آي القرآن وغيره من المتقدمين ، والقاسمي من المتأخرين وله كتاب اسمه محاسن التأويل .
النوع الثالث : التأويل بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام ، كما قال تعالى :﴿ هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق[البقرة :210] وأمثلة هذا النوع كثيرة في القرآن لاسيما ما يتعلق بأخبار المعاد .أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية في الحموية الكبرى ، وتصرفت في شيء منه.
فالتأويل في اصطلاح المتكلمين إنما يعني اتخاذ العقل أصلا حتى يكون النقل تابعا له ؛ فإذا ظهر تعارض بينهما– في زعمهم – فينبغي تأويل النص حتى يوافق العقل.ولذلك قعدوا قاعدة لهم فقالوا : وكل نص أوهم التشبيها *** أوله أو فوضه ورم تنزيها .
ومن هنا كانت جناية التأويل بهذا المعنى على العقيدة الإسلامية الصحيحة جناية عظيمة ،أدت إلى افتراق الأمة { أيدي سبأ } ومزقتها كل ممزق ،وكل ما حصل في الأمة من شر كان بسب التأويل الفاسد [1].
4 – أن لايوصف الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتجاوز القرآن والحديث : قاله شيخ الاسلام ابن تيمية في الحموية .
فمن وصفه بما لم يصف به نفسه ، أو لم يصفه به رسوله فقد ضل ، وقال على الله بلا علم ، ومن ذلك صنيع الفلاسفة الذين سموه العقل الفعال ، والمعتزلة الذين جعلوا القِدم أخص صفاته ، وهذا الاسم إلى كونه ليس في كتاب الله فإنه لا يؤدي المعنى الذي أناطوه به . واللفظ الشرعي الوارد في قوله تعالى :﴿ هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم [الحديد:3] أدل على المعنى المطلوب وأرضى للرب .
--------------------
1 – أنظر كتاب جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية ، لمؤلفه الدكتور أحمد لوح ، طبع دار عفان للنشر والتوزيع السعودية / الطبعة الأولى :1418هـ/1997م فإنه كتاب قيم ومفيد .


الصفحة [8]


فالسلف رضي الله عنهم أثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه سلم ، ونفوا عنه ما نفاه عن نفسه ، وما نفاه عنه رسوله ،على ما يليق بجلاله وكماله ، ويقولون : لا أحد أعلم من الله بنفسه ، ولا أحد أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم .ودستورهم في ذلك قوله تعالى :﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
قال الأوزاعي : كنا –والتابعون متوافرون- نقول : إن الله تعالى ذكره فوق عرشه ، ونؤمن بما وردت به السنة من الصفات . أنظر الأسماء والصفات للبيهقي .
5 – الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر .
أهل السنة والجماعة يقولون إن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ، فكما أننا نثبت لله ذات لا تشبه ذوات المخلوقين ، فيجب أن نثبت كل ما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة من الصفات دون أن يكون فيها مشابهة للمخلوقين ،فكما قلتم أن إثبات الذات إنما هو إثبات وجود لا كيفية ، فكذلك ينبغي عليكم أن تقولوا في الصفات إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية . ويقولون لمن أثبت بعض الصفات وأوّل بعضها ، وهم الأشاعرة ومن وافقهم : القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر ؛ فإن ما أثبتم من الصفات على وجه يليق بالله عز وجل ، يلزمكم إثبات الباقي على هذا الوجه اللائق بالله [1].
6 – الاعتصام بالألفاظ الشرعية :
الاعتصام بالألفاظ الشرعية الواردة في هذا الباب نفيا وإثباتا ،والتوقف في الألفاظ التي لم يرد نص بذكرها نفيا ولاإثباتا كلفظ الجسم ، والحيز والجهة ، والمكان ونحو ذلك ، والاستفصال عن مراد من أطلقها فإن كان المعنى الذي أراده صحيحا قُبل وعبر عنه باللفظ الشرعي ، وإن كان معنى باطلا لم يقبل .
يقول شيخ الإسلام في هذا المعنى : فالواجب أن ينظر في هذا الباب ، فما أثبته الله ورسوله أثبتناه ، وما نفاه الله ورسوله نفيناه ، والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي ، فنثبت ماأثبتته النصوص من الألفاظ والمعاني وننفي ما نفته النصوص من الألفاظ والمعاني .
-----------
1 - انظر توضيح هذين الأصلين في كتاب التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية [ ص31 /46].


