ترددت في الكتابة عن موضوع العطلة الأسبوعية. قالت لي نفسي: مالك وله ولم يستشرك أحد حوله، لا كمواطن ولا كمثقف، اتركه واعمل بقول من قال: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وأضافت أن هناك من هم أولى منك بالاستشارة والاحتجاج ولم يتكلموا، بل إن مهنتهم هي الكلام والنقاش، وهم يأخذون مواقعهم القيادية ومرتباتهم الشهرية من أجل الكلام والنقاش، ومع ذلك لم يفعلوا. أما أنت فليس لك موقع قيادي ثم إنك تأخذ مرتبك من صندوق التقاعد، وهو دليل على أنك عاجز عن الكلام والقيادة وعلى أنك من أصحاب القبور لا من أصحاب الصدور.
مرة أخرى قالت لي نفسي الأمارة بالسوء: كيف يعهدون إلى وزير، ليقدم تقريرا ثم يبنون على رأيه قرارهم بتغيير العطلة؟ ثم ما محتوى التقرير وما مبرراته؟ لا ندري، فنحن لم نسمعه يتكلم ولم نطلع على حججه ومنطقه. وإذا كان قد تحجج وبرر، فهو على كل حال لا يمثل إلا شريحة من المواطنين الذين لهم الحق في إبداء الرأي، ولكن أين رأي الشرائح الأخرى؟ من عبر عن وجهة نظرها؟ هل تكلم أحدهم باسم هذه الشرائح؟ ألسنا في عهد الشفافية وحرية التعبير وسماع الرأي الآخر؟ فقلت لنفسي: صه، صه أيتها الجاهلة، ألم تعرفي بأننا في حالة طوارئ يجوز فيها ما لا يجوز؟
إن ما يوحي بأن قرار تغيير العطلة قد جاء بغتة هو أن الجزائر عوّدتنا أنها لا تعلن رأيها في القضايا الشائكة إلا في الصيف، وفي شهر أوت بالذات.. حتى أصبح عند البعض يسمى شهر المفاجآت والقرارات الجدلية التي يراد تمريرها في غياب من قد يرفع صوتا غير متناغم مع ما يراد من الالتفاف عليه أو الاستخفاف به. وقد تميز شهر أوت هذا العام بميزة أخرى وهي أنه شهر صيام رمضان المعظم. ومن سيشغل نفسه في شهر الحرارة والعطلة الشعبية والصوم بمناقشة هموم العطلة: بالخميس والجمعة أم بالجمعة والسبت؟
الذي يحتاج إلى عطلة أسبوعية موحدة هو مجتمع البلد الواحد. وفي هذه الحالة تصبح العطلة الأسبوعية هي أحد مظاهر التضامن والتقاليد التي تربط مكونات هذا المجتمع ببعضها، وبمصالحها الأسبوعية
لقد لاحظنا أن إحدى الجرائد المنافقة سارعت إلى القول بأن تغيير العطلة قد حافظ على قداسة الجمعة، ولكنها ربما لغباوتها أو استخفافها بالآخرين، لم تقل إن هذه العطلة قد راعت قداسة السبت أيضا. فرضى اليهود أصبح هدف كل نظام في العالم، فهم اليوم أكثر تأثيرا من النصارى. أليسوا هم، وليس النصارى، الذين يديرون سياسة العالم واقتصاده ومؤسساته البنكية. وقد أوعزوا لجميع الأنظمة أن يوم السبت يوم مقدس فلا يجوز مثلا لدول الشرق الأقصى كاليابان والصين ولا دول الشمال الأقصى كأمريكا وكندا أن تتجاوزه، لأن قداسة السبت خط أحمر عند اليهود. والجزائر، مثل أخواتها العربيات والمسلمات، لم تدخل مع اليهود جحر الضب خطوة خطوة إلا استرضاء لهم وطلب تسهيلات منهم. غير أننا نحن الجزائريين لم نقلد اليهود في صرامتهم وتشددهم عندما يتعلق الأمر بيهودية دولتهم، وبتقديس لغتهم، وبالافتخار بهويتهم. ومع ذلك فقد أصبحوا في الواقع المعلمين ونحن التلاميذ:
- كتبنا أسماءنا في دفتر العولمة رغم أننا لا نملك منها إلا القشور، ولا نعرف عنها إلا الهباء المنثور.
- وحجزنا مكاننا في الاتحاد المتوسطي رغم أننا نعرف أنه لن ينالنا منه إلا حظ الكرام على مأدبة اللئام.
