متى يعلنون وفاة السلطة؟
لا أدري ما الذي أضافته سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود في رام الله إلى الشعب الفلسطيني الأسير، بعد اتفاقيات أوسلو 1993م؟ هل حررت الشعب الفلسطيني في حياته اليومية والإنسانية؟ هل أعطته فرصة للأمل ليبني مستقبلاً تحت الاحتلال النازي اليهودي بحيث يكون آمنًا على نفسه وبيته وماله؟ هل قربت المسافة بينه وبين المشاركة مع بقية شعوب العالم في الحضارة الإنسانية؟
هل ضمنت له السلطة أن يتنقل بين مدنه وقراه حرًّا مطمئنًا لا تقوم في وجهه حواجز أو كمائن؟ هل أوقفت عمليات سلخ الأرض الفلسطينية وتهويدها في القدس وأرجاء الضفة؟ هل جعلته يستشعر مذاق الحياة الطبيعية التي لا تهددها الغارات العسكرية والملاحقة والحصار الذي يكاد يكون قرينًا للموت؟
هل اطمأن الفلسطينيون على حياة زعمائهم وقادتهم؟ هل توقفت الآلة العسكرية النازية اليهودية عن قصف المساجد والبيوت والمدارس ومنظمة الأونروا (غوث وتشغيل اللاجئين) التي تتكفل بمساعدة الفلسطينيين المعدمين؟
لم يحدث شيء من ذلك، بل ازداد القهر والرعب والموت، وتم تقطيع أوصال الضفة الغربية، واغتيال زعماء المقاومة والسياسة بدءًا من أحمد ياسين حتى ياسر عرفات مرورًا بصلاح شحاتة والرنتيسي وآخرين من أبطال الجهاد ضد القتلة النازيين اليهود، ناهيك عن التهويد الذي لم يتوقف ليل نهار، والحصار الذي يشل الحياة في غزة، ويهدد أهلها بالموت، والمفارقة أن السلطة الفلسطينية المحدودة تشارك الاحتلال النازي اليهودي في مخططات الاغتيال والتدمير والحصار والملاحقة والاعتقال والتهويد، بل تقوم بدورها الخسيس بإقناع اليهود الغزاة لقتل أهل غزة لأنهم اختاروا حماس؟
السلطة الفلسطينية رفعت عبئًا عن الغزاة اليهود القتلة بتولي الشئون المحلية والمعيشية للفلسطينيين، دون أن يتحمل اليهود الغزاة المسئولية المالية أو المادية، وعندما تخلو خزينة السلطة من المال، لا تلتزم سلطة الاحتلال النازي اليهودي بشيء، بل إنها تمنع المستحقات التي يستحقها الفلسطينيون من ضرائب وجمارك وغيرها، وتحول بينهم وبينها، وتترك السلطة الفلسطينية في حيص بيص، فتقوم هذه بمطالبة الدول العربية الذليلة المهزومة بتمويل الخزانة وسد العجز!.
السلطة الفلسطينية طوق إنقاذ لليهود الغزاة القتلة، وليس الشعب الفلسطيني، كان الوضع تحت الاحتلال المباشر أفضل نسبيًّا؛ لأن العالم كان يعرف أن القتلة اليهود يحتلون فلسطين ويلزمهم- بحكم القانون الدولي- توفير لوازم المعيشة والحياة الطبيعية للشعب الفلسطيني، ولكن العصابة التي توَّلت السلطة الفلسطينية، وخاصةً بعد اغتيال ياسر عرفات نسيت الاحتلال والمستقبل والتاريخ والجغرافيا، وراحت تبحث عن الملايين والصفقات المربحة ولو كانت حرامًا، فضلاً عن الاهتمام بالدعاية والمناصب الورقية التي لا قيمةَ لها: الرئاسة، رئيس الوزراء، الوزراء، السفراء، البعثات الدبلوماسية.. لوطنٍ لا يتحرك رئيسه خطواتٍ إلا بأمر رقيبٍ صهيوني!.
لذا لم يكن غريبًا أن تقوم السلطة الفلسطينية المحدودة بسحب تقرير مبعوث لجنة حقوق الإنسان، وتأجيل مناقشته في جنيف لإنقاذ الكيان الصهيوني من الإدانة، ومن محاكمة قادته القتلة الذين أحرقوا غزة ودمروها في أواخر 2008- وأوائل 2009م.