الصفحة [9]


7– القطع بأنه ليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تمثيل أو تشبيه لصفاته بصفات المخلوقين:
فينبغي أن يقطع النظر والاعتقاد يقينا بأنه ليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم تمثيل أو تشبيه ،ومن شبه الله بخلقه أو مثله بهم فقد كفر كما قال نعيم بن حماد الخزاعي رحمه الله : من شبه الله بخلقه كفر ، ومن جحد شيئا مما وصف الله به نفسه كفر ، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه أو تمثيل [1].
8 – قطع الطمع عن إدراك كيفية صفات الله سبحانه .
فهذه القاعدة كسابقتها، يجب الاعتقاد الجازم أنه يستحيل أن يدرك العقل مهما بلغ من العلم كيفية الصفات؛ وعليه يجب أن يسلم ويؤمن بها كما وردت بلا كيف ، ومن حاول إدراك شيء من ذلك خرج إلى ضروب من التشبيه والتمثيل ، والإلحاد [2].
9 – عقيدة أهل السنة والجماعة مطابقة للفطرة :
عقيدة أهل السنة والجماعة بسيطة لا تعقيد فيها ولا غموض ، فهي موافقة للفطرة ،قال النبي صلى الله عليه وسلم:<< كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه..>>[3].وفي صحيح مسلم [ح2865] عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه قال :<<.. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم بأن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا.. >> .
وفي صحيح مسلم [ح 537] حديث الجارية التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم أين الله ؟ قالت في السماء . هذه الجارية بفطرتها أجابت بأن الله في السماء .
-----------
1 - اللالكائي ، شرح أصول اعتقاد أهل السنة [ ج3 / ص532 ].
2 - أنظر : الشيخ الأمين الشنقيطي ، منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات [ص28] نشر الجامعة الإسلامية .
3 - البخاري [ح1385] ومسلم [ح2658].


الصفحة [10]


قال أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين في نصيحته لمشايخه من الأشاعرة : فمن تكون الجارية الراعية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده فإنه لا يزال مظلم القلب ، لا يستنير بأنوار المعرفة والإيمان [1]. وفي ترجمة الرازي ، وهو من كبار المتكلمين الذين رجعوا في آخر حياتهم إلى معتقد أهل السنة والجماعة قال: من إلتزم دين العجائز فهو الفائز [2].


يتبع إن شاء الله ...
 
القول المبين في الرد على أباطيل شمس الدين ]الجزء الخامس [
قال أبو محمد الجويني والد إمامالحرمين في نصيحته لمشايخه من الأشاعرة : فمن تكون الجارية الراعية أعلم بالله منه لكونه لا يعرف وجهة معبوده فإنه لا يزال مظلم القلب ، لا يستنير بأنوار المعرفةوالإيمان [1]. وفي ترجمة الرازي ، وهو من كبار المتكلمين الذين رجعوا في آخر حياتهمإلى معتقد أهل السنة والجماعة قال: من إلتزم دين العجائز فهو الفائز [2].
10 – وسطيةأهل السنة والجماعة بين فرق الضلال :
من تأمل هذه القواعد علم يقينا أن منهج أهل السنة والجماعةأتباع السلف الصالح وسط بين فرق الضلال ، كوسطية هذه الأمة بين الأمم ، فكل خيروعدل ، وشرف ، وفضل حازت عليه هذه الأمة التي جعلها الله وسطا بين الأمم شاهدةعليهم بقوله سبحانه : ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا ..فكل ذلك حاصل لأهل السنة والجماعة ، فهم وسط في باب أسماءالله وصفاته بين المعطلة والمشبهة ، ووسط في باب الأسماء والأحكام بين الخوارجوالمعتزلة ، وبين المرجئة ،ووسط في باب القدر بين القدرية نفاة القدر وبين الجبرية، ووسط في باب الصحابة رضي الله عنهم بين الخوارج والمعتزلة من جهة ، وبين الشيعةالروافض ، وهم وسط في باب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين من أمته ، بينالغلاة في تعظيمه وتعظيم الصالحين ، وبين من فرطوا وقصروا في حقه وحق الصالحين منأتباعه المتمسكين بالكتاب والسنة.وقد أجمل شيخ الإسلام ابن تيمة –رحمه الله – هذهالأمور التي أهل السنة هم وسط فيها بين كل فرق الضلال في كتابه العقيدة الواسطية [ص107-113].فلتنظر .
لقد ذكرت في القسم الرابع من أقسام الناس اتجاه الأسماء والصفات وقلت : أن هذا القسم هم المفوضة الذين ينسبون هذا المعتقد إلى السلف الصالح والآن أعود إلى ذلك لأني رأيت أن صاحب المقال الذي أنا بصدد الرد عليه وتفنيد أباطله أنه منهم ، ولم يكتف بذلك حتى نسبه إلىالسلف الصالح، وهذا كذب وافتراء عليهم، فالعقيدة السلفية ليست هي التفويض المطلق،كما يظن الكثير وليست هي تلك الحيرة التي يسمونها الوقوف ، كما يظن البعض الآخر ،بل هي شيء آخر وراء ذلك، ولكنها سهلة وواضحة كل الوضوح إذا فهمت على حقيقتها ، إذليس فيها أدنى غموض وهي بريئة من التعقيد والتفلسف .
--------------------
1 - مجموعة الرسائل المنيرية [ج1/185].
2 - لسان الميزان [4/ 427].