- واستجبنا للتفاوض مع منظمة التجارة العالمية رغم أننا نعرف أننا لسنا ''قدَّها'' وليس الدخول فيها من صالحنا.
- وأصلحنا (وربما أفسدنا) نظامنا التربوي نزولا عند رغبة ''الناس اللي فوق''، أي أولئك الذين ينظرون إلى اعتزازنا بهويتنا على أنه تطرف ومروق من النظام العالمي.
- وأعلنا عن إنشاء المدارس العليا لإخراج النخب بأموال الشعب رغم أننا نعرف مسبقا أننا بعد خمسة أعوام مثلا سنجد نخبنا في الواقع موظفة في الاتحاد الأوروبي وليس للجزائر.
- ونسينا أو تناسينا مسألة حيوية اسمها تعريب المحيط فتركنا الحبل على الغارب يفعل به فاقدو الحس الوطني والجهلة وأنصار عودة النظام البائد ما يشاءون.
- وتنازلنا عن واحدية هويتنا، فبدلا من واحدة أصبحت ثلاثية الأثافي (الركائز) حتى لا نغضب منظمات حقوق الإنسان والمواطن...
- وجعلنا من الإسلام ألعوبة في يد الجهلة يفتون فيه بما يوافق أهواء أنصار حرية الأديان والمعتقدات.
- وتركنا للتنصير في بلادنا حرية الكلمة والفعل فتغلغل في شغاف أرضنا وزين شيطانه لشبابنا أهواءهم في المقارنة الفارقة بين انفتاح الآخرين وانغلاقنا.
ثم ها نحن نزيد الطين بلة ونتقدم خطوة أخرى في جحر الضب، فنعلن أن عطلتنا الأسبوعية التي دامت ثلاثة عقود كانت خاطئة وأن علينا أن نحولها مما يناسبنا إلى ما يناسب الآخرين أيضا باسم العولمة والعالمية والقبول عند الآخر. ولا نحسب أن الآخرين سيرضون عنا مع ذلك لأن هدفهم أبعد مما نظن.
إن كبار بلادنا يطبقون علينا قاعدة الوصاية حرفيا، فنحن في نظرهم غير راشدين، لذلك يتصرفون معنا تصرف الأب والأخ الأكبر، وهم المتكلمون باسم البرلمان في التشريع والنقاش وهم الموجهون لوسائل الإعلام، وهم القانون الذي يردع، والمستبد الذي يقمع، وإذا لم نرتدع بذلك فهناك قانون الطوارئ الباسط ذراعيه بالوصيد.
لا شك أن قرار تغيير العطلة قد استند إلى مبررات. ولعل منها بعض الأرقام المتعلقة بالخسارة والربح. ولكن هل فكر كبارنا أن اليابان والصين وغيرهما في أقصى آسيا لا تلتقي هي وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية في وقت عمل موحد، ومع ذلك فإن التعامل بينها يسير دون تحويل النهار إلى ليل أو الليل إلى نهار لينسجم مع النظام اليهودي العالمي الموحد في عطلة نهاية الأسبوع؟
ثم إن التقدم التكنولوجي أصبح لا يتطلب بالضرورة توحيد أيام العطلة. ذلك أن الاجتماعات واللقاءات التي تصدر عنها القرارات الإستراتيجية أصبحت تعقد على الهواء. وهكذا يمكن لشركة عملاقة أن تعقد اجتماعا بين مديرها ومندوبيها المنتشرين في شتى أنحاء العالم، بوسائل تكنولوجية متطورة في وقت واحد دون لقاء مباشر بينهم.
أتصور أن الذي يحتاج إلى عطلة أسبوعية موحدة هو مجتمع البلد الواحد. وفي هذه الحالة تصبح العطلة الأسبوعية هي أحد مظاهر التضامن والتقاليد التي تربط مكونات هذا المجتمع ببعضها، وبمصالحها الأسبوعية: كالزيارات وحفلات الزواج وعقد الندوات العلمية والأدبية والمناسبات الدينية والاجتماعية... وهكذا تصبح العطلة الأسبوعية مرتبطة بالتراث الثقافي أكثر منها بالنشاط الاقتصادي، ولكن أهلنا لا يعلمون أو يعلمون ولكنهم لا يبالون. فكما لا تعنيهم الهوية لا تعنيهم رمزية أيام عطلة الأسبوع، فكلها عندهم (إذا أخذناها عن حسن نية) من عدة الأيام والشهور والسنين عند الله!