ذكرت صحيفة (معاريف) الصهيونية أن تل أبيب هددت الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حالة رفض تأجيل بحث التقرير بأنها ستكشف عن شريط مصور يظهر فيه أبو مازن وهو يحاول إقناع وزير الأمن الصهيوني إيهود باراك بمواصلة الحرب على غزة.
كما أشارت الصحيفة إلى شريط صوتي آخر يتضمن مكالمة هاتفية بين الأمين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم ورئيس مكتب رئيس هيئة أركان الجيش الصهيوني دون فايسجلاس خلال الحرب على غزة يقول فيه عبد الرحيم إن الوقت مناسب للدخول إلى مخيمات اللاجئين في جباليا والشاطئ بما يؤدي إلى إنهاء حركة حماس في قطاع غزة ويجعلها ترفع العلم الأبيض استسلامًا، فردَّ المسئول الصهيوني بأن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى سقوط الكثير من الضحايا من المدنيين، وعندها ردَّ عبد الرحيم قائلاً: "كلهم انتخبوا حماس.. هم اختاروا مصيرهم وليس نحن!".. (الأهرام 7/10/2009م).
هذه نوعية السلطة الفلسطينية المحدودة التي تتولى الشئون المحلية الفلسطينية، وقد تخلت عن أبسط أنواع الانتماء إلى شعبها فتقنع العدو المجرم بمواصلة الحرب على غزة وتدمير معسكرات اللاجئين في جباليا والشاطئ؛ لأن الشعب الفلسطيني اختار حماس؟ يا له من إجرامٍ خياني غير مسبوق..!.
وأظن أن هذه السلطة ليست على استعدادٍ للتوافق مع الفصائل المجاهدة في فلسطين، لسببٍ بسيط، وهو أنها جعلت من نفسها بوعي أو دون وعي ذراعًا مهمةً من أذرع العدو النازي اليهودي تتحرك برأسه، وتضرب بأمره، وتتصرف وفق مشيئته.. ثم إنها صارت رهينة لدى الجنرال الأمريكي دايتون الذي جاء لحماية الكيان الصهيوني، والتخطيط لنموه وتمدده، ولا أظن أنها ستوقع ما يُسمَّى اتفاق الفصائل الفلسطينية الذي تعتزم القاهرة تحقيقه في الثاني والعشرين من أكتوبر 2009م، فهي لا تريد اتفاقًا يلزمها بالقضايا الفلسطينية، أو الدم الفلسطيني، أو يجعلها توافق على إبقاء سلاح المقاومة في أيدي المجاهدين، أو تلتزم بعدم التفريط في حقِّ العودة وعدم التنازل عن القدس.
إن بقاء الوضع على ما هو عليه يوفر لمليونيراتها مناخًا جيدًا لاستثمار المزيد من الملايين الحرام على حساب دماء الشعب الفلسطيني، ولا أريد التعرض لما يُقال عن طبيعة بعض الأفراد المهمين في السلطة ومواقفهم المريبة، ولكن يكفي أن العالم رأى بأم عينيه ما جرى عند عرض تقرير جولدستون الذي كان فرصة ذهبية لمحاكمة القتلة اليهود!.
إن الواجب يفرض على الأحرار في العالم العربي والإسلامي والحكومات التي لديها بعض الحس الإسلامي والقومي أن تطالب بتشييع جنازة السلطة الوطنية الفلسطينية المحدودة في رام الله، وترك الشعب الفلسطيني يواجه مصيره بنفسه، بعد أن مضت سنوات طويلة على اتفاق أوسلو لم تنجب إلا المزيد من الخراب والدمار والضياع ومفاوضات عبثية لا قيمةَ لها تثبت وجود العدو، وتحرم الفلسطينيين من الأمل.
إن إعلان وفاة السلطة الفلسطينية المحدودة في رام الله صار أمرًا حيويًّا من أجل القدس والمسجد الأقصى الذي يتم اقتحامه وتقويضه علنًا، وعلى رءوس الأشهاد بمعرفة قطعان اليهود الغزاة القتلة؛ حيث إن السلطة مشغولة بنفسها، وببياناتها الإنشائية الكاذبة الفارغة، والسفريات التي تبدو أقرب إلى البيزنس منها إلى الجهاد من أجل فلسطين!.