الصفحة [2]
وهي أنيفهم التالي لكتاب الله تعالى معاني نصوص الصفات التي تصف الله سبحانه وتعالى بأنهسميع بصير- مثلا - ويثبتها على ظاهرها كما يليق بالله ، ويثبت له كلاما حقيقيايُسمع ، ووجها كريما يُرى يوم القيامة ؛ويدين مبسوطتين ، إلى آخر الصفات التي وصفالله بها نسفه وتعرف بها إلى خلقه يثبتها ولا يؤولها فيحرفها بالتأويل مفوضا إلىالله عز وجل حقيقتها وكيفيتها ، كيلا يتوهم أن حقيقة سمعه وبصره كحقيقة سمع المخلوقوبصره ؛لأن لوازم صفات المخلوق لا تلزم صفات الخالق ، كما أن لوازم ذوات المخلوق لمتلزم ذاته سبحانه ، إذ لا مناسبة بين الخالق والمخلوق فالله﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.فيفهم أن السلف لا يفوضون في المعنى ، وإنما يفوضون فيالكيفية . فالواحب إثبات هذه الصفات على الوجه الذي يليق بالله عز وجل دون تمثيل ،لأنه تعالى له يد حقيقية ، يقبض ويبسط ، يعطي ويمنع ، يطوي بها السموات كما يليق بهسبحانه على كيفية لانعلمها .وفي هذا البيان المختصر لعقيدة السلف يلزم كل من يريدأن يفهمها أن يفرق بين التفويضين اللذين سبق أن أشرنا إليهما .
أحدهما:تفويض المعنى والحقيقة والكيفية معا بحيث يكون حظ التاليلكلام الله مجرد سرد النصوص دون فهم لمعانيها بالنسبة لنصوص الصفات ، وكأن اللهتعالى تعرف إلى عباده بألغاز لا يفهمونها ، وخاطبهم بغير ما يعلمون من خطاباتهم،وهذا هو التفويض المطلق ، ونسبة هذا التفويض إلى السلف خطأ بين ،وجهل بمنهج السلف، وتجهيل لهم ، ومنشأ هذا الخطأ أن هذه العقيدة ليست محل عناية ودراسة عند هؤلاء ،وإنما يتحدثون عنها حديثا عابرا وعاديا ، ولايشغلون أنفسهم بها .
وأما النوعالثاني من التفويض :فهو تفويضالحقيقة والكيفية مع فهم معاني النصوص وتدبرها وتعقلها، وهذا ما يدين الله به السلفقديما وحديثا ، فليفهم جيدا ، حتى نفرق بين التفويضين ويظهر جليا أن عقيدة صحابنا [ شمس الضلالة ] هي عقيدة التفويض بالمعنى المطلق ، الذي قال فيه شيخ الإسلام ابنتيمية : أن قول أهل التفويض هو أشر أقوال أهل البدع والإلحاد[1] .
-----------
1 - درءتعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية [ج1/205].