حقا، إنه لم يستشرني أحد حول تغيير العطلة الأسبوعية أو غيرها، وإنما استشارني ضميري وتجربتي ومعرفتي وتراثي، وانتهيت إلى أن كلمة حق، وإن كانت غير مسموعة ولا مشفوعة، خير من صمت شيطان أخرس ومن سكوت وراءه لجام من نار.
مرة أخرى قالت لي نفسي الأمارة بالسوء: كيف يعهدون إلى وزير، ليقدم تقريرا ثم يبنون على رأيه قرارهم بتغيير العطلة؟ ثم ما محتوى التقرير وما مبرراته؟ لا ندري، فنحن لم نسمعه يتكلم ولم نطلع على حججه ومنطقه. وإذا كان قد تحجج وبرر، فهو على كل حال لا يمثل إلا شريحة من المواطنين الذين لهم الحق في إبداء الرأي، ولكن أين رأي الشرائح الأخرى؟ من عبر عن وجهة نظرها؟ هل تكلم أحدهم باسم هذه الشرائح؟ ألسنا في عهد الشفافية وحرية التعبير وسماع الرأي الآخر؟ فقلت لنفسي: صه، صه أيتها الجاهلة، ألم تعرفي بأننا في حالة طوارئ يجوز فيها ما لا يجوز؟
إن ما يوحي بأن قرار تغيير العطلة قد جاء بغتة هو أن الجزائر عوّدتنا أنها لا تعلن رأيها في القضايا الشائكة إلا في الصيف، وفي شهر أوت بالذات.. حتى أصبح عند البعض يسمى شهر المفاجآت والقرارات الجدلية التي يراد تمريرها في غياب من قد يرفع صوتا غير متناغم مع ما يراد من الالتفاف عليه أو الاستخفاف به. وقد تميز شهر أوت هذا العام بميزة أخرى وهي أنه شهر صيام رمضان المعظم. ومن سيشغل نفسه في شهر الحرارة والعطلة الشعبية والصوم بمناقشة هموم العطلة: بالخميس والجمعة أم بالجمعة والسبت؟
الذي يحتاج إلى عطلة أسبوعية موحدة هو مجتمع البلد الواحد. وفي هذه الحالة تصبح العطلة الأسبوعية هي أحد مظاهر التضامن والتقاليد التي تربط مكونات هذا المجتمع ببعضها، وبمصالحها الأسبوعية
لقد لاحظنا أن إحدى الجرائد المنافقة سارعت إلى القول بأن تغيير العطلة قد حافظ على قداسة الجمعة، ولكنها ربما لغباوتها أو استخفافها بالآخرين، لم تقل إن هذه العطلة قد راعت قداسة السبت أيضا. فرضى اليهود أصبح هدف كل نظام في العالم، فهم اليوم أكثر تأثيرا من النصارى. أليسوا هم، وليس النصارى، الذين يديرون سياسة العالم واقتصاده ومؤسساته البنكية. وقد أوعزوا لجميع الأنظمة أن يوم السبت يوم مقدس فلا يجوز مثلا لدول الشرق الأقصى كاليابان والصين ولا دول الشمال الأقصى كأمريكا وكندا أن تتجاوزه، لأن قداسة السبت خط أحمر عند اليهود. والجزائر، مثل أخواتها العربيات والمسلمات، لم تدخل مع اليهود جحر الضب خطوة خطوة إلا استرضاء لهم وطلب تسهيلات منهم. غير أننا نحن الجزائريين لم نقلد اليهود في صرامتهم وتشددهم عندما يتعلق الأمر بيهودية دولتهم، وبتقديس لغتهم، وبالافتخار بهويتهم. ومع ذلك فقد أصبحوا في الواقع المعلمين ونحن التلاميذ:
- كتبنا أسماءنا في دفتر العولمة رغم أننا لا نملك منها إلا القشور، ولا نعرف عنها إلا الهباء المنثور.
- وحجزنا مكاننا في الاتحاد المتوسطي رغم أننا نعرف أنه لن ينالنا منه إلا حظ الكرام على مأدبة اللئام.
- واستجبنا للتفاوض مع منظمة التجارة العالمية رغم أننا نعرف أننا لسنا ''قدَّها'' وليس الدخول فيها من صالحنا.
- وأصلحنا (وربما أفسدنا) نظامنا التربوي نزولا عند رغبة ''الناس اللي فوق''، أي أولئك الذين ينظرون إلى اعتزازنا بهويتنا على أنه تطرف ومروق من النظام العالمي.