الصفحة [3]
ولقد سئل صاحبنا هذاالسؤال:هل ورد في اللغةالعربية استوى بمعنى استولى؛ فقد قرأت إحدى المطويات يقول صاحبها إن استوى لم تردفي لغة العرب بمعنى استولى ، بينما وجدت بعض علماء التفسير يفسرون استوى بمعنىاستولى فما هو رأيكم ؟.
فأجاب بقوله :يكفينا في هذا ما قاله إمام أهلالتفسير الإمام الطبري في تفسيره لسورة البقرة عند قوله تعالى:﴿ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماواتالاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه فذكر وجوها ثم قال : ومنها الإحتياز والاستيلاء كقولهم استوى فلان على المملكة بمعنى احتوى عليها وحازها .انتهى كلام ابن جرير .
وقال العلامة اللغوي الشيخ أحمد ابن حجر العسقلاني المجد الفيروزبادي [1]في [ القاموس المحيط ] في مادة }سوا {واستوى اعتدل ، والرجل بلغ أشده أو أربعين سنة ، وإلى السماءصعد أو عمد أو قصد أو أقبل عليها أو استولى .انتهى .
وكذا قال الإمام المحدث اللغوي الزبيدي في تاج العروس شرح القاموس:[10 / 189]وقال الإمام الفخر الرازي في تفسيره[14/ 122] والوجه الثاني : في الجواب أن يقال : استوى بمعنى استولى ... وقال الإمام المفسر اللغوي الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات صفحة [251] واستوى أمر فلان ، ومتى عدي بعلى اقتضىمعنى الاستيلاء كقوله تعالى: ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصيرفما يزعمه بعض - الحشويةمن أن استوى لم تأت في لغة العرب بمعنىاستولى باطل ، أقول هذا معناها في لغة العرب ، ولا ننكر على من فسرها بذلك إذا كانمن أهله ،أما في خاصة نفسي فأنا أجري فيها مجرى السلف رضي الله عنهم من الإيمان بها وإمرارها كما جاءت وترك تحديد معناها لله تعالى . وأقول : آمنت بما جاء عن الله تعالى على مراد الله تعالى . انتهى جوابه .
أقول هذه هي عقيدة هذا الضال التي جاءت ممزوجة بالتأويل الفاسد مرة وبالتفويض المطلق أخرى، مما يبين أنه بعقيدة السلف من الجهال ، أو مفتر عليهم قوّال ، وإليك البيان بالتفصيل والبرهان ليحق الحق ويزهق الباطل ويظهر في كلامه البهتان .
1– أولا:ورود اللغة بمعنى من المعاني المحتملة المرجوحة لا يعني عند أهل العلم بالحق أنها هي الصواب إلا إذا كانت قرينة راجحة تدل على ذلك، فحينئذ يجوز حمل ذلك المعنى على المعنى المرجوح ، أما إن لم يكن الأمر كذلك فلا يجوز حمله على المعنى المرجوح،ويكون ذلك من قبيل التأويل الفاسد .
-----------
1- هكذاوردت هذه الجملة في جوابه .

الصفحة [4]
والحق الذي يجب اعتقاده ، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بأسماء الله وصفاته أنه لا يجوز تأويل صفة من صفات الله بالعقل أو اللغة المحتملة ،لأن الأمر في إثباتها توقيفي ولا مدخل للعقل فيها كما أنه لا يجوز حمل الصفة على معنى من معاني اللغة التي لا تليق بجلال الله وكماله ، ومنه هذا اللفظ استولى فإنه لا يليق به سبحانه ،لأنه يدل على أن الذي استولى وحاز كان مغلوبا وغير مالك ؛ فغلب وحاز ملكه ، والله منزه عن ذلك عند جميع العقلاء وأصحاب الفطر السليمة ،وإنما حمل السلف لفظ { استوى} الذي ورد في القرآن الكريم على المعنى اللائق بجلال الله وكماله ، ولا يجوز أن يحمل على غيره حتى لووردت به اللغة .
قال ابن عبد البر رحمه الله في معرض رده على المعتزلة في ادعائهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل : { استوى { استولى – قال: فلا معنى له ؛ لأنه غير ظاهر في اللغة ، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة ، والله لا يغالبه ولايعلوه أحد ، وهو الواحد الصمد ، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز ، إذ لاسبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك ، وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم ، ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مبتدع ماثبت شيء من العبارات ، وجل الله عز وجل على أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها ، مما يصح معناه عند السامعين .[1]
قلت :يقال لهؤلاء المتأولين : هل تتصورون أن تضيق طرق الكلام على الله ورسوله حتى تضيفوا إليهما هذا التأويل الفاسد الذي يصفه من يصفه بأنه ملجأ العاجزين كما يقوله الشريف الرضى من المعتزلة حيث قال : إن للمتكلم أن يعدل عن الحقائق إلى المجازات إذا ضاق عليه بعض طرق الكلام ، فيقال لهؤلاء المتأولين ، هل تتصورون أن تضيق طرق الكلام على الله ورسوله حتى تضيفوا إليهما هذا التأويل الذي وصفتموه بأنه ملجأ العاجزين؟؟
2- ثانيا:الرجل تصرف في كلام ابن جرير الطبري فنقل عنه أن الإستواء في كلام العرب منصرف على وجوه ، ثم لم يذكر تلك الوجوه التي ذكرها ابن جرير وإنما ذكر ما يوافق هواه؛ وليس اختصارا كما يظنه البعض لأن ابن جرير رحمه الله ذكر تلك الأقوال ورجح ما كان عليه السلف الصالح من المعنى اللائق بالله تعالى في مسألة الاستواء ، ورد على من حمله على غير ذلك ، وفند شبه الذين فروا من التشبيه فوقعوا في التعطيل ، وهذا كلامه رحمه الله أنقله بحرفه حتى يتبين لك تلاعب هذا الدعي الأفاك .

الصفحة [5]
قال ابن جرير الطبري رحمه الله :[ 1 ] الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه .
منها :انتهاء شباب الرجل وقوته ، فيقال إذا صار كذلك قد استوى الرجل .
ومنها: استقامة ماكان فيه أود من الأمور والأسباب ، يقال منه استوى لفلان أمره ، إذا استقام له بعد أود .
ومنها:الإقبال على الشيءبالفعل ، كما يقال استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه .
ومنها:ومنها الاحتياز والاستيلاء، كقولهم استوى فلان على المملكة بمعنى احتوى عليها وحازها .
ومنها:العلو والارتفاع كقول القائل استوى فلان على سريره يعني علوّه عليه .
قال ابن جريرامرجحا المعنى اللائق بالله : وأولى المعاني بقول الله عز ثناؤه:﴿ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماواتعلا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سماوات،ثم قال : والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله:﴿ثم استوى إلى السماءالذي هو معنى العلو والارتفاع هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه إذا تأوله بمعناه المفهوم كذلك أنيكون علا وارتفع بعد أن كان تحتها إلى أن تأوله بالمحمول من تأويله المستنكر ، ثم لم ينج مما هرب منه فيقال له : زعمت أن تأويل قوله تعالى {استوى} :أقبل أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها ؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير ، قيل له فكذلك فقل ، علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال ... إلى أن قال : ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا لقول أهل الحق فيه مخالفا ، وفيما بينا منه ما يشرف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إن شاء الله .
قلت :أنظر إلى ابن جرير كيف رجح معنى الاستواء قائلا : وأولى الأقوال هو العلو والارتفاع وهذا ماكان عليه السلف الصالح، فقد أثبت المعنى وفسره باللائق بجلال الله وكماله .ولميتعرض إلى الكيفية .
-----------
1 – التمهيد لابن عبد البر
2 – تفسير ابن جريرالطبري [ ج1/ ص191 – 192].