- وأعلنا عن إنشاء المدارس العليا لإخراج النخب بأموال الشعب رغم أننا نعرف مسبقا أننا بعد خمسة أعوام مثلا سنجد نخبنا في الواقع موظفة في الاتحاد الأوروبي وليس للجزائر.
- ونسينا أو تناسينا مسألة حيوية اسمها تعريب المحيط فتركنا الحبل على الغارب يفعل به فاقدو الحس الوطني والجهلة وأنصار عودة النظام البائد ما يشاءون.
- وتنازلنا عن واحدية هويتنا، فبدلا من واحدة أصبحت ثلاثية الأثافي (الركائز) حتى لا نغضب منظمات حقوق الإنسان والمواطن...
- وجعلنا من الإسلام ألعوبة في يد الجهلة يفتون فيه بما يوافق أهواء أنصار حرية الأديان والمعتقدات.
- وتركنا للتنصير في بلادنا حرية الكلمة والفعل فتغلغل في شغاف أرضنا وزين شيطانه لشبابنا أهواءهم في المقارنة الفارقة بين انفتاح الآخرين وانغلاقنا.
ثم ها نحن نزيد الطين بلة ونتقدم خطوة أخرى في جحر الضب، فنعلن أن عطلتنا الأسبوعية التي دامت ثلاثة عقود كانت خاطئة وأن علينا أن نحولها مما يناسبنا إلى ما يناسب الآخرين أيضا باسم العولمة والعالمية والقبول عند الآخر. ولا نحسب أن الآخرين سيرضون عنا مع ذلك لأن هدفهم أبعد مما نظن.
إن كبار بلادنا يطبقون علينا قاعدة الوصاية حرفيا، فنحن في نظرهم غير راشدين، لذلك يتصرفون معنا تصرف الأب والأخ الأكبر، وهم المتكلمون باسم البرلمان في التشريع والنقاش وهم الموجهون لوسائل الإعلام، وهم القانون الذي يردع، والمستبد الذي يقمع، وإذا لم نرتدع بذلك فهناك قانون الطوارئ الباسط ذراعيه بالوصيد.
لا شك أن قرار تغيير العطلة قد استند إلى مبررات. ولعل منها بعض الأرقام المتعلقة بالخسارة والربح. ولكن هل فكر كبارنا أن اليابان والصين وغيرهما في أقصى آسيا لا تلتقي هي وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية في وقت عمل موحد، ومع ذلك فإن التعامل بينها يسير دون تحويل النهار إلى ليل أو الليل إلى نهار لينسجم مع النظام اليهودي العالمي الموحد في عطلة نهاية الأسبوع؟
ثم إن التقدم التكنولوجي أصبح لا يتطلب بالضرورة توحيد أيام العطلة. ذلك أن الاجتماعات واللقاءات التي تصدر عنها القرارات الإستراتيجية أصبحت تعقد على الهواء. وهكذا يمكن لشركة عملاقة أن تعقد اجتماعا بين مديرها ومندوبيها المنتشرين في شتى أنحاء العالم، بوسائل تكنولوجية متطورة في وقت واحد دون لقاء مباشر بينهم.
أتصور أن الذي يحتاج إلى عطلة أسبوعية موحدة هو مجتمع البلد الواحد. وفي هذه الحالة تصبح العطلة الأسبوعية هي أحد مظاهر التضامن والتقاليد التي تربط مكونات هذا المجتمع ببعضها، وبمصالحها الأسبوعية: كالزيارات وحفلات الزواج وعقد الندوات العلمية والأدبية والمناسبات الدينية والاجتماعية... وهكذا تصبح العطلة الأسبوعية مرتبطة بالتراث الثقافي أكثر منها بالنشاط الاقتصادي، ولكن أهلنا لا يعلمون أو يعلمون ولكنهم لا يبالون. فكما لا تعنيهم الهوية لا تعنيهم رمزية أيام عطلة الأسبوع، فكلها عندهم (إذا أخذناها عن حسن نية) من عدة الأيام والشهور والسنين عند الله!
حقا، إنه لم يستشرني أحد حول تغيير العطلة الأسبوعية أو غيرها، وإنما استشارني ضميري وتجربتي ومعرفتي وتراثي، وانتهيت إلى أن كلمة حق، وإن كانت غير مسموعة ولا مشفوعة، خير من صمت شيطان أخرس ومن سكوت وراءه لجام من نار.