الصفحة [6]
فقارن أخي القاريء بين كلام ابن جرير وكلامه التالي:{ أما في خاصة نفسي فأنا أجري فيها مجرىالسلف رضي الله عنهم من الإيمان بها وإمرارها كما جاءت وترك تحديد معناها لله تعالى .{ فابن جرير علم المعنى وفسره باللائق بالله ، وهو فسر الاستواء أولا بالاستيلاء ، ثم لم ينكره على من فسره بذلك مخالفا للسلف ثم ناقض نفسه بترك المعنى المراد لله تعالى بالتفويض المطلق ، ثم بين أن ذلك عقيدته وهي التفويض المطلق ،ونسب ذلك للسلف ليوهم القارئ أن مذهب السلف الصالح تفويض المعنى والكيفية معا، وهذا افتراء عليهم وكذب كما سأبينه.
3- ثالثا:والرجل متلاعب، فقد حذف رد ابن جرير الطبري على من أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل الاستواء بأنه العلو والارتفاع ، ولم يرتض كلامه مع أنه أثني عليه وشاد به أنه إمام أهل التفسير- ونحن نوافقه على ذلك- وأن ابن جرير كذلك؛ وهو من علماء السلف الصالح الذين ينبغي أن يؤخذ قولهم الذي نقلوه عن العلماء قبلهم بالأسانيد الثابتة . فلماذا هذا التلاعب أيها المشاغب ؟
4- رابعا:استشهد بما ذهب إليه ببعض أقوال المفسرين واللغويين من الأشاعرة وأهل الاعتزال ممن يخالفون منهج السلف الصالح كالرازي والراغب الأصفهاني والفيروزبادي ولم يأتي بنص واحد عن علماء السلف الصالح ممن ورد عنهم تفسير الاستواء بمعناه الصحيح [ علا وارتفع ]كأبي العالية ، ومجاهد ،والإمام مالك؛ وشيخه ربيعة بن عبد الرحمن وغيرهم من أئمة المسلميين؛ مع أنه اطلع على ما في فتح الباري لابن حجر من النقول عنهم ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه لا يرتضي منهج السلف؛ وإنما يرتضي منهج الخلف ويسميهم السلف ، أي السلف له . ونسبته تفسير الاستواء بالاستيلاء إلى ابن حجر العسقلاني غير صحيح لذلك لم يذكر الجزء والصفحة التي استقى منها قول الحافظ ابن حجر كما فعل في نقله عن ابن جرير والفخر الرازي والاصبهاني وغيرهم ،وهذ فتح الباري فليأتنا به إن كان يستطيع ، وإنمانقل الحافظ ابن حجر قول من فسره بذلك غير مرجح له [1].
------------------
1 -[الفتح ج 13/ ص416 ]الطبعة الرابعة سنة 1408هـ طبعالمكتبة السلفية القاهرة.

الصفحة [7]
5 – خامسا: تفسير الاستواء بالاستيلاء هو قول المعتزلة ومن وافقهم من الأشاعرة ، قال ابن بطال كما في الفتح[1]: اختلف الناس في الاستواء المذكور هنا﴿ثم استوى إلى السماء﴾﴿والرحمن على العرش استوىفقالت المعتزلة معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة واحتجوا بقول الشاعر : قد استوى بشر على العراق منغير سيف ودم مهراق.
وهذا الذي يقولون أنه في اللغة وأنها وردت به رده بعض أهل العلم وقالوا أنه لا يوجد في لغة العرب فقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب[ الفاروق] من طريق محمد بن أحمد بن النصر الأزدي قال : سمعت ابن الأعرابي –وهو إمام في اللغة يقول: أرادني أحمد ابن أبي داود أن أجد له في لغة العرب﴿الرحمن على العرش استوىبمعنى استولى فقلت:والله ما أصبت هذا.أي لم أجده ولن تجده . وذكر الخطيب في تاريخ بغداد ]:ج5/284] حادثة أخرى له أنظرها هناك .وأبطل تأويل هذا البيت بمعنى استولى ، أبومنصور عبد القاهر البغدادي في كتابه أصول الدين [ص112].
ويظهر فساد هذا القول من تخريج هذا البيت فقد ذكره الجويني في لمع الأدلة [ص95] والنسفي في تبصرة الأدلة [ج1/ 184] والرازي في أساس التقديس ]ص202]والعز بن عبد السلام في الإشارة إلى الإيجاز [ص110]والقاضي عبد الجبارالمعتزلي في شرح الأصول الخمسة [ص226]وزاد فيه : فالحمد للمهيمن الخلاق ، وفيالمختصر في أصول الدين [1/ 216] له ضمن رسائل العدل والتوحيد ، والأيجي في المواقف ]ص297] ولكن فيه : قد استوى عمرو .ولم يتعقبه الجرجاني في شرحه له [ج3/150]وابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة [ج1/359]ولكن بلفظ : بشر قد استولى على العراق .. وكلهم ذكروه مجهول النسبة .
ولكن ذكرالزبيدي في شرحه للإحياء [ج2/173] أنه منسوب إلى الأخطل النصراني ،وأرجع هذا القول إلى الجوهري ، وفي الصحاح للجوهري لم ينسبه لأحد .
وأنظر لسان العرب لابن منظور [ج6/ 447] وجعله محقق ديوانه ضمن ما نسب إليه وليس من أصل ديوانه [ص557].
-----------
1- [فتح الباري ج13/417]
progress.gif
http://www.ahlelhadith.com/vb/editpost.php?do=editpost&p=5851
 
سبحان الله دعونا من تتبع عورات الناس وزلاتهم فهو ليس معصوم ثم أين نحن من
علمه ونفعه لهاته الأمة الإسلامية والجزائرية بالأخص
فهو إجتهد وقد يصيب وقد يخطئ
الله يهدينا ويهدي الناس أجمعين​
 
سبحان الله دعونا من تتبع عورات الناس وزلاتهم فهو ليس معصوم ثم أين نحن من
علمه ونفعه لهاته الأمة الإسلامية والجزائرية بالأخص
فهو إجتهد وقد يصيب وقد يخطئ
الله يهدينا ويهدي الناس أجمعين

أخي الكريم -وفقك الله- إعلم -رحمك الله- أن الرد على المخالف ونقده بعلم وحجة هو من أصول الدين
[font=&quot]وأصل هذا الباب النّصوص الواردة في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر كقوله تعالى: [font=&quot]﴿ ولْتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [/font][font=&quot]﴾[/font][font=&quot] قال ابن تيمية: " والأمر بالسنّة والنّهي عن البدعة هو أمرٌ بمعروف ونهيٌ عن منكر، وهو من أفضل الأعمال الصالحة ... [/font][font=&quot] [/font][/font]
[font=&quot]ولا ينبغي للجماعات الإسلامية اليوم أن تضيق صدورها بالنّقد؛ لأنّه من القيام بالقسط والشّهادة لله الّلذين أمرنا بهما ولو مع أنفسنا وأهل ملّتنا كما قال تعالى: [font=&quot]﴿[/font][font=&quot] يَأَيُّهَا الَّذِين آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِين إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً[/font][font=&quot] ﴾[/font][font=&quot] واللَّيّ هو الكذب، والإعراض هو الكتمان كما قال ابن تيمية[/font][font=&quot] فكيف يطيب لمؤمن دعوةٌ مع كتمان الأخطاء تستّراً بالمجاملات السياسية بعد هذا؟![/font][/font]
[font=&quot] [/font]

[font=&quot] [/font]
[font=&quot]وفي الردّ على المخالف دفاع عن الإسلام من جبهتين[font=&quot]:[/font][/font]
[font=&quot]" الأولى: الخطر الخارجيّ وهو الكافر المتمحِّض، الذي لم يعرِف نور الإسلام، بما يكيده للإسلام والمسلمين من غزو يحطِم في مُقَوِّماتهم العقديّة والسّلوكيّة والسياسية والحكميّة ...[/font]
[font=&quot]الثانية[font=&quot]:[/font][font=&quot] مواجهة التّصدُّع الدّاخليّ في الأمة بفشُوِّ فِرق ونحل طاف طائفها في أفئدة شباب الأمّة ... إذ التّصدُّع الدّاخليّ تحت لباس الدين يمثِّل انكسارا في رأس المال : المسلمين، وقد كان للسّالكين في ضوء الكتاب والسنّة ـ الطّائفة المنصورة ـ الحظّ الوافر والمقام العظيم في جبر كسر المسلمين بردّهم إلى الكتاب والسنّة، وذلك بتحطيم ما قامت عليه تلك الفرق المفرّقة من مآخذ باطلة في ميزان الشرع "[/font]

هذا أولا...
ثانيا:
ثم إن شمس الدين ليس له حق الإجتهاد حتى يقال أن اجتهد فهو ليس في مرتبة طويلب علم فضلا على أن يكون من أهل الإجتهاد بارك الله فيك وأخطاءه ليس ناتجة عن إجتهاد بل عن هوى وكذب وطعن في النيالت وتحريف كلام مخالفيه والطعن فيهم.
وياريت توجه كلامك له لأنه طعن في علماء كبار في الإسلام عبر التاريخ دون علم ولا حجة بل بالكذب عليهم وتحريف كلامهم والله المستعان.
[/font]
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top